الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديكتاتور الصغير

أحمد البغدادي

2010 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


"الديكتاتور الصغير"

لماذا وقف كثير من العوام والمثقفين العرب مع الطاغية صدام حسين, حتى بعد وفاته، ومنهم من أخذته العزة بالإثم بالحديث عن استهجان لعملية الإعدام في أول أيام عيد الأضحى. أعتقد أن أهم سبب تأييد العرب، عوامهم ومثقفيهم، لصدام حسين، يعود إلى ذلك الديكتاتور الصغير الكامن في نفوسنا العربية- الإسلامية. هذا الديكتاتور الذي يدفع الكثيرين إلى ضرب زوجاتهم باسم الدين, أو الرجولة العربية! وللأسف فإن القانون العربي يقف إلى جانبهم باعتبار ضرب الزوجة تأديباً, دون أي اعتبار لكرامتها كإنسانة. كما يقف هذا الديكتاتور وراء الجرائم المزعومة بحجة الشرف الرفيع, وحيث يقف القانون أيضاً مؤيداً له حين يتم سجن القاتل في جرائم الشرف مدة بسيطة لا تزيد في الغالب على ستة أشهر, إضافة إلى المعاملة الخاصة التي يحصل عليها في السجن باعتباره مدافعاً عن شرف العائلة. وأما قانون الأحوال الشخصية فحدث ولا حرج, حيث الظلم للمرأة جهاراً نهاراً. كما أنه ذلك الديكتاتور الصغير الكامن في داخل نفوسنا والذي يرفض محاسبة القانون لنا حين نقوم بضرب أولادنا بحجة التأديب, وللأسف فإن القانون يقف مرة أخرى مع هذا الديكتاتور!

هذا الديكتاتور الصغير لا يريد أن يحاسبه أحد, لذلك يغدو من الطبيعي أن لا نسع إلى محاسبة الديكتاتور الكبير. فالديكتاتور الصغير هو الذي يحكم العلاقة بين المدرس والطلاب. هل نتجاهل حقيقة عجز الطالب عن محاسبة الأستاذ حين يحصل على درجة متدنية؟ هل نتجاهل حقيقة الاستبداد الإداري في الوزارات والمؤسسات الرسمية حيث يفعل الموظف ما يحلو له, دون أي اعتبار للقانون؟ هل نتجاهل حقيقة فرض رؤساء الوزراء على كل الشعوب العربية؟ بمعنى أن العالم العربي جميعه لا يوجد فيه رئيس وزراء منتخب! هل نتجاهل الديكتاتور الكامن في نفسية المشرع القانوني وهو يشرع عقوبة السجن لأغلب إن لم يكن لجميع الجنح والجنايات؟ هل نتجاهل حقيقة أن قوانين المطبوعات والنشر في جميع البلاد العربية باستثناء لبنان, حسب علمي, لا تتردد في سجن الكاتب والمثقف إذا ما تعرض بالنقد للقضايا الدينية؟ هل ننكر أن الجامعات العربية اليوم ليست سوى معتقلات فكرية, بمعنى حصر النقاش داخل حصون تسمى زوراً وبهتانا بالجامعة, وما هي بالجامعة في أي شكل؟

أليس الديكتاتور الصغير الكامن في نفوسنا العربية بلذة عجائبية, هو الذي يجعل كبار المسؤولين فوق القانون, وفي نفس الوقت لا يتردد هذا المسؤول في التبجح بالحديث الممل عن دولة القانون بلا حياء؟ وللعلم فهذا الديكتاتور الكامن يعد صناعة عربية بامتياز, ولا يفيد معه دستور, ولا دولة قانون, ولا تعليم... لأننا على المستوى النفسي نريد لهذا الديكتاتور الاستمرار في الحياة داخلنا, حتى نستشعر قوتنا المزيفة تجاه من هو أضعف منا... لذلك فإن شنق صدام حسين لن يؤدي إلى شنق ذلك "الصدّام" الكامن في نفوسنا المريضة... ولهذا نرى كثير من العربان المستعربة تشق الجيوب وتلطم الوجوه على فراق الديكتاتور الأكبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعزية
فؤاد النمري ( 2010 / 8 / 9 - 06:02 )
بحزن شديد صدمنا النعي المفاجئ للدكتور التقدمي المناضل أحمد البغدادي. تعازينا الحارة لأسرته وللشعب الكويتي ولسائر القوى التقدمية في العالم العربي
فكر ونهج الدكتور أحمد البغدادي لن يموت


2 - كلام صحيح
شيرزاد همزاني ( 2010 / 8 / 9 - 07:02 )
تحياتي استاذي الدكتور ... السؤال هو ما الحل , سألت أحد أساتذتي في الجامعة عن الشعوب الدينينة وكيفية التعامل معها , قال لي بالحرف أن العرب واليهود يحتاجون الى عصر التنوير ... , لكن كيف ننور مع تخلف اقتصادي, أنتاجي , أحتماعي , فكري ... الخ . ألأمر يبدوا أشبه بالحلقة المفرغة . وألمسألة تنطبق بمستويات مختلفة - كما أشرتم - على باقي شعوب الشرق ألأوسط .. تقبلوا فائق تقديري


3 - يافؤاد
محمد الرديني ( 2010 / 8 / 9 - 07:15 )
هل صحيح يا فؤاد ماقلته اني لا اكاد اصدق
ان الطيبيين يغادرونا بسرعة
لينعم في راحته الابدية


4 - قتلتنا الردة
Hakim amin ( 2010 / 8 / 9 - 07:41 )
قتلتنا ألردة أن ألواحد منا يحمل فى ألداخل ضدة ---مظفر ألنواب
سيدى أن ألعلة موغلة فى ألجسد حد ألالتصاق
مند ألبدأ نخلق ممسوخين فالاخ ألاكبر هو ديكتاتور وبدورنا نمارس ألديكتاتورية ضد ألاخ ألأصغر وهاكدا دواليك
نناقش ليس لغرض ألوصول الى ألحقيقة ==بل فقط لاسقاط الاخر
لك منى ألمحبة


5 - أقسم بالطبيعة الأم
مايسترو برتو ( 2010 / 8 / 9 - 18:04 )
انك أيها الدكتور الكبير، صدقت في كل حرف خطته يدك هنا، نعم يا سيدي هو الدكتاتور الصغير الذي يتبع الدكتاتور الكبير الذي هو الدين، وشكراً لهذه الدرر.

اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج