الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعود الأنتخابية في العراق بين الديمقراطية الوليدة وخيبة الناخب

رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)

2025 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أكثر من عقدين على سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003، لا تزال الديمقراطية تُحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم راسخ في بلاد الرافدين. ورغم أن التحول من الحكم الشمولي إلى التعددية السياسية أتاح للفرد العراقي مساحة من الحرية لم يعهدها من قبل، فإن الواقع يشي بأن هذه التجربة ما زالت تعاني من عثرات كبيرة، تقف في مقدمتها مشكلة "الوعود الانتخابية" التي تحوّلت في نظر كثيرين إلى شعارات خاوية لا تخرج عن إطار كسب الأصوات، قبل أن تُركن على الرف في اليوم التالي لإغلاق صناديق الاقتراع.

الديمقراطية بين الأمل والتشويه

العراقي الذي وُلد على وقع المقولة الشهيرة "دير بالك الحيطان إلها آذان"، نشأ في ظل خوف دائم من السلطة ومؤسساتها. كان الحاكم هو الدولة، والدولة هي الحزب، والمعارضة تُقمع، والأصوات تُكتم، حتى غدت كلمة "الحرية" مرادفاً للخيال. ومع مجيء التغيير في 2003، بدأت مرحلة جديدة تميزت بتعدد الأحزاب وحرية التعبير والمشاركة في الحياة السياسية، لكنها اصطدمت منذ البداية بعدم فهم عميق لمعنى الديمقراطية وممارستها.

فالأحزاب التي وُلدت فجأة من رحم الفوضى، حملت معها تناقضات إيديولوجية ومصالح مرتبطة بداعمين خارجيين، فبات همّها الأول الوصول إلى السلطة، لا بناء الدولة. ومن هنا تحوّلت الانتخابات إلى موسم للوعود الحالمة: تحسين الرواتب، تطوير البنية التحتية، إصلاح التعليم والصحة، وتوفير فرص العمل، بينما الواقع يشهد عكس ذلك تماماً.

فجوة عميقة بين الشارع والدولة

ما يُفاقم الأمر هو غياب المحاسبة، بل وتكرار ذات الوجوه والبرامج كل دورة انتخابية، وكأن الزمن لا يتحرك. المواطن فقد ثقته بالحكومة ومؤسساتها، بعد أن لاحظ أن معظم الوعود التي أطلقتها الأحزاب الفائزة، كانت قابلة للتنفيذ خلال فترة إدارتها السابقة، لكنها لم تُنفذ.

الأدهى من ذلك أن حتى المسؤولين الكبار، من رئيس الدولة ورئيس الوزراء، غالباً ما ينساقون خلف ذات النغمة الانتخابية، مُتجاهلين أن نجاح إدارتهم يُقاس بما تحقق، لا بما يُعدون به مجدداً. هذا القصور أدى إلى فتور كبير لدى الناخبين، وانعكس في انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات، وهو ما يُعد مؤشراً خطيراً على مستقبل الديمقراطية في البلاد.

من يتحمل المسؤولية؟

السؤال الجوهري: من يتحمل مسؤولية تضييع الحق الانتخابي الذي كفله الدستور؟ الجواب يتوزع بين عدة أطراف:

الطبقة السياسية التي فشلت في بناء دولة المؤسسات.

المفوضية العليا للانتخابات التي قصّرت في توعية المواطن ومراقبة البرامج الانتخابية.

الإعلام الذي لم يمارس دوره الرقابي بشكل فعال.

المواطن نفسه الذي غالباً ما يختار على أساس الولاء الطائفي أو العشائري لا الكفاءة.


الخلاصة

الديمقراطية في العراق لا تزال "مشروعاً مؤجلاً"، ومع كل دورة انتخابية تُعاد نفس الأخطاء، وتتكرر ذات الوعود. ولا يمكن لهذه الديمقراطية أن تنضج إلا إذا تم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإذا ما أصبحت الوعود الانتخابية برامج تنفيذية ملزمة، لا أدوات خداع جماهيري. وحتى ذلك الحين، سيظل الشارع العراقي يئن من فجوة كبيرة بينه وبين الدولة، وقد يزداد اتساعها ما لم يتحقق التغيير الحقيقي من داخل صناديق الاقتراع، لا خارجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلدية غزة تحذر من أزمة مياه حادة وتناشد المنظمات للتدخل العا


.. الاحتلال يستهدف تكية طعام في غزة




.. أكثر من 100 شهيد جراء غارات إسرائيلية على مناطق عدة في قطاع


.. لقاء مكي: نتنياهو في خطابه لم يغير أي شيء من أجل الحصول على




.. اتصالات مكثفة بين سوريا ومسؤولين أوربيين عقب رفع العقوبات..