الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستيفن سبيلبيرغ ، في رائعته الدرامية : - إمسكني اذا استطعـت

عباس الحسيني
شاعر ومترجم وكاتب معرفي

(Abbas Alhusainy)

2003 / 7 / 22
الادب والفن



[email protected]
 
 

 
ستيفن سبيلبيرغ ، في رائعته الدرامية : "  إمسكني اذا استطعـت " :
التأريخ ، قد يدان برؤى الجريمة الإجتماعية
 

 

 

 
في العودة الى متخيل أروقة مكتب التحقيقات الفيدرالي ، او ما يعرف عندنا إختصاراً ، بالـ :  أف بي آي ، حيث الكم الهادر في قاعدة  البيانات وماكنة إخراج المعطيات ، التي تمثل من جانب الرؤية النافذة والأخيرة للقانون ، بصفته مشرّعا ومنّفذا ، في التصدّي والوقوف عند  نتائج ذلك التراث الإجرامي والمعلوماتي ، بصفته اي القانون ، الراعي الأول لحدود و وآفاق الأفراد ،وأما الجانب الآخر فهو الكم الهائل من تراث القهر والأيلام ، اللذان يعتملان في روح  وذاكرة المجتمع ، على انها تلك التجارب الإنسانية التي تمثل المعيار الدقيق والأوحد للنزوع الإخلاقــي والإنساني.
 
 ولإن ستيفن سبيلبيرغ ،، هـو من مخرجي النزعة القلائل ومن الأفذاذ الذين يؤثرون ، دعم واحاطة الخطاب السيمي ،  بكوامن ثيم التتويج الإخلاقي وذلك عبر زج خلفيات المعارف الإنسانية كلها قي بوتقة الظهور المشرف الأخاذ على شاشة فضية ، تمثل الحياة الحقيقة للأفراد وهو يتحركون ضمن قوالب إيديولوجيا فرائض الحياة اليومية جنبا الى جنب ما يمكن ان يحدث من تناظر في  السلوك الإنساني او ما يعبر عنه بــ - فرص  التماثل في سلوكيات وافعال أفراد المجتمع الواحد  - عبر مداهمة الزمن – اتأريخ الفاعل فيها –  وهكذا يركز  المخرج اولى دقائق شريطه الدرامي المشوق والأخير – إمسكني إذا استطعت - بنقد قضائي وسياسي مضمن ، لسجون فرنسا في مطلع الستينات ، وحيث المهمة الشاقة التي اسندت الى ممثل التحقيقات الفيدرالي النجم - توم هانكــس – للعمل على ترحيل اشهر شخصية تزوير عرفت في تأريخ الولايات المتحدة الأميركية –  وهو النجم الوسيم ذو الأصول الإيطالية – ليوناردو دي كابرياني – ومن هنا يقفز الواعي - سبيلبيرغ - الى حيث التأريخ الاجتماعي لعائلة تنحدر اصول الأم فيها من فرنسا ، فيما الأب الدبلومسي ، ورجل الأعمال الناجح هو أميركي بطبيعة الحال ، وذلك التحول في منهج العائلة الأخلاقي وإلتزامها الإجتماعي ، اثر حدث إفلاس الاب ، وضياع معايير التزام الأم المزواج ، إمــرأة التطلعات المحظورة .
   ان التناغم بين جريرة العائلة في امسها التليد وواقعها المهمش ، في عالم صخب أدوات البذخ والتواصل التكنوقراطي ، هو ما كان ما يظهر جليا في شخص المتتبع لأثر الجريمة المتمثلة بتحول نتاجها الأوحد – الإبن دي كابرياني – الى : اشهر مزور ٍومنتحل ٍشخصيات ٍفي تاريخ اميركا برمته – وبين الواقع الأنساني الذي تظهره مطامح البطل السلبي ، والذي استطاع المخرج وبمعية شفافية وبراءة ملامح محيا وجسد بطله اللامع  في هيجانه الهاملتي – لإسترداد عرش بقاء العائلة المنهارة أو العمل على إبقائها موحدة ، على الأقل ، وهــي العقدة الهامليتية المتولدة من إكرام الأم إبنها المتمرّد ، ما درّ عليها ، من أموال لممارسة الحب ، مع رجال كانوا الرفاق الادنى في المنزلة والثروة مقارنة بابيه المعزول ، وهو المتحول من نطاق النجاح الدبلوماسي والتجاري الاخاذ الى نطاق العامل الأجير والصبور المكافح ورجل المباديء الشريفة . . . . التي لقن فسما منها ولده العاق ، للأخذ بها عبر مرور الإبن الى محطته الأبوية سارقا ، وعراض اموال منهوبة ، من جعبة الناس والمجتمع والمؤسسات ،  مع رفضه المتكرر لإغراءات الإبن الذي جمع ثروة تقدرها ملفات مكتب التحقيق الفيدرالي بــ 40 مليون دولار إذا ما نظر الى هذا الرقم على يمثل ثروة مخيفة وهائلة في مطلع ستينيات قرننا الحالي ، لقد اخذ المحقق الذي هجر عائلته ولمدة 15 عاما ، بحثا وراء هذا اللغز المصرفي الدولي المدمر ، والبحث عن الحائك لخيوط تلك الجريمة العصية على الإحاطة والامساك ، وهو ما ابتكره المخرج عبر نقل مجاميع متكاملة من الأحاسيس والمشاعر والواجبات الإنسانية ايضا – من قبل المحقق ونبل الأداءه الإنساني للمصلح المخرب ، والباحث المحموم عن الثروة والأضواء  ، انه المجرم الموزع بين براءة النية وسوء الأدوات ، وهو النقد الموجه لكوامن ذلك العقد الإجتماعي لما فيه من تغييب للأفراد وأحضار للأضداد ، وهنالك ايضا المسار الأدق والاسمى ، وهم ضحايا التزوير من ابرياء المجتمع  –  انهم عاديون يملؤن الشوارع والدوائر والبيوت ، في سعيهم  لتوثيق ادنى اثر لبهجة الحياة الصاخبة ، فهم لاذنب لهم ولايدركون كيف يولد المجرمون والطغاة ومستغلي المجتمع المدني الآمن ، والى هذا هناك نوع من الحب الإنساني ، حب التعامل والمواجهة ، انه نوع من الإعجاب المقرب الذي يكنه راعي القانون للمذنب على انه الضحية الأولى في هذا المسار وعلى انه المبدع في حيزه الإجرامي ايضا وكذلك في كونه يمثل العائق ، او ما يمكن ان يحول بين رؤية القانون في رسالته ذات الثيمة الإصلاحية وبين انفصال الإفراد عن المغزى الأجود المتمثل بــإطاعة القانون إطاعة عمياء – والسغي الى الحياة المستقيمة ، تلك التي حياة تعج الذات الإنسانية فيها بالموروثات الأجمل والأروع ، وهو ما ذهب اليه وعي القانون ضمن إجتهاده المضاد إذا صح التعبير للإجهاز على تلك المحايثة الفكرية لإقحامها في مضمار التحول الإخلاقي .
    انه المسار الطبيعي للاستسلام والسكينة إثر صورة الأم جذر العائلة الاول كما قال شاعرنا
العربي :
 
الأم مَدرَســـة ٌ إذا أعْدَدْتها               أعْدَدْت شَعبا طَيّب الأعْراق ِ
 
 ففي حياتها المحدثة ابان اخر ليلة لعيد الميلاد حيث التمازج مع صخب الأضواء الأخيرة التي جعلت من البطل المــأساوي ولأول مرة على انه بطل قادر على الرؤية والرؤيا معا ، ففي الإشارة الى - الرؤية الأولى - على انها ما يحدث على ارض الواقع المعاش واما الثانية على انها ، غيوم التخييل المهيض ، وها هو قد غدا الآن ، وبملء ارادته الحقـّة ، مستخدما ماهرا في حل شفرات التزوير التي تنهال وبالالاف يوميا على مكاتب التمحيص والتدقيق والمراجعة حيث المهرة من هواة تزوير وقائع الحياة وروتين العمل اليومي ، ومن المتطلعين الى واقع ضنهم انه وبمعية وفرة المال وسيادة ذواتهم المدعومة فيه ، دون اي معايير في التوجه الإخلاقي ، سيغدو افضل بهم او لهم ، وعن مشاهد الحياة السريعة ، يقوم البطل المثار إجتماعيا بعمل طيار وطبيب ومحامي وتاجر ، ودون جوان من الدرجة الأولى !!
         غير ان المشاعر الحقيقة تكمن في الصيرورة التي حملته على هجر تلك المحطات من ماضيه غير الفردي وعمله الذي ترتفع فوقه كاميرات المبدع سبيلبيرغ – حيث الصورة المستخلصة النهائية من ان كل الأفراد قد يكونون وديعون في المشاعر ومجرمون في الأدوات ، احرار في الهمـّـة وعبيد في التسخير والإختيار ، متكاملون في الإنتماء ومتناقصون عند التحرر والإنفصال فها هو المجرم المطارد وقد غدا افضل واذكى مستخدم عند ذات المؤسسة التي كان تبحث وهو مدان بخلفيات العبث الرسمي ، وهو ما يظهره الشريط في مروره الأخير من اسطر لهذا المجرم التائب والمثابر وقيمة الراتب الذي يتقاضاه جراء مساعدة مؤسسات التدقيق الحكومية في البحث عمن يسلكون منهجه المنصرم ... وبكل إبداع !!     
وهنا يثبت – ستيفيـن سبيلبيرغ -  وبعد عدة محطات إنسانية عدة ، مع افلام على غرار
 – الأيام الاخيرة –  عينان مغلقتان على إتساعمها -  إي تي ( افضل مخرج ومنتج  )  – الفك المفترس ( افضل مخرج ) – الحرب الضروس – الذكاء الصناعي – اللون الأرجواني – راكب السفينة الاخيرة –
وغيرها من افلام التوجه الإخلاقي ذات الثيم المسقبلية الواعية .                                                             
 
*******
      
 


 
 عباس الحسيني-  شاعرومترجم  – أميركا          
 [email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد