الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجون الإسرائيلية بديلا لأعواد المشانق

منقذ ابو عطوان

2007 / 1 / 29
أوراق كتبت في وعن السجن


السجن هو وسيلة لمصادرة حرية المسجون، وقد عرف منذ أمد بعيد، منذ حكم الفراعنة في مصر، وقد ذكر القرآن الكريم قصه سيدنا يوسف عليه السلام، حيث أمر الحاكم بسجنه وقد ورد ذلك في الآيات من 32- 43 من سورة يوسف. وهذا الأمر يقودنا إلى أن السجن كان موجوداً منذ القدم. وقد صاحب السجن تحولات عده مع التطور الذي طرأ على الحياة المدنية والمجتمعات بشكل عام.
فالسجن في العصور القديمة كان العقاب يمارس فيه بشكل مشهدي، بمعنى إلحاق الضرر والتشويه في جسد السجين وفي بعض الأحيان كان يمارس العقاب في الساحات العامة أو أمام جمع غفير من المساجين لكي يطول العقاب ليس جسد المعذب فقط وإنما جسد جميع من شاهد العقاب. هذا النوع من العقاب المشهدي اتصف به السجن في ما يسمى بعصر الظلمة أو ما قبل التنوير، وبعد التحولات الاجتماعية التي رافقت الثورة الصناعية وشيوع مفاهيم الديمقراطية وحرية الإنسان وقيام مؤسسات مدنية ترعى وتراقب عمل السجون من أجل تطبيق هذه المفاهيم وحرصاً منها على الحفاظ على كرامة الإنسان في السجن.

إن وجود المؤسسات التي تدافع عن حقوق السجناء أسهم في تحول هدف السجن من مؤسسة قائمة لتنفيذ العقاب فقط، إلى مؤسسة تسعى إلى إعادة إنتاج السجين وتطويعه لخدمة النظام والمجتمع الذي يعيش فيه، من خلال عمليات الإصلاح والتأهيل في السجن، وبالتالي فإن السجن تحول من مؤسسة عقابيه صرفه إلى مؤسسة إصلاحية تسعى إلى إعادة تقويم سلوك الفرد وتصنيعه بما يتماشى مع ثقافة وسياسات الدولة ( النظام ) ومن ثم العمل على إعادة تأهيله وتعليمه حرفة ما أو أي عمل يستطيع من خلاله السجين المساعدة في مصروف بيته أو مصروف إقامته في السجن، بمعنى إعادة إنتاج السجين من جديد ليخرج إلى المجتمع محكوماً بضوابط سلطوية تخدم مصلحة النظام والمجتمع. هكذا أصبح السجن في المجتمع الحداثوي المتأثر بالأفكار التحررية والديمقراطية والمساواة. سجن يليق بمجتمعات حضارية ومتطورة

والسؤال الآن هل السجن الإسرائيلي المعد لاعتقال المقاوم الفلسطيني يشبه السجن الحداثوي الذي تحدثنا عنه.
السجن الإسرائيلي المعد لاستقبال المقاومين الفلسطينيين هو سجن استعماري منسوخ عن السجون المعدة لاعتقال المجرمين الإسرائيليين، وطالما أنه منسوخ فإنه وبالتأكيد لا يشبهه لأن الصورة لا تشبه الأصل وبالتالي فإن السجن في حال نسخه في موقع أخر لا يشبه السجن نفسه، وإنما يصبح سجن أكثر قسوة وإيلام عن سابقه.
فالسجن الإسرائيلي لا يهدف لإصلاح السجين الفلسطيني أو تأهيله، وإنما يهدف إلى قتله وإنهائه وشطبه عن المسرح الفلسطيني كشخص فاعل في التاريخ. وذلك لأن المقاوم الفلسطيني لا يعاني من خلل سلوكي أو انحراف اجتماعي يتطلب إعادة إنتاج جديد أو إصلاح كما يهدف السجن الحداثوي في إصلاح السجناء المواطنين للدولة نفسها. كما أن السجن الإسرائيلي لا يهدف إلى تأهيل الأسرى الفلسطينيين، وذلك لأن الأسرى انخرطوا في صفوف المقاومة نتيجة إيمانهم وقناعا تهم بأن لا خيار لاسترداد حقهم وتحرير أرضهم وإقامة دولتهم إلا بالنضال، وبالتالي فإن الدافع لهم كان الإيمان والقناعات وليس نتيجة سوء وضع اقتصادي وبطالة عن العمل تتطلب إعادة تأهيل لهم داخل السجن ليصبحوا شخوصا قادرين على المساهمة في العملية الإنتاجية.
وبالتالي فإن السجن الإسرائيلي لا ينظر في مصلحة الأسرى الفلسطينيين ولا يبحث في كيفية تغيير شروط الاعتقال بما تخدم مصلحة الأسرى. أي أنه ليس معنياً أصلاً في توفير ما يخدم الإصلاح أو التأهيل لهم حسب فلسفة السجون الحداثية، وإنما يسعى إلى التخلص منهم بطرق حداثية الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن هذه الطرق.
إن إسرائيل ومنذ قيامها على أرض ليست بأرضها وإحلال شعب مكان شعب أخر سعت وبكل الطرق إلى التخلص من الشعب الأصلي وبطريقة، تشبه إلى حد ما، ما قامت به أمريكا في التخلص من الهنود الحمر السكان الأصليين في أمريكا. إلا أن إسرائيل كدوله يدعي دستورها بأنها دولة ديمقراطية سعت من أجل تجميل وجها منذ بداية نشأتها إلى إعلان رفض إصدار أحكام الإعدام بحق من تتهمهم بارتكاب مخالفات كبيرة، هذا الشكل من الرفض ساهم في تجميل صورة إسرائيل في دول العالم كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتسعى إلى الحفاظ على حياة الإنسان وعدم نزعها.
ولكن فهل حقيقة أن إسرائيل لا تجري عمليات إعدام بحق الأسرى الفلسطينيين ؟؟
من خلال النظر في مسيرة السجون الإسرائيلية المعدة لاعتقال المقاومين الفلسطينيين فإننا نرى أنها سجون هجينة بمعنى أنها تستخدم العقاب المشهدي (ما قبل حدا ثوي ) والنفسي ( الحداثوي ) بمعنى أنها تستخدم وسائل عقابية تطول الجسد وذات ( الروح) الجسد وهذه الأساليب الأكثر قسوة وإيلام تمارس على الأسرى الفلسطينيين دون أن نرى أي احتجاج دولي أو مؤسساتي يندد بالمجازر الجسدية والنفسية التي ترتكب بحق الأسرى الفلسطينيين وما يثبت ذلك أن عدد الأسرى الذين تم إعدامهم دون إصدار حكم الإعدام عليهم يصل إلى 183 أسيرا استشهدوا داخل السجون وكان أخرهم الشهيد الأسير جمال حسن السراحين وأن أكثر من 287 أسيرا استشهدوا خارج السجون نتيجة تأثرهم بإصابات داخل السجن وكان أخرهم الشهيد مراد أبو ساكوت رحمهم الله جميعا

هؤلاء الأسرى الشهداء جميعا لم يصدر بحقهم قرار إعدام من محكمة إسرائيلية وإنما صدر بحقهم حكم الإعدام ليس هم فقط وإنما بحق جميع الأسرى من النظام السياسي الإسرائيلي بطريقة حداثية تبعد عن الأذهان تلك الطرق الهمجية والمستخدمة بأعواد المشانق
أن السجون الإسرائيلية تم إنشائها وتجيزها لتكون مقبرة لجميع المقاومين الفلسطينيين دون استثناء وتم تصميمها بحيث تكون بديلا حضاريا لأعواد المشانق فإعدام الأسرى بالمشنقة أمر يثير الرأي العام الدولي والمحلي إلى جانب أن إسرائيل لا ترغب بأن يصبح هؤلاء المعدومين أبطالا ورموزا في تاريخ النضال الفلسطيني، وبالتالي فإن السجون شكلت بديلا حضاريا؛ بمعنى أن السجون مصممه لإنهاء المقاومين الفلسطينيين والتخلص منهم عبر الزمن بما لا يلحق المسؤولية عن قتلهم أي أن السجون هي بحد ذاتها أعواد مشانق تسلب حياة الأسرى بشكل بطيء وتحقق الهدف من عملية التخلص من الفلسطينيين
إن إعدام 182 أسيرا داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي أو الضرب المبرح أو من خلال تجريب بعض المواد الكيماوية على أجساد الأسرى ليعتبر أسلوبا أكثر إجراميا من إعدامهم في المشانق، كما أن إعدامهم بعد خروجهم من السجن نتيجة ما حملوه معهم من أمراض خطيرة حملتهم إياها إدارة السجن أو نتيجة قصفهم بالطائرات ليعتبر أسلوبا متمماً لما سبقه في تحقيق هدف الاحتلال في التخلص من الأسرى والمقاومين دون أن تنصب مشنقة واحدة.
فإلى متى يبقى الأسرى الفلسطينيين حقولاً لتجارب الموت الإسرائيلية؟ وإلى متى هذا الصمت الدولي الرهيب حيال أسرانا البواسل. لذا فأنني أطالب المجتمع الدولي، والمؤسسات الإنسانية التي تعمل في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان التدخل الفوري لوضع حد للمجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق أسرانا البواسل في سجون الاحتلال. كما أدعو كافة أحرار العالم للتنديد علناً بهذه المجازر والخروج من مكاتبهم المزركشة لمساندة وحماية عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين الذين ينتظرون دور إعدامهم داخل السجون الإسرائيلية.

كما أدعو مؤسسات الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود وكل المؤسسات الدولية الفاعلة في مجال حماية الحريات والإنسان، لأخذ دورهم الحقيقي ومناصرة الأسرى وحمايتهم من أجل توفير العلاج اللازم لهم وكفاهم حيادية زائفة؛ لأن حياة أسير فلسطيني واحد أفضل من كل تقارير الدنيا.
إن سياسات الإهمال الطبي المتعمدة من أجل التخلص من الأسرى الفلسطينيين كما حدث مؤخرا وقبل أيام مع الأسير الشهيد جمال السراحين تستدعي منا جميعا الوقوف والصراخ أمام كل المؤسسات لتضع حدا بمشانق الاحتلال الحداثوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك


.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين: