الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبثية الاقتصادية .. من العمادي إلى الدردري - 2

بدر الدين شنن

2007 / 1 / 31
الادارة و الاقتصاد


بعد " إنجاز " العبث الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة ، من عام 1970 إلى عام 2000 ، التي تمكن خلالها أهل النظام من إعادة تشكيل الرأسمالية والتمايزات الطبقية في البلاد ، حسب معايير مصالحهم ونفوذهم وسلطاتهم ، أصبح لابد من الانتقال إلى مرحلة اقتصادية اجتماعية جديدة ،لاستثمار الثروات التي ا ستحوذوا عليها ، بعيداً قدر المستطاع عن إرث ووزر الماضي السيء الذكر . ولبلوغ هذا الأفق الواسع .. المرحلة .. تم تشكيل طاقم اقتصادي جديد برئاسة الدكتور عبد الله الدردري المقرب من رئيس الدولة ، وفوض من موقع نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية بقيادة هذه النقلة المعقدة في الاقتصاد السوري

في الأيام الأولى لمباشرة عمليات الانتقال ، كان كل شيء حسب الصورة الفوتغرافية للواقع السوري ، بمقوماته المختلفة هادءاً . لم يكن الجراح يحتاج إلاّ البدء با ستخدام المشارط وإجراء العملية بسلاسة متناهية . الحزب " القائد " متمدد الجسد والهيبة في كل ركن ومكان . الدولة بكل مؤسساتها ، الوزارات والإدارات والجيش تحت اليد والسيطرة . الأمن بفروعه التي لاحصر لها متحكمة بالمجتمع وقابضة على أنفاس الناس . التنظيم النقابي العمالي والنقابات المهنية امتداد لأنشطة الحزب " القائد " والأجهزة الأمنية .. الكل مطاوع لما يطلب منه من خدمات . الشعب من هول قمع طال عشرا السنين لابد . لاأحزاب لاقوى معارضة .. جميعها قد فنيت عملياً خلف قضبان السجون والمعتقلات أو تاهت في فيافي المنفى . وماتبقى منها لم يعتقل بفعل التقية أو الصدفة ليس له حضور جماهيري بعد . ومن أفرج عنهم وخرجوا من كهوف السجن إلى فنائه الكبير باتوا خلف القضبان من الجهة الثانية ، تغير العالم بالنسبة لهم ، وتغيرت شروط الحركة والفعل ولم يتطبعوا مع مستحقات الظروف الجديدة بعد

بمعنى أن لامعوقات أمام الانتقال

غير أن من أخذ الواقع السوري بالمعيار الفوتوغرافي كان أكثر من مخطيء .. كان جاهلاً للقوى والمقومات الحقيقية التي يتشكل منها هذا الواقع .. فعندما يتم تجاوز السطح إلى العمق يتبدى بعداً مغايراً ويتقدم معطى يدل على أن كل مظاهر الضعف التي تصنعها قوة القمع تعني أن قوة أخرى تقابلها ، والسكون .. الاستقرار المفروض بالنصب والقوة يعني أن طاقات الرفض مازالت قائمة .. يحتاج الأمر إلى مفجر ليس إلاّ لتنقلب معادلة القوة وتتغير مواقع القوى المتصارعة ، وتتغير اتجاهات ريح التغيير . وإذا كان أهل النظام قد تجاوزوا هذا البعد للواقع السوري عند الإقدام على النهب للمال العام وا ستثمار وتسخير الدولة ومؤسساتها لتحقيق التراكم المالي في خزائنهم قبل عام 2001 ، عندما كان النظام قوياً داخلياً بمقاييس الوقت الراهن ، ويتمتع بدور إقليمي وبعلاقات عربية ودولية على خلفية سياساته التسووية مع إسرائيل التي جمدت مهام تحرير الجولان ، ومزقت القوى الفلسطينية المتمسكة بالقرار المستقل ، وكذلك لمشاركته القوى الدولية في أكثر من حرب إقليمية في لبنان والخليج ، فإنهم بعد عام 2001 ، وبعد المتغيرات الدولية العاصفة ، التي وضعت كل دول الشرق الأوسط أمام متغيرات جيو - سياسية تدميرية ، حيث وضعت سوريا لموقعها المتميز وسط محيط جغرافي بين تركيا والعراق والأردن ولبنان وإ سرائيل ، في مركز اهتماماتها ، ما أدى حتى الآن إلى اختزال الدور السوري الإقليمي ، وفرض إنسحاب الجيش السوري من لبنان ، وحصره كشرط لبقائه بتقديم خدمات أمنية ، لضمان ا ستقرار الوضع الجديد في لبنان ، وحماية قوات الاحتلال الأمريكي في العراق ، وا ستتباب الأمن على الحدود الإسرائيلية السورية اللبنانية ، كماأدى إلى انكفاء النظام إلى داخل الحدود السورية ، التي باتت هي برسم الاختزال أيضاً . الأمر الذي فرض تخفيف الضغط الأمني في الداخل وبروز حراك يزداد نمواً وإصراراً

فإنهم بعد نهوض مستحقات 2001 لم يعودوا يستطيعون اعتماد التقييم الفوتوغرافي ، وتجاهل بعد العمق في الواقع الوري ، كما لا يستطيعون تجاوز انعكاس واقع كون النظام قد صار قيد الاختزال الإقليمي على علاقاته الدولية وعلى توجهاته الاقتصادية الجديدة ، وهنا بالضبط تكمن حقيقة ، أن إعادة هيكلة الاقتصاد ، لاسيما في ظروف سوريا الاستثنائية وفقاً لمعايير اقتصاد الوسق ، ووفقاً للعقلية النوعية العبثية ، وخلفياتها المقلقة ، التي تعمل على تطبيقه ، هي أ شبه ، كم قلنا في مقالنا السابق في هذا المجال ، بمحاولة تربيع الدائرة
وذلك لأن " اقتصاد السوق " يقدم نفاقاً للمواطن كبديل وعلاج للوضع الاقتصادي المتردي القائم . فبدلاً من إعادة بناء السلطة على أ سس الديمقراطية والوحدة الوطنية ، وتجنيد كل طاقات الشعب وخبراته في تطهير وتصويب الاقتصاد الوطني ، وخاصة مايتعلق بملكية الدولة وفي مقدمها القطاع العام المغدور المسروق والمرافق والخدمات العامة ، وإحياء وتصويب دور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ومحاسبة لصوص الأموال العامة البالغة أضعاف الناتج الاجمالي المحلي السنوي وا ستعادة ما هرب من أموال الشعب المقدرة ب ( 100 ) مليار دولار أي ( 5000 ) مليار ليرة أي ميزانية الدولة لعشر سنوات ، وا ستيفاء الضريبة التصاعدية حسب المداخيل الفعلية ، وا سترداد المال العام المفقود بالتهرب الضريب المقدر بمئات المليارات سنوياً ، وهذا ما يخلق مناخاً وطنياً سياسياً واجتماعياً يعزز قدرات البلاد ويجعلها عصية على الاختراقات الأجنبية المعادية ، بدلاً من ذلك يطرح اقتصاد اللصوص كعبث اقتصادي من نوع آخر أكثر بشاعة وانحطاطاً مما هو قائم ، من أجل زيادة أرباح اللصوص ربحاً وزيادة فقر الفقراء فقرا . في وقت أثبتت فيه مثل هذه المحاولات الليبرالية الاقتصادية عالمياً عجزها وفشلها بتحقيق أي تقدم ، ولم تجلب للبلدان المفوتة إلاّ الكوارث . وهاهو البنك الدولي في تقريره لعام 2006 ، ينصح هذه البلدان بتدخل الحكومات في القطاع الاقتصادي ، وبأن تكون التوجهات الاقتصادية غير مقتصرة على منفعة الفئات الغنية ، وأن تتوخى العدالة والإنصاف

ليس هناك من تفسير لطرح اقتصاد السوق ، رغم كل صعوباته وآلامه شعبياً ، سوى أنه امتداد ظالم للنهج العبثي السابق وتحول نوعي للتراكمات السلطوية خلال السنوات السابقة ، وعلى الأخص التراكم المالي ، الذي لابد أن يشق طريقه ، غير عابيء بضحاياه ، إلى مساحات جديدة من الأنشطة الاقتصادية المغرية بمزيد من التراكم والربح ، وأنه لامجال لمحاسبة أحد من المسؤولين عن الترديات والمفاسد الجارية ، لامجال ل " إصلاح " بمعنى التجديد نحو الأفضل ، لأن جميع المتهمين والمشبوهين هم من أهل النظام نفسه . والمحرج لمن يزعم الإصلاح في مشهد المسؤولية ، أنه كلما علت المرتبة في بنية النظام ، كلما كانت التهمة أعظم والشواهد أكبر والمحاسبة غير الممكنة أولى .. بكلمة .. لآاحد في إطار النظام قادر جدياً وجذرياً أن يحاسب أحد

وعليه فإن حصاد العبث هو العبث نفسه ، وهو مفتوح على المزيد منه ، والمخرج ضمن الشروط الراهنة لابد أن يكون منه وإليه

ماسمي بانفلات الأسعار في الأشهر الأخيرة كان دليلاً على فشل " الإبداع الدردري " .. َ!! .. في تأمين الجانب " الاجتماعي " في اقتصاد السوق . إذ سرعان ما ا ستدعى الغليان الشعبي دور الدولة مجدداً للتدخل في الشأن الاقتصادي . وتم في لجنة حكومية عليا برئاسة الدردري ذاته اتخاذ قرارات وإجراءات لملاقاة هذا الفلتان كان أهمها " قيام المؤسسة العامة للخزن والتسويق ببيع السلع الغذائية مباشرة للمستهلك في دمشق وحلب بسيارات عائدة للمؤسسة توضع في الساحات العامة .. ألخ .. " و " التعاقد المباشر على التوريد للأرز المصري والمعلبات والزيوت والسمون لطرحها في منافذ البيع للمستهلك بأسعار منافسة " . وهذا ما يستدعي السؤال ، إذا سار اقتصاد السوق قدماً وانفلتت كافة الأسعار في السوق فهل سيقيم الدردري سوقاً موازية تحت إشراف الدولة ؟ .. ولماذا كل هذا العبث .. أمن أجل فئة محودة من الرأ سماليين السلطويين ، الذين يمعنون في الاستئثار بالسلطة والثروة ، يوضع شعب بكامله قيد أبشع أ شكال الاستغلال والإفقار .. وتدفع البلاد نحو المجهول أكثر فأكثر ؟

المعادلة الصعبة الحل على مهندسي اقتصاد النظام ، أنه لايمكن - إذا كانت هنك نوايا حسنة - الجمع بين مصالح رأ سمالي السلطة ومصالح الشعب لافي الماضي ولافي المستقبل ، وأن اقتصاد السوق سواء ربط به بعد " اجتماعي دردري " أم لم يربط ، فإنه باعتباره لن يجلب العسل إلاّ إلى جرار الرأ سمالية الجديدة السلطوية ، لن يكون مقبولاً من الشعب ، بل سيكون محفزاً لمزيد من الاحتجاج .. وربما أبعد من الاحتجاج

الانتفاضة الشعبية العارمة في مصر في 18 و19 -1 - 1977 ضد العبث الاقتصادي اللئيم .. ضد القرارات الاقتصادية التي رفعت الدعم الحكومي عن السلع التموينية وأطلقت العنان لجنون الأسعار ، قد اضطرت السادات إلى الهرب من قلب العاصفة الشعبية في أ سوان إلى قلب جيشه في القاهرة ، وكان على ا ستعداد للهرب إلى صديقه شاه إيران قبل سقوط الأخير ، لكنه قايض على بقائه بالسلطة مؤقتاً وكسب ولاء الجيش بإلغاء تلك القرارات

فهل سينجح العبث الاقتصادي " الدردري " بجر البلاد إلى أزمات ومجاعات وآلام اجتماعية كبيرة ، وبالتالي إلى مزيد من القمع لوأد أو سحق تحركات الاحتجاج ، إرضاء للرأ سمالية السلطوية الطموحة ، لتكريس سيادتها المطلقة في الداخل ، والفوز بعقود شراكة مع أقرانها الخلجيين والأوربيين .. أم سيجر النظام إلى الهاوية .. ؟ .. ذلك هو السؤال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي يدمر بنايات سكنية وسوق الذهب الأثري بالشجاعية


.. الأحزاب البريطانية تراهن على خططها الاقتصادية لاستمالة الناخ




.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ


.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ




.. الأوضاع المعيشية والاقتصادية تتصدر اهتمامات الناخبين في اختي