الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيد 80 للنصر – الجزء الرابع – الأساس الذي لا يجوز التفريط به

زياد الزبيدي

2025 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

**فيودور لوكيانوف
صحيفة "روسيسكايا غازيتا"

6 مايو 2025

ثمانون عاماً – هي مدة كفيلة بتغيير كل شيء في العالم إلى حد لا يكاد يُعرف معه الواقع من الأسطورة. فالأحداث التي تفصلنا عنها هذه المسافة التاريخية تتحول من وقائع ملموسة إلى أساطير، من دون أن ينقص ذلك من أهميتها، لكنه يفرض مراجعة مختلفة لتأثيرها على الحاضر.

الحرب العالمية الثانية شكّلت النظام السياسي العالمي الذي إعتدنا عليه، واعتبرناه عملياً غير قابل للتغيير. لكن ذلك النظام يشهد اليوم تغيراً سريعاً لا رجعة فيه. صحيح أن صدمات النصف الأول من القرن العشرين لا تزال ذات أهمية، إلا أن دورها اليوم لم يعد كما كان قبل عقدين فقط.

لقد حددت نتائج أكبر وأدمى مواجهة في التاريخ النظام العالمي. فقد كانت الحرب ضد النازية وحلفائها بمثابة مواجهة مثالية من نوع خاص. فالنظام الهتلري، الذي لا جدال في طبيعته اللا إنسانية والعدوانية والإجرامية، وحّد قوى ما كان لها أن تقف في ظروف أخرى على الجبهة ذاتها. ولم تكن هذه القوى ترغب بذلك أصلاً، فقد كان مجمل ما قبل الحرب عبارة عن مناورات لتجنّب أسوأ العواقب وتوجيهها إلى طرف ثالث إذا أمكن. لكنهم اضطروا إلى تأجيل خلافاتهم غير القابلة للحل – والتي كانت تُعد وجودية من الناحية الأيديولوجية – ولعل هذا هو ما جعل الإطار الذي أُرسيت عليه تلك المرحلة متيناً. فقد صمد أمام الحرب الباردة الشرسة، وحتى خلال نحو عقد ونصف بعدها، رغم أن ميزان القوى تغيّر جذرياً.

كان هذا الثبات مرتبطاً، قبل كل شيء، بالتفسير الأخلاقي والأيديولوجي للحرب العالمية الثانية، الذي ظل متفقاً عليه: صراع ضد الشر المطلق، والذي بدت في ظله حتى الخلافات العميقة بين خصومه ذات أهمية ثانوية. لكن هذا التصور بدأ يتزعزع ويضمحل في القرن الحادي والعشرين، ومعه بدأت تتلاشى ثوابت النظام العالمي الذي نشأ في منتصف القرن الماضي.

وهذا يعود إلى عدة أسباب. أولها – والأكثر وضوحاً – هو ما طرأ من تغيرات في أوروبا. فقد تقدمت دول أوروبا الشرقية إلى الصدارة، بفعل منطق تطورها الخاص بعد الحرب الباردة، وهي دول ظلت منذ فترة طويلة تروّج لفكرة "الشموليّتين" المتقابلتين، اللتين تسببتا معاً في إشعال الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لهذا المنظور، فإن تلك الدول تعتبر نفسها الضحية الرئيسية، التي عانت من كلا النظامين.

هذا التماثل في تحميل المسؤولية يُقوّض التوافق السياسي القديم، الذي يسميه البعض "توافق نورمبرغ"، والذي يشمل، من بين أمور أخرى، اعتبار المحرقة (الهولوكوست) الجريمة المركزية في الحرب، والاعتراف بمسؤولية الأمم الأوروبية عن السماح بوقوعها.

لماذا تغلّب هذا التفسير الذي تتبناه مجموعة من الدول غير البارزة – هذا سؤال يستحق بحثاً منفصلاً. ربما كان أحد دوافعه هو رغبة الأوروبيين الغربيين في تقليص حجم مسؤوليتهم، وإعادة توزيع عبء الذنب التاريخي. لكن، وبمجرد أن بدأ هذا المسار، فقد أصبح يؤدي إلى تآكل كامل في البنية التي أعقبت الحرب. والمفارقة أن هذا يشمل حتى النظام العالمي الليبرالي الذي تدافع عنه الدول الغربية. إذ إن هذا النظام كان، في جانب كبير منه، يستند إلى وحدة التقييمات التي تأسست عام 1945. وحتى منظمة الأمم المتحدة نفسها كانت نتاجاً لذلك النظام الليبرالي، فقط مع فارق أن وزن الإتحاد السوفياتي حينها كان كبيراً إلى درجة لا يمكن تجاهله.

إن هذا الزحف البطيء نحو مراجعة نتائج الحرب العالمية الثانية يقود، منطقياً، إلى تفكك المعايير التي إنبثقت عنها.

السبب الثاني أقل وضوحاً. فخلال ثمانين عاماً، تغيرت الخارطة السياسية للعالم جذرياً. فقد أدت موجة إنهاء الإستعمار إلى نشوء عشرات الدول الجديدة، وتضاعف عدد أعضاء الأمم المتحدة أربع مرات تقريباً. بالطبع، كانت الحرب حرباً عالمية لأنها مست جزءاً كبيراً من البشرية. ففي الجبهات الأوروبية وجبهة المحيط الهادئ، قاتل تحت رايات المستعمرات جنود من الأراضي الواقعة اليوم ضمن ما يسمى "الجنوب العالمي". لكن من الطبيعي ألا يكون جميعهم قد رأى في تلك الحرب معركة من أجل حريته الشخصية. بل على العكس، فإن الحركات الساعية للإستقلال، كمن كان يناضل ضد بريطانيا أو فرنسا، ربما رأت في أعدائهما حلفاء مؤقتين. وكان من الطبيعي أن يكون لهم فهم مختلف للأحداث مقارنة بالشعوب الأوروبية. وبشكل عام، فإن محطات القرن العشرين الرئيسية في ذاكرة البلدان المستقلة حديثاً تختلف إلى حد كبير عن تلك التي تعتبر من المسلّمات في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ورغم أنه لا وجود هناك لنزعة مراجعة صريحة كتلك الموجودة في أوروبا، إلا أن ترتيب الأولويات وتفاصيل التفسير تختلف اختلافاً بيّناً.

ومع كل ما سبق، فإن ذلك لا يُلغي الحقيقة الأهم:

الحرب العالمية الثانية لا تزال إلى اليوم الحدثَ الحاسم في مسار التطور الدولي بأسره.

لقد إستند السلام النسبي الذي ساد بعد الحرب إلى إدراكٍ جماعي بوجوب عدم السماح بتكرار ما حدث. وقد ساهمت مجموعة من القيود – من القواعد القانونية الدولية إلى الردع النووي – في تحقيق هذا الهدف. ولا مجال هنا لتجميل صورة الحرب الباردة، لكن لا شك في أنها حالت دون وقوع ما هو أسوأ.

أما اليوم، فإن الأدوات القديمة تمرّ بأزمة حقيقية. والمهمة الكبرى تكمن في منع إنهيارها النهائي. ولتحقيق ذلك، لا بد من العودة إلى ذلك التوافق الأخلاقي والفكري، الذي كان من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية. وبكلمات بسيطة: لا بد من إستعادة الذاكرة الجمعية لما كانت تعنيه تلك الحرب، وما الذي كان على المحك خلالها. فبدون ذلك، فإن أي تدابير عسكرية أو تقنية، مهما بلغت دقتها، لن تضمن الإستقرار الدولي.
------
**فيودور لوكيانوف
أستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد، صحفي وباحث سياسي، خبير الشؤون الدولية، رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية"، رئيس هيئة رئاسة " مجلس السياسة الخارجية والدفاع"، عضو هيئة رئاسة "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، المدير العلمي لمؤسسة التنمية والدعم لنادي الحوار الدولي "فالداي"، مؤلف ومقدم برنامج "المراجعة الدولية". أحد مؤلفي الموسوعة الروسية الكبرى.
------
يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان.. هل يمكن نزعه؟ | #ستوديو_


.. دبابات الاحتلال تستهدف قسم الجراحات التخصصية في مستشفى العود




.. لحظات تشكل إعصار في ولاية ألاباما الأمريكية


.. القناة 14 الإسرائيلية: إلقاء 3 عبوات ناسفة باتجاه الجيش الإس




.. أزمة مياه في أم درمان إثر اسهداف محطات الكهرباء.. ما القصة؟