الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشياء لن تتوارى

حسين التميمي

2007 / 1 / 29
الادب والفن


اندفع الماء من الانبوب المطاطي على اجزاء من جسده العاري بنصفه الاعلى ، بدأ يقفز فوق الحجر الذي رصف به فناء منزلهم الخلفي وهو يستشعر لذة تساقط القطرات الباردة على جلده ، القفزات بدأت تتحول الى مايشبه الرقص ، فيما المياه تصطدم بجسده الفتي الذي لم يتجاوز العشرين ربيعا ، لتعود ثانية كي تنتثر في المكان كما زخات غير منتظمة ، زخات تعكس قطراتها قبل ان تسقط ارضا .. شمس تموزية تتوسط السماء بتعامد حرج يكاد يلغي كل الظلال . شعر برغبة كبيرة في ان يعانق كل الازهار والاشجار وان يتمرغ بالطين العتيق وعبقه الرطب المدوخ .
من نافذة لمنزل مجاور ظهرت حدقتان لوجه له بريق انثوي مميز . الشاب بجسده الفتي كان منتشيا ، ومع كل قفزة او حركة راقصة كانت تقاطيع جسده تظهر تكوينا جميلا يعكس مدى قوة هذا الجسد ومدى تناسقه ، الماء أثقل بنطاله فتخلى عنه ، مكتفيا باللباس الداخلي الذي التصق باعضاءه ، الحدقتان في الأعلى توهجتا أكثر وبدا بريقهما أشبه بشموس صغيرة تلتمع من خلف زجاج النافذة . ولأول مرة منذ سنوات تحركت الأكتاف من خلف النافذة واستقام العمود الفقري فيما الأكف انشغلت بالبحث عن رتاج النافذة بحثا عن رؤية افضل لايعوقها لوح الزجاج .
صوت انزلاق الرتاج اثار انتباهة الشاب ، وحين لم تقع عيناه على من يقف خلف النافذة واصل الرقص والغناء بحماسة اكبر ، خمن أن ابنة جاره التي لم تتجاوز العشرين ربيعا تقف خلف الستائر وتنظر اليه . اعجبته اللعبة رفع عقيرته بالغناء بصوت اكثر اتساعا كي يبلغ مسامعها ، تخيل لون خديها وهو يؤدي حركات تعلمها من اصدقاءه لاغراء الفتيات الخجولات اللواتي ينظرن اليهم من الثقوب ، جسده الفتي وعلى الرغم من الماء البارد بات اكثر احتقانا ، وثمة اشياء تحتقن او تتصلب .
جنحت به الأخيلة وهو يرى الستارة تتحرك كي تشي بوجود شخص ما خلفها ، فكر في ان يتخلى عن آخر قطعة قماش يرتديها كي يثيرها اكثر ويجعلها تندفع نحوه ، لكنه تراجع عن رغبته وهو يفكر باحتمال ان يخيفها المشهد فتهرب ، فكر باللجوء الى حركات أكثر اثارة وايماءات تؤدي الفعل ذاته دون التورط بأي فعل لايمكن التراجع عنه ..
شيئا فشيئا بدأت الستارة بالانزياح ، دقات قلبه تسارعت أكثر فأكثر .. أحس بسخونة غير عادية تجتاح جسده سخونة لم تطفئها المياه الباردة ، لم يكن يعلم مالذي سيفعله عندما سيطل وجهها من خلف النافذة ، ثقل جسده ، لم يعد باستطاعته ان يواصل الرقص ، الثواني القليلة التي كانت تفصل بين تحرك الستائر وظهور الوجه الذي طالما حلم به ، كانت ثوانيا اكثر استطالة وبطء من كل الوحدات الزمنية التي يعرفها ، ود لو كان بامكانه ان يعاود ارتداء البنطال ، ود لو يغادر المكان بسرعة ، لكنه لم يقو على فعل أي شيء . مرت الثواني او الدقائق او الساعات الفاصلة مابين حركة الستائر وظهور الوجه ، وحين التقت الأعين ، اتسعت الاحداق ..
اتسعت اشياء اخرى .. ابتسامته على سبيل المثال كادت تبلغ اذنيه ، ود لو يقهقه في هذه الظهيرة القائظة ، ود لو يجلجل صوته حتى يسمع كل الناس قهقهته ، فكر وهو ينظر الى الوجه الذي برز امامه : هي في الخمسين او تربو على ذلك بقليل لكن نظراتها الى جسده كانت تشي بما دون ذلك بكثير ، بدأ الاحساس بالخيبة يتسلل اليه ، ود لو يصرخ بها : اقفلي النافذة ايتها العجوز . ود لو يشتم كل الاشباح التي أبت ان تمنحه عشتار التي يريد .
صرخ بأعلى صوته : أنا تموز .. انا ديموزي . الوجه خلف النافذة بدا كما لو انه تلقى كلمات سحرية ، هو لم يغادر خمسينيته لكنه بدأ بالتوهج ، بدأ بالاستعار رغبة وحرقة وتصببا . الفتى أحس بتبدل غريب ، وثمة نور انسكب على جسده من الأعلى فبدأ يرقص مجددا ، بدا يطرق الأرض بكعبيه العاريتين فيما شلال المياه يتساقط على جسده ويتناثر بألوان قزحية ، وثمة الحان انبعثت من مكان ما ، حدقتان متوهجتان بدتا من الاعلى ترسلان فيضا ً من نور .. نور متواصل متدفق كأنه شلال ماء .. مضيء . يمسح الجسد الفتي بأنامل خبيرة ، انامل لها عتق كل الشهوات والرغبات ، أنامل لها القدرة على فهم هذه التقاطعات بأكثر مما يمكن لأي أنامل اخرى على فهمه والتعامل معه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب