الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم عالق بأسطورة بابل، أم بالحكاية..

بشار إبراهيم

2007 / 2 / 10
الادب والفن


عندما قدَّم المخرج المكيسكي أليخاندرو إيناريتو فيلمه السابق «21 غرام»، في العام 2003، قال النقاد: «إن أفضل فيلم أمريكي جاء من المكسيك».
يومها قدَّم إيناريتو فيلمه ذاك، مع مجموعة من كبار نجوم السينما أمثال: الأمريكي شون بين، والبورتريكي بينيتشو ديل تورو، والبريطانية ناعومي واتس، وكل منهم نال قدراً من التكريم، حيث اعتبر النقاد شون بين أحد أفضل الممثلين المعاصرين، بينما ترشَّح بينيتشو ديل تورو لأوسكار أفضل ممثل ثانوي، وترشحت ناعومي واتس لأوسكار أفضل ممثلة.
واليوم يعود إيناريتو مع فيلمه الجديد «بابل»، 2006، ليثير عاصفة جديدة، لا تقل عما سبق، وتقديراً يرفع هذا المخرج إلى مصاف كبار المخرجين السينمائيين، على الرغم من أنه لا يتجاوز الثالثة والأربعين من عمره. وهو في فيلمه الجديد نال جوائز ذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي، ومن غولدن غلوب، وينظر لجائزة الأوسكار
التداخل والتشابك، والتناقض والتنافر، الذي ظهر فيما بين شخصيات فيلمه «21 غرام»، يوسِّعه المخرج، هذه المرَّة، ليغطّي العالم كله، على نحو ما رأيناه في «بابل»، حيث تدور أحداث الفيلم في أربعة أصقاع العالم، من اليابان شرقاً، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك غرباً، مروراً بالمملكة المغربية. أي من قارة آسيا، إلى أمريكا الشمالية، وأمريكا الوسطى، مروراً بقارة أفريقياً..
قد يبدو ذلك مستغرباً، بل قد يبدو من العسير أن تستطيع قصة ما، أن تدور في هذه الأماكن، وتحتفظ مع ذلك بتماسكها، أو بالخيط الدرامي الرابط بينها، دون أن تفلت التشويق، والإثارة، والقدرة على الإقناع.
يبدأ الفيلم من جرود الجبال في المغرب العربي، في مقطع استهلالي طويل، نرى فيه راعياً مغربياً وقد حصل أخيراً على بندقية لردِّ الضباع عن قطعان أغنامه، ويسلِّم البندقية لولديه الفتيين، اللذين يقومان بالرعي، فتتحول البندقية بين أيديهم أداة لهو، أو اختبار كذب من باعها لوالدهما.. وينتهي الاستهلال بإطلاق رصاصة نحو حافلة سياح، تبدو من البعيد، في تلافيف الجبال والوديان.
ينتقل الفيلم، إلى خادمة مكسيكية، في أواسط عمرها، معنية بالذهاب من مكان عملها في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى بيتها في المكسيك، ليوم واحد على الأقل، لحضور زفاف ابنها، وإذا لا تستطيع أن تضع الطفلين المتروكين في رعايتها، في غياب والديهما، لدى أي من زميلاتها الخادمات المكسيكيات، ولا تركهما وحيدين في البيت، تضطر لأخذهما معها بطريقة غير شرعية.
ينتقل الفيلم، مرَّة أخرى، إلى مباراة بكرة الطائرة، بين فريقي فتيات، يبدو لنا منذ الوهلة الأولى أن الفتيات صمّاوات بكماوات، وتنتهي المبارة بخسارةأحد الفريقين، بعد طرد إحدى لاعباته، ونذهب معهن إلى غرفة تبديل الملابس لنتعرف على الفتاة المطرودة «شيكو»، والتي تصفها إحدى زميلاتها في الفريق أنها متوترة لأنها لا تجد من يضاجعها، وسنرى أن خللاً ما يشوب علاقتها والدها، فتنطلق هذه الفتاة في رحلة بحث عمَّن يمكن أن يضاجعها، لكنها تقع في الخيبة مرة تلو أخرى، آن يكتشف كل من تطارده وتغويه، أنها صمَّاء بكماء.
النقلة الرابعة تكون بالعودة إلى المغرب العربي، لنرى مجموعة سياحية، ونتعرَّف ضمن أفرادها إلى زوجين سائحين أمريكيين، ليس ثمّة الكثير من التوافق بينهما، بل إن نثار الأحاديث تبين خللاً ما في علاقتهما، أو غموضاً ما يشوب سلامة العلاقة بينهما.. وفجأة تنفذ رصاصة من زجاج الحافلة لتستقر في كتف الزوجة، مما يثير هلع السياح الأمريكيين، ويعتقدون أنهم تعرَّضوا لهجوم من جماعة إرهابية ما، تترصَّدهم، وتنوي قتلهم..
قرابة النصف الأول من الفيلم يمضي في بسط أوليات القصة التي يرد حكايتها، وعلى الرغم من التناثر البادي في عناصر القصة، إلا أن البناء المونتاجي الخاص، الذي ظهر لدى المخرج هنا، كما ظهر بشكل أكثر بروزاً في فيلمه السابق «21 غرام»، يمنح المشاهد فرصة الالتقاط الذكي، وإعادة الربط، والترميم، ليكتشف أيَّ رابط بين هذا وذاك، وهذه وتلك.
ربما ليس من المبالغة في شيء القول إن البندقية هي ذاك الرابط، إذ سنكتشف قبيل نهاية الفيلم، أن البندقية هي لرجل الأعمال الياباني، والد شيكو، الذي كان ذات وقت في رحلة صيد في المغرب، فأهدى بندقية لدليله السياحي المغربي، الذي رأيناه في مفتتح الفيلم يبيعها لوالد الطفلين، اللذين يطلقان رصاصة عابثة تصيب السائحة الأمريكية، والدة الطفلين اللذين اصطحبتهما الخادمة المكسيكية، وعلقت معهما على الحدود الأمريكية المكسيكية.. وكل مفردة من هذه المفردات كادت تتحول إلى كارثة في لحظة حرجة..
في فيض هذه التفاصيل الصغيرة، والتناثرات الخاصة، اللاهية والعابثة، أحياناً، والنابعة من عمق الذات وأوجاعها، في أحيان أخرى، يقوم الفيلم بإغناء حكاياته، وتبيان الاختلافات الكبيرة على مستوى البشر، بعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وهمومهم وقضاياهم، وآمالهم وآلامهم، ولعل هذه التفاصيل الصغيرة، المرصودة بدقّة، والمنسوجة ببراعة فنية، هي ما تمنح الفيلم حيويته، وتعمّق دلالاته، وتثريها.
كأنما في الفيلم ما يقول إن نتاج الحضارة «ياباني»، يقع في يد جاهل «عربي»، فتصيب «الأمريكي» بالأذى، فيما يدفع «المكسيكي» الواقف على حافة الحضارة الأمريكية ثمن عدم التزامه القوانين، دون أن ينسى الإشارة إلى عنصرية الأمريكي.. ولكن الواضح أن المخرج لا يريد إدانة أحد بعينه، بل الكشف عما يتلبَّس هذا العالم من اتصال وانفصال؛ من تقارب شديد، ومن عزلة أكثر شدة..
وعملية الكشف التي تبدو وكأنها هاجس المخرج، وصنّاع الفيلم، تجلَّت عن إشارات فاضحة غالباً، فالتطوّر الصناعي الهائل في اليابان، واكتظاظ الشوارع والأمكنة، لا يستطيع انقاذ شيكو من عزلتها ووحدتها، ولا تلبية حاجتها النفسية قبل الجسدية، والسلطات الأمريكية التي تهب لنجدة مواطنيها الأمريكيين، لن تستطيع منع ممارسات عنصرية ضد من هو غير أمريكي، والسلطات المغربية الحريصة على إظهار البلد سياحياً، تعامل مواطنيها بالركل والرفس، وتترك التخلف يسرح ويمرح في الجبال والوديان..
ستقف شيكو عارية تماماً في نهاية الفيلم، في معادل درامي لعري العالم، وستبدو شيكو في مشهد عام عالقة على شرفتها العالية، لنفهم أن العالم ذاته عالق.. عالق بالأسطورة.. وربما لهذا كان عنوان الفيلم «بابل».
إيناريتو مع فيلمه الجديد «بابل»، الذي نال ذهبية مهرجان كان السينمائي الدولي 2006، والغولدن غلوب 2006، ينظر بأمل لجائزة الأوسكار 2007، فلننتظر إلى الشهر القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا