الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الكريم قاسم:العلاقة بين السيرة الذاتية والمحاولة اليتيمة لخلق الهوية الوطنية العراقية

فاخر جاسم

2007 / 1 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



يواصل الباحث المتخصص في تاريخ العراق المعاصر الدكتور عقيل الناصري مواصلة أبحاثه حول دور الزعيم عبد الكريم قاسم في التغير السياسي والاجتماعي في العراق خلال القرن الماضي. وقد صدر له مؤخراً آخر أبحاثه في هذا المجال حيث تناول ماهيات السيرة الذاتية لعبد الكريم قاسم. يتضمن الكتاب خمسة فصول ومجموعة من الملاحق.

في الفصل التمهيدي، يتناول الباحث أهمية ثورة 14 تموز 1958 ، باعتبارها أحد أهم المشاريع النهضوية في تاريخ العراق الحديث مشيراً على أبرز ملامح هذا المشروع باعتباره يمثل " نقلة حضارية نوعية وممارسة اجتماعية عضوية غيرت من واقع التركيبة الاقتصادية وانعكاسها الجدلي على العلاقات الاجتماعية والمناخ الاجتماعي ودمقرطة الثقافة " ص 15.

ويتوصل الباحث إلى استنتاج مهم عن أسباب عدم تحقيق هذا المشروع الأهداف المتوقعة منه فيوعزها إلى التناقض الداخلي لبنية المشروع النهضوي نفسه وجانبيه السياسي والاجتماعي اللذان يحتاج تحققهما " إلى فاصل زمني، بين هذين الجانبين، كما أكدت تجارب الثورات الكبرى، إذ غالباً ما تحدث الثورة السياسية ثم الثورة الاجتماعية. لكن بالنسبة لثورة 14 تموز فقد كانتا في ثورة واحدة" ص 16.

في الفصل الأول، استعرض الباحث دور الفرد في التاريخ، محللاً نظريتين أساسيتين في هذا المجال، الأولى، نظرية الفيلسوف والمؤرخ الإنكليزي ، كارليل، الذي يرى" في التاريخ العالمي هو جوهره تاريخ الرجال الأعاظم " والنظرية الثانية ترى أن التاريخ يصنعه الأفراد.

ويحاول الباحث أن يبرهن على أن دور الفرد يكون مؤثرا إذا توفر الانسجام بين مواهبه الذاتية والظروف الاجتماعية التي يتحرك فيها، وهذا الأمر ينطبق على عبد الكريم قاسم، مشيراً إلى أن برنامج قاسم، أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار، حيث قام برنامجه على العقلانية لأنه كان يتضمن التصورات التي يمكن تطبيقها فعلاً على أرض الواقع وليس مشاريع للدعاية السياسية.

أما الفصل الثاني فخصصه الباحث، للظروف الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن العشرين. مشيراً إلى أن سنوات الهيمنة العثمانية كانت " فترة مظلمة من الناحية الحضارية .. وكان العراق واحداً من أكثر مقاطعات الإمبراطورية تخلفاً" ص 84. ويركز الباحث، كما في دراساته السابقة، على دور المؤسسة العسكرية العراقية في التأثير على التطور الاجتماعي والسياسي في العراق بعد إعلان الحكم الأهلي 1921 ، بحيث أصبحت النخب من الأصول العسكرية العثمانية، الطغمة الحاكمة التي تداولت السلطة خلال فترة الحكم الملكي 1921 ـ 1958. وقد مثل احتكارها للسلطة عائقاً رئيسا في تطور النظام السياسي في العراق الذي تمييز نظامه السياسي بالتقدم بالمقارنة مع مستوى التطور والاقتصادي والوعي الاجتماعي لعراق تلك الفترة.

في الفصل الثالث، قام الباحث بتحليل تأثيرات البيئة الاجتماعية والسياسية التي عاش فيها عبد الكريم قاسم، حيث كان أكثر التصاقاً بصراعاتها المختلفة فيرى " أن عبد الكريم قاسم قد تأشر معرفيا ونفسياً في الصراع السياسي والاجتماعي الذي احتدم منذ النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي والذي دللت عليه جملة من الحوادث منها على وجه الخصوص .. ما عرف بالأدب السياسي بـ( مسالة النصولي) عام 1927 في الثانوية المركزية حيث درس الطالب عبد الكريم قاسم والتي كانت تمثل آنذاك بؤرة للتحرك السياسي للطلبة؛ وكذلك قدوم الداعية الصهيوني موند إلى العراق عام 1928" ص203. فالأولى حركت فيه نبذ الطائفية التي أراد ، النصولي ، تأجيجها في المجتمع العراقي، والثانية حركت فيه المشاعر الوطنية ـ القومية. وقد استمر الزعيم قاسم، بمراقبة التطورات السياسية والاقتصادية خلال مراحل حياته المختلفة التي ابتدأت بالعمل في سلك التعليم في إحدى مناطق العراق النائية، فلاحظ المستوى البائس لحياة الفلاحين. وأقترب أكثر من قلب الصراعات التي كان يعيشها المجتمع عندما أصبح ضابطاً في الجيش العراقي. فبدا يفكر في العمل من اجل تغير الأوضاع القائمة بكل الوسائل بما فيها استخدام المؤسسة العسكرية.

يخصص الباحث الفصل الرابع، لدور المؤسسة العسكرية في تكوين الوعي الوطني لعبد الكريم قاسم، حيث كان يراقب انتفاضة الجيش العراقي ضد الوجود البريطاني، في أثناء حركة مايس 1948، وحركات الجيش العراقي ضد انتفاضة الحركة البرزانية الثانية عام 1945، ومساهمته الشخصية في حرب فلسكين عام 1948، ودور الجيش العراقي في قمع انتفاضات الشعب العراقي خلال أعوام 1948 و1952. إن هذه الأحداث دفعت عبد الكريم قاسم لتعميق معارفه السياسية بمطالعة الأدب السياسي الوطني وخاصة الكتابات الماركسية والديمقراطية.

في الفصل الخامس، يركز الباحث على دور قاسم في تكوين حركة الضباط الأحرار التي خططت لتغير نظام الحكم الملكي عن طريق العنف. يشير الباحث في بداية الفصل إلى تزايد دور المؤسسة العسكرية في بلدان العالم الثالث، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وخاصة في بلدان الشرق، مركزاً على الدور المزدوج الذي تقوم به فئة الضباط ، حيث يقوم هؤلاء بدورين، الأول إداريا باعتبارهم أعضاء في واحدة من أهم مؤسسات الدولة، والثاني دوراً سياسياً، باعتبارهم يمثلون تطلعات الفئات الاجتماعية التي انحدروا منها. وأخيراً يتوصل الباحث إلى أن دور المؤسسة العسكرية، يتزايد بقدر تزايد الاستبداد في المجتمع مشيراً إلى أن دورها يضعف في" المجتمعات الراسخة في الديمقراطية، حيث جعلت المؤسسة العسكرية بكاملها تحت سيطرة المدنيين" ص357.

وأخيراً للدراسة ميزات كثيرة من أهمها:
1 ـ اعتمد الباحث على الطريقة الحديثة في التحليل السياسي التي تهتم بدراسة سياسة القادة وليس على صفاتهم الشخصية وبحياة الشعب وفعاليته السياسية تجاه الأحداث وليس حياة النخبة ورؤيتها السياسية، وأخيراً دور الثقافة والعلوم الأخرى في تكوين العقلية السياسية للشعوب.
2 ـ بذل الباحث جهداً متميزاً في البحث والتنقيب في المصادر والوثائق، خاصة المذكرات الشخصية لمسؤولين ساهموا في قيادة السلطة التي أقامتها ثورة 14 تموز، وكذلك وثائق الأحزاب السياسية وتحليلاتها لأحداث سلطة الثورة.

3 ـ كما أن نشر الدراسة في الظروف الراهنة، يحتل أهمية كبيرة، عندما نقارن بين مساعي الزعيم عبد الكريم قاسم الجادة لخلق هوية وطنية عراقية واحدة، أساسها الولاء للوطن، وبين الفئات التي حكمت العراق، بعد الاحتلال الأمريكي، حيث أدت سياساتها إلى انحدار المجتمع العراقي إلى صراعات عبثية أدت إلى تشظي وعي المواطن العراقي على ولاءات تقوم على الطائفية والقومية والعنصرية والإقليمية. إن كل ذلك يجعل من الدراسة ذات قيمة ومرجعاً مهماً لمراكز الأبحاث والباحثين وكذلك للسياسي الذي يبحث عن الحقيقة عند دراسة التاريخ السياسي المعاصر للعراق. كل هذه الميزات تجعل من الدراسة إضافة نوعية للمكتبة العربية.

فاخرجاسمالسويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة