الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة -أخلاق الأيدي

مصعب فريد حسن

2007 / 2 / 7
الادب والفن


فرحتُ كثيرا عندما رأيتهما جالسين على الشرفة المقابلة , وكم اشتقت إلى هذا الطقس الذي طالما افتقدته . لم يأت هذا الشاب الوسيم والسمين ! إلى هذا الحي منذ مدة , كنت قد جهزت قهوتي اليومية المعتادة في مثل هذا الوقت , وجلست قبالتهما أسترجع الأيام التي كان فيها هذا الشاب يزور وبشكل يومي , جارتي الجميلة والتي كانت زميلته في الدراسة, فيتوافق موعد زيارته مع موعد فنجان القهوة المعتاد بالنسبة لي , لا بل أصبحتُ أزامن قهوتي مع موعد قدومه إن حدث تأخير أو تقديم ما في موعد الزيارة . كنت أجلس على الشرفة لأراه قادما من أول الشارع , كانت تعجبني مشيته الفرحة المنطلقة , يرتقي الدرج بخفة ويدخل بيت جارتي برشاقة , ويجلسان على الشرفة المعتمة التي يأتيها رذاذ الضوء المنبعث من داخل البيت أو من الشارع , منظرهما مع هذه الإضاءة الخافتة كان يضفي مشهدية حميمة ودافئة تدفعني لحبهما , والتشوق لمعرفة ماذا يقولان وما المواضيع التي تحوز على اهتمامهما , كنت أشرد وأحاول التكهن بنوعية تلك الحوارات , وأكثر ما كان يدهشني هو حركات يدي الشاب, فتراه دوما عندما يتكلم يرفع يديه إلى السماء وكأنه يحاول إحاطتها و حضنها , أو كأنه يداعب النجوم , أو يباعد يديه إلى الجانبين كجناحين ويفرد أصابعه كأرياش توازن الهواء استعدادا للطيران , فكنت أركّبُ حكاية أو قصة ما لتوافق تلك الحركات , كانت تسلية ممتعة لي , فهاهو وكأنه سيقدم وردة لصديقته أو حبيبته , أو ها هو وكأنه سيضمها إلى صدره , وهاهو يتكلم عن الأفاق الواسعة والمدى اللانهائي للكون وللحياة , أما جارتي الشابة فقد كانت مقتصدة بحركات يديها, كانت تهز رأسها باعتدال , أو تضم أصابع كفيها وتهزهما للأعلى و الأسفل ببطء وكأنها تقول له ( رويدا رويدا ) أو ( على مهلك على مهلك ) , لتخفف من حدة انطلاقته , وأحيانا تراه يقف فجأة مطلقا يداه في السماء ليرقص على أنغام موسيقى أو أغنية ما . الآن وأنا أراهما على الشرفة وبعد فنجان القهوة وكل هذه الذكريات , لا أدري وكأنني أشعر بالخيبة , حركات يدي الشاب أصبحت أقل جموحا وأقل ارتفاعا وليست بنفس الرشاقة , كما في الماضي لا بل لم تتحرك يداه مطلقا , لم يحرك سوى يده اليمنى وأصابعه مضمومة ومنكفئة إلى الداخل باتجاه جسده , وحين كان يشير كان يفعل ذلك بإصبع واحد يوجهه غالبا نحو صدره وكأنه يقول ( أنا, أنا) أو ( لي, لي) , وعلى العكس من ذلك كانت جارتي تحرك يديها بنفس حركاته السابقة كما في الماضي , وكأنها تذكره بها لتعيد أحاديثه نفسها , فهاهي الأجنحة نبتت على يدي جارتي وهاهي الأرياش تحاول الطيران ومعانقة السماء وملامسة الأفق , وهاهي وكأنها تقدم وردة , وهاهي تقف وترقص بيدين فرحتين وأصابع مبتهجة , و......تجمدتْ فجأة وألقتْ يديها بتثاقل للأسفل , جلستْ , بدتْ وكأنها قد شعرتْ باليأس , وفشلتْ بمحاولة التذكير , وضعتْ يديها على فخذيها باستسلام , انتهت زيارة الشاب, أشعلت جارتي ضوء الشرفة لتودعه , ينهض الشاب السمين فيبدو وكأنه قد أصبح أكثر نحافة وأقل سمنة وأكثر طولا , وكأنه قد مر من عنق زجاجة ما .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا