الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغم العولمة .. الاستقلال الوطني ممكن

نبيل يعقوب

2007 / 2 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


وعود المروجين لفكرة العولمة الرأسمالية بانها ستنشر الرفاهية في كل ارجاء العالم عبر ادخال التكنولوجيات المتقدمة حتى ابعد اصقاع الكرة الارضية، بشرط ان تزيح كافة الدول كل ما يعوق مسيرة هذه "الحملة الحضارية" يتبخر مع كل يوم.
حتى في دافوس، نادي الاغنياء لادارة العالم، ارتفعت منذ ايام اصوات صادرة من ممثلي الدول الصناعية الكبرى تحذر من تردي الاوضاع الاجتماعية في البلدان الغنية ذاتها بسبب سياسات العولمة وبالتحديد بسبب ترك الاقتصاد لتحكم السوق وتقلص دور الدولة في توجيه الاقتصاد لصالح السكان.

وتتفاقم معضلة الفكر النيوليبرالي مع تزايد عجز الدول التي تتبع نهجه عن اصلاح اوضاعها الاقتصادية. بينت العشرية الفائتة كيف ان اقوى اقتصادات العالم بعد ان تركت مصائر الاقتصاد للسوق اصبحت عاجزة عن السيطرة على مشكلة البطالة، وغير قادرة على وقف التدهور الاجتماعي. واصبحنا الآن نقرأ تقارير حكومية سنوية عن انتشار الفقر في اغني بلدان المعمورة. واستطلاعات الرأي العام المتتالية تكشف مدى الاحباط الذي تعانيه اعداد متزايدة من السكان في الغرب بفعل التشكك في وجود آفاق تحسن في الاوضاع.

نوبرت بلوم وزير الشئون الاجتماعية المحافظ في عهد المستشار كول السابق والذي نشط في دعم حركة المعارضة البولندية ضد الحكم الاشتراكي والذي اشتهر بقوله "لقد مات ماركس" وبشر عمال بولندا بالرفاهية القادمة بعد ازاحة الاشتراكية افزعته عملية القضاء على الحقوق والمكتسبات في الغرب بعد انهيار النموذج الاشتراكي فقال: في زمن النزاع بين الشرق والغرب كانت الدولة الاجتماعية احد أاسس شرعيتنا. اذ كان علينا ان نثبت ان نظامنا يفوق الاشتراكية من الناحية الاجتماعية. والآن بعد ان ماتت الاشتراكية يظن بعض ارباب العمل في الغرب انهم قادرون على استعادة ما اضطروا للتنازل عنه للعمال سابقا.

ومنذ توالت انتصارات اليسار في انتخابات عدد من بلدان امريكا اللاتينية، الانتصارات التي مثلت تحديا لروح العصر، وبالتحديد لعقيدة النيو ليبرالية، سادت العديد من وسائل الاعلام الاطلنطية دهشة تصحبها ابتسامة ساخرة من محاولات العودة الي سياسات اعتبر انها ماضية الي فشل مؤكد.

وجوهر التغيرات الجارية في بلدان امريكا اللاتينية التي توصف باشتراكية القرن الحادي والعشرين تكمن في انتصار سياسة ترى ان تحرير الاقتصاد الوطني واشراك الشعب في القرار شرطا لا مفر منه لبناء الدول التي عاشت حقبا طويلة فناء خلفيا للولايات المتحدة والتي نظرت لهذه المنطقة من العالم كمصدر للمواد الخام وسوقا واصلت احتكاراتها نهبها لعشرات السنين. ولكن هذه التغييرات التي شككت وسائل الاعلام الامريكية وتصريحات اساتذة الاقتصاد من المحافظين والليبراليين اتت بالنفع على قطاعات واسعة من سكان البلدان التي بدأت بتحرير اقتصاداتها فنفذت اجراءات هامة للسيطرة على الموارد، ونجحت في تقليص الديون، وضاعفت اعتماداتها للانفاق الاجتماعي، وبدأت بنهضة في التعليم والرعاية الصحية. وكانت كلمات ايفو موراليس بعد اعتلاءه كرسي الرئاسة في بوليفيا معبرة تماما عن فهم القوى التحررية في امريكا اللاتينية للاستقلال الوطني.
" ايتها الاخوات والاخوة ... سننهي الطبيعة الاستعمارية للدولة وسنضع نهاية للنموذج النيوليبرالي".
الامل كبير في ان تشق امريكا اللاتينية هذا الطريق بنجاح اعتمادا على تراث تاريخي غني من النضالات الشعبية، وعلى جذور عميقة مدتها الافكار البوليفارية الوطنية والتقاليد الثورية الاشتراكية، ولاهوت التحرير الذي جعل من السعي لكرامة وحرية الانسان والعدالة الاجتماعية مكونا اخلاقيا اصيلا.

والقلق المتزايد لدى الاوساط السياسية المسؤولة في الغرب تعكسه الاسبوعية السياسية الالمانية "در شبيحل" في سلسلة مقالات بدأت مؤخرا بنشرها عن تطور الصين بعنوان: "صعود الصين الحمراء...". تقارن در شبيجل في مقالاتها بين عملية التنمية السريعة في الصين باعتماد اقتصاد يقوم في معظمه على التخطيط وملكية الدولة للمشاريع الكبرى من جهة و ازمة النهج النيوليبرالي في الغرب الذي يقدس حرية السوق من جهة اخرى.

وتكتب در شبيجل "لا يكاد يمر يوم دون ان يعلن عملاق آسيا الاحمر ارقام اقتصادية جديدة رائعة. وكلما ازداد عجز رؤساء الدول والحكومات الغربية من جورج بوش الي انجيلا ميركل في اصلاح اقتصاديات السوق التقليدية نظر العالم الراسمالي لنمو الصين السريع بحسد متزايد متسائلا: أتعمل الشيوعية بنجاح؟".
وذكر المقال بقول العالم الامريكي ماك فاركوهار "لم يحدث ان استطاع شعب بهذه الكثرة ان يحقق مثل هذا القدر من الرفاهية بهذه السرعة ".

النمو السريع لاقتصاد الصين ( 10,7% سنة 2006) يشغل الساسة وعلماء الاقتصاد خاصة بعد ان سبقت الصين فرنسا وبريطانيا في حجم الانتاج الكلي وهي في سبيل أن تسبق المانيا خلال السنتين القادمتين. ورغم ان تطور الصين ترافقه سلبيات خطيرة تتصل بالحالة البيئية، وبمثالب اجتماعية خاصة في الريف، وبأحوال حقوق الانسان، الا ان التحدي الاول الذي يمثل لغزا لانصار الخصخصة وحرية السوق هو ان النجاح في التنمية يتحقق بالضبط هنالك حيث تعتبر نظريتهم انه امر مستحيل. بينما تراوح معلات النمو في مستوى منخفض حيث تسود السياسات النيوليبرالية.

ان كان هناك مشترك بين عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي في الصين وفي بلدان امريكا اللاتينية السائرة على طريق التحرر والتقدم بغض النظر عن العوامل الايديولوجية والتاريخية فهو يكمن في الاصرار على شق طريق تطور مستقل. ومفهوم الاستقلال الوطني والاقتصادي في زمن العولمة الرأسمالية لا يجنح لمحاولة مستحيلة للانعزال او للخروج من النظام الاقتصادي العالمي، ولكنه يعني النضال من اجل مكانة متكافئة في هذا النظام عن طريق البناء الذاتي والتقدم العلمي التكنولوجي، وتطبيق سياسة تكسب ثقة الشعب وتضمن واحترام قوي الحرية والتقدم في العالم اجمع.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران