الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة في المنفى والمهجر

هاتف جنابي

2007 / 1 / 24
الادب والفن



* "المنفى يسلبنا نقاط الارتكاز التي تساعدنا في عمل الخطط، وفي اختيار أهدافنا، وتنظيم أفعالنا. كل واحد وهو في بلده يقيم علاقات مع أسلافه، مثلا مع الكتّاب إن كان كاتبا، ومع الرسّامين إن كان رساما وهكذا. وهذه إما علاقات إعجاب وإما تضاد على السواء. إن دافعنا هو رغبة مساواتهم واللحاق بهم في شيء ما، من أجل أن نضم أسماءنا للأسماء المحترمة في قريتنا أو بلدنا. أما هنا في الخارج، فلا يبقى شيء من هذا القبيل، لأننا نُبذْنا من التاريخ الذي هو دائما تاريخ مساحة خاصة على الخارطة، وعلينا مواجهة ما أسماه أحد كتاب المنفى ب"خفة الوجود التي لا تطاق".
تشيسواف ميووش "البحث عن وطن" (Szukanie ojczyzny, Znak, Kraków: 179)

* "هذا البلد الجميل الفاتن الذي كان يرسل دائما، كتابه وفنانيه إلى المنفى"
جيمس جويس، (الدبليّون)

* "وأيّا كان المنفى، فإنه، على الأقل خلال فترة معينة، وهذه الفترة قد تطول، مكان قاس وموحش. ليس لأنه كذلك في الأصل أو الواقع، وإنما لأنه مكان غريب، ولأن الوافد الجديد، المنفي، غير قادر على التكيف معه، خاصة وأنه يعتبر إقامته فيه مؤقتة، كما يعتبره المواطنون الآخرون، مواطنو البلد، زائدا وثقيلا، وأيضا سؤالا...لا يكلفون أنفسهم تقصي الإجابة عنه، من خلال التفكير المستقل أو الحوار، ولذلك يظل المنفي غير مفهوم، وبالتالي لا مبرر لوجوده أو لاستمراره، ولأنه موجود فهو ضد رغباتهم وفوق طاقة احتمالهم، ولذلك فإنهم يلغون وجوده من خلال مقاطعته أو تجاهل هذا الوجود..."
عبد الرحمن منيف(الكاتب والمنفى، دار الفكر الجديد، بيروت 1992: 86-87)

* " وأنا المسيح يجر في المنفى صليبه"
بدر شاكر السياب، قصيدة "غريب على الخليج"(1953)


يقترن مفهوم المنفى بالعربية بالعقوبة وبالخروج عنوة من مكان اعتاد عليه الإنسان إلى مكان آخر. وردت كلمة المنفى في القرآن مرة واحدة لا غير،: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"(سورة"المائدة": الآية 33) فالنفي هنا هو جزاء فعل مقترف لا يتفق والإرادة الإلهية، أو أنه فعل يتعلق بالفساد الأخلاقي والاجتماعي. ويساوي القرآن بين كلمتي الخروج عنوة والقتل: "ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم"(النساء: 66)؛ وفي سورة البقرة(الآية: 246)، جاء: "وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا". ويُروى عن الرسول محمد قوله: "الخروج من الوطن عقوبة"(1)
واستخدم العرب والمسلمون الأوائل كلمة هجرة، بمعنى المغادرة أو ترك المكان الأصلي إلى مكان آخر، لا كعقوبة، وإنما لأسباب عديدة أخرى، منها الجهاد في سبيل الله، والبحث عن مكان أفضل للعيش. وحينما أرادوا استعمال الهجرة بمعنى المنفى فإنهم قرنوها بكلمات مثل الخروج عنوة أو ظلما. وبهذه المعاني وردت كلمة هجرة في القرآن(32) مرة وفي (19) سورة (2) واستعمل العرب كلمات أخرى للدلالة على المنفى كعقوبة، منها الإبعاد، والطرد، والترحيل. واستخدمت كلمة تهجير لأغراض سياسية وقومية ودينية واقتصادية. كأن يُراد بها تغيير الطبيعة الديموغرافية لمنطقة من المناطق كما حدث، مثلا، للأكراد في تركيا وإيران والعراق، وللأرمن في تركيا وللفلسطينيين، ولليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي العصر الحديث وردت كلمة نفي في بعض الأدبيات الإسلامية بمعنى"نفي الشخصية" أي"إلغاؤها كهوية وكوجود انساني وحضاري. وهذا يعني أحد أمرين: هما تجاهل طرف قوي لطرف آخر أضعف منه والعمل على تفكيكه، أوالسعي لدمجه به بشتى الوسائل، وهنا يبرز الغرب كقوة غالبة تسعى"لنفي الإسلام كحضارة وكشريعة"(3) ووردت كلمة نفي الذات بمعنى الفناء بالذات الإلهية في أدبيات المتصوفة المسلمين. واقترنت كلمة منفى بأخرى أشد قسوة منها وهي السبي التي تجاوزت حدود الطرد إلى التنكيل بالفرد أو الجماعة كعقاب مبالغ فيه. ويشار في هذا المجال إلى حالتين تاريخيتين هما: ما تعرض له الشيعة من سبي على أيدي الأمويين، خصوصا سبي الحسين بن علي وعائلته وأنصاره وبعض مشايعيه، وحالة السبي البابلي لليهود.
وهذا التصور والشعور بالحيف نجده أكثر تداولا وممارسة في أوساط الشيعة دون سواهم من المسلمين. فالشيعة يعتبرون أنفسهم مضطهدين ومسبيين على طول التاريخ الإسلامي. حتى أنهم يحيون كل عام ذكرى السبي الحسيني في شهر محرم.(4) وتشير قواميس اللغة الانكليزية إلى أن كلمة منفى تعني الإكراه والطرد لأسباب معظمها سياسية. "المنفى حالة من الوجود المفروض للعيش بعيدا عن وطنك، خصوصا لأسباب سياسية"(5) على أننا نجد توسعا في تحديد المنفى ووصف أسبابه وحالاته في قاموس آخر. فالمنفى هو أولا- الطرد من البلد الأصلي بواسطة قرار رسمي. ثانيا- حقيقة أو حالة من الترحيل للعيش في المنفى. ثالثا- شخص معاقب من قبل بلده الأصلي. رابعا- انفصال متواصل عن بلد أو بيت ما، تفرضه ظروف معينة:كالمنفى زمن الحرب.خامسا- كل شخص فصل عن بلده أو بيته طوعيا أو بالقوة لظروف ما. سادسا- المنفى، كالسبي البالبلي لليهود. سابعا- طرد أو ترحيل شخص من بلده، أو بيته، مثلا نفيه من عائلته بسبب تعارضه معها. (6) وهذه التحديدات والتوصيفات لمعنى المنفى لا تبتعد كثيرا عما اعتاد على سماعه الذهن العربي. لكننا نلاحظ بأن قاموس المترادفات يضيف كلمات أخرى تؤدي نفس معنى النفي. ومنها: النفي أو الإبعاد(banish)، والترحيل(deport)، والنفي- التغرب((expatriate، والإبعاد– الانتقاص(relegate)، والفصل-العزل(sequester).(7) إذا كانت المفردات الثلاثة الأولى تبدو واضحة المغزى وقريبة من معنى المنفى، فإن المفردتين أو المصطلحين الأخيرين يمتازان بنغمة جديدة. فالانتقاص(relegate) تعني تنزيل مرتبة شخص أو جماعة أو أقلية إلى مرتبة أدنى، أي التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وهذا ماحدا بنا لأن نفضل استعمال كلمة الانتقاص لا التنزيل.
أما الفصل- العزل(sequester) فتعني عزل فرد أو جماعة عن محيطها، أو أن يختار أحدهما العيش في عزلة. وهذان المصطلحان أكثر قربا، باعتقادنا، من حالة المنفى الداخلي لا الخارجي. فقد يتعرض لها المنفي خارج وطنه وهو يعيش في المجتمع الجديد. في بحث مبكر عن طبيعة المنفى يرى الباحث المجري الأصل(بول تابوري) بأن المنفي هو "شخص مكره على المغادرة أو البقاء خارج بلده الأصلي تحسبا أو تخوفا من الاضطهاد لأسباب عرقية، دينية، قومية أو لاعتقاد سياسي، وهو الشخص الذي يعتبر منفاه مؤقتا(حتى لو كان في الوطر الأخير من حياته) مؤملا أن يعود إلى موطنه حينما تسنح الظروف- لكنه غير قادر أو غير راغب مادامت العوامل التي جعلت منه منفيا قائمة"(8)
والمنفى بهذا المعنى ينتفي حال زوال دواعيه أو أسبابه. فشعور الإنسان بأنه منفي أو فلنقلْ بأنه مُكره على البقاء بعيدا عن وطنه أمر ملازم لكل حالة منفى. فالمنفي قد يتحول إلى مجرد مهاجر يعيش في بلد آخر، بعد زوال أسباب المنفى. وكل إنسان يعيش خارج بلاده بموافقة حكومته قد يتحول إلى منفي بمجرد أن يرفض العودة ويتحول إلى معارض سياسي أو إلى ساخط على المؤسستين الاجتماعية والدينية، بعبارة أخرى، إن طبيعة المهاجر أو المنفي تتحول حسب العلاقة بالوطن الأم وبالنظام السياسي فيها. كانت هذه الحالة تنطبق على الشاعر البولندي(تشيسواف ميووش 1911-2005) الذي رفض العودة إلى بلاده أوائل الخمسينيات من القرن العشرينن بعد أن كان ملحقا ثقافيا لبلاده في واشزطن أولا، وبعدها في باريس. كما وتنطبق هذه الحالة أيضا، ولو بصورة أقل حدة ووضوحا، على الكاتب البولندي(فيتولد غومبروفيتش 1904-1969) الذي لم يستطع العودة لبلاده، بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. ثمة شعراء وكتاب عرب وأجانب مروا بنفس الحالة. فالشاعر العراقي(بلند الحيدري 1926-1996) مثلا، قد تحول أواخر الثمانينيات إلى معارض في كتاباته لنظام بلاده، إلى أن مات في المنفى، والكاتب الصومالي(نور الدين فارح(1945- ) هو الآخر اضطر للعيش في المنفى في لندن، بسبب كتاباته المناوئة للدكتاتورية، والكاتب الروائي السعودي الأصل(عبد الرحمن منيف1933-2004) اختار العيش في باريس أول الأمر ومن ثم في دمشق كمنفى اختياري حتى الموت.وهذا الاختيار من حالة إلى أخرى خاضع إلى ما يحدث من تحولات نفسية وفكرية وسياسية في مواقف الفرد نفسه. وتبقى قضية عودة المنفي أو عدم عودته إلى وطنه قضية خاضعة لللأخذ والرد. ولا يمكن للباحث أن يفصل فيها نهائيا، خاصة إذا كان تغرب الكاتب أو الإنسان هو بدافع الاحتجاج ضد مجتمعه ومؤسساته القائمة. ومثل هذه الحالة سبق وأن اشار إليها الكاتب (مالكولم برادبري- Malcolm Bradbury’s) في بحثه "تقاليد المنفى في الأدب الأمريكي)، قائلا: إن من ترك وطنه متغربا، إنما "بدافع الرغبة في اتخاذ سبيل الانعزال، وشجب الأمة لأسباب ثقافية أو مادية أو بسبب جهلها، كدلالة على الاحتجاج"(9)
هذا الفهم والتصور للمنفى ينطبق، مثلا، على الكاتبين جيمس جويس وبيكيت. لقد جرى الربط ما بين المنفي واللاجيء، خصوصا في الأدبيات المبكرة عن المنفى. فاللاجيء، في أغلب الحالات شخص مطرود من وطنه لسبب أو لآخر، ويحدث أن يلجأ الفرد إلى بلاد أخرى بمحض إرادته. فللاجيء(emigr) يعتبر نفسه بطلا مأساويا قد شُرّد من وطنه.
وهو الزهرة المكسورة التي غرستْ في أرض غريبة على حد تعبير الكاتب المجري(جورج ميكيس- George Mikes)(10)
إن المعاناة والإكراه اللذين يتعرض لهما المنفي أو اللاجيء دفع أغلب الباحثين والمفكرين للتعامل مع أدب المنفى على أنه "تاريخ معاناة" (11) بالدرجة الأولى. كما وأنه "حزن مستديم ومرض لا شفاء له، وهو صدع قائم بين كائن ما وموطنه الأصلي، بين النفس وبيتها الحقيقي. إن الحزن الجوهري لهذا الانكسار لا رجعة فيه" كما يعتقد أدوارد سعيد(12) وإلى ما يُشبه هذا الفهم، يذهب المفكر ليشك كوواكوفسكي قائلا: "يمكن أن يُرى المنفى على أنه كسوء حظ أو كتحدٍ وهذا يكفي لكي يصبح مدعاة للقنوط والحزن أو مصدرا لتشجيع مؤلم"(13)
وهذان التصوران للمنفى لا يبتعدان كثيرا عن مصادرهما في الأدبيات الكلاسيكية العربية وحتى اليونانية، حول الغربة والحنين للوطن وتصور الغريب لحالته معلقة بين واقعين: قديم وجديد. فالعيش في الغربة مهما كانت دوافعه هو موضوع يشغل الإنسان منذ زمن بعيد(14)
يقول (أبيقراط): "يُداوى العليل بحشائش أرضه"(15) وقال بعض العرب: "الغربة كُرْبة، والكربة ذلة، والذلة قِلة"(16) وقال أعرابي: الغريب كالغرس الذي زايل أرضه، وفقد شربه، فهو ذاو ٍ لا يُثمر وذابل لا ينضر (17) والشعر العربي الكلاسيكي، منذ امريء القيس، حافل بمثل هذه الأوصاف لحالة الغريب والغربة(والمنفي غريب). غير أن حالة الموات لا تنطبق بالضرورة على جميع المغتربين، لأن المنفى قد يعوق الكاتب عن الكتابة فيوقفه، وقد يساعده على اكتشاف آفاق جديدة على الصعيدين الفني والفكري، ويضاعف من جهده الإبداعي والفكري.
ثمة تساؤلات قد تطرح من قبيل: إذا كان المنفى كالحا إلى هذا الحد، فلماذا يترك الناس أوطانهم؟ وهل يمكن أن يبقى الكاتب أو المثقف في وطنه رغم وجود نظام لا يتفق معه؟ نود التعامل مع السؤال الثاني أولا لنعود بعده إلى السؤال الأول. نعم يستطيع الكاتب أو المثقف وحتى السياسي أن يبقى في وطنه في حالة وجود نظام دستوري يحترم الرأي والرأي الآخر، أو على الأقل نظام لا يضطهد أو يطارد معارضيه من ذوي الرأي الآخر. لكن الكاتب لدى بقائه، قد يعرض نفسه للخطر، في حالة وجود نظام استبدادي، شمولي شياسي أو ديني. فمثلا، لا يمكننا أن نتخيل بقاء الكتاب اليهود في ألمانيا الهتلرية، ولا بقاء الكتاب المعارضين في الفترة الستالينية، ولا بقاء المعارضين العراقيين في الحقبة الصدامية، لأن مثل هذا القرار سيعرض صاحبه إلى الخطر أو الصمت أو الاستسلام. وعلى هذا الأساس سنجد جوابا للسؤال الأول. فالمنفي هو الشخص الذي ينفى علنا من قبل سلطة ما، أو أنه يختار المنفى تخلصا من اضطهاد محتمل أو احتجاج على وضع قائم في بلاده. وهو كذلك ذلك الشخص الموجود خارج وطنه ولا يمكنه العودة إليه. المنفى ابتعاد اضطراري عن الوطن الأصلي يقف وراءه مضايقة أو إكراه أو تهديد، سواء بالموت أو بالامتناع عن الكتابة المناوئة.

للمنفى، في الحقيقة، وجهان: الأول قبل المغادرة- في الداخل، والثاني يتشكل بعد مغادرة المنفي لوطنه. وأكثر الشعراء والكتاب معاناة هم أولئك الذين يفضلون البقاء في بلدانهم، وإذا ما اضطروا لمغادرتها، فسيبقون مغتربين في البلد الجديد. وثمة حالة من المنفى قد شخصها الباحث بول تابوري(Paul Tabori) تكاد تنطبق على مجموعة كبيرة من المغتربين العرب، يقول تابوري: "من المحتمل تماما أن المنفيين الذين يبقون مغتربين هم أولئك الممانعون للإندماج، هم بالضبط أولئك الذين يشعرون أنفسهم بالاغتراب وهم في أوطانهم الأصلية ومن ولدوا رافضين، الكافين عن المشاركة في أي معنى فعلي، وهم أناس بطريقة ما قد اسَفَزّوا منفاهم الخاص"(18) إن أغلب المنفيين من البلدان العربية هم أناس منغمسون في نشاطات(نظريا أوعمليا) تعبر عن آراء مخالفة لما هو سائد.
إن قضية المغترب تتعقد حينما يصل إلى أرض – بلاد تنعدم فيها العلاقات الاجتماعية أو أن تختلف مناخيا عن المناخ في البلد الأم، أو تكون العلاقات الاجتماعية باردة ومشوبة بالانغلاق، كما هو الحال في الدول الاسكندنافية. إنه لقاء الجنوبي الذي يقضي معظم وقته خارج بيته بالشمالي الذي يفضل قضاءه بين البيت والعمل، وضمن علاقات وأجواء محدودة تماما. في مثل هذه الحالة تصير حياة المنفي عذابا متواصلا لا يطاق، ونوعا من التجربة السجنية الممضّة على حد تعبير الباحثين ِ غرينبرغ.(19) على أن جوهر حالة المغتربين عموما، هو أنهم يمثلون حدا معينا من حدود الاختلاف والتنوع، الرفض والقبول، فالمغترب من بلدان مختلفة ثقافيا وحضاريا عن بلدان اللجوء، لهو كائن من طينة أخرى. وعلى هذا الأساس فالمنفى لا حدود سايكولوجية له. صنف الباحث(مارتن تيكر- Martin Tucker) في مقدمته لكتاب أدب المنفى في القرن العشرين، الكتاب المنفيين على سبعة أصناف، استنادا إلى أسباب نفيهم أو اغترابهم. وهم وفقا لذلك، كتاب سياسيون غادروا بلدانهم مكرهين أو تخلصا من الملاحقة والاضطهاد، كما حدث في الدول الشيوعية سابقا، والدول الديكتاتورية، وأثناء الحكم الهتلري، وزمن المكارثية في أمريكا، إلخ. وكتاب اضطروا إلى ترك أوطانهم لأسباب دينية، كما حصل مع الكتاب اليهود زمن النازية، حيث تشكلت ظاهرة جديدة هي الهولوكاوست ( (Holocaust. وكتاب اضطروا للمغادرة لأسباب ثقافية، كما فعل بعض الكتاب الأمريكان بعد الحرب العالمية الأولى، أو كما فعل كتاب المستعمرات(Colonial victims). ثمة كتاب أخرون غادروا لأسباب شخصية –اجتماعية، وهم بمعنى آخر أولئك الكتاب الذين اختاروا الانعزال عن جماعاتهم وروابطهم الاجتماعية. وكتاب غادروا بلدانهم بحثا عن حرية جنسية أوسع. وأغلبهم لم يتعرض للعقوبة أو الترحيل أو الملاحقة بسبب سلوكهم الجنسي المغاير.(20)
والصنف السابع الذي يمثله الكتاب الذين غادروا لأسباب تتعلق بالتهرب من تطبيق القانون(Legal and Criminal) ، مثلا، بسبب الضريبة أو المال، أو الفرار من مقاضاة جنائية ومن بين هؤلاء الكتاب يمكن الإشارة إلى (ألبريج كليفر- Elbridge cleaver)، و (ل. فرديناناند سيلين- (Louis- Ferdinand Cline. (21)
إن التصنيفات المذكورة التي قام بها(M. Tucker) لا تغير من طبيعة المنفى. لكنها قد تخدم الباحث في دراسة الكتّاب وفقا لدواعي نفيهم. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، فالباحث المذكور قد خلط بين المنفي الحقيقي(الذي نحن بصدده) واللاجيء والمهاجر. هذا الخلط يثير لبسا لا يمكن تجنبه، بحيث يسمح الاعتقاد بأن مصطلح المنفى (exile) قد أخرج من معناه القاموسي والواقعي، فصار أقل دقة وأكثر فضفاضية.(22) ولا نعتقد أن من يغادر وطنه لأسباب اقتصادية أو تهربا من دفع الضرائب هو منفي. إن هذه التقسيمات لا تنطبق جميعها على المنفيين من البلدان العربية، لأن نفيهم أو مغادرتهم الاضطرارية حدثت لأسباب أغلبها سياسية أو دينية أو اجتماعية، وفي المحصلة النهائية هم نوع من البحث عن الحرية. فالمنفي، كما أسلفنا، هو الذي يغادر وطنه مكرها ولا يستطيع العودة إليه. تبقى قضية مهمة باعتقادنا، تتعلق بكتاب المستعمرات الذين اختاروا الهجرة إلى كبريات المدن الأوروبية. هذا الأمر حصل لكثير من كتاب إفريقيا السوداء وشمال إفريقيا ولبنان والهند، وبعض كتاب أمريكا اللاتينية وسواها.
لقد تعرض أغلبهم إلى تحطيم شخصيتهم الثقافية وهويتهم القومية. كان قسم منهم لا يحسن الكتابة إلا بلغة المستعمر. إنه منفى داخل منفى. في رسالة وجهها الشاعر والكاتب الجزائري (مالك حداد) إلى الشاعر الفرنسي (أراغون) قال فيها:"... ستقول: إن مالكا هذا يستخدم كلمات فرنسية. وما أهمية ذلك؟ إن كلمة الجزائر يمكن أن تقال بالصينية. بلى، يا أراغون !... تلك هي مأساة اللغة، لو كنتُ أعرف الغناء لتكلمت العربية".(23) فاللغة هنا هي رمز الهوية القومية لا غير، فالكاتب يكتب باللغة الفرنسية وهي لغة عالمية، لكنها بالنسبة له تبقى لغة المستَعمر.
لقد وصف(فرانز فانون) هؤلاء الكتاب بأنهم "ضحايا مستعمرية تضارب بها القوى الامبريالية".(24)
إن مالك حداد، وكاتب ياسين، ومحمد ديب، ورشيد ميموني، وليلى صبار والطاهر بن جلون، وياسمينة خضرا، وأمين معلوف، وجمال الدين بن الشيخ، وآسيا جبار، وسوينكا وحتى سلمان رشدي وآخرين، يمثلون هذا الصنف من الكتاب"الضحايا". ومهما كانت الحجج والذرائع التي يُقدّمون أنفسَهم بها أو يُقدَّمون من قبل أطراف أخرى، فإنهم نموذج لطور من أطوارحركة التحرر ضد الاستعمار، ونتاج، لما أسماه أدوارد سعيد، ب" الحقبة القومية المعادية للإستعمار" التي ولدت لونا "من ألوان الاتكال المتبادل بين طرفي النزاع..." واعتبر سعيد ذلك "واحدة من مشكلات الحركات القومية ونتائجها". المشكلة الثانية التي يطرحها أدوارد سعيد، والتي تعنينا هنا أكثر، هي "أن الآفاق الثقافية للقومية محدودة على نحو قاتل بتاريخ يتشارك فيه المستعمِر والمستَعمر، هو التاريخ الذي تتبناه الحركة القومية ذاتها. فالإمبريالية، في نهاية المطاف، مغامرة تعاونية، يساهم فيها السيد والعبد معا، وتنموان في كنفها، ولو كان نموهما متفاوتا"(25)
يعتبرالاستعمار(إضافة إلى وجود أنظمة سياسية واجتماعية ودينية، مستبدة أو شاملة) مسؤولا عن منفى وهجرة العديد من الشعراء والكتاب والمثقفين من البلدان العربية. كما وأنه بسبب إغراءات من قبيل الانفتاح الحضاري، والتلاقح الفكري والثقافي، وبحثا عن حرية أكبر، والموقف المناهض للتزمت والتطرف الديني والقومي أو خوفا من القتل اختار قسم من المثقفين العيش في المنفى.
إلا أنه بمجرد العيش في بلد مختلف، يحدث غالبا، ما يسميه الباحث موللر(H.B.Moeller)، ب "المنفى المضاعف"(Double exile)، أي أنْ يعيش المنفي داخل منفى آخر، يتمثل بابتعاد الكاتب عن قرائه ومحيطه، وعن التعبير بلغته القومية. كما حصل للكتاب الألمان، والإسبان والسلافيين في أمريكا اللاتينية.(26)
إن المنفيين، رغم عددهم الكبير، لا يشكلون غالبية المغتربين في عصرنا الراهن. لأن أغلب المغتربين يتشكل من اللاجئين والمشردين والمهاجرين. وهذا الواقع دفع بعض المغتربين إلى اقتراح تسميات أخرى لتحديد طبيعة المغتربين، بحجة أنه ليس كل مغترب هو في وضع كاتب كسولجنتسين، من حيث الظروف القاهرة التي سببت نفيَه من روسيا. (27)
ويبدو لنا، بأن هذه الدعوة بعيدة عن واقع حال الكتاب في المنفى، وما يعانونه ويشعرون به، وأنها تبقى أقرب ما تكون إلى حالة الأفراد الذين انصهروا في المجتمعات الجديدة أو الذين لا يشعرون بالتفرقة والتمييز بحقهم، أو أن أبواب العودة إلى أوطانهم مفتوحة أمامهم، منه إلى حالة المنفيين واللاجئين الحقيقيين. ومثل هذه الاقتراحات لا تتناسب على أية حال مع حالة المثقفين العرب في المنفى. إن الشاعر والناقد والأكاديمي(بارانتشاك) باقتراحه المذكور يكون قد خلط بين الكاتب الذي يعاني من منفيين: منفى سببه البعد الاضطراري عن وطنه، ومنفى ثان ناجم عن معاناة المنفى ذاته، وبين حالة المغتربين الآخرين الذين يمكنهم العودة متى شاؤوا، أو بين من سماهم الشاعر العراقي(سعدي يوسف) في قصيدته "منفيون" بالمستفيدين من المنفى المتاجرين به.
كتب:
"أجمل ما في فكرة المنفى
أنْ يُصبح المنفيّ سلطانا
"يُنَظم" العملةَ
والسائحات ِ
ويُلْبس الثورةَ قفطانا"(28)
يسخر الشاعر بهذا المقطع بوضوح، من المنفيين –المعارضين لأنظمة بلدانهم السياسية الذين يتحولون في الخارج إلى مجرد تجار أو ما يُشبه السواح العاديين، مبتعدين بالقدر نفسه عن المباديء والأهداف التي ناضلوا من أجلها.
لقد وصف الناقد المصري(غالي شكري) حاله في منفاه الاضطراري في باريس، على الوجه التالي: " إذا لن نَعُدّ أنفسَنَا، نحن المقيمين في الغرب، مجرد امتداد متواضع للداخل، فلا معنى لوجودنا. وإذا لم نُرَتبْ حالنا على أساس العودة القريبة إلى الوطن الصغير أو الكبير(الوطن العربي)، فلا معنى لوجودنا"، ويضيف شكري قائلا: "المنفى في رأيي هو الغرب فقط، فالحياة في بيروت أو دمشق أو بغداد أو الكويت أو الجزائر أو المغرب أو بنغازي ليست غربة".(29)
وبنفس الاتجاه والروحية يتحدث الشاعر الفلسطيني المقيم في إسرائيل(سميح القاسم).(30)
صحيح أن الكاتب العربي حينما يعيش منفيا في بلد عربي يكون منفاه، أخفّ وطأةً فيما لو عاش في الغرب. ولكن طالما أن هذا الكاتب يشعر أنه منفي ولا يمكنه العودة إلى وطنه، فإن المنفى يبقى جرحا نازفا، ويبقى الإحساس بوطأته قاتما وقاسيا، ويصبح المنفي مزيجا من التناقضات ومعادلة متأرجحة بين الحلم بالعودة والبقاء في الخارج.
إن الأنظمة والجهات التي سببتْ في منفى أعداد كبيرة من الكتاب والمثقفين من البلدان العربية كانت وتزال تسعى جاهدة لتشويه قضية المنفيين، بتصويرهم على أنهم عبارة عن مجموعات مغامرة أو مترفة، قد "باعتْ نفسها للأجنبي". وعلى هذا الأساس فكل مواطن يعيش خارج وطنه دون موافقة حكومته متهم مع سبق الإصرار بسوء نواياه وأن ولاءه للوطن أمر مشكوك فيه. حتى أن هذه الأنظمة ممثلة بمؤسساتها الثقافية والرسمية قد تمكنت من تمرير هذه الأفكار المناهضة للمنفيين والمغتربين، إلى أذهان شرائح واسعة من المجتمع، بحيث أخذت الناس تتوجس وتخاف من عودة المغتربين إلى بلدانهم. إن الصنف الذي سخر منه سعدي يوسف هو أحد أوجه متناقضات المنفى ومأساته. حيث يتحول بعض المنفيين إلى تجار كلمات ومنافقين أو متعاونين مع بعض الأنظمة المستبدة، أو أنظمة الدول التي آوتهم!
ولعل هذه الحالة تنطبق اليوم على الدول النامية أكثر من سواها. قبل أن نصل إلى صياغة استنتاجاتنا حول المنفى، نرى من الضروري أن نقابل بين رأيين متناقضين بشأن المنفى. الأول يمثله الكاتب البولندي ستيفان ثيمرسون (Stefan Themerson)، والثاني تُمثله الباحثة يوليا كريستيفا( Julia Kristeva). يعتقد ثيمرسون أن الكاتب لا يمكن أن يكون في المنفى، وما المنفى إلا وهم. فالكاتب أينما حل فهو في وطنه. وبسبب هذا الموقف"الكوسموبوليتي" رفض ثيمرسون أوائل الخمسينات الاشتراك في مؤتمر نادي القلم-PEN CLUB لمناقشة أوضاع الكتاب المهاجرين والبحث عن سبل لمساعدتهم. ووجه رسالة كرد ٍ على الدعوة الموجهة له، نقتطف منها قوله: إن "الكاتب لم يكن وليس هو في منفى، لأنه يحمل في داخله مملكته الخاصة أو جمهوريته أو مدينته، أو ملجأه، أو أي شيء يحمله في داخله. في الوقت ذاته فكل كاتب هو دائما وأبدا في المنفى، لأنه ملفوظ من المملكة أو الجمهورية أو المدينة أو أي شيء يُطرد منه...".(31) كتبت هذه الرسالة في العام 1951، وفي منتصف الثمانينات قال ثيمرسون في مكان آخر معلقا على كلمة هجرة، إن كلمة المهجر تقرفه. ويرى أن العديد من الكتاب يعيشون خارج أوطانهم ولم يقولوا عنهم إنهم كتاب مهاجرون.(32) كان ثيمرسون ينطلق من فكرة كوسموبوليتية للعالم، اعتقد بمقتضاها، أنه "الوريث الثقافي لكل العالم"(33)، ومن هذا المنطلق القاضي بعائدية العالم للجميع، هاجم ثيمرسون الاتجاهات الشوفينية الضيقة.
ولقد اعتبرت الباحثة البولندية(Ewa M. Stachniak) أن هذه الأفكار تؤكد على القيم الإنسانية أكثر من سواها، قائلة: "إن فلسفة المنفى الإيجابية لها ادعاء صادق بالشرعية كمحاولة للإسهام بعملية تجسير الفوارق الثقافية بدون التعرض للتنوع الثقافي"(34)
إن افكار ثيمرسون قريبة إلى حد ما من آراء سبق وأن طرحها الكاتب والناقد المهجري اللبناني(ميخائيل نعيمة). فقد دعا إلى محاربة ضيق الأفق القومي، وإلى محو الحدود بين أبناء البشر جميعا. كتب في العام 1921 قائلا: "أنا شطر الإنسانية الساكت... ولذلك لا وطن لي، ولو كان لي وطن لتبرأتُ منه لأن العالم في نظري هو واحد لا يتجزأ. وإذا كان لابد من وطن فهذا العالم الذي لا يتجزأ هو وطني".(35)
إن آراء ثيمرسون ونعيمة الطوباوية الداعية إلى عالم بلا حدود، حيث لا يعود هناك مبرر لوجود منفى أو مهجر، بقيت حبرا على ورق، في عصر تتزايد فيه أعداد المنفيين والمهاجرين واللاجئين، في ظل اشتداد النزعات القومية والعرقية والعنصرية والدينية المتزمتة. لا ندري، كيف سيسمي ثيمرسون نفسه لو نفته سلطة غاشمة؟ وكيف سيشعر لو لم يكن آريا أو ألمانيا أصيلا في ظل الحكم الهتلري؟ ثم كيف سيسمي أعداد اللاجئين والمشردين في القرن الماضي وهذا القرن؟ لقد مات ثيمرسون في لندن التي منحت الملاذ الآمن حتى لبعض الإرهابيين وأعداء الحرية، ومات ميخائيل نعيمة في لبنان، بعد أن عاد إليه من مهجره الإمريكي.

إن مأساة المنفى لا تكمن باعتقادنا، في معاناة المنفيين واللاجئين فقط ، وإنما في خلفية ظاهرة المنفى أساسا، فحينما نقول: إن الكتاب والمثقفين من البلدان العربية يشكلون اليوم ظاهرة منفى، هذا يعني أن ثمة شيئا غير طبيعي حدث ويحدث. وهذا يعني أن الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية لا تسير في أجواء من التسامح، ولا تخضع لمبدأ احترام الرأي والرأي الآخر الذي يفترض وجود نقيضين أو أكثر في الحياة لكي تتطور، بغض النظر عن وجهة التطور هذه. ولهذا نعتقد، أن زعم الباحثة كريستيفا، بأن المنفى "بحد ذاته شكل من أشكال الإنشقاق، مادام منهمكا في اجتثاث شخص ما من عائلته، بلده أو لغته، وأكثر من ذلك، إنه فعل تجديفي يقطع كل الروابط،، وهو بالنسبة للدين ليس أكثر من انتماء لجماعة حقيقية أو رمزية قد تكون مبهمة أو لاتكون، لكنها دائما تؤلف صلة، تماثلا وفهما. المنفى يقطع كل الروابط بضمنها تلك التي تربطه بالاعتقاد بأن الشيء المسمى حياة له معنى مكفول عن طريق الأب الميت. وعليه إذا وجد هذا المعنى في حالة المنفى فلن يجد له بالرغم من ذلك تجسيدا، وهو متولد بلا انقطاع، ومحطم في تشكيلات جغرافية وكلامية".(36) هذا الفهم للمنفى كحالة تمرد وقطيعة مع الماضي(تبدو مفروضة) وكمعاناة، يسمح لنا بالنظر إلى المنفيين على أنهم يشكلون حالة خاصة لها أبعادها النفسية والاجتماعية والدينية والسياسية والوجودية والإنسانية متكررة الحدوث في تاريخ البشرية. إنها حالة تمثل الطرف الآخر من الواقع البشري، بوجهه الأكثر معاناة ومأساوية. وهي شاهد حي على سوء التفاهم بين الناس، وبينهم وبين السلطة من جهة، ودليل على سيادة التفكير والممارسة أحادي الجانب. إن مساهمة هؤلاء الكتاب والمثقفين في ثقافات الشعوب الأخرى واضحة، ولا تحتاج إلى أدلة.
لقد دخل مصطلح "أدب المنفى"(exileliteratur) إلى تاريخ الأدب العالمي لأول مرة أثناء الحكم النازي لألمانيا حيث اضطرت مجموعات من الكتاب الألمان للعيش في المنفى.(37) وتمت فيما بعد متابعة أعمالهم ونشاطاتهم ودراستها ضمن ظرفها وشروطها التاريخية.
بينما لم يدرس تاريخ الأدب العربي الحديث ولا نقده، بدقة ومنهجية، نتاج الشعراء والكتاب العرب في الخارج على أنه أدب منفى، بل تعامل معه، في الغالب، على أنه أدب مغتربين ومهجريين. ولهذا السبب جرى الخلط بين المنفي واللاجيء والمهاجر أو المقيم في الخارج بحكم وظيفته وعمله. وسنرى أن التصريحات والتعليقات التي ظهرت في السنوات الثلاثين الأخيرة على ألسنة بعض الإعلاميين والنقاد أو الكتاب العرب، لم تدرس هي الأخرى ظاهرة أدب المنفى بوضوح وجدية وإنصاف، رغم استعمال مصطلح المنفى. إذن فأدب المنفى على الصعيد العربي لم يجد من يدرسه بعمق ويُنَظر له أو يُعّرف به بشمولية وبطريقة علمية.(38)
يمكن النظر إلى المنفى عبر تصنيفه إلى نوعين رئيسيين: منفى داخلي، وآخر خارجي. المنفى الداخلي يتم عموما بطريقتين تقودان في النهاية إلى ولادة نوعين أيضا هما: أن ينفى شخص ما من مدينته أو مكانه الأصلي إلى مكان آخر أبعد داخل الوطن نفسه عقابا له من جهة وإبعادا له عن ممارسة التأثير في محيطه من جانب آخر. ويحدث أن ينقل الموظف أو العامل إلى مكان ناء بحجة أن الدولة تحتاجه هناك. ومثل هذه الممارسة كانت تحدث، بكثرة في البلدان العربية، ومنها العراق، وفي أماكن أخرى من العالم، كما حدث في الفترة الستالينية حيث نفي الكثيرون إلى سيبيريا أو إلى جمهوريات الإتحاد السوفيتي النائية سابقا، كما حصل للكاتب سولجنتسين وسواه. وتاريخ العراق الحديث حافل بمثل هذه الأسماء شعراء وكتابا ومثقفين وعسكريين، التي أشرنا إلى نماذج منها في جزء آخر من بحثنا. النوع الثاني من المنفى الداخلي، هو أن يعزل أو ينفي الفرد نفسه عن محيطه بحيث يعيش عزلة طوعية، كما يحدث للرهبان والمتصوفة وبعض الكتاب والفنانين. ثمة نوع آخر يمكن أن نلحقه بالنوعين السالفين، وهو العزل وفقا لما يسمى ب"الإقامة الجبرية". أي أن يعاقب الفرد بعدم مغادرته منزله. وهذا كثيرا ما حدث ويحدث في ظل غالبية الأنظمة العربية، حتى وصل الأمر حد التصفية الجسدية للكتاب والمثقفين المعارضين.
أما المنفى الخارجي، فهو باعتقادنا، على نوعين رئيسيين هما: منفى ذو طبيعة مباشرة، يتم من قبل جهة رسمية أو شبه رسمية، بحق مواطن غير مرغوب فيه بسبب نشاطاته الثقافية أوالسياسية، لأسباب مختلفة. كأن تكون سياسية أو فكرية أو دينية أو اجتماعية أو أخلاقية. ومنفى اختياري طوعي. كأن يقوم به مواطن أو مجموعة مواطنين هربا من وقوع ما هو أسوأ: كالملاحقة والاضطهاد، أو تخلصا من صراعات أثنية وقومية أو دينية وطائفية/ مثلا تحت تهديد جماعة متزمتة دينيا أو عرقيا. وعلى هذا الأساس فالنفي عمل يتضمن العقوبة، والانتقام لا الرحمة، الإذلال والإكراه لا الاحترام، التقاطع مع المنفي والتضاد لا التفاهم والانسجام أو احترام الآخر مهما كانت مواقفه وطبيعته. إن المنفى يتم حينما تسود ممارسة تنتمي لطرف ذي طابع استبدادي أو آراء أحادية الجانب، أو حينما تفرض تقاليد وعادات جماعة ذات طابع شوفيني أو طائفي أو استعلائي في بيئة ما. المنفى إشارة بليغة على انعدام لغة التخاطب والحوار. المنفى يشترط عدم امكانية العودة، وإذا ما توفر شرط العودة فإن أحد أسباب المنفى ستكون لاغية، وحينئذ يتحول المنفي بمحض إرادته إلى مهاجر(منفي سابقا). المنفي والمهاجر يشتركان في خصائص منها الغربة والحنين للوطن الأصلي، والقلق من الواقع الجديد(القديم) في الغربة، ومواجهة مشاكل متماثلة على صعيد الغربة. غير أن قسما من المهاجرين لا توجد لديهم مشاكل في زيارة ذويهم في بلدانهم الأصلية، وهم عموما، أقل تعرضا للملاحقة والاغتيال من قبل سلطات بلدانهم الأصلية، وكأنهم قد اختاروا العيش الدائم في بلدان المهجر على الأرجح. على أن قسما آخر منهم يهابون العودة إلى بلدانهم الأصلية لا تخوفا من السلطة وإنما من الفوضى والاحتراب الداخلي، كما هو الحال مثلا بالنسبة للمنفيين والمهاجرين العراقيين والأفغان. إن المنفي يشعر بقلق دائم متعدد الأوجه، وبخوف مستديم، وهو على العموم لا يبني حياته الجديدة على أساس دائمي. إن في الهجرة مرونة واختيارا لا يتضمنه المنفى، ووراءها أسبابا لا تتضمن بالضرورة الإكراه. وهذه النقطة تقودنا إلى مسألة مهمة للغاية، وهي حرية الاختيار. يبدأ المنفى عندما يترك المرء وطنه. لا أهمية للطريقة التي يغادر بها. هل أنها ستتم (أو تمت فعلا) عبر شاحنة أو على ظهر حيوان أو مشيا على الأقدام. هل تتم عن طريق التخفي، كما فعل بدر شاكر السياب، حينما تزيا بزي بدوي مخترقا شط العرب عبر الحدود الإيرانية، أو كما فعل (أبو قيس) و(مروان) و(أسعد) أبطال رواية "رجال في الشمس"( 1963) لغسان كنفاني، حينما هربوا من مخيمات اللاجئين إلى الكويت، داخل خزان شاحنة، وماتوا داخلها اختناقا! إن المنفي قد يواجه نفس المصير لعدم خنوعه وطاعته العمياء، لعدم مهادنته، لرفضه وتمرده. وهذا ما يجعل منه شخصا متخلفا ذا طبيعة غامضة ومتناقضة أحيانا. إن مسألة الرفض والتمرد تبدو لنا ملازمة لحالة المنفي. المنفي الحقيقي رافض لشيء ما، لفكر ما، لنمط حياتي ما، لسياسة ما أو قل لنظام سياسي ما، لمجتمع ما، لمؤسسة دينية ما أو للأسباب المذكورة مجتمعة. وسواء جرى التعبير عن هذا الرفض عن طريق الكتابة، أو اللوحة، أو السلوك فهو رفض وموقف قد يتوج بالتمرد وحينئذ فعلى الفرد المعني أن يتحمل عواقب فعلته أو قراره. يخامر المنفي شعور بعدم الاستقرار عادة، وبالحيف والملاحقة المزدوجتين: من أسباب نفيه الأصلية، ومن محيطه الجديد، شعور بأن الحرية التي يوفرها المنفى له ناقصة، ومشوهة، أو أنها مشروطة بتنازلات معينة. ثمة شعور عارم بفقدان الجذور والتاريخ والهوية وحرارة الواقع. وهذا الشعور المتواصل بالقلق يجعل المنفي متوفزا ومعارضا لكل ما من شأنه خدش أو مسخ هذا الإحساس والاستهانة به. خطاب الكاتب المنفي إذن لا يوجه إلى تعرية مشاكل وطنه الأصلي وأسباب منفاه، وإنما للدفاع عن الوجه الآخر الإيجابي في ثقافته الأم، وفي الدفاع عن وجوده في الوطن الجديد. تنخلق أمام المنفي معادلة جديدة صعبة ومعقدة، هي أساسا من ثمار المنفى ولامفر من خوضها، ولا توجد ضمانات أكيدة بالتغلب عليها. المنفى يشمل عادة البالغين لا الأطفال، وإن شمل الأطفال فإنما لمعاقبة الكبار، أو كنتيجة لحالة النفي والتشرد التي يتعرض لها الكبار. يبقى البالغ عادة، أقوى ارتباطا وتعلقا بجذوره الأولى، على الأقل في مراحل المنفى الأولى. هذا التعلق حتى وإن كان بجذور وهمية إلا أنه يبقى أحد لوازم وبواعث المنفى. تراني وبحكم التجربة الذاتية، أزعم بأن المنفي أو اللاجيء أو حتى المهاجر كلما تقدم به العمر أصبح أكثر حنينا وتعلقا بوطنه الأصلي، تعلقا بماض وبمحيط، ربما يكون أكثر اسودادا من واقع المنفى نفسه. أمامنا مثلا، مصير الكاتب الروسي(سولجنتسين- A. Solzenicyn) الذي قرر العودة إلى وطنه بعد سنوات قضاها في منفاه في الغرب. والكاتب والمفكر الروسي(ألكسندر زينوفييف- Aleksander Zinowiew – 1922-2006) الذي ترك الاتحاد السوفيتي في العام 1978، بحيث جرد على إثرها من المواطنة. لكنه قرر، في نهاية المطاف، العودة إلى بلاده في 1999 نهائيا. في حوار طويل مع سولجنتسين بعنوان"المنفي يعود"، قال الكاتب: "كانت الخسارة والألم في داخلي، الانفصال عن الوطن، عن أماكنه وناسه، وعن التفاعل معهم".(39)
لكن سولجنتسين لا يمكنه أن يكون مقياسا أو أنموذجا لجميع المنفيين، لأنه قد عزل نفسه وهو في منفاه في الولايات المتحدة الأميركية. سوى أن قرار عودته لم يعد أمرا غريبا في أوساط المنفيين. يتعاظم هذا الشعور أو يقل حسب درجة ارتباط المنفي بوطنه وبذكرياته وبمقدار توقه إلى مواصلة التفاعل مع محيطه وقرائه ومواطنيه من جهة، وبدرجة التمييز التي يعيشها المنفي في البلد الجديد من جهة أخرى، إضافة إلى عامل مهم وخطير متمثلا بالتحول الحياتي والفكري الذي قد يطرأ على المنفي، كما حصل في حالة الكاتب زينوفييف مثلا. وتبقى التحولات الجارية في بلده الأصلي ذات تأثير ما على أي قرار يتعلق بالعودة. وعليه فالمعضلة التي يواجهها المغترب هي "هل يعود أو لا يعود؟" وقبل رحيله من وطنه" هل يغادر أو لا؟"، التي يطرحها الناقد والباحث البولندي (بالتزان- Edward Balcerzan) لا تنطبق تماما على المنفي أو اللاجيء، لأنه لا خيار أمامهما سوى البقاء في المنفى، طالما بقيت أسباب المنفى قائمة. المنفي الحقيقي لا خيار له سوى مواجهة مصيره. لقد أشار (بالتزان) بصواب إلى أن قضية الهجرة والنفي "تشكل في قريتنا العالمية- في القرن العشرين واقعا قانونيا، اقتصاديا، أخلاقيا واجتماعيا للدول التي تنهال عليها الجماعات المهاجرة"(40)
المنفى ذو طرفين: أولهما غائر في الوطن الأصلي، وثانيهما في الخارج، وهذان الطرفان يحفران في جسد وروح وعقل المنفي، مشكلين هرم المنفى. المنفى يبدأ من الداخل، سواء أكان ذلك من داخل الوطن الأم أم داخل الذات الإنسانية. ولو أنني أميل إلى الزعم بأن المنفى يبدأ أولا من داخل الفرد. لكنه يتسع ويتضخم خارج الحدود فيصبح حالة متكاملة وظاهرة وجودية على الصعيد الشخصي، واجتماعية وحتى باثولوجية على الصعيد الاجتماعي، وسياسية وإنسانية واقتصادية على الصعيد الدولي، لا يمكن حلها إلا بالعودة. وحتى إذا عاد المنفي أو المغترب، فهل سيشعر أنه في وطنه حقا، أم أنه غريب في وطن لم يبق منه سوى ذكريات، اختلق المنفي بعضا منها ومنحها طابعا ملحميا، بأن أضاف إليها أحداثا ومفارقات وبطولات وبهارات وما شابه ذلك. إن أمثلة كثيرة أمامنا من الذين قرروا العودة وسرعان ما عادوا مرة أخرى من حيث جاؤوا.
كتب البياتي في إحدى قصائده"
"لا تقتربْ ممنوع
فهذه الأرض إذا أحببتَ فيها حكم القانون
عليك بالجنون"(41)
الأرض هنا رغم التعميم بغرض التمويه، هي العراق، والقانون هنا هو النظام السياسي والاجتماعي فيه. إن من بين أخطر ما في المنفى هو أن يتحول إلى شعور عام يلازم الكاتب سواء عاد إلى وطنه أم لم يعدْ. وإذا بالموتى يملأون الطرقات. هذه التعاسة الجماعية – حالة المنفيين، يصفها البياتي بدقة في قصيدته"إلى رافائيل ألبرتي". حيث يتقابل منفيان: البرتي الإسباني، والبياتي العراقي والرابط فيما بينهما هو أجداد البياتي الإسبان. منفى مقابل منفى، منفى الإسباني ومنفى العربي. منفى البرتي الحقيقي أثناء حكم فرانكو، ومنفى البياتي المضاعف: منفاه الواقعي، ومنفاه الحضاري.
"وقفنا تحت عمود النور، رأينا: نار الشعراء
الإسبان المنفيين الموتى: لوركا – ماشادو
ورأينا: العربي القادم من "توليدو" جدي
السابع في معطفه الجلي يساق إلى
الموت أو المنفى
ناديتك: البرتي!
فأجاب: الشعر
وآخر طفل في المنفى يبكي الوطن الأم
ويبكي مدريد.
قلتُ: سلاما للبحر الأبيض
قلتُ: سلاما للغابات
لكن المنفيين الموتى كانوا، في كل مكان،
بالمرصاد..."(42)
نلاحظ أن الشاعر يقابل بين الموت والمنفى. لم يعد البياتي منفيا، في الواقع/ منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي/، غير أن هاجس المنفى يلاحقه حتى حينما أقام في إسبانيا على نفقة الحكومة العراقية. المنفى يبدأ حينما يشعر الفرد أن لا طاقة له على المصالحة مع ما هو قائم، مألوف وسائد/ مع الجو الاجتماعي أو السياسي والفكري أو الديني/. إن النتيجة متوقعة في ظل الأنظمة المستبدة. فأما السجن والملاحقة، أو المقاطعة والمحاصرة والعزل، وأما النفي أو الاستسلام.
غالبا ما يرفض هؤلاء(المغايرون-المناهضون-الرافضون-المتمردون) مغادرة أوطانهم. كما حدث ويحدث في معظم الدول المستبدة، أو حتى في بعض الدول الليبرالية(كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية زمن المكارثية مثلا أو في فترة الحرب الفيتنامية)، وعادة ما يتعرض الرافضون للمغادرة إلى أنواع شتى من العسف والإضطهاد.(43)
إن أعدادا لا نعرف حجمها ومعاناتها قد رفضت مغادرة "الإتحاد السوفيتي" سابقا، خاصة زمن الحقبة الستالينية، ورفضت مغادرة الصين، خاصة زمن الثورة الثقافية، وفي فترة نشاط حركة التضامن في بولندا، وزمن شاه إيران والحقبة اللاحقة، وزمن السادات في مصر، وزمن الديكتاتورية في العراق منذ 1968حتى 2003، وفي أماكن أخرى عديدة في العالم. لأن مغادرة الوطن خيار صعب. ثمة أعداد ليست قليلة ماتت في طريقها قبل أن تصل الحدود في جنوب العراق وشماله، طمعا بالنجاة من القمع. كما وأن أعدادا أخرى تموت بين الفترة والأخرى قبل دخول الحدود الدولية لبلد ما، والأمثلة لا تحصى.
إن المنفى يتحول، بمرور الوقت، إلى نير لا ينفك يستعبد المنفي والغريب عموما. هذه الحالة لمسناها في أوساط المثقفين العراقيين الذين يشعرون أنهم ضحايا ظلم داخلي وآخر خارجي. حتى أن شعورهم قد ازداد بالمرارة، بعد سقوط النظام في 2003 ، لأن إمكانية العودة مازالت محفوفة بالمخاطر، ناهيك عن عدم استعداد المجتمع العراقي لتقبل الأعداد الكبيرة من المنفيين والمغتربين.
ثمة علاقة سادوماسوخية تنشأ بين المنفى والمنفي، كما هي الحال بين الجلاد وضحيته. الأول يمتص الثاني ويستعبده حد الانتقاص والتشويه، والثاني يتأفف منه ويتبرم أو يضجر ويتألم وقد يصل إلى حد رفض المنفى ذاته. لكن هذا الرفض، في الغالب، لا يشكل قطيعة تامة. القطيعة تعني أن على المنفي أن يغادر منفاه، أي يعود من حيث أتى، كما حصل بالنسبة لعدد محدود من العراقيين مثلا، بينما نجد أن غالبية المصريين الذين اضطروا لمغادرة مصر أثناء حكم السادات قد عادوا إليها بعد رحيله. ربما يواجه المنفي قرارا بالمغادرة من منفاه الأول إلى ثان وثالث، وهذا الأمر لا يغير من طبيعة المنفى، ونعتقد أنه سيساهم في جعل المنفى أكثر مرارة.
إلى أين الرحيل بعد منفاي الأول؟ سؤال يخالج أعدادا من المنفيين غير المسرورين من المنفى. عموما يتقبل المنفي مرارة منفاه. غالبا ما يولد المنفى شعورا، داخل المنفي بوجود منفى جديد يكبر مع الأيام، خاصة عندما يزداد سوء الفهم بين المنفي والواقع الجديد. ولهذا فالمنفي يبقى يعاني في منفاه. وقد سبق وأن صور هذه المعاناة الشاعر بدر شاكر السياب مبكرا في قصيدته "غريب على الخليج"(1953)، رغم قصر فترة منفاه، قائلا:
"وأنا المسيح يجر في المنفى صليبه"(44)
وهكذا يبقى المنفى صليبا، وأغلب المنفيين يعيشون بهذه الصورة، أو ينتابهم شعور مماثل.

الهوامش:
1 المحاسن والمساويء: 301، نقلا عن محمد بن سهل البغدادي، الحنين إلى الأوطان، تحقيق جليل العطية، عالم الكتب، بيروت 1987: 39
2 وردت في خمسة مواضع بمعنى ترك المكان مع الإكراه بسبب الفتن، و(14)مرة بمعنى ترك مكان ما إلى آخر بغرض الجهاد في سبيل الله. قارن محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت(ب. ت): 717 و730-731.
3 علي الشامي، آيديولوجية المغلوبين أو موقف المسلمين من غلبة الغرب، مجلة الفكر العربي، ع(42) حزيران 1986، بيروت: 211
4 أنظر، هاتف جنابي، مسرح البحث العربي وتجارب المسرح الطليعي الأوروبي، أطروحة دكتوراه، جامعة وارسو 1983: 31-36
5 Collins Cobrild English Language Dictionary, Collins London And Glasgow, The University of Birmingham Reprinted 1988, p. 492
6 See Random House Unagridged Dictionary, second edition, New York 1987, p. 678
7 See Modern Guide Language Dictionary, Collins London and Glasgow, The University of Birmingham Reprinted 1988, p. 492
8 Paul Tabori, The Anatomy of Exile a sematic and Historical Study, Harrap London1972, p. 27
9 See Jefferson Faye, Cultural/Familial Estrangement: self exile and self- destruction in Jay Mclnerney’s novels: in The Literature of Emigration and Exile, edited by James Witlark and Wendell Aycock, Texas Tech University Press 1992, p. 115
10 George Mikes, How to be an Alien/Wingate, London 1946/ from Paul Tabori, The anatomy of Exile, Ibid, p. 397-398
11 See Latin America and Literature of Exile, edited by Hans-Bernhard Moeller, Heidelberg1983, p. 11-12
12 Edward W. Said, The mind of winter reflections on life in exile, Harper’s Magazine, sept. 1984, New York, p. 49, وقارن الترجمة العربية لنفس النص، مجلة الكرمل، العدد 12/1984: 9-27
13 Leszek Kolakowski, In praise of exile, Times Literary Supplement, October 11, 1985, New York, p. 1133
14 أنظر، محمد بن سهل الكرخي البغدادي، الحنين إلى الأوطان، مصدر سابق: 9-12
15 المصدر السابق: 40
16 أنظر الجاحظ، "رسالة الحنين إلى الأوطان": رسائل الجاحظ، ج2، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة 1965: 390، وانظر كذلك، أبو حيان التوحيدي، الغريب، في: الإشارات الإلهية، تحقيق: د. وداد القاضي، بيروت 1974: 80-83
17 المصدر السابق: 387، وقارن، محمد بن سهل الكرخي البغدادي، مصدر سابق: 65
18 Paul tabori, Ibid, p. 399
19See Leon and Rebeca Grinberg, Psychoanalytic perspectives on migration and exile, translated from Spanish by Nancy Festinger, Yale University Press, New Haven 1989, p. 160
20 ثمة أمثلة عديدة على ذلك، نذكر منهم على سبيل المثال، لورنس العرب(T.E. Lawrence) الذي قضى في العربية السعودية الفترة مابين(1910-1918)، والظاهر أنه قد تعلق بالشيخ(أحمد الداهوم) حتى أنه قد أهداه قصيدة في كتابه" أعمدة الحكمة السبع"، واصفا إياه بالحبيب. ونفس الشيء حدث للكاتب فورستر(E. M. Forster) الذي عاش في الهند حيث وقع في حب سيد روس مسود(Syed Ross Massod)، ومن السحاقيات المعروفات، نذكر الكاتبة جيرترود شتاين(Gertrude Stein 1874-1946) التي غادرت أمريكا في(1903) لهذا السبب وعاشت في باريس فترة طويلة مع حبيبتها.
21See, Literary Exile in the Twentieth Century, Ibid, p. vii-xix. Stanisław Barańczak napisał o tym: “W ِAngielszczyznie termin ”exile” jest używany poniekąd odruchowo, tak jakby stracił swój pierwotny sens: wyrzucenia kogoś bez jego zgody poza granice kraju”, i oznaczał ogólnie wszelkie sytuacje „zamieszkania pisarza poza granicami ojczyzny”, w: Między Polską a światem- kultura emigracyjna po 1939 roku, pod redakcją Marty Fik, Wydawnictwo Krąg, Warszawa 1992: 11

22 See Martin Tucker, Ibid, p. xviii
23 أنظر، مالك حداد، الشقاء في خطر، ترجمة ملك عبد العزيز وسليمان العيسى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1962: 38-39

24 See Martin Tucker, Ibid, p. xviii
25 قارن، أدوارد سعيد، ييتس ومقاومة الاستعمار، مجلة "الكرمل" ع (30)، قبرص 1988: 13-14، وقارن النص الانكليزي أيضا:
Edward Said, Nationalism, Colonialism and Literature, Minneapolis: University of Minnesota Press, 1990

26 See Latin America and The Literature of Exile, Ibid, p. 13-14
27 في بحث قدمه الشاعر والناقد البولندي ستانيسواف بارانتشاك(S. Barańczak)، اقترح إبدال كلمة مهاجر ب"البولندي الذي يعيش في الخارج"، على أساس أن التواجد في الخارج لا يلغي الهوية القومية والثقافية للمهاجر، أنظر بحثه المنشور في:(Między Polską a światem, pod redakcją Marty Fik, Wydawnictwo HRĄG, Warszawa, 1992, p. 20)
28 ديوان سعدي يوسف، ج2، دار العودة، بيروت 1988: 113
29 أنظرْ غالي شكري، مرآة المنفى أسئلة في ثقافة النفط والحرب، دار رياض الريس للكتب والنشر، لندن 1989: 39
30 يقول سميح القاسم: " أنا واثق أنه لو كنتُ في أي مكان، في دمشق أو بغداد أو الرباط، لخامرني شعور بأنني أتجول عبر الشوارع كما لو كنتُ قد ولدتُ فيها وعشتُ منذ قرون"، قارن، Victims of a Map- M. Darwisch, Samih al-Qasim, Adonis, translated by Abdullah al-Udri, Al Saqi Books, London, p. 51

31 See Nick Wadley, Klara Kopcinska: pisarz nigdy i nigdzie nie jest na wygnaniu. Stefan Themerson, w: Między Polską a światem, Ibid, p. 243-244
32 See Ibid, p. 241 and see Mały Słownik Pisarzy na obczyźnie 1939-1980, Interpress, Warszawa 1982, p. 333-324
33 لقد حاول ثيمرسون بعد وصوله إلى باريس في العام 1938 أن يكتب بالفرنسية، وبعد انتقاله إلى لندن في 1942 أخذ يكتب بالإنكليزية ليثبت فلسفته على صعيد الواقع العملي.
34 Ewa M. Stachniak, The Positive philosophy of exile in contemporary literature: Stefan Themerson and his fiction (Doctoral Dissertation, MC GILL University, Canada 1988): Dissertation Abstracts International, V 50/1/1989, p. 137 A Indiana University.
35 أنظر خليل ذياب أبو جهجة، رؤية ميخائيل نعيمة إلى ثلاثية الوطنية والقومية والإنسانية، مجلة الفكر العربي، ع (61) بيروت، تموز/أيلول 1990: 225، 221، وانظر، ميخائيل نعيمة، مذكرات الأرقش، المجموعة الكاملة، المجلد الرابع: 260-266
36See A new Type of intellectual: The Dissident in The Kristeva Reader, edited by T. Moi, New York: Columbia University Press 1986
37 يقسم هؤلاء الكتاب والمثقفون منفيين ولاجئين على ثلاثة أصناف حسب ظروف نفيهم: منفى لأسباب عنصرية- دينية كما حصل للكتاب اليهود، ومنفى لأسباب انسانية عبرت عنه مجموعة من الكتاب من خلال مقاومتهم للتطرف القومي وللممارسات الفاشية، مما أدى إلى عيشهم في المنفى، ومنفى لأسباب أيديولوجية ويشمل الكتاب الشيوعيين واليساريين عموما من الذي تصدوا للفاشية وتحملوا عواقب مواقفهم المناهضة للسلطات الهتلرية. أنظر بهذا الصدد:
Herman Pongs, Lexikon der Weltliteratur A-Z, F. English A Dictionary of Literary Terms and Literary Theory, third edition,
J. A. Cuddon, Cambridge 1991, p. 316
38 من خلال اهتمامنا، عبر ثلاثين سنة، بمتابعة ودراسة أدب المنفى والإغتراب العربي، مرت بنا عناوين ودراسات وظفت كلمة المنفى سواء بسطحية أو بعمق كما سنرى، لابد من الإشارة إليها. أنظر على سبيل المثال: شوقي خميس، المنفى والملكوت في شعر البياتي، دار العودة، بيروت 1971(ترد مفردة المنفى في هذا الكتاب عدة مرات بدون تحديد طبيعتها ومدلولها)؛ وثمة كتاب آخر يتطرق للمنفى بشكل عابر هو، مأساة الإنسان المعاصر في شعر البياتي، تأليف مجموعة مؤلفين، القاهرة 1966؛ وقدم الإعلامي المصري خالد سالم في جامعة مدريد-أوتونوما، أطروحة دكتوراه بعنوان" دراسة تحليلية مقارنة لشعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورافائيل ألبرتي"، جامعة مدريد 1994، وهي الدراسة الوحيدة، حسب علمنا التي خصص فيها الباحث فصلين لدراسة مفهوم المنفى لدى الشاعرين المذكورين؛ وأصدر الناقد محمود شريح كتابا ممتعا عن الشاعر والناقد الراحل توفيق صايغ بعنوان "سيرة شاعر ومنفى، دار الريس، لندن 1989، وهو كتاب عن حياة وشعر توفيق صايغ ولا شيء فيه عن المنفى سوى ما توحي به حياة الشاعر ذاته، فتوفيق صايغ قد درس في أمريكا، بعدها دُعي للتدريس في إحدى جامعاتها، ولم يكنْ منفيا، غير أنه كان يعاني من وطأة الغربة دون شك؛ وصدر للناقد غالي شكري كتاب بعنوان"مرآة المنفى"، دار الريس، لندن 1989، وهو عبارة عن حوارات أجريت مع الناقد على مدى سنوات ونشرت في الصحافة العربية، تطرق الناقد في أحدها لموضوع المنفى، محاولا إضفاء مسحة من التأمل على الحوار. وصدر للروائي والناقد الراحل عبد الرحمن منيف كتاب مهم بعنوان"الكاتب والمنفى"، بيروت 1992، وهو يضم مجموعة حوارات مع الكاتب، وبعض مداخلاته التي تناول في بعضها المنفى بصورة أعمق مما لمسناه في العناوين المذكورة آنفا. ومن الكتب ذات الطبيعة المنهجية الأكاديمية، نذكر كتاب"قصيدة المنفى دراسة في شعر رواد الإحياء"، دار المعارف، القاهرة 1991، لمؤلفه مدحت الجيار. حاول المؤلف أن يرصد في بحثه ظاهرة المنفى في شعر ثلاثة شعراء مصريين هم الطهطاوي والبارودي وشوقي. وقد مر ذكرهما في الجزء الأول من هذا البحث الموسوم ب "تشكل ظاهرة أدب المنفى عربيا" والذي سيصدر في مجلة "صدى المهجر" قريبا، وهو جزء من دراسة كتب معظمها في جامعة انديانا الأمريكية مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وستصدرمن قبل جامعة وارسو قريبا. كما ونوهنا سابقا إلى الجهود التوثيقية القيمة الأخيرة للشاعر والكاتب لطفي حداد في متابعة نتاج أدب المغتربين العرب.؛ وأخيرا لابد من التنويه بالكتاب الممتع للكاتب أحمد النعمان بعنوان "غائب طعمة فرمان أدب المنفى والحنين إلى الوطن"، دار المدى، دمشق 1996. وعذرا لمن لم أصلهم وبالتالي لم أشر لهم.
39 See David Remnick, The Exile Returns, The New Yorker, Feb. 14, 1994, p. 69
40 See Edward Balcerzan, Ojczyna wobec obczyzny, (w) : Między Polską a Światem, Ibid, p. 22
41 Abdul Wahhab Al-Bayati, Love, Death and Exile, translated by Bassam Frengieh, Georgetown University Press, Washington, D.C, 1990, p. 58
42 Ibid, p.160-166
43 See Paul Tabori, Ibid, p. 263, and Ellen Schrecker, The Age of Mc Carthyism a brief with Documents, st. Martin’s Press, Boston-New York, 1994, p. 76-86, and see Krzysztof Michalek, Dziedzictwo przeszłość wyzwania. Historia Stanów Zjednoczonych Ameryki po 1955 r., Warszawa 1995/maszynopis/ rozdział IV, p. 151-152
44 بدر شاكر السياب، الأعمال الشعرية الكاملة، مصدر سابق: 321
*هذا البحث يشكل جزء من دراسة طويلة عن الأدب العربي في المنفى الشعر العراقي نموذجا الذي صدرت أجزاء منها، وهي جزء من كتاب للمؤلف. وقد سبق وأن نشرت هذه الدراسة، قبل تنقيحها مؤخرا، في مجلة" المدى" العدد(13) لسنة 1996، ولايجوز استنساخها بدون الإشارة إلى مؤلفها والمصدر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عقبال الكل يارب-.. الفنانة إليسا تكشف عن قريبها المعتقل الم


.. فنانون سوريون يحتفلون بسقوط نظام الأسد




.. وزير الثقافة السوري الأسبق: الإطار العام في سوريا بعد الإطاح


.. كرم مطاوع.. 28 عاما على رحيل عملاق المسرح المصري




.. ممثلة إسرائيلية ومعلومات مغلوطة عن السيدة العذراء! .. فيلم M