الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخرون يندفعون إلى التقدم ونحن نندفع إلى الانتحار!

سالم جبران

2007 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الحلم الطبيعي، عادةً، لمهاجر من بلاد متخلفة وفقيرة إلى بلاد متطورة علمياً واقتصادياً وديمقراطيا، هو أن يجد عملاً مناسباً ومربحاً، وأن يساعد أبناءه وبناته أن يتعلموا في الجامعات إذا أمكن، أو أن يتعلموا مهنة محترمة مربحة.
عندما يهاجر إنسان، من بلاد فقيرة متخلفة، غير ديمقراطية، فإن حلمه هو.. أن يندمج في البيئة الجديدة. ولقد هاجر، منذ القرن الثامن عشر، باستمرار، عرب من كل الدول العربية، إلى أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا) وإلى مختلف دول أمريكا الجنوبية. ولقد نجحوا، عبر عملية اقتصادية واجتماعية طويلة، أن يندمجوا في المجتمعات الجديدة، أن يصيروا رجال أعمال بارزين، ومحامين وأطباء، وساسة أيضاً. وهنالك العديد من العرب أعضاء في البرلمانات وفي قيادة الأحزاب والنقابات، وحتى على رأس بعض الدول في أمريكا اللاتينية.
لقد حالفني الحظ وزرت تشيلي، وكنت في سنتياغو في نفس اليوم الذي انسحب فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي من مدينة بيت لحم الفلسطينية والمنطقة، ورأيت في الشارع بحراً من الأعلام الفلسطينية بمشاركة واسعة من الجالية الفلسطينية الكبيرة والجاليات العربية الأخرى وبمشاركة واسعة من الأشقاء التشيليين الآخرين.
عند الفلسطينيين والعرب كافة حِس وطني وعندهم حب عميق لأوطانهم الأصلية، وعندهم حب غامر للغة العربية والفولكلور العربي. ولكن مع هذا، هناك عملية اندماج اقتصادي واجتماعي وثقافي وتزاوج، مع الأعراق الأخرى.
هل نسينا الدور الثقافي المدهش الذي قام به المهجريون في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية في نهضة وتجديد الشعر العربي، حتى قال الكاتب المصري عباس محمود العقاد: "إن الأدب المهجري دفع أدبنا العربي الحديث قروناً إلى الأمام وطوّر اللغة وطوّر مواضيع الشعر الحديث".
ومع هذا، يجب قول الحقيقة: إن الخيار المصيري أمام المهاجر، أي مهاجر، عربياً كان أو فارسياً أو تركياً أو أفغانياً هو السعي التدريجي للاندماج بالبيئة الجديدة أو العودة إلى البيئة القديمة!
من الجنون الديني المتطرف أو الجنون القومي المتطرف التوهم، أن الجالية العربية في الولايات المتحدة سوف تحوِّل الولايات المتحدة إلى دولة عريبة، أو أن تحوِّل البرازيل أو أية دولة أمريكية جنوبية إلى دولة إسلامية تسير حسب الشريعة!
عالمنا المعاصر يشهد هجرات واسعة من كل المناطق الفقيرة، آسيا وأفريقيا خصوصاً، وتقول أحصائيات الأمم المتحدة إن حوالي 240 مليون إنسان يهاجرون إمّا هجرة داخل البلد الواحد، من القرى إلى المدن، أو من البلاد التعيسة إلى بلاد أكثر حظاً.
عندما يقرر الإنسان أن يهاجر يقرر في الحقيقة أنه مستعد أن يتغير، من حيث العادات والتقاليد، ومن حيث اللغة، ومن حيث الأحلام الاجتماعية والاقتصادية.
إن المهاجرين من الأقطار العربية، في القرن الأخير، كما تدل كل الأحصائيات هم نوعان: نوع مسحوق اقتصادياً وغير متعلم هارب من البطالة والفقر إلى بلاد جديدة توفر إمكانيات أوسع للعمل وكسب الرزق وأحياناً الغنى، والنوع الآخر جامعيون لا يجدون العمل المناسب في أوطانهم، ولا يجدون آفاقاً حقيقية للتقدم المهني والعلمي، وأحياناً لا يجدون في أوطانهم الديمقراطية والتعددية ولحرية الشخصية فيقررون الهجرة لهم، وبالأساس، لضمان مستقبل أولادهم.
نعود ونقول حقيقة الحقائق: عندما تهاجر عائلة من الشرق الفقير والمتخلف سياسياً وغير المستقر، فأنها تأمل أن تضرب جذورها في الأرض الجديدة رويداً رويداً، وتبني بيتاً، وتجد عملاً، وتقيم علاقات إنسانية، في البداية مع مهاجرين عرب، وفيما بعد، مع البيئة الواسعة. والعرب في أمريكا مثلاً يجدون أصدقاء حميمين في المهاجرين من أصول أمريكية جنوبية.
علينا أن نقول بقلق شديد، أنه بينما أجيال المهاجرين العرب القدامى ، إلى أوروبا والأمريكيتين قطعوا شوطاً هاما في التأقلم والاندماج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، فإن أجيال المهاجرين الجدد إلى الغرب يقعون تحت تأثير الأصولية الإسلامية، مما يجعلهم ينعزلون، يكرهون البيئة التي هاجروا إليها، ويدفعون البيئة المحلية إلى كراهيتهم!!
هل هاجرنا إلى الغرب لنكون بؤراً معزولة تهدد وتعيش تحت التهديد؟ هل التعصب الديني إلى حد كراهية الآخرين مربِّح أم مخسِّر، بالنسبة للمجموعات الوافدة على أوروبا وأمريكا؟
نشرت وكالات الأنباء، وكذلك الفضائيات العربية، تفاصيل حول استطلاع أجري مؤخراً بين المسلمين في بريطانيا. وقد طنطنت قناة "الجزيرة" لهذا الاستطلاع، لا نعرف ابتهاجاً أو قلقاً!
في هذا الاستطلاع قال 37 بالمائة من المهاجرين في سن 16-24 أنهم يفضلون أن يعيشوا طبقاً لقوانين الشريعة مقابل 17 بالمائة قالوا ذلك ممن أعمارهم 55 وما فوق.
وقال 37 بالمائة إنهم يريدون أن يتعلم أولادهم في "مدارس إسلامية". مقابل 19 بالمائة فقط قالوا هذا الأمر من بين الكبار في السن. وقال 7 بالمائة أنهم معجبون بنشاط الإرهابيين من حركة "القاعدة". وهنا أيضاً، الكبار أكثر تعقلاً وأكثر رفضاً للإرهاب.
وقال 86 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع "إن الدين هو بالنسبة لهم أهم أمر في حياتي". وقال 74 بالمائة ممن أعمارهم بين 16-24 إنهم يفضلون أن تلبس زوجاتهم "الحجاب"، مقابل 28 بالمائة، فقط، ممن أعمارهم فوق سن الخامسة والخمسين.
وليس غريباً أن يكون استنتاج الصحافة البريطانية ومراكز الأبحاث الاجتماعية أن الحركات الأصولية المتطرفة دينياً والحركات المبهورة إعجاباً بالإرهاب تركِّز نشاطها بين الشبان لا بين الكبار في السن، لأن الشبان أكثر عاطفية وأسهل للصيد "العقائدي" من الكبار!
ولم يخف قطاع كبير من المشاركين في الاستطلاع موقفاً يقول: " أوروبا أيضاً من بلاد الله سبحانه وتعالى، ويجب أن تسود هنا أيضاً الشريعة الإسلامية".
لو سألنا هؤلاء الشبان: هل إذا هاجر غربيون إلى الشرق الأوسط والبلاد الإسلامية الأخرى، من حقهم أن يفكروا أن يستوطنوا وان يسودوا وان تسود معهم في الشرق، الثقافة الأوروبية والدين المسيحي؟!!
إذا كان هذا غير معقول، ونحن نقول أنه غير معقول وغير مقبول، فلماذا الهوس المتطرف الحالم بأسلمة أوروبا؟!
بدل أن يكون العرب والمسلمون المهاجرون إلى الغرب جسراً حضارياً بين العالمين العربي والإسلامي وبين الغرب، فإنهم يدفعون الناس في الغرب إلى الخوف منا والرهبة من عاداتنا وتقاليدنا والكراهية لنا وواضح أن حياة العرب والمسلمين في الغرب، مع عقلية انعزالية ومتطرفة كهذه، لن يضمنوا لأنفسهم أيضاً حياة آمنة، ولن يعمقوا اندماجهم الاقتصادي في المجتمعات الجديدة. إن الهجرات الجديدة من العالمين العربي والإسلامي إلى الغرب تتصرف ضد المنطق وضد العقل وضد التطور الاجتماعي الطبيعي تحت التأثير العنيف للأصولية الدينية المتطرفة التي قد تقود المتطرفين والمهووسين، أيضاً، إلى ممارسة الإرهاب.
لقد كانت تعليقات كثيرة على شبكات الإنترنيت على هذا الاستطلاع المقلق. وطبعاً كان البعض مبتهجاً سعيداً بما أسموه "الصحوة الإسلامية" وهي في الحقيقة ليست "صحوة" وليست "إسلامية".
ولكن كانت أيضاً تعليقات منطقية، عصرية، واقعية من ناس، يريدون أن يعملوا وأن يسكنوا وأن يعيشوا باستقرار، وأن يبنوا مستقبل أولادهم، في الأوطان الجديدة.
كتب واحد وقَّع باسم فراس يعيش في بريطانيا: "ماذا يريد المسلمون؟ أن تصير أوروبا مثل السعودية؟ مثل سورية؟ مثل المغرب؟مثل باكستان؟ في هذه الدول ليست هناك أية ضمانات اجتماعية، وليست هناك حريات ديمقراطية، والملايين العديدة في هذه الدول لا يعرفون القراءة والكتابة. عندما أرى امرأة تبدو كومة من السواد القاتم أعرف أن هذه امرأة متخلفة اجتماعياً وخانعة للرجال وللقَدَر. إن الأوروبيين قد قاتلوا طويلاً في سبيل مجتمع ديمقراطي تعددي متطور وانتصروا وهناك احترام للتعددية الثقافية، فلماذا نحن، أبناء الصحراء المتخلفين نتوهم أن بإمكاننا فرض تخلفنا على التقدم الأوروبي"؟!
ما أريد أن أقوله بقلق وأسف وحزن، إننا نحن العرب، عندما نهاجر إلى بلاد متقدمة، بدل أن نقتبس ونستفيد ونتقدم نحن أيضاً، فإننا نعيش وهماً مأساوياً أن نجر أوروبا إلى مهاوي تخلفنا!!
ماذا أصاب أمتنا حتى صارت تسبح ضد المنطق والعقل والمصلحة والتاريخ؟ ماذا جرى لنا حتى صرنا نندفع لا إلى التقدم، بل إلى التخلف والانتحار السياسي والاجتماعي؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل