الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل الثامن هل يتمكن نظام الحقوقي الاوربي من ايجاد امكانية لحل القضية الكردية .... ؟ 8- 1

عبدالله اوجلان

2007 / 1 / 30
حقوق الانسان


ج ـ البطش السياسي في مرحلة إيمرالي: رغم أنني أرى أن محاكمة إيمرالي تتناقض مع الحقوق، فإنني أرى من المفيد تقديم المعلومات وتقييماتي حول الموضوع، إنني أنضم إلى إدعاء المحاميين بأنه تم خرق المواد : 2، 3، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 13 ، 14من معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية، والمرافعات الشاملة التي تقدموا بها في هذا الموضوع تتناسب مع تقنية الحقوق بالإضافة إلى أنها غنية في المضمون، وهذا ما يجعلها سارية من جانبي أيضاً، وأنا سأعمل على توضيح الجوانب التي تمثل التناقض مع الجوهر، فرغم أنني لازلت معتقلاً، فإن هذا الوضع الخاص بي في تركيا واعتقالي لوحدي في جزيرة يشكل وضعاً ثقيلاً جداً، وبسبب الاعتراض على ظروف طراز "F" من السجون في تركيا، سقط أكثر من خمسين شخصاً من المعتقلين شهيداً بسبب الصيام حتى الموت أو القمع الذي تعرضوا له، بينما الظروف التي أقيم فيها تتجاوز بكثير ظروف السجون من طراز"F" ولا توجد مادة واحدة في النظام الداخلي للسجون تنص على هذه الممارسات، فإنني أواجه معاملة سجين أو معتقل خاص أو كيفي، ولا أحد يشهد كيفية حياتي هنا، فهناك من حولي قوات أمن خاصة على مدى أربعة وعشرين ساعة بحيث لا يقل عددهم عن العشرين في كل مرة، بالإضافة إلى المراقبة عن الطريق الكاميرات وبالعين المجردة باستمرار، أما ثقل هذه الممارسة النفسية وتأثيراتها فلا يمكن وصفها إلا من خلال تقرير تقوم بإعداده لجنة متابعة التعذيب التي هي مؤسسة لها صلة قربى مع محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، فأي تغيير في الطقس مهما كان صغيراً يتسبب في إرجاء اللقاءات الأسبوعية مع المحاميين إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ولمدة ساعة فقط، واللقاء مع أخي الوحيد أو أخواتي الاثنتين لا يتم إلا مرة واحدة كل عدة شهور، ونظراً لبعد المسافة وتكاليف السفر والفقر يصعب اللقاء بشكل آخر، ولدي مرض الحساسية الذي يتفاقم كثيراًً في الظروف الموجودة، فمناخ البحر يتسبب فيما يشبه الاختناق لديّ، وفي الآونة لأخيرة أضطر إلى البصق كل دقيقة بسبب السائل الذي يملأ البلعوم، وكأن مناعة جسمي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة، أما الطعام فهو من طراز القروانة، ولا يمكن أن أقوم بتأمين حاجيات خاصة لأجل صحتي، ورغم ذلك فإنني أسعى إلى مواصلة علاقاتي مع قيادة الجزيرة وإدارة السجن ضمن المعايير المدنية، فمشكلتي لا تنبع منهم، بل من الوضع المفروض عليّ الذي يشكل وسيلة ضغط كبيرة على النفسية.
ورغم إنني لا أبالي كثيراً بهذه الأمور، إلا أنني أريد التطرق أساساً إلى نظام "البطش السياسي" فالعالم كله قد شهد كيفية تحويل الشرائح التي ترتدي الملابس المدنية إلى بث أجواء البطش السياسي من طرف وسائل الإعلام في مرحلة المحاكمة، لدرجة أن أي نقد صغير في قاعة المحاكمة كان يتحول إلى محاولات للبطش، فلولا التدابير الخاصة للجيش كان من الواضح أنه يمكن حدوث كل أشكال الجنون، فموقف الإرهاب الذي مارسته وسائل الإعلام في الخارج كانت تستهدف إلى تخويف الشعب الكردي وثنيه عن التمسك بقضيته، ويريدون فرض الندم علينا لولادتنا، مما أدى إلى أن يقوم المئات من الأصدقاء والوطنيين إلى إضرام النار بأنفسهم، فقد كانوا يريدون تحطيم آمال الجماهير وهؤلاء الناس بالدعاية على شكل أنه سيجري إعدامي مطلقاً، ويريدون إظهاري بأنني إنسان بسيط جداً لأجل إسقاطي من عيون الشعب بحرص شديد، ويريدون فرض التفسخ على نقاط المقاومة بتعليقات ورسوم كاريكاتورية عجيبة، ويقمعون أي تعاطف صغير بمنتهى العنف المتطرف، والهدف الأساسي من نظام القمع الذي جرى ممارسته، هو القضاء على الوعي السياسي لدى الجماهير الوطنية، وإظهار أن هذه القضية ليست قضيتهم، فأية أغنية لصالحي، أو أي قراءة شعرية كان كافياً للتعرض للبطش لدى المجتمع، فالفنان أحمد كايا الذي تجرأ على النطق ببضع كلمات لصالحي بشكل غير مباشر وعن السلام، تعرض للبطش السياسي ولم يعد قادراً على البقاء في تركيا، وتم الإعلان عنه خائناً، ولم يستطع احتمال هذه المعاناة والآلام وسقط شهيداً في أوروبا بعد فترة قصيرة.
وقد تم تجاوز تلك الأجواء الشوفينية جزئياً بفضل تصميمنا الكبير على جهودنا للسلام والوفاق الديمقراطي، فالمجتمع بدأ يرى تناقضاته بشكل أقرب إلى الواقعية، وتعرف على الكسب غير المشروع الذي يتحقق باقتصاد الحرب الخاصة والسمسرة، وأستوعب أن بنية سياسة السمسرة هي الأسباب الحقيقية للأزمة المتفاقمة، ومن الجهة الأخرى كانت الدوائر المسؤولة في الدولة ترفع تقاريرها باستمرار وتفيد بأن الدولة لن تستطيع إنقاذ نفسها ببنيتها المعتمدة على الإنكار والإبادة التقليدية من القضايا التي تواجهها ولا مفر من إعادة البناء الديمقراطي، وبضرورة إجراء الإصلاحات في هذا الاتجاه بسرعة. أما PKK فقد فهم عدم إمكانية تجاوز الانسداد القائم إيديولوجياً وعملياً، ولا يمكن التوصل إلى الحلول من خلال المواقف القديمة، ولذلك توجّه نحو إجراء إعادة بناء على نطاق واسع في ذاته.
كل الشرائح الاجتماعية بدأت تدرك بعمق ولادة وضع جديد والآلام الناجمة من هذا الوضع، فالوضع على صعيد القضية الكردية لا يعني السلام ولا الحرب، بل نوع من التخلي عن الحرب حول محور وقف إطلاق النار الذي تم إعلانه، وأخذت الأطراف تفكر بشكل عميق، وتحاول حسم الإنكار والممارسات التي يجب التوصل إليها، لتقوم بوضع سياساتها على هذا الأساس وتقوم بإجراء إعادة البناء، فكل المجتمع في تركيا دخل هذا المسار، وكل شريحة بدأت بإعادة النظر في ذاتها تاريخياً وحتى اليوم والمستقبل وبجوانب متعددة، وتقوم بتفسير أوضاع العالم والوطن على ضوء الظروف الداخلية والخارجية بشكل أكثر واقعية، وتعمل لأجل وضع برامج وتصورات جديدة، وتطالب بتجديد الحياة السياسية بأغلبية ساحقة، ولكن كل هذه التطورات الإيجابية لا تضمن تحقيق الحلول، بل تؤكد على أن الحياة القديمة لم تعد ممكنة، أما كيفية وجوب الحياة فهو أمر مرهون بالمعاهدة الاجتماعية التي تتضمن كل الهويات والمعتقدات والاختلافات الفكرية والجنسية وفي مقدمتها الكرد، ووضع هذه المعاهدة، وهذا الأمر يحتاج إلى دستور جديد، وقوانين جديدة.
إن مسألة السلام والحرب في تركيا لها أبعاد تتجاوز القضية الكردية، فالماضي التاريخي الطويل والتناقضات الاجتماعية والدينية والأثنية التي شوهدت في الثلاثين سنة الماضية أظهرت هذه الحقيقة، ولم تنجح محاولات الإيديولوجية الرسمية للجمهورية وإداراتها الأوليغارشية في فرض غطاء ذو اللون الواحد عنوة على المجتمع، فالتناقضات والصراع أدى إلى تمزق هذا الغطاء، والمطلوب هو الوصول إلى نظام دستوري يقبل بتنوع الألوان وتعدد الثقافات ويعتبره غنى، بينما رغبات ومطالب المجتمع آخذة في الازدياد والتكاثف في هذا الاتجاه، فتركيا عام 2000 ترغم الجمهورية على التشكل من جديد على أسس الديمقراطية والعلمانية في الجوهر، فهناك حاجة إلى إجراء تحول جذري بمقدار أعوام 1920 على الأقل.
إن مرحلة الحياة والموت بالنسبة لي في إيمرالي أبرزت بصورة واضحة الحاجة الملحة إلى هذا التحول، بالإضافة إلى الابتداء بوضع وتحديد السبل والأساليب وكيفية الوصول إلى الحل، ولا شك أن الارتباط الوثيق لـ PKK والأغلبية الساحقة للشعب الكردي بقيادته، لعب دوراً بارزاً في ذلك، فلأول مرة في التاريخ يصمد الكرد ولا يتعرضون للتشتت أمام مؤامرة متطورة لها جذورها الداخلية والخارجية، بل على العكس يتكاتفون بشكل غير اعتيادي ليعبروا عن طرحهم الخاص بالسلام والوفاق الديمقراطي، وربما قوة هذا التصرف ومصداقيته يلقي بتأثيره على الدولة وكل المجتمع، ويبعث فيهم الجرأة على إلقاء خطوات نحو السلام ووضع معاهدة اجتماعية جديدة، وتلك المعاهدة الاجتماعية التي تضم الكرد أيضاً ستكون النمط الوحيد الذي يحافظ على تكامل الوطن ووحدة الدولة، ونقاشها يجري على أعلى المستويات، والأغلبية تنظر إلى ذلك كموقف إيجابي وما نراه اليوم ما هو سوى آلام المخاض لولادة جديدة، ولكن كل ذلك لا يعني أن الأمور تسير على الطريق السليم، فالقوى المحلية الرجعية والشوفينية ومخلفات السياسات القديمة وأصحاب الوضع البيروقراطي، لازالوا يشكلون قوة قادرة على خلق انفجارات جديدة لأجل العرقلة، وأخطار الانفجار الاجتماعي لازالت قائمة ولم يتم التخلص منها بالكامل.
انطلاقاً من هذه الحقيقة فإن مرحلة حياتي في إيمرالي وفيما يتعلق بموقع الدفاع المشروع عن الذات تلقي بأعباء متعددة الجوانب على عاتق كل الأوسط المعنية بالأمر وأنا في مقدمتهم، وحتى تتمكن هذه المهام من الوصول إلى سلام إيجابي وإلى الديمقراطية الكاملة، يجب على القوة المسلحة في PKK أن تتمتع بمزيد من القوة النوعية والكمية بالضرورة، وهذا لا يستهدف القوى الرافضة للسلام في تركيا فقط، بل لأجل إفشال الاعتداءات الرجعية القوية بين الكرد وعلى صعيد الشرق الأوسط، وإذا لم يتحقق ذلك فإن السلام والديمقراطية الكاملة لا يتجاوزان أن يكونا خيالاً.
الأمر المهم الثاني هو تجاوز البنية التقليدية للمجتمع الكردي، والقيام بتحقيق ظاهرة المجتمع المدني بحيث تضم تنظيمات المجتمع المدني الأغلبية الساحقة للمجتمع أفقياً وعمودياً، والتجاوب الشعبي للمرحلة التي أحياها في إيمرالي هو تأسيس مجتمع ضمن هذا الإطار، أما الحل بالنسبة للشعب التركي الشقيق والمجموعات الثقافية الأخرى فهو أن تقوم بتأسيس مجتمعاتها المدنية، واحد أهم المشاريع في تركيا هو تطوير المجتمع المدني وهو موضوع لا يقبل النقاش، فبدون تأسيس المجتمع المدني فإن القيام بإعادة البناء والتجديد بأوامر الدولة التقليدية يصبح خيالاً وخداعاً للذات، والذين يجب عليهم الدفاع عن هذا المشروع بشكل خاص هم اليساريون والديمقراطيون الاجتماعيون الذين يجب عليهم تجاوز بنيتهم المحافظة القديمة ليأخذوا مكانهم ضمن الطرف الذي يستند إلى تحالف المجتمع المدني، ليقوموا بلعب دورهم الطليعي لأجل الحل لمَ لذلك من أهمية مصيرية، فإذا كان هناك احترام وتقدير لكل المعاناة والآلام ولذكرى الشهداء فعليهم القيام بمهامهم هذه بنجاح والدفاع عن هذا التوجه، وإلا فإنهم سيتركون السياسة وقيادة السلطة بأيديهم للقطاعات اليمينية التي لا تتوفر لديها المصداقية ولا تؤمن بالديمقراطية والسلام، وعدم التزامها بالمبادئ بات أمراً معروفاً.
إنني أخوض حرب الحياة أو الموت في إيمرالي، وإدرك وأعي تماماً مسؤولياتي، وأقوم بما يتطلبه ذلك بكل إيمان وعزيمة، وعلى كافة الأشخاص والمؤسسات المعنية بالأمر أن يحللوا ما تعنيه هذه الحياة بالنسبة لشعبنا بشكل جيد وعميق، لأن ذلك يتضمن معنى أكثر مصيرياً بالنسبة إليهم، فحل السلام المشرف والديمقراطية التامة هو خيارنا جميعاً ويمثل مركز الثقل لأنشطتنا، ولكن قوى الشر والعصابات يمكن أن تدخل في مرحلة البدء بقتلي وبالتالي لتشمل كل أبناء الشعب التركي وعلى رأسهم الكرد وقتل عشرات الآلاف منهم، وهذه الحقيقة يجب الا تغيب عن الأذهان ولا للحظة واحدة، فذلك يمثل الهدف الأساسي للقوى الداخلية والخارجية التي قامت بالإعداد للمؤامرة، ومن المحتمل أن تتوجه إلى مثل هذه الإبادة في الوقت والمكان الذي تراه مناسباً، ويجب أن لا ننسى هذه الحقيقة لحظة واحدة، وأن نتخذ التدابير الدفاعية وكأن ذلك سيحدث غداً، ولا يمكن النجاح في الوصول إلى السلام المشرف دون ذلك والا فلابد من بدء الحرب التحريرية الشريفة على هذا الأساس .
وعلى الاتحاد الأوروبي الذي يمثل معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية، ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية وقوتها التي تحدد الحل الحقوقي الديمقراطي، أن يتخليا عن الذهنية الاستعمارية التقليدية وسياساتها للمساهمة في المسار الذي تسير نحوه تركيا بشكل إيجابي، ويتخذ القرار العادل اللازم لأجل السلام والوفاق الديمقراطي وبما يليق بالتاريخ، وأعرب عن كبير أملي في ذلك مرة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار