الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تكون الأمازيغية الوجه الآخر للأصولية

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في تصفحي لمواد الصحيفة الأليكترونية الحوار المتمدن إستوقفني موضوع : "الأمازيغية" / "الأصولية"، أو العملة ذات الوجهين " للأستاذ محمد الحنفي ، فقرأته بإمعان تام باعتباري أهتم بما يكتب عن الأمازيغية خاصة من طرف الأساتذة كالأستاذ محمد الحنفي ، و طرح سؤالين هامين هما :
ـ فهل تتم الإستجابة للنقاش الهادئ، والمتأني، لموضوع الأصولية، والأمازيغية؟
ـ وهل يتقبل الأمازيغيون الاختلاف في وجهات النظر، واعتبارهم مجرد مؤدلجين للهجات الأمازيغية، التي تختلف تسمياتها؟

كان لهذين السؤالين وقع عظيم في تحفيزي للكتابة لأنني من الأمازيغ الذين يعشقون الحوار الجاد و الملتزم و لو أنني لن أتفق مع مواقف الأستاذ ، و لكنني أريد أن أطمئنه أنه سيجد محاورا جادا و لكن في نفس الوقت مشاكسا تارة و مخالفا أطوارا و معارضا كذلك ، كيف لا و قد سوى بين الأمازيغية و الأصولية المتناقضان اللذان لا يمكن السوية بينهما لكون منطلقاتهما تتعارض و تتناقض ، كيف لا و اللغة الأمازيعة ليس كما يسميها الأستاذ "اللهجات" لأن منطلقه الأول هو مفهوم الأمازيغية لذا لا بد من إعطاء هذا المصطلح حقه ، فالأمازيغية منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية ، إذن لا يمكن اختزالها من كونها مجموعة من اللهجات و كفى ، و الأصولية هي نابعة من الدين / المعتقد و نعرف جميعا أن المعتقد متعدد و متنوع يمكن أن يتجسد في عدة أشكال و أنماط من الممارسات و الطقوس و الأعراف و الثقاليد و العادات ، فالأصولية إذن تتخذ عدة تعبيرات حسب الحضارات و الثقافات و لها ارتباط وثيق بالمعتقدات ، التي لا يمكن أن تقتصر على لغة من اللغات أو ثقافة من الثقافات أو حضارة من الحضارات دون غيرها ، و إلا فكيف نفسر نشاط الأصولية في الدول الغربية و في الشرق الأدنى التي بلغت فيها الأصولية حدا لا يطاق ، و الأصولية مذهب يستمد قوته من المعتقد فهناك أصولية إسلامية و مسيحية و يهودية و غيرها و لها علاقة بالتطرف كما لها علاقة بالقهر و الظلم و الفقر و الجهل و الأمية ، من هنا لا يمكن أن أتفق معه بالجمع بين الأصولية و الأمازيغية و الجمع بينهما تعسفا بالخلط بين المفاهيم و وضعهما في عملة واحدة .
و الأمازيغية كما قلت سابقا منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية و هي وعاء يجمع خلاصة دينامية المجتمع عبر مراحل تاريخه و ما خلفه الإنسان خلال هذه المراحل التاريخية ، فالأمازيغية هي نتاج حركة الأمازيغ في المغرب في تفاعل دائم و مستمر مع اللغات و الثقافات و الحضارات التي إحتكوا بها ، إذن لا يمكن اختزال الأمازيغية في كونها "لهجات" التي قد تكون تعبيرات لمجموعات بشرية داخل المنظومة اللغوية الأمازيغية الأم ، التي هي كل لا يمكن تجزيئها و تقسيمها و تفكيكها لأن تواجد هذه "اللهجات" في تواجد اللغة الأم ، و هي مترابطة و متشابكة كالخلايا يستعصي فكها و هي التي تكون الجسم الواحد الذي يشكل الأمازيغية ، و هنا يمكن إدخال عدة عوامل أسياسية و خاصة عامل البيئة باعتباره من العوامل المحدد لتفكير الإنسان و حركته في مكان و زمان محددين و في مراحل تاريخية محددة ، إذن تواجد "اللهجات" أمر طبيعي في تاريخ الأمم ، و الأمازيغية هي أقل اللغات العالمية عددا من حيث "اللهجات" مقارنة بالمساحة الجعرافية التي يتواجد فيها الأمازيغ و التي أفرز ثلاث "لهجات" فقط مقارنة بالشعوب الأخرى التي نجد فيها شرات و مئات "اللهجات" ، و هذا عامل آخرى يثبت إعتبار الأمازيغية منظومة فكرية و لغوية و ثقافية و حضارية و هوياتية متقدمة رغم تعذر استعمال الحرف الأمازيغي ، أما كتابتها فهو شأن آخر يمكن أن نخوض فيه و الدلائل القاطع باستعمال الحرف الأمازيغي في الكتابة متوفرة و متعددة و كذا الحرف العربي .
لنرجع إلى الأصولية و أصولها لنرى أنها نابعة من الثقافة و الحضارة العربية فلماذا لا يمكن ربط الأصولية بالعربية ؟ ألا يرجع ذلك إلى ممارسة الأصولية العربية التي تخاف من فقدان مكانتها ؟ أم أن ذلك ناتج عن قصور فكري و معرفي و نظري ؟ و هنا أريد أن يكون العرب هادئين حتى لا يتهموني بالأصولية التي يتم التلويح بها في هذه الأيام كما كان الشأن بالنسبة للماركسية اللينينية في فترة السبعينات ، و أنا ماركسي لينيني لا يمكنني قبول الخلط بين المفاهيم أو استعمالها تعسفا في غير مكانها ، إذن الأصولية فكر و ممارسة يمكن احتواؤهما في أي وعاء لغوي و هو قابل للإستغلال الأيديولوجي ، و هو مفهوم رجعي أنتجته الرجعية و استعملته ضد الفكر التقدمي و الماركسي اللينيني و ما زالت تستعمله كذلك ، و منبعه الشرق العربي و ليس بمغرب الشعوب و التاريخ يثبت ذلك لا داعية للخوض في هذا المجال ، فقط حدثان مهمان يمكن الإشارة لهما لوضع معالم النقاش حول الأصولية و منابعها و هما : الصراع على السلطة بين الأمويين و العباسين و التعصب الديني و الأثني بينهما حول السلطة ، و ظهور المذاهب الدينية التي يشكل ا فيها لمذهب السني و الشيعي امتدادهما التاريخي إلى يومنا هذا ، و أقصى ما وصلت إليه الأصولية في العالم العربي اليوم هو مستوى الإقتتال الذي نشاهده بين الشيعة و السنة في العراق و الذي تغذيه الرأسمالية الأمبريالية بزعامة أمريكا و بريطانيا .
الأمازيغية هي نتاج حركة الأمازيغ بالمغرب و هي لا يمكن أن تتساوى مع الأصولية لأن تاريخها العظيم أثبت ذلك ، فالأمازيغ هم الذين بنوا دولا عظمى بزعامة النساء و احتكوا مع جميع شعوب العالم و دولها العظمى و عاشوا في المدينة الدولة "قرطاج " التي كانت تضاهي "أثينا" و "روما" ، و بنوا دولا عظمى كالمرابطين و الموحدين و السعديين التي شكلت فيها مدينة تاروانت/ حاضرة سوس أول عواصمها العظام ، و التي كانت مركزا تجاريا كبيرا في عصور كانت فيها زيت الزيتون طاقة كما هو الشأن اليوم بالنسبة للبترول و من هناك نبع اسمها ، إذن الأمازيغية لا يمكن مقارنتها بالأصولية لأنها استوعبت الأصولية و ذوبتها في أحضانها ، و استطاعت فك الحصار عن السنة بفتح المجال أمام الأمويين لبناء دولتهم في الأندلس و أنجبت علماء عظام أمثال ابن خلدون ، و الأمازيغية هي التي استوعبت الديانة اليهودية قبل الإسلام و تعايش معها الأمازيع لعدة قرون دون أن يسجل لها التاريخ مجازر عرقية ، و لم تشاهد الأمازيغية تصفية عرقية إلا في القرن 17 في أزيد من نصف قرن من القضاء على ثورات الأمازيغ من طرف "إسماعيل" ، الذي قضى على مكانة حاضرة سوس باعتبارها نتاج الحركة الإجتماعية للأمازيغ بسوس و بالمغرب .
أما قول ألأستاذ : " كون الدين الإسلامي ، واللهجات الأمازيغية ، من مكونات ثقافة الشعب المغربي ،" فذلك يحتاج إلى كلام طويل لا داعي للحديث فيه كثيرا حتى نكون جد مركزين ، أليس هذا الكلام نابع من جذور الأصولية العربية ؟ و أليس ما يقوم به الأستاذ عن غير وعي يجسد الأصولية بعينها ؟ كيف ذلك ؟ يتحدث الأستاذ عن المكونات الثقافية و الأجدر به أن يتحدث عن مكونات الهوية المغربية التي يمكن تحديدها في الأمازيغية و العربية و ما دون ذلك فهو افتراء ، قد يقال أن هناك الأفارقة و المتوسطيين و نقول لهم أما فرنسا اليوم التي بها آلاف الأجناس و هم فرنسيون و كفى ، و إدخال المعتقد كمكون مجازفة و مخاطرة للوقوع في الأصولية بعينها و تجاهل الأمازيغية كمكون أساسي للهوة المغربية خروج عن التحليل الماركسي اللينيني ، فكما أشرنا فاللغة هي الوعاء الحامل لنتاج دينامية حركة الإنسان في موقع جغرافي محدد و عبر تاريخ تواجده هناك ، إذن الأمازيغية مكون أساسي في الهوية المغربية و المكون العربي نتاج التفاعل الحضاري بين الأمازيغ و العرب ، و الدين الإسلامي جزء من الثقافة العربية التي حملته معها إلى بلاد الأمازيغ و استطاعت الأمازيغية استيعاب الدين الأسلامي كما فعلت فيما قبل مع الديانة اليهودية ، و الدين الإسلامي تم إدماجه كمكون بشكل رسمي من طرف النظام القائم للإستعمالات الأيديولوجية التي جعلته قانونيا دينا رسميا للبلاد ، إذن من هنا جميع المغاربة مسلمين بقوة القانون و ليس كاختيار ، لكن الأمازيغية بقوة التاريخ مكون أساسي للهوية المغربية و التي مازال يتجاهلها النظام القائم ، أليس إبعاد الأمازيغية و استبعادها ممارسة الأصولية في حقها و الإستئصال في حق الأمازيغ ؟
إنني لا أعترف إلا بالدولة العلمانية التي يتم فيها استبعاد المكون الأساسي في الأصولية ألا و هو استعمال الدين أيديولوجيا كما يفعل النظام القائم به ، أما الأمازيغية فهي ليست في موقع السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية حتى تتحول إلى أصولية لأن الأصولية من صنع السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية و ليست من صنع الشعوب ، و تناول الأمازيغية باعتبارها الوجه الآخر للأصولية ما هو إلا مطية أخرى من أجل حرمان ملايين الأطفال من التمتع بلغة و ثقافة أمهاتهم الأميات الجاهلات المستغلات في البيوت و الحقول في الجبال و السهول كقيمة مضافة يستفيد منها الرأسمال المركزي.
تارودانت في : 06 فبراير 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني