الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوش وسياسة الهروب الى الأمام

محمد مصطفى علوش

2007 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لعل الصفعات التي تنهال على الرئيس بوش وإدارته بفضل سياسته الفاشلة في إدارة الملف العراقي والملف اللبناني إضافة الى القضية الفلسطينية المركزية وتقديمها للدبلوماسية الإيرانية تديرها دون مقابل حتى باتت هذه الملفات أوراق بيد إيران تفاوض فيها الغرب والعرب في صراعها الإيديولوجي والتوسعي ، هي التي دفعته بأن يحول فوهة البندقية تجاه الضفة الاخرى ويسلط الضوء على بعبع جديد يُخوف الغرب لم يكن يراه بوش ولا C.I.A" " قبل شهور!

ففي أول خطاب سنوي له عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس تحت سيطرة الديمقراطيين، قال بوش الثلاثاء 23-1-2007هناك "خطر متصاعد" من المتطرفين الشيعة يعادل خطر القاعدة على الولايات المتحدة.

بوش الذي أظهرت عدة استطلاعات للرأي في أمريكا أنه لم يكن يومًا بمستوى الضعف الذي هو عليه حاليا منذ توليه الرئاسة في 2001 فشعبيته تراجعت إلى مستوى شبيه بمستوى شعبية ريتشارد نيكسون في 1974 الذي حفظ ماء وجهه بإستقالته بعد فضيحة ووترجيت الشهيرة، يبدو أن سياسته الثابتة دائما في ادارة الأزمات هي "الهروب والهروب دائما إلى الأمام" ، ومحاولة خلق واقع جديد مغاير أو مربك لمن يتابع أخطاءه أو يحصي عليه عثراته.

بوش الذي خسر أكبر حلفائه وأزلامه من "الإنجيليون الجدد" داخل البيت الأبيض بدأً برامسفيلد مروراً بديك تشيني وأخيراً وليس آخراً بجون بولتون ، بوش الذي تلاحق إدارته انتقادات داخلية وخارجية بشأن الحرب على الإرهاب جراء ما يرافقها من سقوط ضحايا والانتهاكات التي تمارس بحق معتقلي جوانتانامو.

بوش الذي هاجمه ربيبه نوري المالكي ، الذي هو أضعف رجل عرفته بغداد حتى الآن أمام عصبات الإجرام وفرق القتل على الهوية من الميلشيات الصدرية وأزلام الحكيم وغيرهم ،خلال مقابلة مع صحيفة "كوريرا دي لاسيرا" الإيطالية بالقول "إن الرئيس الأميركي جورج بوش لم يكن يوما بالضعف الذي هو عليه اليوم بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي" معرباً عن اعتقاده بأن الرئيس بوش بدأ يرزح تحت عبء الضغوط الداخلية وربما فقد السيطرة على الوضع فـ"الإدارة الأميركية الحالية في مأزق كبير، وقادتها هم الذين شارفوا على النهاية وليس الحكومة العراقية" بحسب المالكي.

بوش المحاصر من قبل كل هؤلاء لم يجد مخرجاً لأزمته إلا بتحويل دفة المركب التي يقود بها الولايات المتحدة الى ايران الدولة المتملمة والطموحة للوصول الى الإمبرطورية التي حلمت بها طويلا والتي لم تجدها إلا بوراثة ما تبقى من التركة الإستعمارية للولايات المتحدة في الخليج والعراق ليصل نفوذها الى كل بلد فيه أكثرية أو أقلية شيعية ، تراه يخرج اليوم ليمهد لحرب جديدة على ضفة أخرى من خلال هجمة كلامية على ايران محملا إياها كل ما يحدث في العراق من فشل له ولإستراتجيته.

وحتى يكسب الشعبية المؤيدة له في الشارع الأمريكي كان لا بد أن يذكرهم ولو ذوراً انه نجح في ردع القاعدة ونظام صدام حسين من تدمير الحضارة الامريكية وان المجتمع بات الآن أكثر أمنا من أي وقت مضى ، ضارباً بعرض الحائط ما تجمع عليه مراكز البحوث والدارسات المحايدة من أن العكس هو الصحيح . حتى يخال اليك أنك إذا أردت معرفة الحقيقة يوما ما ، ما عليك إلا ان تسمع لجورج بوش الأبن وتعكس كل ادعائاته فيبين لك الخبر اليقين من الملفق.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا بوش يدفع الولايات المتحدة الى مزيد من الغرق في مستنقع الحرب على الإرهاب ولماذا يريد أن يضيف له بعد جديد لم يكن معروف سايقا وهو البعد الشيعي عموما وايران خصوصا في المعركة؟

هل لأن المقاومة الشريفة المتماسكة في كل من العراق ولبنان وفلسطين أربكت الهيمنة الأمريكية الجديدة على الشرق الأوسط وأقعدت إدارتها المتصهينة من تحقيق أجندتها ، فكان لا بد من ضرب هذه القوة بعضها ببعض عبر إشعال فتن طائفية وعرقية في المنطقة لتفكيك كل حركات المقاومة وانكفائها على ذاتها لجعلها تأكل بعضها كما تأكل النار نفسها ؟ وهل هناك اكثر من ضرب إيران إضافة الى الفتن الطائفية المندلعة في العراق ولبنان يسرع هذا المشروع ؟

بوش حتى يشحن المجتمع الأمريكي في سياسته القادمة ، كان لا بد من ان يذكرهم بما خفف من هجمات محتملة عليهم من قبل منظمة القاعدة وذلك من خلال استراتجية الهجوم المسبق. ولكي يعطي شرعية لما سيقدم عليه من عمل فقد نوه في خطابه بتحقيق عدة نجاحات سابقة ، منها إحباط مخطط للقاعدة بخطف طائرات وتفجيرها في أعلى برج على الساحل الغربي للولايات المتحدة، وإحباط مخطط لخلية في جنوب شرقي آسيا كانت تخطط لهجمات داخل الولايات المتحدة، وإفشال مخطط للقاعدة تستخدم فيه مادة الأنثراكس، بالإضافة إلى إحباط مخطط لتفجير طائرات فوق المحيط الأطلسي وهي في طريقها في الأجواء للولايات المتحدة.

وبلفتة ذكية منه نسبيا في مخاطبة مجتمعه ربط بين خطر القاعدة وخطر الشيعة ليقل انهم في خندق واحد ، ومضى يقول: "في الآونة الأخيرة اتضح أيضا أننا نواجه خطرا متصاعدا من المتطرفين الشيعة الذين يشبهونهم في العداء لأمريكا، وعازمون أيضا على الهيمنة على الشرق الأوسط". مضيفا: "كثيرون معروف أنهم يسترشدون بالنظام في إيران الذي يقوم بتمويل وتسليح الإرهابيين من أمثال حزب الله". ومشدداً على أن "المتطرفين الشيعة والسنة وجهان مختلفان لخطر شمولي واحد". ومعتبراً أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي ، وأتباعهما من "المتطرفين السنة" هم مجرد معسكر واحد في "الحركة الراديكالية الإسلامية".

وبنظره أن توجهه الجديد صحيح لأن الصورة اتضحت كثيرا "صورة طبيعة العدو في السنوات التي مضت منذ هجمات القاعدة في 11 سبتمبر 2001 على أهداف أمريكية" مضيفاً "في السنة السادسة منذ الهجوم على أمتنا، أتمنى أن أنقل لكم أن المخاطر قد زالت، إلا أنها ما زالت قائمة".

وحتى تكتمل له الخطوات المطلوبة لإنجاح مخططه ، قال بوش محاولاً إقناع ما تبقى من المستمعين له في الكونغرس: "بلدنا ينتهج إستراتيجية جديدة في العراق، وأسألكم إعطاءها فرصة للنجاح. ..ما زال بوسعنا تحديد نتيجة هذه المعركة.. دعونا نشحذ عزيمتنا ونحول دفة الأحداث نحو النصر...اذا تراجعت القوات الأمريكية قبل ضمان أمن بغداد، فإن المتطرفين سيسيطرون عندها على الحكومة العراقية من كل صوب". وإلا فلنتوقع "معركة طويلة بين المتطرفين الشيعة المدعومين من إيران، والمتطرفين السنّة المدعومين من قبل القاعدة ومناصرين من النظام السابق. وقد تتفجر موجة عنف في أرجاء البلاد، ومع الوقت قد تنجر سائر المنطقة إلى هذا الصراع".
لا يشك عاقل ،يسمع ما قاله بوش في هذا الخطاب، أنه قادم على عمل جديد وخطير في المنطقة ، وإن كنا لا نستطيع ان نجزم بطبيعة هذا العمل.

وتحسباً من أي خطر على الولايات المتحدة في حال تحول الشرق الأوسط الى بركان ملتهب إذا فشلت خطته في تطويع الأنظمة والحركات المناوئة للسياسة الأمريكية في المنطقة ، فقد اقترح تخفيض الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد بنسبة ثلاثة أرباع من إجمالي النفط المستورد حاليا من منطقة الشرق الأوسط بحيث تدنى النسبة الى 20% على مدى 10 سنوات ، والتعويض عنها بزيادة استخدام أنواع الوقود البديل مثل الإيثانول بحلول 2017.

كلام بوش هذا دفع بالسناتور الديمقراطي المعارض جيم ويب ، وهو المحارب القديم الذي خدم في فيتنام، والذي شغل منصب قائد سلاح البحرية خلال إدارة الرئيس الجمهوري رونالد ريجان أن يقول "لقد أخذنا الرئيس إلى هذه الحرب بطريقة متهورة" متحديا بوش الذي ينشلهم من حرب ليغرقهم في أخرى أن يدعم بوش زيادة الحد الأدنى للأجور التي سبق أن أقرها الكونجرس، وان يبني اقتصادا يساعد الطبقة المتوسطة .
فهل يستطيع ان بفوت عليه الديمقراطيون وبعض الجمهوريين المعارضين لسياستهم الفرصة من إدخالهم بحرب جديدة متسلحين بنفس استراتجيته القائمة على منطق الهروب الى الامام فيعملون على تحول فوري تجاه دبلوماسية ترتكز على دعائم إقليمية قوية، وسياسة تخرج جنودهم من شوارع بغداد ،وصيغة تسمح خلال وقت زمني قصير لقواتنهم المقاتلة بمغادرة العراق؟
أليس ما يثير الحنق والغضب والسخرية معاً ان العرب في كل الرهانات سيخسرون سواء ضربت أمريكا إيران أو تركتها توسع نفوذها في المنطقة العربية. فإلى متى نحن العرب سنبقى مفعول فيه ونظل ننتقل من وصاية بريطانية الى وصاية أمريكية وربما غداً الى وصاية فارسية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح