الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الهوية والتنمية بصدد دخول الاسلاميين إلى البرلمان المغربي

أبواللوز عبد الحكيم

2007 / 1 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان دخول الإسلاميين ،ممثلين في حزب العدالة والتنمية، إلى البرلمان من السمات المميزة للولاية التشريعية السادسة، ليس فقط لما يشكل ذلك من إضافة عددية للأحزاب الممثلة للبرلمان، بل لما أحدثه هذا الدخول من تأثير على المناخ العام الذي صاحب التجربة البرلمانية في هذه المرحلة.
والأكيد أنه يكمن ملامسة هذا التأثير من عدة وجوه، ليس تحليل الحصيلة البرلمانية تحليلا كميا ومقارنتها بحصيلة الأحزاب الأخرى سوى جانب واحد منها، لكننا سنتجه في هذه الورقة اتجاها مغايرا، يروم عكس الصورة واكتشاف الآثار الرجعية، بمعنى اكتشاف أثار ولوج مجال عمومي كالبرلمان على الحزب المعني بالدراسة ذاته، وبالخصوص التغيرات على مستوى خطابه السياسي.
تخبرنا الدراسات المتخصصة في التواصل السياسي أن الولوج إلى الفضاءات العمومية، بما يعنيه ذلك من انتقال من مسار الاحتجاج على الوساطة، وما يوفره من إمكانية الاستفادة من الوسائط الاتصالية التي تواكب العمل العمومي.. يؤدي مفارقة كبيرة. فمن جهة، تتدعم شرعية الفاعلين من خلال تمكنهم من ترويج خطابهم السياسي على مستوى واسع الاستفادة من مميزات الوسائط الاتصالية لإغناء الخطاب بالحمولات الدرامية التي تغدي الجوانب التخيلية عند الجمهور وتخلق في ذهنه صورا معيارية، يمكن توظيفها .
ومن جهة أخرى، تناقص هذه الشرعية بفعل تناقص فعالية الاستراتيجيات التواصلية للوسطاء، فالولوج إلى العيانية، يسبب اهتلاكا للرسائل المبثوثة وابتذالا للصور والعلامات المصاحبة لها، خصوصا في ظل الخضوع لقواعد محددة في إنتاج وبث المضمون الدعائي، مما يجعل بين أهداف الفاعل السياسي وتطلعاته وإستراتيجيته وبين المشاهد الذي لا يحصد ف النهاية سوى تابعا من شذرات الخطابات المختلفة دون أن يدخل عالمها الحقيقي .
إن الرغبة في الاستفادة من هذا إسهامات المقترب التواصلي في تحليل الخطاب السياسي الإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية. وخصوصا تصريفه داخل البرلمان يشكل فرصة أخرى لاختبار هذه فرضية المفارقة التي يفرضها الوقع الجديد على الحزب المتمثل في الانتقال من وضع المحتج إلى مكانته الوسيط والفكرة التي نود البرهنة عليها في هذه الورقة تتمثل في كون حداثة دخول هذا الحزب على قبة البرلمان، وإن أدى على فتح قناة جديدة لتروج الخطاب السياسي للحزب وتدعيم شرعيته كوسيط،، فإنه أبان عن استمرار الصعوبات التي ما فتئ الحزب يعاني منها فيما يتعلق ببناء معادلة متوازنة بين خطاب إيديولوجي ترتكز على الهوية الإسلامية ،وخطاب سياسي يتأسس على حجة التنمية ،إذ كان العمل البرلماني للحزب عبارة عن ممارسة سياسية تقوم بالتوفيق بين الخطابين لكن بدون بلا ضوابط عامة ولا توازنات واضحة. مما تسبب في نهاية المطاف انحصار هذا العمل داخل المحور الهوياتي.
للقيام بذلكن سنعالج الموضوع من خلال ثلاث نقط رئيسية:
أول:الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية قبل الولوج إلى البرلمان.
ثانيا: حصيلة العمل البرلماني للحزب.
ثالثا: مفارقات الخطاب البرلماني للحزب

أولا: الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية قبل الولوج إلى البرلمان.
لم يتردد الحديث عن مفارقات واجهت الحزب منذ اللحظة التي تمكن فيها من الولوج على البرلمان فقط، بل واكب دخوله على الساحة السياسية منذ ما يقرب السبع سنوات، ذلك أن الاعتراف الضمني بالحساسيات الإسلامية الممثلة داخل حزب العدالة والتنمية والسماح لها بالعمل السياسي، لم يتأتى إلا بعد العديد من عمليات التكيف الذاتي مع ضوابط الحقل السياسي المغربي، بحيث انخرط هؤلاء الفاعلون في عملية تعديل لمنظومتهم الإيديولوجية عبر منطق توفيقي يوطد الخيارات البرغماتية التي يفرضها الواقع السياسي .
فبعد مرحلة طويلة ظل فيها العمل الإسلامي منحصرا داخل فضاءات غير عمومية، ظل خطاب الحساسيات الإسلامية، أخلاقيا دعويا من زاوية الدين، احتجاجيا ومطالبا من جانب السياسية. وكان لازدواجية المنظورين الديني والسياسي المسيطر على الخطاب آنذاك، كبير الأثر في التباس البدائل التي ينشدها، فباستثناء المطالبات بالترخيص بالعمل الشرع، وضعت الحركة الإسلامية على نفسها مهام شمولية وكونية اكبر من حجمها التنظيمي، ومنها إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كما حملت على عاتقها الدعوة ضد الفرنكفونية وضد التبعية للغرب، إلى جانب المناداة بالاستقلال الحضاري.
في مرحلة ثانية، كانت الحركة أكثر وعيا بالخصوصيات المحيلة للفضاء الذي يحتضنها، فقل طابع الخطاب الرسالي والتبشيري، وبدأت كتاباتها تبدي اهتماما أكبر بتناول المواضيع المتصلة بواقع الحركة ووضعها داخل موازين القوى المحلي، فانتبهت على وجود أطراف أخرى تنازعها الإحالة على الإسلام في بناء الشرعية وما يتطلبه ذلك من حتمية إدراك موقعها من هذه المرجعية ومن القوى المستندة إليها، فكان ذلك مؤشرا من التحول من خطاب دعوي عقائدي وأخلاقي إلى خطاب سياسي واجتماعي، وشيئا فشيئا بدأ الوعي بتفاوت المهمة الدعوية والمهمة السياسية، وبضرورة إقرار التخصص في الحركة الإسلامية وتوزيع العمل فيما بينها، فتراكمت اجتهادات عديدة ظهر من خلالها مواقف اكثر مرونة تجاه فكرة الفصل بين مجالات الدين ومجالات الاجتماع والسياسية.
أما في المرحلة الثالثة ، فظهر أن النزعة البراغماتية تتسع شيئا فشيئا في أفكار القيادات الإسلامية المعتدلة، خصوصا بعد انخراطها الضمني في المجال السياسي، فاختفى جانب التنظير لصالح الممارسة، بحيث أصبحت تناور بالأدوات التنظيمية وبالمفاهيم الحديثة التي كانت من احتكار الأحزاب التقليدية، لكن دون الانتباه إلى الإشكاليات التي قد يثيرها ذلك على مرجعيتها المتعالية، ودون أن يوقظ ذلك الوعي بضرورة إدراك المفارقات الناتجة عن توظيف مطلقين مرجعيين: الإسلام والحداثة. فظل خطابا مباشرا وعمليا تطغى عليه البيانات والتصريحات الصحفية الحاملة لردود الحركة على المبادرات التي يتخذها النظام السياسي إزائها، مما يؤشر الخضوع لمتطلبات الخطاب السياسي في سعيه على إقناع النظام بالمصالحة معها والسماح لها بهامش من المشاركة السياسية.
يسمح لنا هذه النمذجة بالقول أنه رغم كون مسار الحركة مكنها في النهاية من الاندماج في المجال السياسي، إلا أنها لم تفلح في النهاية من إيجاد معادلة متوازنة بين مجالي الدعوة والسياسية، ذلك أن إضافات خطابها بشأن هذا الإشكال لم يكن مسارا تصاعديا يخضع لقنا عات ثابتة تدعم وتطور في كل لحظة، وإنما كان متأرجحا يخضع لتكوين العناصر العليا للتحولات السياسية التي يعيشها التيار في علاقته مع النظام السياسي، ولعلنا لا نبالغ عندما نقول أنه بقدر ما نحج الخطاب الإسلامي في استراتيجية الاندماج، بالقدر نفسه، فإنه يعيش أزمة مرجعية تتمثل في الصعوبات في بناء علاقة نظرية متماسكة بين الدين والسياسية تقدم تبريرا لما تفيده الممارسة من سير نحو قبول الاختلاف بين المجالين، ذلك أن قبول الحركة بواقع الاندماج وغياب بمحاولة تنظيرية تأسس له انطلاقا من مقولاتها العقائدية والأصولية، إنما هو قبول بمجال سياسي مختلف في مكوناته ومفاهيمه عن مجال الدين . وهو ما سيتضح أكثر بإلقاء إطلالة على حصيلة العمل البرلماني للحزب العدالة والتنمية.
ثانيا: حصيلة العمل البرلماني للحزب:
انطلق العمل البرلماني لحزب العدالة والتنمية بالإعلان عن ولادة المجموعة البرلمانية للحزب، وكان أول موقف سياسي هو التصويت بالإيجاب على ترشيح مرشح الاتحاد الاشتراكي كرئيس لمجلس النواب ، كتجسيد للاختيار السياسي للحزب آنذاك والتمثل في دعم تجربة التناوب السياسي، حيث عبرت المجموعة البرلمانية للحزب عن موقف "المساندة النقدية" للحكومة أثناء مناقشة التصريح الحكومي.
وهكذا، فبقيت مجموعة الحزب تشتغل بتسعة أعضاء طيلة السنتين التشريعيتين الأولى والثانية، مما كان يحد من عطائها، حيث كانت قلة الأفراد تعوق تغطية واستيعاب كافة أعمال المجلس النيابي والمشاريع المطروحة عليه، كما أعاقت مقتضيات القانون الداخلي للمجلس فعالية المجموعة النيابية للحزب، حيث لم تكن ممثلة في مكتب المجلس والذي تحدد داخله القرارات التي تهم سير المجلس ويحدد جدول أعماله وكذا العلاقات مع الحكومة، كما لم يكن متاحا تقديم سؤال شفوي كل أسبوع، لأن المجموعة كانت تتوفر فقط على حق طرح سؤالين في الشهر، فضلا عن افتقادها للإمكانيات المادية والتقنية المساعدة داخل المجلس.
لم يتم تجاوز هذه الوضعية إلا في مستهل دورة أكتوبر 1999، حيث أعلن عن تأسيس الفريق النيابي للحزب بعد اكتمال النصاب القانوني اللازم بعد التحاق نائبين بالمجموعة النيابية. آنذاك عرف العمل النيابي للحزب انطلاقة جديدة، تعزز بالتحاق عضوين آخرين به على اثر الانتخابات الجزئية التي نظمت في 31 غشت 2000.
وانطلاقا من الدورة التشريعية لأكتوبر 2000 سيغادر الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية موقع العمل داخل فرق الأغلبية، وذلك بعد تحلل الحزب من موقف "المساندة النقدية" وتبني موقف "المعارضة الناصحة" إزاء العمل الحكومي، وقد برزت أولى تجليات هذا الموقف في دجنبر 2000 حيث صوت الفريق النيابي للحزب ضد مشروع القانون المالي لسنة 2001، واستمر في إطار هذا الموقف حتى انتهاء الولاية التشريعية. وقد بلغ التعبير عن الموقف الجديد أوجه بتوجيه الطعن الدستوري في بعض مقتضيات القانون المالي لسنة 2002 بمبادرة من فريق الحزب .
على مستوى حصيلة العمل البرلماني للحزب، استقطب محور الدفاع عن الهوية الإسلامية للمغرب ومواجهة الانحراف عنها معظم عمل الحزب داخل البرلمان من خلال التركيز على القضايا التالية:
- مواجهة التشريعات الربوية، واقتراح اعتماد الصيغ الشرعية في المجال الاقتصادي.
- مكافحة انتشار الخمر، والعمل من أجل حظر ترويجها على المسلمين.
- مناهضة الفساد الأخلاقي وانحرافات القطاع السياحي.
- مواجهة قرار منع عرض وبيع المصحف الشريف بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء في نونبر 2000.
- تأكيد الهوية الإسلامية لنظام التعليم في بالمغرب.
- إثارة تجاوزات الإعلام الوطني وحماية مكانة الإسلام في قانون الصحافة الجديد.
- إلقاء كلمة في الجلسة العامة حول الفساد المصاحب لاحتفالات رأس السنة.
- طرح سؤال شفوي حول عدم إصدار المرسوم التطبيقي الخاص بمنع التدخين.
- تقديم تعديلات تهم حماية الإنتاج السينمائي من الانحراف الأخلاقية وذلك أثناء مناقشة قانون الصناعات، السينماتوغرافية.
- مسألة التوقيت يوم الجمعة.
- الدفاع عن قطاع الوعظ والإرشاد.
- مناهضة استهداف الإسلام بالتجريح من خلال استغلال موضوع المرأة.
- التنبيه على استشراء هجمة التنصير بالمغرب.
- طرح مشاكل موسم الحج لسنة 1423 هجرية .
كذلك، شكلت الدعوة إلى التشبت بثوا بث الشريعة الإسلامية أبرز نقطة في عمل البرلماني الوحيد الذي مثل الحزب بمجلس المستشارين كمستشار من عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ويكمن اختصار المحاور التي كانت موضوع مداخلات الحزب داخل هذه الغرفة كما يلي:
- اعتبار الشريعة المصدر الرئيسي لإصلاح النظام التشريعي.
-ملائمة القوانين المالية للبلاد مع ثوابت الهوية الإسلامية والمطالبة المتواصلة لتجاوز أشكال التمويل الربوية وتصفية الميزانيات من الموارد المحرمة.
- إصلاح أوضاع المرأة في ضوء الالتزام بأحكام الإسلام ومقاصد شريعته.
لتأكيد اختيارات الحزب في المواضيع التي استأثرت باهتمامه في مجلسي البرلمان، بشكل مكثف استعمال جميع الإمكانيات التي يتيحها العمل البرلماني، سواء على مستوى اللجان، أو الجلسات العامة أو جلسات الأسئلة الشفوية، وكمثال على ذلك احتل الحزب المرتبة الأولى من حيث رصيده من الأسئلة الكتابية داخل مجلس النواب، والثانية بالنسبة للأسئلة الشفوية التي تقدم بها كما يوضح الجدول التالي :









الأسئلة
الفريق
الكتابية
الشفوية

العدالة والتنمية 1934 179
الفريق الاستقلالي 1834 714
الاتحاد الديمقراطي 127 138
فريق الأحرار 238 537
الفريق الاشتراكي 556 599
فريق الأصالة 305 458
فرق الأغلبية - 5
فريق التجديد والتقدم 443 344
فريق جبهة القوى 455 241
الحركة الديمقراطية 95 167
الحركة الوطنية الشعبية 99 236
الفريق الدستوري 311 535
الفريق الديمقراطي 127 234
مجموعة العهد - 20
المؤتمر الوطني الاتحادي 2 2
فرق المعارضة - 2
مجموعة منظمة العمل 92 579
الوحدة والتضامن 34 15
بدون انتماء 3 7
فرق مختلفة 15 177
المجموع الكلي 7074 4757
كما احتلت منظمة الاتحاد الوطني للشغل المرتبة الأولى في طرح الأسئلة الشفوية والكتابية، حيث طرح المستشار الذي يمثلها 280 سؤالا خلال فترة1997/2002، كما تصدر الاتحاد باقي الفرق في الأسئلة الكتابية المطروحة، فقد ورد في الإحصائيات التي جاءت في كتاب حصيلة مجلس المستشارين لدورة أبريل 2001، أن المنظمة النقابية احتلت المرتبة الأولى ب 86 سؤالا أي بنسبة 25 بالمائة .
بالإضافة إلى آلية الأسئلة، سعى الحزب إلى تفعيل بعض الآليات الأخرى التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس وظلت مهملة، كأخذ الكلمة في نهاية الجلسة في إطار المادة 11، وتكليف أعضاء لجنة بمهمة إخبار حول ظروف تطبيق نص قانوني وفقا لما تنص عيله المادة71 ، علاوة على المطالبة بتفعيل المواد المتعلقة بضبط حضور وغياب النواب في اجتماعات اللجان والجلسات العامة، وتطبيق الإجراءات الواجبة في حقهم، وقد شكلت مبادرة الفريق بطلب تشكيل لجنة لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول مؤسسة القرض العقاري والفلاحي خلال مناقشة القانون المالي لستة أشهر الأخيرة من سنة 2000، والمطالبة بإحالة قانون المالية من سنة 2000 على أنظار المجلس الدستوري حدثا خلال الولاية التشريعية السادسة بامتياز.
يتضح إذن، من خلال استعراض حصيلة العمل التشريعي والرقابي لحزب العدالة التنمية، مدى مراهنته الكبيرة على فرض نفسه كفاعل نشيط في ممارسة لمهام الوساطة والتمثيل، كما لم يفته الترويج لهذه الصورة وإبلاغها إلى الجمهور ليس فقط من خلال استفادته من النقل التلفزي لبعض جلسات البرلمان ، ولكن أيضا من خلال تجنيده لصحافته المكتوبة التي عملت على إذاعة الحصيلة وإشهارها، من خلال مواكبتها للعمل البرلماني لنواب ومستشاري الحزب، وتقديم إحصائيات دقيقة ومقارنات رقمية، مما لا نصادفه كثيرا في صحافة الأحزاب الأخرى التي تكتفي عادة بنشر الأسئلة الشفوية التي يتقدم بها فرقها البرلمانية. وفي هذا الصدد جاء في جريدة العصر الناطقة بلسان الحزب" ولعل نواب الحزب سيجدون أنفسهم مرغمين على المساهمة في عمل إعلامي اكثر منه تنظيري، وذلك من اجل تقريب أعضاء المجلس الوطني على حقيقة عملهم داخل البرلمان ومدى مرد وديته، وإلى أثر ذلك على الفرقاء السياسيين. ومن ثم سيتأكد للجميع أهمية إعلام قوي بالنسبة لحزب يتطلع إلى توسيع قاعدته والتجدر وسط أبنائها" .
ثالثا: مفارقات الخطاب البرلماني للحزب.
يعتبر عدم وضوح التصور العام للعمل السياسي وللعمل البرلمان، كجزء يستغرق مجمل هذا العمل، بالنسبة للحزب أبزر مسبب لهذه المفارقات. إذ مازالت الإحالة مستمرة على تصورات مثالية متعارضة مع واقع العمل البرلماني ، فلا يزال البرلمان عند الكثير من فاعلي الحزب منبر دعوة أو نصيحة وليس مجالا عموميا يقع فيه التنافس بين مصالح متعارضة ويبحث فيه عن مستويات دنيا من الإجماع، نقرأ في صحافة الحزب: " إذا وصلنا على البرلمان لن نكون معارضة، ولن نكون أغلبية، سوف نكون اختيارا جديدا تمليه علينا ثقافتنا الإسلامية وقيمنا الدينية وهي النصيحة، وهي قول الحق ولو كان مرا، ولكن بأدب شديد هو قول أحسنت لمن أحسن أسأت لمن أساء" .
نفس الشيء يقال بصدد الفلسفة التي أطرت رؤية الحزب للبرلمان كمؤسسة حديثة، فبعكس التصورات الليبرالية التي كانت في أساس قيام البرلمان المعاصرة، تنطلق مذهبية الحزب من تصورات إسلامية تقليدية، نقرأ مرة أخرى في صحافة الحزب أن ولوج برلماني الحزب إلى قبة البرلمان جاء بعد "توصلهم بقناعة انطلاقا من تحليل سياسي قائم على فقه السياسية الشرعية، وعلى الترجيح بين المصالح والمفاسد، وعلى واقعية الإسلام المبنية على التدرج " .
إن ما يسمى تحليلا سياسيا بنى عليه الحزب ولوجه على البرلمان ليس شيئا آخر سوى تطبيقا ل "فقه الواقع، فالمسلم الذي يمارس مشروعا إصلاحيا، لا يمكنه الإصلاح إلا بامتلاك تصور صحيح، وهذا مهم لأن المسلم لا يمكنه الإصلاح إلا بامتلاك معرفة سليمة بالواقع، والسيرة النبوية تقدم اعظم الدروس لرجل كان نبيا ورسولا مبلغا مبصرا بطريقة دقيقة لمكوناته وحساسياته، مستعدا للاستفادة من أجل أن يصل مشروعه على بر الأمان" .
من منطلق "فقه الواقع" أيضا، يشرح الحزب مساندته للحكومة إبان ولوجه البرلمان، فمفهوم" المساندة النقدية"، إنما الذي جاء "ليثري القاموس السياسي المغربي" ذلك أن ظروف المغرب تبرر في رأيه إمكانية التحالف مع أحزاب رغم المسافة الفاصلة بينه وبين باقي الاختيارات الإيديولوجية للأحزاب الأخرى،" فهناك ملفات كبرى، أهمها البطالة وقضية المديونية وقضية الصحراء المغربية. وهذه تستلزم روج جندية، وروح الإطفائي الذي يذهب إلى النار لكي يطفئها دون أن تسائل عن هوية القائمين في هذا البيت المحترق، أو ماذا كانوا يفعلون في تلك اللحظة هل يعبدون الله؟ أو يرتكبون المناكر. بهذه الروح وبهذه الجندية تم تقديم اختيار دعم هذه الحكومة" .
لقد استغرق الحزب سنتين ليدرك أن البيت لم يزدد إ لا احترقا، لكن هذه المرة ليس بفعل الأزمات الاقتصادية أو غيرها، ولكن بفعل أن السياسات المتعبة التي بلغت حدا لا يمكن معه غض النظر عن المنكر المسكوت عنه من قبل، من حيث مبلغ اصطدامها بذهبية الحزب وهويته " التي ليست شيئا آخر سوى هوية جميع المغاربة"، مما دفعه إلى تبني موقف "المعارضة الناصحة" التي تعني تناول العمل الحكومي بالتقويم والنقد واقتراح البدائل، بعيدا عن أية معارضة مجانية، أنه إذن موقف لسحب المساندة اكثر منه موقف للمعارضة بالمعنى المتعارف عليه .
وفي الحقيقة ، فإن بناء توجهات الحزب على تصور تقليدي ليس مشتركا بين جميع فاعلي الحزب،إذ نلمس لدى البعض منهم إدراكا لدور البرلمان كمؤسسة من بين مؤسسات أخرى يكمن أن تكون مجالا للعمل السياسي، ووعيا بمحدودية وظائف البرلمان بشكل لا يمكن لأية قوة سياسية أن تعول عليه في سعيها إلى المزيد من التعبئة والانتشار. يقول أحد نواب في الحزب: "فالبرلمان وسيلة أو آلية مؤسساتية تضمن صراعا مؤسساتيا سواء اكتسى طابعا سياسيا أو أيديولوجيا أو طابعا مصلحيا، ومن هنا تكمن أهمية البرلمان في تطوير الأدوات السياسية الديموقراطية. لكن ننسى أن الديمقراطية ليست فقط البرلمان فقط، وإنما مجموعة من المقدمات المتداخلة والبرلمان جزء منها" . لذلك ما فتئ هذا الاتجاه داخل الحزب يطالب بتعديلات دستورية تعيد النظر في هيكلة البرلمان فيما يتصل بعلاقاته مع الحكومة، وفي إعادة توزيع الاختصاص بين الغرفتين، دون أن تعبر هذه المطالب عن توجهات الحزب ككل . مما يعزز فرضية تعدد مراكز إنتاج القيم داخل الاتجاه الإسلامي الممثل في حزب العدالة والتنمية، الشيء الذي أذى إلى تفاوت في فهم المؤسسة البرلمانية من حيث فلسفتها السياسية ومنطق اشتغالها.
على العموم، فإن اختلاف منظورات فاعلي الحزب إلى العمل البرلماني لم تكن له أثر على واقع هذا العمل ، فكما اتضح من خلال حصيلة الحزب، تحولت أسئلة فريقه إلى لائحة مطالب أخلاقية في عمومها، حيث مست في كثير من الأحيان حرية مغاربة آخرين اختاروا العيش على النمط العصري غربيا كان أو شرقيا، فمن سؤال حول مشروعية البعثات الأجنبية في المغرب، إلى سؤال لآخر عن كازينو طنجة، إلى ثالث عن بيع الخمور وتداولها، إلى خامس عن ملكة الجمال المغرب، بل في أحيان كثيرة كانوا يطالبون بوقف جلسات مجلس النواب لإقامة صلاة العصر...بغية إظهار التشبت بالمظاهر الدينية.
ظهر هذا الجانب الأخلاقي التربوي حتى في طريقة إدارة نواب الحزب لبعض اللجان، ويكمن الإحالة هنا على طريقة عبدة عبد الله باها الذي يدخل البرلمان لأول مرة لأشغال لجنة العدل والتشريع التي يرأسها، حيث عقب على أحد رؤساء الفرق بالقول: "شكرا الله لأخينا إدريس لشكر على تدخله"، وكأنه في جلسة تربوية في حركة التوحيد والإصلاح. كما يمكن في ذات الشأن الإحالة إلى تعقيب عبد الله بن كيران عندما طالب من صحفية مغادرة القاعة العامة، بدعوى أن لباسها غير محتشم .
بالطبع ، لا يعني هذا أن الحزب لم يقدم أسئلة ومقترحات في قضايا تنموية مختلفة ، لكن الطابع الغالب على نشاطه في البرلمان ظل رهين المطالب الأخلاقية وبنظرة متشددة أحيانا، فقد كان لا يتوانى في خوض معركة حول فيلم سينمائي "لحظة ظلام"، أو رواية الخبز الحافي، أو كتاب، أو برنامج تلفزيوني، أو حتى جسد عاري أو شبه عاري في مجلة أجنبية دخلت المغرب.
أن ارتكاز الحزب على مقولة الهوية في مداخلاته البرلمانية أعطاها حمولة رمزية فائقة لم تكن تملك معها الحكومة إلا الدفاع والوعد بمراجعة الأمور، حيث كانت تبدأ ردودها بإظهار حرصها للذود عن الهوية الإسلامية، والتذكير بالإجراءات والقوانين المعمول بها والتي تلزم المصالح المعنية بالسؤال . ثم يأتي رد الفريق مسجلا عودة الحكومة على الرشد، لكن فقط على مستوى القول لا الفعل ، موضحا أن الحالة موضوع السؤال لو تكن سوى مثالا على ميادين عديدة لم تحترم فيها الحكومة مسألة الهوية.
أما بصدد بعض القضايا الأخرى، فقد كانت المناقشات بين نواب الحزب وأعضاء الحكومة أكثر حدة، مثل النقاش الذي حدث بمناسبة سؤال شفوي تناول قضية عرض المصحف الشريف بالمعرض الدولي بالدار البيضاء، الذي سبق أن كان محط تركيز كبير في صحافة حزب العدالة والتنمية، فكانت الجلسة العلنية مناسبة للانتقال بهذا النقاش على البرلمان حيث شهدت الجلسة توترا كبيرا بين ممثلي الحزب والفريق الاشتراكي.
في الخلاصة، يمكن القول أن ولوج حزب العدالة والتنمية إلى البرلمان، خول له اكتساب موقع ضمن علاقة القوة، مما أتاح له المساهمة في تحديد معنى ودلالات الأشياء التي تسكن العالم السياسي من منطلق هوياتي، هذا المنطلق الذي خول له أيضا احتكار مختلف الموارد الرمزية التي ينتجها هذا القضية بحيث أطرت معظم مداخلاته في مقابل قلة حضورها عند الفاعلين الآخرين ، لكن استغراق خطاب الحزب في استغلال هذه القضية في كل مرة ومراوحته بين جوانبها ، وغياب الاستدلال بحجة التنمية والاقتصادية،أو بالأحرى ورودها على هوامش المكون الهوياتي ، أحدث اهتلاكا لقدرتها الاقناعية . ما يفرض على الحزب مجهودات إضافية لتأسيس عمل برلماني حديث، يدمج حطابي الهوية والتنمية في معادلة أكثر صلابة.
والأكيد أن ولوج إسلاميي العدالة والتنمية على البرلمان، وتعودهم على العمل الميداني والممارسة السياسية حرك بشكل واضح ما تشبعوا به من ثقافة دينية بشكل دعم مسارهم نحو القبول بالديمقراطية، لكن العمل الإسلامي مطالب بنظرة اكثر دينامكية، تتمثل في إبراز القدرة على التعامل مع الحداثة السياسية باعتبارها فسلفة مؤطرة لعمل المؤسسات الحديثة، من خلال الاهتمام بتدبير التناقضات التي تظهر بينها وبين الثقافة الإسلامية، وليس فقط اللجوء إليها لاقتباس التقنية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل