الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركمانستان بعد رحيل ديكتاتورها

عبدالله المدني

2007 / 1 / 30
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تستعد تركمانستان في الأسبوع الثاني من فبراير القادم لاختيار زعيم جديد لها خلفا لديكتاتورها الراحل " صابر مراد نيازوف" الذي توفي فجأة في 21 ديسمبر من العام الماضي، وسط توقعات بعدم حدوث تغييرات جذرية قريبة في هذا البلد لجهة إخراجه من عزلته القاسية وتدشين عهد جديد يتصف بقدر من الديمقراطية و الحريات و احترام حقوق الإنسان.

و لهذه التوقعات بطبيعة الحال أسانيد كثيرة، على الرغم من وجود بعض المتفائلين الذين يقولون بأنه مهما بقيت الأمور على حالها في عهد الرئيس القادم فإنها لن تكون بنفس الدرجة من العزلة والقمع و الديكتاتورية التي تميز بها عهد نيازوف. فالأخير الذي حكم تركمانستان منذ عام 1985 ، أي قبل أن تنسلخ في عام 1991 عن الاتحاد السوفياتي و تصبح إحدى جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة، لم يواصل إدارة البلاد حتى وفق النهج السوفياتي، و إنما أقام نظاما شرسا على الطريقة الستالينية، وأسس لظاهرة عبادة الفرد، و نصب نفسه منذ عام 1999 رئيسا مدى الحياة. تشهد على ذلك سياساته في الاستئثار بكل الصلاحيات، و القمع المتواصل للمعارضة بشقيها الإسلامي والعلماني، و زرع أجهزة المخابرات في كل المواقع، وتجريم إنشاء الأحزاب السياسية، و منع الأجانب من دخول البلاد، و تقييد سفر مواطنيه إلى الخارج، و فرض العزلة عليهم عبر منع الصحون اللاقطة و الانترنت، و غير ذلك من الممارسات البشعة التي توجهها بنصب التماثيل المذهبة الضخمة لشخصه في الميادين العامة في كل مدينة و قرية، و إطلاق أسماء أفراد عائلته على أشهر السنة، و تسمية نفسه بأبي التركمان العظيم أو " تركمانباشي".

وككل الزعماء الديكتاتوريين الذين يعتبرون أنفسهم هدية من السماء لشعوبهم، و حكاما خالدين إلى الأبد، لم يفكر نيازوف في اختيار خليفة له، بل ألغى كل ماله علاقة بالانتخابات الرئاسية و لم يضع قواعد دستورية لانتقال السلطة بطريقة سلسة في حالة غيابه، سوى ما ذكر على استحياء في الدستور حول تولي رئيس البرلمان لسلطات الرئيس في حالة غياب الأخير ريثما يتم انتخاب البديل.

و من هنا لم يكن غريبا أن يترك رحيله فراغا هائلا ، و أن يسارع أعوانه بمجرد وفاته إلى تغيير الفقرة الدستورية السابقة للحيلولة دون تولي رئيس البرلمان للسلطة، و من اجل الإتيان بنائب رئيس الوزراء و وزير الصحة "قربان غولي بيردي محمدوف". والأخير طبيب أسنان لم يتجاوز الخمسين و لم يسمع به إلا مؤخرا، لكن صعوده المفاجيء اعتبر مؤشرا على روابطه بالرئيس الراحل، بل اعتبر دليلا على براعته في الاحتفاظ برأسه في ظل نظام رجل كان يتوجس من اقرب المقربين له، و يقوم من وقت إلى آخر بحملات تطهير أو تنقلات في صفوف وزرائه و معاونيه خوفا من بروز احدهم و اكتسابه لمحبة الناس.

و لأن تركمانستان لا تملك تجربة سابقة في الانتخابات الرئاسية الحرة ذات الطبيعة التعددية، و لأن محمدوف يملك من الأدوات والأجهزة ما لا يملكه الآخرون، و على رأسها الإعلام الرسمي الذي تحول من تأليه نيازوف إلى الإشادة المفرطة بمناقب الرئيس الانتقالي، فان معظم المراقبين يعتقدون بان الأخير هو الأوفر حظا بالفوز بالزعامة من بين خمسة متنافسين آخرين اختيروا من قبل ما يسمى بالمجلس الشعبي. و المجلس الشعبي ليس سوى مجمع انتخابي مكون من نحو ثلاثة آلاف عضو، و كان يجتمع مرة كل عام للمصادقة على سياسات نيازوف "الحكيمة" دون مناقشة، بل هو الذي وافق بالإجماع على بقاء الأخير رئيسا مدى الحياة، و بالتالي لم يكن واردا لديه الاستجابة لمطالب المعارضة بترشيح واحد من رموزه على الأقل مثل "نور بيردي نور مامدوف" الذي اعتقلته السلطات في 23 ديسمبر الماضي وهو خارج من منزله.

على أن ما يعزز فرص محمدوف بالفوز لا يقتصر على ذلك. فالرجل يبدو مدعوما بقوة من موسكو التي تعتبر صاحبة اليد الأقوى في تركمانستان ضمن لعبة النفوذ التي تشترك فيها أيضا كل من الصين و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و إيران و تركيا. و الجدير بالذكر أن نيازوف حاول في التسعينات استغلال أوضاع روسيا غير المستقرة للتخلص من نفوذ موسكو و إكساب بلاده صفة الدولة المحايدة مع تنويع شركائها الاقتصاديين المهتمين بثرواتها الهائلة من الغاز الطبيعي. غير أن استتباب الأمور في روسيا و ظهور زعيم قوي مثل فلاديمير بوتين، فضلا عن العوامل التاريخية و الجيوسياسية، حال دون ذلك. و أفضل دليل على ما نقول هو أن موسكو حسمت في سبتمبر 2006 هيمنتها على ثروات تركمانستان من الغاز و سيطرتها على خطوط التصدير من خلال اتفاقية ما بين شركتها العملاقة "غازبروم" و حكومة عشق آباد.

و بسبب من أهمية تركمانستان في استراتيجيات الطاقة الروسية، على اعتبار أن جزءا لا يستهان به مما تبيعه موسكو عبر"غازبروم" إلى أوكرانيا و منها إلى دول أوروبية أخرى يأتي من هذا البلد، سارع الروس بمجرد وفاة نيازوف إلى دعم الرئيس الانتقالي محمدوف، على أمل ألا تحدث تغييرات تمس نفوذهم أو تقلصها لصالح لاعبين دوليين أو إقليميين آخرين. أما محمدوف فقد حرص من جانبه على التأكيد بأنه سوف يسير على مباديء وخطى الرئيس الراحل، و هو ما يشاركه فيه المرشحون الرئاسيون الآخرون الذين لم يتطرقوا خلال حملاتهم الانتخابية إلى مسائل الإصلاح السياسي و الدمقرطة و حقوق الإنسان و التصالح مع رموز المعارضة الموجودين في الخارج، و اكتفوا بوعود اقتصادية و اجتماعية و معيشية.

و الحقيقة أن تلك الوعود وحدها كشفت كم كانت حقبة نيازوف ما بين عامي 1991 و 2006 بائسة و ظالمة. فأن يعد المرشح الرئاسي شعبه بأشياء من قبيل تحديث التعليم، وبناء المساكن الشعبية، ومنح القروض المصرفية، و البدء في الخصخصة، و تحديث شبكات المواصلات، والاهتمام بثورة الاتصالات و إنجازاتها المعرفية، و إتاحة التواصل مع العالم الخارجي، و تشجيع إقامة مؤسسات الأعمال الخاصة الصغيرة و المتوسطة، و إحداث نظام للتقاعد، و غير ذلك مما ورد في الحملات الانتخابية، فمعناه أن الشعب كان محروما من كل تلك الأشياء أو لم تكن موفرة له.

رغم كل ما سبق، يبقى تدشين انتخابات رئاسية تعددية في هذه البلاد لأول مرة، أمرا لافتا للنظر، ومؤشرا على انتهاء حقبة و بداية أخرى جديدة. و بقدر ما تكون هذه الحقبة الجديدة مختلفة عن سابقتها لجهة التجاوب مع تطلعات المواطنين في نظام سياسي أكثر انفتاحا و احتراما لحقوق الإنسان، بقدر ما تتراجع احتمالات الانزلاق نحو الفوضى و اللااستقرار من بعد فترة الهدؤ الحالية التي تعزو المعارضة أسبابها إلى فجائية غياب نيازوف و عدم الاستعداد له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -