الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هم الخارجون؟

يارا رفعت

2007 / 2 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في الدول العربية والأسلامية، وتحديدا في الشرق الأوسط الذي تتوجه الأنظار لجعله جديداً وكبيراً يوما ما، ينفع أن تحمل أوراقك الفارغة وتتوجه الى أجتماع حزبي، أو تحمل سلاحك لتنضم الى ميليشيا مسلحة، أو تحمل عمامتك على رأسك ليحفظك الخالق ويتبعك الأهالي. لكن الذي لاينفع بالمرة هو أن يحمل رأسك أفكارا وآراء أنسانية وتوجهات قيمية وأخلاقية وتطوف بها بحرية وسلام إن كانت لاتتفق مع أهواء أغلبية أفراد المجتمع وتنتهج بشكل خاص مفاهيم الديمقراطية والليبرالية وتمقت العنف والحروب وتؤمن بالتعددية والمساواة والتسامح والحوار بين الثقافات والحضارات والأديان، عندها اخترت أن تكون خارجاً على كل شئ من حولك: الدولة والدين والقومية والعرف الاجتماعي.
يتفق مع جانب من هذه الرؤية، فكرة طرحها برنامج –قريب جدا- الذي عرضته قبل مدة أحدى القنوات الفضائية التي تتبنى النهج الليبرالي في حلقة عنوانها (الخارجون على طوائفهم). ورغم أن قضية الحوار تبنت الصبغة الدينية الطائفية في وصف الضيوف الأربعة اللبنانيين بالخارجين، لكن يُفهم من خلال حوارهم أنهم لم يتمردوا على ماهو شائع في مجتمعهم إلاّ بسبب توصلهم لجملة من المعاني السامية توصف بالحداثة والعصرنة اتفقوا عليها. وهي أن العلمانية تنظم المجتمع وليس لها علاقة بالأيمان أو الألحاد بالأديان، وأن الليبرالية وحدها سترفع من شأن مجتمعهم، واعرب كل منهم عن مساندته واحترامه لطائفة وديانة الآخر، كما اجمعوا على أن حزب الله حزبا شموليا يستنسخ الأفراد. وأعرب أحد الضيوف وهو شاعر وصحفي عن ندمه لقتاله بين صفوف الحزب القومي السوري تحت شعارات مخدرة تدعو الى وحدة الأمة العربية والأسلامية باسم المقاومة الحمقاء على حد قوله.
ثمة سؤال يتبادر الى الأذهان: من هم الخارجون؟ أوعلى ماذا هم خارجون؟ وكردٍ موجز يمكن القول أنهم من يعارضون وينقدون ويتمردون على المكون الديني والقومي والاجتماعي للوجدان الجمعي العربي أو أياً كان، مستندين الى قيّم ليبرالية كبديل عن المشاريع القومية المنحسرة والتيار الأصولي الذي عاد يسيطر على الشعوب والأعلام العربي. وعن طبيعة المكون الذي يدخلونه فالشرح يطول حتى نحدد هويتهم بدقة إن هم علمانيين..ليبراليين..ديمقراطيين..اشتراكيين..مستقلين سياسيا..مثقفين مبدعين..متصوفة، وربما تجتمع كلها في واحدهم في ذاتٍ أكثر انسجاما وتفهما للمطالب الأنسانية المشروعة من الأنظمة الآيديولوجية السلطوية المشوهة التي تجمع النقائض وهي تدعي أنها تحررية اشتراكية علمانية بيد أن ممارساتها استبدادية رأسمالية أصولية. إن تسميتهم لغةً بالخارجين يصنفهم ضمن فئة هي الأقرب الى الخارجين على القانون. لكن على أيّ قانون هم خارجون!، وهم يرون أن نظام مجتمعهم الحالي لايعبر عن أرادتهم لذا ينزعون الى أزالة الفجوة بين ماهو قائم وما ينبغي أن يكون،وإلى احداث التغيير من خلال منبر العمل والاهتمامات وغالبا ما تكون ثقافية أو دينية أو تربوية.
بدءاً ينتمي العلمانيون الى طائفة –الخارجين- على مجتمعات تؤمن بسيادة أدلجة الدين. إذ تعتبر العلمانية كفراً وألحاداً والأخذ بها يضر بمستقبل الأمة الأسلامية ويزعزع أيمان المتدينين. أما هم فيرون في الأسلام تجربة أنسانية عالية أرقى من التصنيفات المتبعة كأسلام سياسي وعقائدي وثقافي، ويرفضون فهم الأسلام على الطريقة الطالبانية التي تحلل قتل الأنسان باسم الله والدين، أو على طريقة حكام أيران ممن جعلوا من التشيع أسلامَ عنفٍ واضطهاد وقتل بعيداً عن أفكار الأمام علي الرافضة للظلم والساعية نحو تحقيق العدالة. يحاول –الخارجون- انتزاع حريتهم الذاتية من مجتمعهم الذي يكون الدين فيه مجرد مؤسسة أمر ونهي تعزله عن كونه تجربة روحية كبرى في رؤية الأنسان وفهم العالم والكون. وهذا لايروق للأنظمة الحاكمة التي تطربها ألحان التطرف والتشدد معتبرة حملة قيم الحداثة والعقلنة والانفتاح الفكري خارجين عليها وتتهمهم بالعمالة للغرب والاستعمار محللةً محاربتهم بشتى الوسائل بصفتهم أعداء الله. ويرى أدونيس أن الفرد المسلم-العربي يعيش رهين محبسين: محبس التأويل السلفي الأتباعي للنص الديني، ومحبس أمحاء الذاتية في الجماعة-الأمة. ولن يكون ذاته حقا،حرّ اللغة والعقل، إلاّ إذا اخترق هذين المحبسين. وكما فعل المتصوفة وبعض الفلاسفة والمفكرين والشعراء غير أنهم همشوا أو نبذوا أو كُفِّروا أو قتلوا. ولاتزال الحاجة الى اختراق هذين المحبسين ملحة وكيانية.
من جانب آخر، يعترف –الخارجون- بفشل المشروع القومي عربياً كان أم غير ذلك والذي يتجاهل القوميات الأخرى، ويرفضون التعصب والعداء للآخر عرقياً أو لغويا مع خنق حريته وشعوره القومي أياً كان.
وإن اعتُبر الخارجون من المستقلين سياسياً –اللاحزبيين- فأن مثل هؤلاء وفي أمثلة دولية عديدة شكلوا كتلا لايستهان بها في مجالس النواب وكانوا الأكثر حظا في حصولهم على الكراسي الوزارية. لكن الدول العربية اعتادت على أدلجة كافة ميادينها وفي مقدمتها المناصب السيادية الحكومية لتتبعها الميادين الثقافية والتعليمية والاقتصادية التي تراوحت على مر الهيمنة الآيديولوجية مابين الحركات اليسارية والقومية والبعثية والأصولية الدينية. ومن يخرج اليوم عن هذه الحدود يعد فردا غريباً على المجتمع،إن لم تدفعه عوالم الغرب فهو هابط من الفضاء الخارجي. إن جماهير الشرق عامةً والعربية والأسلامية خاصة لاتتقبل أي طرح أو نهج حديث وبديل عما ورثته دون وضعه في أطار ديني أو فلسفي أو أيديولوجي. لكن الكثير من هذه المجتمعات لاتعتبر على سبيل المثال الناشطين في منظمات المجتمع المدني كأفراد خارجين على مجتمعاتهم وطوائفهم رغم أن مفهوم المجتمع المدني حديث التغلغل فيها. والسبب يكمن في أن الكثير من هذه المنظمات تنحصر ضمن البنى التقليدية لتلك المجتمعات من حيث روابطها الحزبية والقومية والمذهبية والعشائرية فهي منظمات تنفي استقلالية المجتمع المدني عن سلطة الدولة تاركةً مجتمعا هشاً يبرز فيه أفراد يرفضون الأوضاع السائدة وينادون بتطبيق قيم الحرية والعدالة الاجتماعية ويدافعون عن حقوقهم وحقوق الآخرين ثم يوصفون بأنهم خارجين على مجتمعاتهم.
يرى أحسان طالب في نقده للمشروع الليبرالي العربي أنه في خضم تلك التيارات القومية واليسارية والأسلامية تواجد على استحياء وخجل المشروع الليبرالي العربي الثقافي والفكري والسياسي، وبدأ ينمو ويؤكد ذاته بعدما غدت مصطلحات كالديمقراطية والمجتمع المدني ومواثيق حقوق الأنسان والشرعية الدولية وحرية التعبير والرأي والتغير والتجديد والأصلاح تطرق أسماع الشارع العربي وتتردد في حوارات وسجال الرأي العام والنخبوي. وذكر أن المنظومات الفكرية والقيم الليبرالية ستبقى محدثة في العالم العربي بالرغم من عقود مرت على طرحها من قبل الرواد وهي تتطلب من أهلها المزيد من الثبات والعمل الفكري والمعرفي والأعلامي لبيان عمق وقدرة الفلسفة الليبرالية على احتواء القيم المتعارف عليها في الثقافات والديانات والمذاهب والقوميات.
وفي العراق الفيدرالي، انطلق –الخارجون- في مهامهم المتراكمة بعد زوال الدكتاتورية التي خلفت أنسانا عراقيا يفكر ويعمل ويحيا وهو يرسخ عبوديته دون أن يشعر، ولايمتلك الشجاعة في الخروج على أمر. وفي أوضاعٍ سادت في الأوطان ربما تشابه الوضع العراقي الحالي إلى حدٍ ما، يتم اللجوء في النهاية الى الدين كورقة لتحقيق الغايات الفاشية. فعلى سبيل المثال لاالحصر، في المجر وفي عام 1945 تآلف رجال الدين مع العناصر المعادية للسياسة القائمة آنذاك واستخدموا الشباب المندفعين من منظمات للشبيبة اليمينية (الكاثوليكية والمسيحية) للتحريض ضد الديمقراطية وأثارة الننزاعات فتصاعد عدد الاغتيالات بين من تبنوا الفكر الجديد. والعبر كثيرة، نستخلص منها أنه لايمكن تسمية شعب واحد ينعم بالديمقراطية والليبرالية والعلمانية تطبيقيا لاشعاراتيا كشعب انخرطت فئاته في حرب أهلية.
من يطلق عليهم صفة –الخارجين- لاتنقصهم المعرفة التي تدفع نحو الأبداع والحقيقة والتحرر من العبودية وكما رأى سقراط. أي يمكن وصفهم بالخارجين على العبودية بكل صنوفها الفكرية والسياسية والدينية. بهذا هم يشكلون الأفراد الأكثر وعياً بالمعنى الحقيقي للحرية ويرونها كما رآها (كانط) على أنها نظام وقانون أخلاقي، ويفهمونها كما فهمها (برغسون) على أنها ممارسة التحرر من سلطة المجتمع واللغة والعلم، ثم النفاذ الى الحياة الباطنية لمتابعتها في ديمومتها،أو هي في نظرهم بحث عن القيم كما رأى (لافيل)، أو هم يساوون بين الحرية والوجود لذاته كما فعل سارتر. يطمح –الخارجون- الى بناء حياة جديدة تسودها ثقافة جديدة، لذا هم يدعون الى الكف عن النطق بأسم الأمة أو الجماعة أو الحزب والقائد الواحد أو الدين الواحد لينطق كل فردٍ باسمه الخاص. فيكون الأنسان هو الأساس بعيدا عن المقارنات، مترفعاً عن تبعية الانتماءات الدينية أو المذهبية أو القومية أو العرقية،مؤمناً بتعددية البشر كقالب ذاتي روحي. وسيحصل التغير المنشود حين تتوحد جهود المرتقين فوق مصالحهم الذاتية ممن يكيفون المفاهيم الحديثة المعاصرة خدمةً لمجتمعاتهم، وبعدها سيكون الذين يعرقلون تحقيق أهدافهم هم الخارجون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟