الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة- دبكة ودبّيكة وطبّال

مصعب فريد حسن

2007 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


سعر المحل خمسة ملايين ليرة سورية , أعمل فيه عشر ساعات يوميا , فيه كل ما يحتاجه الطلاب , والمجتمع , من قرطاسية , وكتب من كل الأنواع ( كتب فلسفة وأدب ودراسات) , وفيه آلة تصوير مستندات , و ألعاب وهدايا , صحف و مجلات . ولكن كم أبيع على مدار اليوم كم قلما وكم ممحاة كم كتابا وكم دفترا ؟ , في الحقيقة , الشيء القليل , الذي لا يسمن ولا يغني من جوع , موجودات المحل قيمتها حوالي مليون ليرة , و بحسابات التجار,هذا المال المجمد يجب أن يكون دخله الشهري مئة ألف ليرة على الأقل , ولكن دخلي لا يتجاوز العشرين ألف ,الآن بعد سنتين من العمل أنا نادم على افتتاح المحل كمكتبة , وبدأت أستثقل الزبائن وطلباتهم , وأشعر إنني أعمل بالمجان.
- عندك جريدة تشرين .
قطع علي أحد الزبائن شرودي .
-لا, خلصت.
(( يعني في الحقيقة أنا قاعد هون ومجمد خمسة مليون ليرة حتى تجي وتشتري جريدة بخمس ليرات , ربحها ليرة سورية واحدة , يلعن أبوك كلب ابن كلب , طبعا ما عندي ))
- طيب الثورة .
- لا والله يا أستاذ كمان خلصت. ((أبوك و أبو الجرايد ))
- شكرا .
-أهلين أستاذ. (( تلحس طي...ي)) .
هكذا طوال اليوم تتكلم بلسانين لسانك المسموع ولسانك المبلوع , منذ مدة أشار عليّ أحد الأصدقاء , كي أبيع السي دي cd ربما تزداد المبيعات في المكتبة, وفعلا اشتريت كل أنواع الcd , سيديات أغاني وبرامج كمبيوتر و ألعاب , وهذه أيضا لها تعبها وهمها .
- والله ما اشتغل السي دي .
- بيكون الكمبيوتر عندك قديم , أو ذواكره ضعيفة , أو أنت ما عرفت تشغل السي دي , أو..
وغالبا ما يكون السبب فعلا هو ما أقوله للزبون , وعلى كل حال ,أنت لا تستطيع أن تكفل ستة مئة مليون بايت موجود على سي دي واحد , من أجل عيون خمس ليرات كربح ,( أبوكم وأبو السي دي ) طوال الوقت تقاتل نفسك وتقاتل الزبون من وراء ابتسامتك له , هذا إن ابتسمت له , فأنا منذ مدة لاحظت أنني لم أبتسم لزبون .
-عندك أفلام سيكس .
سألني أحد الزبائن مرة , عندما رأى عندي هذه السيديات , التي لا يمكن أن توحي لكثير من الناس حتى الآن إلا بالسيكس.
- عفوا أستاذ هذه مكتبة محترمة ويدخلها الطفل والمرأة وكل أفراد الأسرة , طبعا لا يوجد ما طلبته .
(( والله معك حق , لو أنني أبيع أفلام سيكس كان أشرف وأحسن وأربح لي )) هكذا كنت أفكر حقيقة , أبوكم وأبو الكتب وأبو التجارة كلها .
أغرّب خلف الرزق وهو مشرق وأقسم لو شرقت لراح يغرب.
لم أبع اليوم حتى الآن سوى بخمس مئة ليرة ,كان الملل والقرف من مهنة (المكتبجي ) (كلها عبعضها) قد بلغا أوجهما عندي , وبدأت أفكر منذ الآن ببديل لهذه المهنة , و.....
- عندك سي دي أغاني جبلية لوفيق حبيب , وعلي الديك .
- نعم .
كان شابا في مقتبل العمر.( أبوك وأبو كل المطربين الجبليين والسهليين والنهريين والبحريين والهوائيين ) .
- بيدبّـك .
- عفوا ماذا؟! .
- يعني ... بيدبّكني .
- والله ما بعرف .( والله عال العال , هذا ما كان ينقصني ,يلعن أبوك على أبو الدبكة ) , ولكن يا أستاذ بإمكانك أن تجرب السي دي .
- كيف .
- يعني , كما يجربون القمصان والأحذية , سأشغل السي دي , ونسمعه ونرى إن كان يدبّـك أو لا , (سأذهب في المهزلة إلى النهاية )
- كيفك بالدبكة , خذ اشرب بلعة عرق .
وناولته زجاجة عرق جاهزة للشرب كنت أضعها بجانبي بشكل دائم لأشرب منها بلعة أو بلعتين في أوقات الضجر .
أخذ بلعتان ومقة وقال لي – أنا كنت عم اشرب قبل ما إجي لهون .
- إي صحتين , كفي شربك هون .
وضعت السي دي في جهاز الكمبيوتر وشغّلته , وبدأ وفيق حبيب يصدح بأغنية (دبكة ودبيكة وطبال )
- شو أستاذ كيف الأغنية ؟
- رائعة .
اخذ بلعتين من العرق , وتمايل قليلا ,أخذ بلعة أخرى وازداد تمايلا , فناولته مسبحة على الفور أمسكها بيده وبدأ يدبك ببطء وخجل في البداية ,أخذ بلعة كحول أخرى فازدادت قوة دبكته , (والله العظيم هادا بالضبط ما ينقصني !) أزحت بعض الكراسي وأزحت المكتب قليلا حتى تتوسع دائرة الدبكة ( شو استاذ إنشاء الله أعجبك السي دي ) ومسكت بيده ( يلعن أبو التجارة لأبو الزبائن هادا الزبون اللي بيعبي المخ ) وبدأنا ندبك ( إيـــــيـــــــيــــــــه ) أطلق هذه الصيحة فرحا طربا بعد أن رآني جادا في الدبكة , و يبدو أن ابن القحبة قد تخلص سريعا من خجله و وجله, فرددت عليه وأنا أطير في الهواء وأنزل على الارض كالبهلوان (ست ميت إيـــــيـــــيــــــه) , حميت الدبكة استدار نصف استدارة وهو يلوح بالمسبحة , استدرت استدارة كاملة ونخيت على الأرض ثم قفزت مرة أخرى فاردا يداي في الهواء , اصطدمت بعلب المحايات والبرايات وأقلام الرصاص فسقطوا على الأرض تحت أقدامنا , وأنا انزل على الأرض بالدبكة قلت له ( ولا يهمك ) وهو في الحقيقة لم يكن مهموما بشيء بقدر همه بالدبكة , بدأنا ندبك فوق كل تلك الفوضى , ساحقين كل أنواع البرايات والمحايات , ويبدو أنه , انتبه لمزاجيتي العالية وربما يكون قد سمع أو قرأ زوربا , وظنني شبيها به , وكان وفيق حبيب لا يزال يصدح ( دبكة ودبيكة وطبال ومجوز غنى القرّادة ) مد الزبون المسلطن يده على أحد الرفوف وأسقط رفا كاملا من الأقلام والدفاتر واللزيق والصمغ وعلب الحبر , ( لن تكون أعلى مزاجا مني ) ومددت يدي فأسقطت رفا مماثلا من الدبابيس وشكالات الأوراق , والمحافظ الجلدية , والأهم من كل هذا أسقطت رف كتب الفلسفة بحقد وبفرح ( أبو الكتب على أبو الفلسفة , خللي الناس تقرا ) كل هذا طبعا ونحن ندبك بحمية وطرب وسلطنة , يعطيني زجاجة العرق فاشرب ونحن ندبك وأناوله إياها فيشرب , وهكذا حتى انتهت الأغنية وزجاجة العرق , كنا قد تعبنا حقا من مجهود الدبكة هذا, والعرق يتصبب منا إلى أسفل مؤخراتنا , هدأ قليلا وهو فرح مبتسم , وأنا أيضا كنت حقا في غاية السعادة وشكرته من أعماقي على هذه الوصلة الفنية ,التي أديناها سوية بتلقائية وعفوية , صاح ( رائع بدي اشتري السي دي لقد أعجبني ) ( طيب ) وأنا فرحت حقا لأن السي دي أعجبه , دفع 25 ليرة سورية وهو يودعني بفرح ويعدني بأن يشتري كل أغانيه الجبلية من عندي , ودعته بفرح أيضا وأنا أضع النقود في الدرج مرددا بصوت عالٍ ( الشغل شغل , والدبكة دبكة ) و ( دبكة ودبيكة وطبال ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصة نجاح حلوانية سورية بمدينة غازي عنتاب التركية | عينٌ على


.. إسرائيل ترسل مجددا دبابات إلى شمال قطاع غزة وتزيد الضغط العس




.. السودان: سقوط 27 قتيلا واستخدام - أسلحة ثقيلة- في معارك الفا


.. مصر: التنمر الإلكتروني.. هل تكفي القوانين لردعه؟ • فرانس 24




.. رئيس الوزراء اليوناني في أنقرة في زيارة -حسن جوار-