الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علوجيات..(3) ديناصورات سياسية و أفكار محنطة !

جبار قادر

2003 / 7 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



       
تزخر الساحة السياسية العراقية هذه الأيام بكل ما لا يخطر على البال. فمن سياسيين إنتهت صلاحيتهم منذ عقود طويلة الى آخرين فشلوا في إمتحانات السياسة أكثر من مرة و تسببوا في  كوارث حلت بنا لا نزال نعاني من آثارها الى أفكار محنطة عند أعتاب الخمسينات و الستينات من القرن الماضي وكانت وراء إعادتنا الى عصور الهمجية و التوحش . من حقنا أن نتساءل هل يمكن لمثل هؤلاء أن يقودوا سفينتنا وسط الأمواج المتلاطمة الى شاطئ الأمان ؟
كل من لديه إطلاع بسيط على تطورات القضية الكردية في العراق يعرف بأن الحركة الكردية ، التي تصدت للسياسات الفاشية الحكومية وبخاصة في عهد البعث بحق الكرد ، أجبرت الحكومات العراقية المتعاقبة على الأقل منذ عام 1963 ، دعنا عن حكومات العهد البائد الأول، على الدخول في مفاوضات مع قيادة تلك الحركة و إضطرت أن تعترف ببعض الحقوق القومية للكرد في العراق . فقد أعترفت الحكومتان العراقية و البريطانية ، مثلا ، في بيان صريح أعلن على الملأ بحق كرد العراق في إقامة حكومة كردية في كوردستان العراق وذلك في عام 1922 . و أعلنت حكومة البعث الأولى بعد الأنقلاب الدموي في 8 شباط عام 1923 عن عزمها لحل القضية الكردية على أسس النظام اللامركزي و من ثم جاء بيان رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز في 29 حزيران 1966 ، بل و وقع البعث بعد عودته المشؤومة في 17 تموز من عام 1968 إتفاقية 11 آذار 1970 التي إعترفت بحق الكرد في الحكم الذاتي في كوردستان العراق . بطبيعة الحال لم يكن بإمكان حزب عنصري دموي وطائفي مثل البعث أن يتقبل وجود شبر من الأرض لا تخضع لدكتاتوريته و لا يستطيع زرعها بالمقابر الجماعية . من المفارقات أن هذا الحزب الذي أقر على الورق حقوق الكرد القومية و الثقافية أذاقهم الويل و أباد مئات الآلآف منهم و دمر أكثر من أربعة آلاف قرية و مدينة في كوردستان و جمع جميع الكرد في عدة مدن و مجموعة من معسكرات الموت ، أطلق عليها ظلما  تسمية ( المجمعات العصرية !)،و على بقعة من الأرض لا تتجاوز سبعة آلاف كيلومتر مربع أي ما يعادل 8 % من مجموع مساحة كوردستان العراق . وبقية القصة معروفة لدى القاصي و الداني إلا من فقد البصر و البصيرة .
و بعد إنتفاضة ربيع عام 1991 و الهجرة المليونية و تحرير جزء من كوردستان من الأحتلال البعثي البغيض ، قامت الأحزاب الكوردستانية بإجراء الأنتخابات و تشكيل برلمان و حكومة إقليمية أدارت المنطقة بعيدا عن جبروت صدام و أزلامه . رغم كل الأنتقادات التي يمكن أن توجه الى سياسات الحزبين الكرديين والتي يمكن أن تكون نتيجة طبيعية للثقافة السياسية المتخلفة السائدة في منطقتنا ، إلا أن الأوضاع السائدة في كوردستان العراق لا يمكن مقارنتها ببقية مناطق العراق . الآن وبعد إدارتهم لشؤونهم بصورة مستقلة و دون أي تدخل من الحكومة المركزية في بغداد يطالب الكرد بالنظام الفدرالي ، وهو أقل بكثير مما يتمتعون به منذ عام 1992 .
في المقابل يعلن حزب جديد ظهر بعد سقوط الدكتاتور عن تبنيه لبيان 29 حزيران 1966 ( لحل قضية إخواننا الأكراد في شمالنا الحبيب !! ) . هل يمكن لحزب تحنطت أفكاره عند أعتاب الستينات أن يقدم شيئا للعراق الديموقراطي الذي يحلم ببنائه العراقيون ؟. ألا يعني هذا بأن قيادات مثل هذا الحزب منقطعون عن التطورات السياسية و الفكرية في العالم و لم يسمعوا بأن من بين أهم أسباب تفكك الكيانات و الدول و الأمبراطوريات هو الألحاق القسري للشعوب المقهورة  وبالضد من إرادتها ؟. لآ أعتقد شخصيا بأن حزبا يحلل الأمور بهذه الصورة و بعد كل الكوارث التي حلت بنا سيعيش طويلا . ففي ظل الماراثون العراقي لأقتناص المواقع و توزيع المناصب يمكن أن نتفهم ظهور العديد من الأحزاب و التنظيمات و التجمعات الكاريكاتيرية ، إلا أنها ستندثر بنفس السرعة التي ظهرت بها . بناء العراق الجديد يتطلب قيادات سياسية لا تشكل الوجه الآخر للعملة الصدامية ، قيادات متحررة من عقد الماضي و خطاباته التي عفا عليها الزمن ، قيادات تستنبط الدروس و العبر من التاريخ القريب ، قيادات تدرك بأن عدم حل القضية الكردية بصورة عادلة و عقلانية و إبقائها معلقة و متأزمة كان وراء أكثر مشاكل العراق على مدى تأريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها .
يتطلع العراقيون الى نظام سياسي يحررهم من ثقافة الفرهود و القمع بجميع أشكاله الأجتماعية و السياسية و الدينية و الفكرية ، و يعمل على ترسيخ ثقافة الحوار و التسامح بين المكونات المختلفة للمجتمع العراقي ، و قبل هذا و ذاك يفرض سيادة القانون على الجميع دون تمييز . لن يرضى الناس بعد اليوم بأحزاب تحاول إبتلاع المجتمع و نهب ثروات البلاد مهما كان باعها طويلا في مقارعة الدكتاتورية ومهما كانت شعبيتها . وعن شعبية الأحزاب نسمع العجب بفضل القنوات الفضائية العربية، التي نهاجمها ونحن محقون في ذلك لتماديها في نشر ثقافة العنف و التحليلات الوهمية عن أحداث جسام لم تقع بعد !. فقد إستمعت الى سيد فاضل إستخدم أسلوبا مبتكرا جديدا لقياس شعبية الأحزاب و الحركات السياسية في عراق ما بعد صدام . إنه أسلوب بسيط جدا يمكن تجربته في كل زمان و مكان بشرط توفر السكر و الشاي! . قد تستغربون الأمر ولكن هذا ماحدث فعلا . فقد أعلن هذا الرجل الفاضل و عبر إحدى القنوات الفضائية بأن شعبية حركته في بغداد تكلفها يوميا عشرة كيلوات سكر من خلال تقديم الشاي لزوار المقر الرئيسي للحركة . وأعتبر ذلك دليلا كافيا على قوة الحركة و أحقيتها في تنصيب زعيمها ملكا على العراقيين. وبناء على هذا الأسلوب المبتكر قد تتخلى مراكز قياس و توجهات الرأي العام في بلدان العالم عن أساليبها العلمية البالية في جمع المعطيات و تصنيفها و تحليلها لتلجأ الى السكر . المشكلة الوحيدة التي ستواجهها هذه المراكز تكمن في إمتناع الكثيرين عن تناول السكر لأسباب تتعلق بالحفاظ على الرشاقة و الصحة .
نتمنى أن نرى أحزابا تقيس شعبيتها على أساس المبادرات الشعبية الخلاقة التي تقوم بها لأعادة بناء المدارس و المستشفيات و تنظيف الشوارع و جمع مخلفات الحرب و تقديم العون للأطفال و الأرامل و حماية المال العام و مؤسسات الكهرباء و الماء و غيرها . سيتجاوز العراقيون هذه المرحلة العصيبة و سيتذكرون بالخير الحركات و القوى التي خدمت الناس و الوطن ، في الوقت الذي  سيلعنون الجماعات التي نهبت المال العام و ممتلكات الناس دون وجه حق . 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا