الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يتجاوز ترامب -إسرائيل-: دلالات التفاهم مع الحوثيين

ضيا اسكندر

2025 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في مشهد يعكس تصدّعاً صامتاً في جدران تحالفات الشرق الأوسط التقليدية، جاء إعلان التفاهم بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجماعة الحوثيين بشأن وقف إطلاق النار في اليمن، دون أي إشارة إلى دور أو حتى إبلاغ لـ "إسرائيل"، ليقلب معادلات مألوفة ظلت تحكم المشهد لعقود.
هذه الخطوة لم تكن مجرد تفصيل دبلوماسي عابر، بل إيذان بانقلاب في النظرة الأميركية إلى "ثوابت" السياسة الإقليمية، وتحديداً إلى مكانة "تل أبيب" في صياغة تلك السياسات.
لطالما كانت "إسرائيل" حجر الزاوية في أي حراك أميركي في الشرق الأوسط، مستشاراً دائماً، ومُقرِّراً في أحيان كثيرة، لا سيّما حين يتعلق الأمر بملفات ترتبط مباشرةً بإيران. والملف اليمني هو أحد تلك الملفات بامتياز؛ فالحوثيون في الوعي الإسرائيلي ليسوا إلا امتداداً لنفوذ طهران، وبالتالي فإن أي تسوية معهم تُقرأ تلقائياً على أنها مكسب لإيران، وتهديدٌ مباشر لأمن الدولة العبرية.
لكن ترامب، الذي قلب الطاولة على كثير من القواعد، لم يبالِ بهذه الحساسية. أبرم اتفاقه، ورسم خطّته، وأدار ظهره لما اعتادت عليه واشنطن منذ عقود، متجاوزاً "إسرائيل" في ملفٍ ترى فيه – لا مجرد اهتمام – بل مسألة أمن قومي. هذا التجاوز لم يكن عفوياً، ولا اعتباطياً. بل هو فعل سياسي محمّل برسائل متعدّدة الاتجاهات.
الرسالة الأولى موجهة إلى الداخل الأميركي: ترامب، كرجل صفقة، يقدم نفسه مجدداً على أنه "صانع السلام"، القادر على إخماد الحرائق التي استعصت على الإدارات السابقة، حتى وإن اضطر لذلك إلى عقد تفاهمات مع وكلاء أعداء واشنطن التقليديين. ولأن اليمن ظلّ لسنوات ساحة نزف بشري وعسكري بلا جدوى استراتيجية واضحة، فإن إخراجه من هذا المستنقع، حتى مؤقتاً، يُعدّ ورقة رابحة في يد الرئيس الأميركي، خصوصاً أمام ناخب يبحث عن نتائج ملموسة لا عن تحالفات أيديولوجية قديمة.
أما الرسالة الثانية، فهي للشرق الأوسط، مفادها أن منطق التحالفات "المقدسة" قد انتهى. لم تعد "إسرائيل" شريكاً لا يُمسّ أو مرجعية لا تُتجاوز، بل باتت – في عيون واشنطن الترامبية – حليفاً كبقية الحلفاء، يمكن التفاوض فوق رأسه إن تطلّبت المصلحة ذلك. وهذا يعكس تحوّلاً عميقاً في طبيعة العلاقة الأميركية الإسرائيلية: من علاقة وصاية غير معلنة، إلى علاقة نفعية قد تُهمّش حين لا تضيف.
لكن، هل تقبل "إسرائيل" بهذا التحوّل؟
التاريخ يقول: لا.
فالدولة التي بَنَت نفوذها العالمي على قدرتها في التأثير داخل واشنطن، لا يمكن أن تقف مكتوفة اليد، حين ترى قرارات مصيرية تُتخذ من خلف ظهرها. فمن المرجح أن تبدأ "تل أبيب" بتفعيل أدوات الضغط التقليدية التي طالما أثبتت فعاليتها: تحريك لوبياتها في الكونغرس، وإطلاق التحذيرات الاستخباراتية حول "توسّع التهديد الإيراني"، وربما حتى تنفيذ عمليات عسكرية محدودة لإرباك الاتفاق الناشئ، أو التشكيك في جدية الحوثيين كشركاء موثوقين.
وقد تذهب أبعد من ذلك، بإعادة توزيع أوراق نفوذها في الإقليم: تعزيز علاقاتها مع الفاعلين الخليجيين القلقين أصلاً من الانفتاح الأميركي على طهران وأذرعها، أو التوغل أكثر في الملفات الأمنية الحساسة، من باب تعويض الغياب عن طاولة التفاهمات السياسية.
من زاوية أخرى، فإن ما فعله ترامب ليس فقط تجاوزاً لـ "إسرائيل"، بل انتهاكاً لنمط الهيمنة الأميركية التقليدية التي كانت تشترط توازنات محددة قبل أي خطوة إقليمية. فإن ينجح في فتح قناة مع الحوثيين دون أن تنهار علاقاته مع السعودية، ودون أن يستنفر خصومه الجمهوريين أو الديمقراطيين، فهذا يعني أن شكل العلاقة بين واشنطن والمنطقة يعاد صوغه من جديد.
هذا التحوّل أيضاً يعكس براغماتية ترامب العارية من العواطف: فهو لا يرث ملفات أسلافه، بل يعيد صوغها وفق مزاجه وصفقاته، متحرراً من سرديات الديمقراطية أو الحماية أو الالتزام الأخلاقي. وما يهمه ليس صيانة "التحالف مع إسرائيل" بمفهومه التاريخي، بل جدواه اللحظية، وما إذا كان يمنحه نقاطاً انتخابية أو يحقق له اختراقات دبلوماسية سريعة.
في هذا السياق، تصبح "إسرائيل" عبئاً أحياناً، خصوصاً إن كانت ترفض التهدئة أو تعارض تفاهمات ترى فيها واشنطن فرصة للهروب من مستنقعات مكلفة. ومن هنا، يبدو أن ترامب اختار طريقاً منفرداً، لا يشرك فيه "تل أبيب" إلا حين تتقاطع مصالحها مع مساعيه، لا حين تُملي عليه شروطها.
في المحصلة، ما يحدث ليس فقط تفاهماً مع الحوثيين، بل كسرٌ رمزي لتقليدٍ عمره عقود، كانت فيه "إسرائيل" صاحبة المقعد الأول في كل مسرحية إقليمية. اليوم، تجلس خارج القاعة، وربما من دون دعوة. ومن يعتاد أن يكون المرجع لا يتقبل بسهولة أن يُعامل كأي ضيفٍ آخر.
إنها لحظة فاصلة في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب: هل تعود "إسرائيل" إلى صدارة المشهد عبر الضغوط والتحركات المضادة؟ أم أنها ستبدأ بمراجعة موقعها في ظل عالم تتغير فيه خرائط النفوذ بسرعة؟
في الحالتين، الشرق الأوسط لن يبقى كما كان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتصالات مكثفة بين سوريا ومسؤولين أوربيين عقب رفع العقوبات..


.. تعرف على خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب على قطاع غزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن بواسطة منظو


.. خارج الصندوق | صراع داخل إسرائيل.. قادة ينفجرون غضبًا ضد نتن




.. بسبب غزة.. أوروبا تعاقب إسرائيل تجاريًا