الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )
محيي الدين ابراهيم
2025 / 5 / 9الادب والفن

الفن حين يُولد من رحم الأرض ويُسقى بدموع البشر
"كل صورة مرآة، لكن الفنان الحقيقي لا ينعكس فيها، بل يعبرها ليصل إلى جوهر الإنسان."
ليس الفن مرآة صامتة تعكس الخارج كما هو، بل هو حوار داخلي يختزل التجربة الإنسانية، ويعيد قولبة الواقع في هيئة جديدة: أكثر نبلاً، وأكثر فزعًا، وأكثر قدرة على الصراخ في وجه الظلم. ولئن كان الفن، عبر العصور، مرهونًا بالسلاطين والآلهة والنبلاء، فإن ما أنجزه الفن في القرن العشرين - خاصة في سياقه الاجتماعي الثوري - هو ذلك الانتقال الجوهري من بلاط الملوك إلى أقبية المصانع، من جماليات البرجوازية إلى أيقونة العامل والفلاح، من تمجيد الأبد إلى الاحتفاء بالعابر والملطخ بالعرق والتراب.
في هذا السياق، لا يمكن للحديث عن تجربة الفنان المصري محمد حامد عويس (1919–2011) أن يكون سردًا تاريخيًا أو تأريخًا لمراحل فنية أو تتبعًا لتقنيات ومواد وألوان، بل هو، بالضرورة، غوص في ما وراء اللوحة، حيث تقيم الحقيقة العارية للإنسان المصري: المكافح، المُغيب، المطحون، الحالم رغم القهر، الواقف دومًا على تخوم الانفجار الصامت.
إن فن محمد حامد عويس هو نوع من المقاومة البصرية، مقاومة لا تقوم على العنف أو المانيفستو أو الإقصاء، بل على الاختراق الصامت للجدران، وعلى إعلاء قيمة الإنسان البسيط بوصفه مركز العالم. لم يرسم القصور، بل رسم الورش. لم يخلد الزعماء، بل خلد ملامح الفلاحين والصيادين والعاملات المجهولات. لم يتكئ على الميثولوجيا، بل استخرج ملحمته من قلب الصعيد، من حقول بني سويف، من أحذية العمال الثقيلة، ومن انحناءات الأجساد المنهكة فوق الآلات.
كان في قلبه طين وفي عينيه نور، وفي روحه حنين إلى شيء لم يكن له اسم. وربما هنا تكمن عبقريته؛ في تحويل التجربة الخاصة إلى خطاب كوني، وفي مزج اليومي بالملحمي، وفي بناء بطل جديد لا يملك سيفًا ولا يلبس درعًا، بل يرتدي القميص الأزرق ويحمل المطرقة أو يجر شبكة الصيد، أو يقف منتظرًا على رصيف مهجور في لوحة "البطالة".
إن تجربة حامد عويس ليست محض تأثر بالواقعية الاشتراكية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، بل هي انبثاق داخلي عن وعي مصري أصيل، وجد في الفن وسيلة لتحرير الإنسان لا من عدوه الطبقي فقط، بل من غربته عن ذاته. لقد أرسى عويس عبر فنه ميتافيزيقا العمل، أي جعل من العمل البشري ذاته شكلاً من أشكال العبادة. في كل ضربة فرشاة هناك صلاة صامتة، وفي كل كتلة لونية هناك نداء إلى الرحمة، إلى الحق، إلى النور.
والحق أن عويس لم يكن رسامًا بالمعنى التقني للكلمة، بل كان، كما وصفه الناقد كارلوس أريان سنة 1968، صانعًا للضمير البصري، يقدم تصويرًا عالميًا يضيء قضايا النمو والحق المشروع في الدفاع عن النفس. لم يرَ في الفلاح مجرد موضوع للرسم، بل كينونة يجب أن تُحتضن، تُحتفى، وتُقدس في صمت الصورة.
كل لوحة له هي نشيد طويل للحياة، لكنها ليست حياة مرسومة من الأعلى، بل حياة مغموسة بالألم والتحدي، مثل صرخة مكتومة على لسان من لا صوت لهم.
إن التأمل في مشروع محمد حامد عويس يعيدنا إلى السؤال الجوهري: ماذا يعني أن تكون فنانًا ملتزمًا؟ هل هي دعاية أيديولوجية؟ هل هي خضوع للثورة؟ هل هي خدمة للمجتمع؟ أم أنها حالة وجودية تلتقي فيها الذاكرة الشخصية مع التاريخ الجمعي، ويتحول فيها الفن من ترف إلى ضرورة؟
عويس لم يبتغِ المجد، ولم يسعَ للشهرة، بل كان، في جوهره، زاهدًا يسكن قاعات الرسم كما يسكن الناس محراب الصلاة. كان يعرف أن الإبداع لا يستجدي، بل يُزرع كما يُزرع القمح، ويُسقى كما تُسقى الأرض، ويُنتظر كما يُنتظر الفجر.
في كل لوحة من لوحاته، يفتح نافذة نحو الغد، يطل منها الأمل لا كشعار، بل ككائن حي يتنفس من وجوه الناس، ويضيء ظلالهم في عتمة المصير.
وهكذا، يدخلنا عويس إلى طريق طويل من التأملات الجمالية والفكرية والاجتماعية والروحية. طريق تبدأ من التراب ولا تنتهي عند السماء، لأنها تعود دائمًا إلى الإنسان، ذاك الطفل الكبير الذي يرسم الحياة بعرقه وأحلامه وألمه وأغنيته الداخلية التي لا يسمعها أحد إلا القلة من "العرفاء" في لغة الفن.
ولذلك، كان حامد عويس فنانًا – لا فقط بالمعنى الجمالي – بل بالمعنى الفلسفي العميق للوجود في العالم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرئيس السيسي يطمئن على الحالة الصحية للروائي الكبير صنع الل

.. رامز جلال ينتهى من تصوير أسبوعين في أحداث فيلم بيج رامي

.. تعرّف على عازفي الكمان الذين تصدّروا المسرح في أول طبعة من م

.. #شاهد بريطانيون يعطّلون تصوير فيلم في لندن لمشاركة الممثّلة

.. مش هتصدقوا أبطال فيلم #نجوم_الساحل ?? دخلوا استوديو #معكم_من
