الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -4/10-
إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري
(Eslam Hafez)
2025 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية

"مجلس السيادة: شراكة أم فخ؟"
عندما أعلن عن تشكيل مجلس السيادة السوداني في أغسطس 2019، اعتقد كثيرون أنه بداية مرحلة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي، وأن البلاد أخيرًا تمضي نحو إنهاء الحكم العسكري وبناء مؤسسات مدنية تقودها الكفاءات الوطنية. جاء تشكيل المجلس نتيجة مفاوضات شاقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بعد شهور من الاحتجاجات والدماء، وخصوصًا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. لكن سرعان ما بدأت ملامح الأزمة تتكشف، وتحول هذا الكيان من كونه رمزًا للشراكة إلى أداة للصراع، ومن كونه خطوة نحو بناء الدولة إلى فخ ساهم في تفكيكها.
تشكّل مجلس السيادة من 11 عضوًا، بينهم 5 من المكون العسكري، و5 من المكون المدني، بالإضافة إلى عضو مدني يتم التوافق عليه بين الطرفين. على الورق، بدا هذا التوزيع متوازنًا، لكنه في الواقع كرّس خللاً جوهريًا في موازين القوى. فالعسكر لم يكونوا مجرد طرف سياسي ضمن التوازن، بل كانوا هم من يملكون السلاح، والمال، والأجهزة الأمنية، وكل أدوات الدولة العميقة التي ظلت قائمة منذ عهد البشير. أما المكون المدني، فكان يفتقر إلى النفوذ التنفيذي، ويعاني من انقسامات داخلية ومن ضعف في القدرة على إنفاذ قراراته.
الوثيقة الدستورية التي نظمت المرحلة الانتقالية حملت في داخلها الكثير من التناقضات. فقد أعطت مجلس السيادة سلطات رمزية، بينما منحت مجلس الوزراء بعض الصلاحيات التنفيذية، لكنها أبقت الأجهزة الأمنية والعسكرية خارج نطاق سلطة الحكومة المدنية. هذا الخلل البنيوي جعل من مجلس السيادة ساحة صراع غير معلن، تتداخل فيها القرارات وتتضارب فيها التوجهات، خصوصًا في ملفات الأمن والعلاقات الخارجية والاقتصاد.
أحد أهم مؤشرات هذا الخلل تمثلت في عدم وجود قيادة موحدة للدولة. فبينما كان عبد الله حمدوك رئيس الوزراء يفاوض الخارج من أجل دعم اقتصادي عاجل، كان البرهان وحميدتي يزوران العواصم الإقليمية ويبرمان صفقات أمنية وعسكرية بمعزل عن الحكومة. وقد نشرت وكالة "رويترز" في* تقريرها الصادر في سبتمبر 2020 أن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عقد اتفاقات تعاون مباشر مع دولة الإمارات، تتعلق بإرسال مقاتلين سودانيين إلى ليبيا واليمن، دون علم أو موافقة الحكومة المدنية.
هذا الواقع المزدوج عمّق من حالة الشك داخل الشارع السوداني. فعلى الرغم من أن مجلس السيادة كان يمثل، نظريًا، الدولة الموحدة، إلا أن مؤشرات الانقسام كانت واضحة في كل خطوة. لم تكن هناك مساءلة حقيقية داخل المؤسسات، ولم يكن لأي جهة مدنية قدرة فعلية على مراقبة أجهزة الأمن. وفي الوقت الذي كان فيه المواطن يعاني من تدهور الأوضاع المعيشية، كانت الموارد الوطنية تُدار خارج المؤسسات الرسمية، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية.
بحسب تقرير صادر عن وزارة المالية في نهاية عام 2020، كانت أكثر من 70% من الشركات الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك تلك العاملة في الذهب والاتصالات والموانئ، خاضعة لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل القوات المسلحة أو الدعم السريع. هذا الاحتكار الاقتصادي من قبل العسكر حرم الحكومة المدنية من أدوات السيطرة على الاقتصاد، وجعل من أي حديث عن "إصلاح اقتصادي" مجرد حبر على ورق.
ومع تصاعد التوترات، برزت قضية العدالة الانتقالية كأحد--$-- أبرز نقاط الخلاف. فقد كانت هناك مطالب شعبية بمحاكمة المتورطين في جرائم فض الاعتصام، لكن التحقيقات ظلت تراوح مكانها، بسبب الضغط العسكري الواضح على مسار العدالة. تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في يونيو 2021 أكد أن السلطات الانتقالية لم تتخذ أي خطوات جادة في ملاحقة المسؤولين عن المجزرة، بل أن بعضهم ما يزال في مواقع قيادية. هذا الواقع رسّخ القناعة بأن مجلس السيادة كان غطاءً لاستمرار الحصانة، وليس أداة لتحقيق العدالة.
وفي خضم هذا المناخ المشحون، جاءت لحظة الانقلاب في 25 أكتوبر 2021، لتكشف حقيقة ما كان يُدار في الخفاء. أطاح الفريق عبد الفتاح البرهان بالحكومة المدنية، واعتقل رئيس الوزراء وعددًا من الوزراء، معلنًا نهاية الشراكة وعودة العسكر إلى السلطة بشكل صريح. هذا الانقلاب لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجة طبيعية لمسار بني على أساس غير متكافئ. وقد وصفت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2022 الخطوة بأنها "نكسة حادة" في مسار التحول الديمقراطي، مؤكدة أن السودان بات مهددًا بالانزلاق نحو مزيد من الفوضى.
وبعد أقل من عامين على الانقلاب، اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليُحسم الجدل الذي ظل يدور طيلة الفترة الانتقالية: من يملك القوة الحقيقية في البلاد؟ من يملك حق اتخاذ القرار؟ وكانت الإجابة واضحة. إن الفشل في دمج القوات، وفي بناء مؤسسة عسكرية موحدة، وفي إخضاع أجهزة الدولة للسلطة المدنية، كان يعني أن البلاد تسير، تدريجيًا، نحو المواجهة المسلحة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على تشكيل مجلس السيادة، يمكن القول بثقة إن هذا الكيان لم يكن خطوة نحو الشراكة، بل كان فخًا أُعد بإتقان، أتاح للعسكر البقاء في مركز السلطة، وأجهض حلم الدولة المدنية. لم يكن الخلل فقط في النوايا، بل في التصميم نفسه، وفي غياب أدوات الرقابة والمحاسبة، وفي انقسام قوى الثورة، وفي التسرع في تقديم التنازلات باسم "الواقعية السياسية". والنتيجة: وطن ممزق، وثورة مهددة، ومواطن يدفع الثمن مضاعفًا.
يتبع,,,
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرئيس السوري يحسم موقفه من حضور القمة العربية في العراق | #

.. ترمب: سيتعين علينا اتخاذ قرار بشأن العقوبات على سوريا والرئي

.. أردوغان يرحب بإعلان -الكردستاني- حل نفسه ونبذ السلاح

.. الرئاسة السورية: وزير الخارجية أسعد الشيباني سيمثل سوريا في

.. الرئاسة السورية تحسم الجدل: الشرع لن يحضر القمة العربية في ب
