الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا و الأتحاد الأوربي : هل سدت أوروبا أبوابها نهائيا بوجه تركيا ؟

جبار قادر

2003 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


       
أقر البرلمان التركي مؤخرا حزمة جديدة من التعديلات القانونية في إطار سعيها المتواصل للتناغم مع قوانين و أعراف دول الأتحاد الأوربي . و مست هذه الأجراءات بصورة شكلية صلاحيات و وظائف مجلس الأمن القومي صاحب الكلمة الأخيرة في إقرار السياسات التركية ، فضلا عن بعض التعديلات في قانون المطبوعات و البند السابع من قانون محاربة الأرهاب و إتخاذ بعض الأجراءات للنظر في الشكاوي المتعلقة بعمليات التعذيب و محاربة الفساد و الرشوة و تخفيف إجراءات ترخيص التظاهر و تشكيل الجمعيات و المنظمات الثقافية و الأجتماعية و الفنية في الجامعات . كما أن التعديلات الجديدة تعطي صلاحيات أكبر للبرلمان و دائرة الرقابة المالية للأشراف على ميزانية الجيش و الموارد المالية للجمعيات والمنظمات و الشركات و غيرها . وتأتي هذه الأجراءات ، التي عمل البرلمان التركي على إقرارها بصورة سريعة وعدم تأجيلها الى مابعد عطلة البرلمان ، للتجاوب مع الطلبات الأوربية الملحة التي تشجع تركيا على إتخاذ المزيد من الخطوات الأصلاحية ليكون بالأمكان تحديد موعد بدء مفاوضات العضوية في نهاية العام القادم. ولكن قراءة سريعة لحزمة التعديلات التي أقرها البرلمان تعطي الأنطباع بأنها إجراءات شكلية لا تمس البنية الأساسية للنظام السياسي التركي و لا يمكن لها أن تقلص المسافة بين أوربا و تركيا . وقد عبر المسؤول الأوربي عن عملية توسيع الأتحاد الأوربي غونتر فرهوغين رغم ترحيبه بالخطوات التركية عن عدم رضاه عن تلك الخطوات التي لا يشعر معها مواطنو تركيا في الواقع بتغييرات حقيقية في حياتهم اليومية . أي أن تركيا التي تسابق الزمن لكي تفوز برضى الأتحاد الأوربي لا تعير إهتماما كبيرا بتطبيق (الأصلاحات ) على أرض الواقع . و تشير تصريحات العديد من السياسيين الأوربيين الى خيبة أمل كبيرة من الأتراك الذين يبدو أنهم لا يستطيعون الأفتراق كليا مع إرث الأستبداد الشرقي و اللحاق حتى ببلدان أوربا الشرقية في عملية الأندماج بالأتحاد الأوربي. و بعد أن كانت المقارنات تعقد في السابق بين أوضاع تركيا و بلدان أوربية شرقية مثل بولندا و هنغاريا ، أخذ الحديث يتخذ في الآونة الأخيرة منحى آخر عندما تجاوز السياسيون الأوربيون حتى بلغاريا و رومانيا وبدءوا يضعون تركيا على قدم المساواة مع دول مثل أوكرانيا و بيلورسيا و صربيا ويجدون بأن قبول الدول الأخيرة في عضوية الأتحاد ، وهو أمر مستبعد جدا في ظل الأوضاع الحالية لتلك البلدان ، قد يسبق إنضمام تركيا . و توفر طريقة تركيا في التعاطي مع إستحقاقات العضوية مادة غنية للسياسيين الأوربيين المعارضين لأنضمامها . فقد إعتبر جيسكار ديستان دخول تركيا الأتحاد الأوربي نهاية للأتحاد . وكان نائب رئيس البرلمان الأوربي أنغو فردريك أكثر وضوحا عندما إعتبر قبول تركيا نهاية للنموذج الأوربي بل و دفنا للأتحاد .
وإتهم فيرهوغين السياسيين الأوربيين بالأزدواجية و النفاق في تعاملهم مع مسألة عضوية تركيا في الأتحاد الأوربي . فهم على حد تعبيره يدعون أمام الناس الى ضرورة إنضمام تركيا الى الأتحاد و لكنهم يؤكدون في إجتماعاتهم المغلقة على إستحالة قبول تركيا في النادي الأوربي .  ويعتقدون بأن دخول دولة بهذا الحجم الكبير من السكان المسلمين الآسيويين سيحدث خللا سكانيا كبيرا في الأتحاد . كما إن إمتداد حدود الأتحاد الأوربي الى حدود العراق و سوريا و أيران و القفقاس سيجعل منه قوة شرق أوسطية و تحمله أعباء كبيرة على صعيد السياسة الخارجية في منطقة مليئة بالمشاكل لا ترغب الدول الأوربية بتحمل إستحقاقاتها المالية و العسكرية و السياسية .
وذهب أحد السياسيين الألمان الى أن قبول تركيا في عضوية الأتحاد الأوربي سيتطلب إجراء إستفتاء شعبي في ألمانيا . صحيح أن الكثير من القضايا الهامة في الأتحاد يجري إقراره عبر عمليات الأستفتاء في دول الأتحاد كما كان الأمر ، مثلا ، بالنسبة لتبني اليورو ، بينما يستفتى في العادة سكان الدولة المرشحة للعضوية وليس سكان دول الأتحاد الأوربي . ويؤكد المتابعون للأوضاع في ألمانيا و نظرة الألمان الى الأجانب و الترك منهم على وجه الخصوص على أن نتائج مثل هذا الأستفتاء لن تكون أبدا لصالح عضوية تركيا .
وأخيرا وضع فيرهوغن النقاط على الحروف عندما أكد بأن الأتحاد الأوربي سيجد نفسه في نهاية العام القادم أمام ثلاث خيارات بشأن مسألة عضوية تركيا. إما أن يعتبر الأتحاد الأجراءات التي قامت بها تركيا مقبولة الأمر الذي يستوجب تحديد بدء المفاوضات مع تركيا بشأن العضوية . وهذا أمر يستبعده أكثر المراقبين تفاؤلا. إذ النظام السياسي و القانوني التركي و دور العسكر في الحياة السياسية و الأوضاع الأقتصادية و الأجتماعية و قضايا حقوق الأنسان و الأقليات لا زالت بعيدة جدا عن المعايير الأوربية المقبولة . أما الخيار الثاني فهو إعتبار هذه الأجراءات غير كافية و تمديد فترة إنتظار تركيا على أبواب الأتحاد الأوربي لسنوات أخرى غير معلومة. وقد يؤدي هذا الأمر الى مضاعفات سياسية كبيرة في تركيا وتؤدي الى تنامي دور المتطرفين القوميين و الدينيين الأمر الذي لا ترغب فيه أوربا قطعا . من المعروف أن مسألة عضوية تركيا في الأتحاد الأوربي تحولت الى واحدة من أهم قضايا السياستين الداخلية و الخارجية التركية . وفي المقابل لن يتجرأ الأتحاد الأوربي أمام شعوب بلدانه الى التخلي عن المعاييره والقيم والأعراف الأوربية من أجل تركيا التي لا تستطيع أن تحدث التغييرات المطلوبة في منظوماتها السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية وغيرها . أما الخيار الأخير فيتلخص في أن يسأل الأتحاد نفسه سؤالا محددا و هو : هل الأستمرار بالصيغة الحالية في التعامل مع مسألة عضوية تركيا امر مقبول ؟ أم أن الضرورة تقضي بالبحث عن صيغة بديلة ؟ . ووفق هذا الطرح ، و الذي تحدث عنه فيرهوغين خلال الأيام الأخيرة في لقائه بالصحفيين الألمان في برلين ، يمكن البحث عن صيغة لربط تركيا بالأتحاد الأوربي خارج منظومة العضوية الكاملة . قد  ينقذ هذا  الطرح الأتحاد الأوربي من الورطة التي أوقع نفسه فيها في ظل الحرب الباردة عندما وعد تركيا بضمها اليه دون أن يبدو في الأفق ما يؤكد بأنه سيتمكن من تحقيق وعده . ويمكن الجزم بأن هذه الصيغة قد جرى تناولها في لقاءات الزعماء و السياسيين الأوربيين وخرج فيرهوغين ليطرحها كمؤشر لمسار العلاقات مع تركيا خلال الأشهر القادمة و التي تفصلنا عن موعد تقديم التقرير النهائي الى الأتحاد الأوربي بشأن عضوية تركيا .
سيعني تبني هذا الخيار نهاية لآمال تركيا في الحصول على عضوية الأتحاد الأوربي . كما يمكن أن تؤدي الى تغييرات ملموسة في سياسات تركيا الخارجية . ولكن موقفها من الحرب الأخيرة في العراق و توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية يقللان من قدرتها على تبني استراتيجيات سياسية و عسكرية و اقتصادية جديدة . كما أن علاقاتها الأقتصادية و السياسية على مدى العقود الخمسة الماضية مع أوربا ، فضلا عن ضعف إقتصادها و المشاكل السياسية الداخلية الكبيرة التي تعاني منها و توتر علاقاتها مع محيطها ، ستحدد من إمكانيات المناروة لديها و تفرض عليها في النهاية الرضوخ الى المطالب الأوربية و الأقتناع بما تقدمها لها أوربا . ولكن لا يخلو الأمر بطبيعة الحال من حدوث مفاجآت سياسية و هزات إجتماعية كبيرة ستؤثر حتما على مسار الأحداث في هذه البلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح