الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعالق الاستنتاجي الصوفي لنصوص ابن الفارض-وليم بليك-ييتس

علاء هاشم مناف

2007 / 2 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعد النص المفتوح (open text) عملية اختلافية تتعلق – بالكتابة والبحث عن القراءة الاستنتاجية لموضوع التعالق المتوارث – باقتضاء التاويل المستمر والمتغير عن كل قراءة تتحقق بالكشف ليتحول القارئ الى منتج يشارك بتشكيل النص وفق المعايشة التجريبية باطار تفاعلي حيوي ناشط للّغة باعتباره عملية انتاج وليس عملية استهلاك لان النص هو عملية مخاض وصراع ومواجهة في حدود الاعراف المقروءة وتشكيلاتها الهرمية المعرفية لانه ينطلق باتجاه الارجاء للمدلولات عن طريق (التعلق بالدال) الذي يتمحور حول السمة المنطقية التي تجعل النص مجال الاغلاق بانتظام مركز وفق مرجعيات وتداخلات تتعلق بكنه الاصوات وباطر ثقافية متباينة لانها لا تخضع لحالات مكتسبة بالتناص والتعددية في المعنى وبالتالي لا تقبل عملية الاختزال ، ذات التشعبات الدلالية – والايحائية وهي الموروث المتعلق بالفلسفة الاغريقية يقابلها توحد في (اللّفظ العربي) بكلمة (لغة) وقد ربطها (جاك دريدا) بالتمركز باعتبارها فاصلة منطقية تقع في التمركز (الصوتي) وهي المرادف اللّفظي والكاشف لحقيقة (الفكر الغربي بشكل عام) . وعليه فمفردة (Logos) باعتبارها منطق تمثيلي وباعتبارها صورة تنوب عند غياب المتحدث وهي محصلة تعني (الصوت) فهي على العموم ترتبط بكينونات متعالية ، حيث تعتبر خاصية للتحكم بالكون كما هو الحال في (الموروث الاغريقي) لانها تخص الذات الالهية في (تشكيل الفكر المسيحي) فهي منقولة الى حالة متجددة في الادب عبر خواص متعلقة بالمعادل الموضوعي للعقل الالهي .. والعقل المعرفي المتجسد في (الذات المسيحية)( ) ولابد من كشف الحلقات المتجانسة العليا والمتعلقة (بالمنطق الصوفي) الذي يخص اشكاليات النصوص اضافة الى تشاكيل التناص ، والمسائل المتعلقة بتكوين النصوص ذات العلائق الدلالية التي يمكن ايصال بعضها بالبعض الاخر على ضوء عمليات (التناص العلوي ذات التكوينات الخاصة بالابنية المفهومية التي يتطرق لها علم الدلالة وهي تعالج الصورة التجريبية) بقضاياها العامة . والشعراء الذين نناقش نصوصهم في هذه الدراسة ونفهم علاقتهم الدلالية وفق الاطر التجريبية المتشكلة ببنية النص باطار التنظيم الذي يخص عملية التناص ، وان العملية الاولى لفهم الكيفية التي اتى بها (ابن القارض – ووليم بليك – وييتس) هذه الاشكالية الاختلافية للشعراء التي لا تحددها معطيات تاريخية ولكن تحددهم اطر جدلية عقلية حسية جامعة باطار مطلق هو ما يتعلق بالمنظومة الشعرية التي انفردت بهذا الوجود وهو المعادل الموضوعي لمنطق الشعر أي ادوات الفهم الموضوعية التي جمعت اشياءهم . وما يهمنا في هذا الموضوع النقدي هو المنطق التحليلي (للزمكان) وتشكيلات التقدم والتحول – والصيرورة . (فابن القارض) لا يقف وحده متفردا في هذا الكون بين الشعراء سواء شعراء العربية او غير اللّغة العربية) فابن الفارض شاعر صوفي يناجي الحس السحري ويتسامى في نشوة لتتولد المفردة الشعرية بمخاض شعوري ووجد صادق يكتنفه حس جمالي مثل قوله :
سقتني حمّيا الحبّ راحة مقلتي
وكأسي محّيا من الحس جلّتِ
ان الاكتشاف الذي نسجه هذان البيتان تقودان الى مدخلات الروح التي لا تعرف النكوص وقد منحتها الموسيقى جمالا أخاذا ، اضافة الى وحدة المصابرة المركزية فيما يطرحه (ابن القارض) من مقابسات في التشكيلات الباطنية . وكلما نغوص (بحرف الحاء) نخرج قطع من المرجان المحيّا – وحمى الحب ثم ياتي الإستسقاء وهو المحور الرئيسي في هذين البيتين لانهما ينهيا مرحلة من الجفاف ترفعا بالافق الجمالي وشدا باسم الفضيلة اعلى مراحل سلم الحب والوجد . ثم يتردد الصدى عند (وليم بليك) باعتباره شاعرا (متصوفا مسيحيا) يستخدم وليم بليك الصورة الشعرية بمضامين مزدوجة (أي جنسية – ودينية) فيعلن براءته بحبه الجنسي وبليك يتجرد عن ذاته وفق خواص من العاطفة الداخلية واعجاب فياض يكوّنه بالجمع للخصائص الانسانية التي تشكل العلاقات البريئة وهي تظهره كمنشد يتحدث بتجرد عن بداية مترفعة (ليمتزج بالرغبة والحس الالهي) فهو يبتعد عن المنطق الفردي تحقيقا للحس وللفرضية الجمعية لتلك المفردات ويتقدم نصوص بليك الشعرية المنشد الذي يتلابس بالصوت العلوي ثم يختلط الصوتان ثم يخاطب الصوتان بصوت واحد الحالة الافقية وبتشوق لفهم طبيعة هذا الوجد الحسي في ارضاء حقيقة الافق من خلال المفهوم العمودي للصوت (الموضوعي – والذاتي) فيصبح الحب المعروض لكم هو الرابط بين مظهرين حسيين (ديني وجنسي) وينشد وليم بليك هذه الابيات من قصيدته :
" الفتاة الضائعة "
أطفال العصر الآتي
ستعلمون ان في زمن مضى
كان الحب ! الحب العذب يعد جرما
في العصر الذهبي
المتحرر ن قرّ الشتاء
صبّي وصبيّة لمّاحة
بوجه النور المقدسي
عاريين ينعمان بأشعة الشمس
اثنان في ميعة الصبا
غارقان في أنعم هم :
التقيا في حديقة مشرقة ،
حيث النور المقدسي
قد أزاح أستار الليل
هناك في طلعة النهار
يمرحان على العشب :
والوالدان بعيدان :
والغرباء لا يقتربون :
وسرعان ما نسيت خوفها الصبية
وبعد ان اعيتها القبلات العذاب
اتفقا على اللقاء
إذ يموج صمت النعاس
فوق السموات البعيدة
ويبكي من التعب السادرون
ويدرك وليم بليك هذه العلاقة الوثيقة بين (الجنس والدين) وهي تتشكل بنغمات ، والفرق ياتي بالتامل لهذا الرجل المنشد الذي يجسد خواص الزمكان في الذات والموضوع( ) ونحن في مناقشة قصيدة بليك يذكرنا (لافكرات) باعتباره منعطف خيالي يبشر بالهزيمة ، وكان موته خسارة كبيرة للادب الامريكي لانه عبر عن انهزامية لافتة للنظر . فهو الذي كتب وبكل اصرار عالما لم يمت صلة بالواقع ، فكان مشهدا تدميريا وتعبيرا عن انهزامية قاتلة وهو خلاف جذري لما جاء به (ييتس) فكان ييتس شاعرا يمزج الشعر (بالفكر السياسي) ومنهم من اعطاه اهمية كبيرة وقارنه (بغوته) ويتيس خلق عالما خاصا به رموزه من الاساطير وقد فرضه على تشكيلات الواقع . فييتس عبر عن الفنان المسيحي في القرن التاسع عشر فهو الذي كتب عن شعر شيلي وانه كان يعتقد ان الروح قوية كانت قد قادت مصير هذا العالم . وعليه من الافضل اكتشافه او اكتشاف هذا المصير الغامض عبر هذه الرغبات الموضوعية . هذا التامل هو الذي يعصر الروح ، وحين تكون هذه لرؤيا عند توينبي هي هندسة التاريخ بشكل جذري وعند هيجل فلسفة موضوعية متطورة ، يكون الخلاف حقيقي مع ييتس وقد تأثر ييتس (ببرومثيوس) وكان للتأثيرات الشخصية من قبل (هيلاس)
(يتظاهر البعض بأنه اننوخ : ويحلم آخرون
بأنه قد سبق ادم وظل حياً .
دورات من الاجيال ودورات من الفناء .)
وهو يعيش :
(في كهف بحري
وسط العفاريت يصلك المرء
او يصل الله ولا يصله)
وييتس يعتبر مستودع الحكمة لأنه عالج المسألة الفلسفية اللاهوتية باتباع حلقات الثورة لنهاية القرن التاسع عشر التي احتشدت ضد مفاهيم العلم في اشخاص مختلفون فكريا مثل وليم موريس واوسكار وايلد فهو يحلم (بيوحنا معمدان) والدعوة مستمرة الى سكان المدن الى الفقر ، وهناك كلام معروف لاستيفن سبندر يصف ييتس بان ييتس ادعى (بان راس طفل منحوتا من الخشب في اسفل اعمدة جانبية قد كلمه باللغة اليونانية( ) هذه الرؤية اختلافية في تأكيد (لافكرافت) اللامنظور وقد صب ييتس جام غضبه على العالم المادي وقد التقى ييتس مع وليم بليك في خلق نظام يستبعد من ناحية المنظور الفعلي فهو لا يؤمن باي نظام من تلك الانظمة التي سادت في تلك الفترة ، فهو نظام سيكولوجي متفرد لانه مزيج من بليك – ونظريات فنية قديمة الى تشكيلات من الذهنية التامة والموضوعية التامة وحاولت عدة من الكائنات ان تمد قنوات لتتصل بيتيس لتعطيه تشبيهات شعرية وقد كتب قصيدة اسمها (اخيلة) :
(لان هنالك امناً وسلامة في الهزؤ
تحدثت عن خيال ،
ولم احاول الاقناع ،
ولا أن ألوح معقولاً لمن عنده ادراك ...
(لقد رأيت من الأخيلة خمسين
وأسوأها السترة المعلقة على شماعه .)
لقد انتج ييتس المنهجية السلوكية للنيل من الآخرين كما هو الحال مع (تايلر) وحاول ان يطرح مسلمات تتعلق بتفاصيل الاشياء الجاهزة من المهاترات الكلامية او لنسمها الرؤية الشيطانية في رؤية الاشباح ، وحاول ان يقوم باحقاق الحق لنفسه واتهام (تايلر) بانه على خطأ وكل ذلك يتعلق بالمبالغات التاريخية من حيث التحليل للاسباب التي ادت الى هبوط (وردزويرث) في شعره ولكن في المقابل فان الهبوط النثري اقل وضوح من الهبوط الشعري وهذا ما حصل في تشكيلة (همنغواي) و(الدوس هكسلي) الا ان النثر دائما يضع مقاساته وفق حلة ضعيفة . فكان ييتس يتخذ من الخطب السياسية اهداف الى الوازع الديني وهذا الذي دعاه الى الايمان (بالاقنعة السيكولوجية) المضادة كوقاية للنفس وخلافه عند ابن القارض الذي وازن الحضور السيكولوجي المشع لتلك العاطفة المتقدة التي يفيض فيها المجس الحسي بتامله على (الانساني والالهي) فهي المتعة المتعلقة بالروح وخاصة سيكولوجية حافلة بالرؤية والتصورات – والاشراقات في عوالم بديعة ومكتملة وصياغات فنية تتعلق بالاستعارات التي تحتكم الى الاشكال في (السحري والرمزي) ومترجمة لفضاءات تفصح عن حال تتسع الى غموضية المضمر من رائحة النصوص ومكوناتها وكنهها داخل هذا الاعتكاف الذي لقب شعريا (بقصائد البردة) بداءا بالبردة البوصيرية التي عارضها الكثير من الشعراء امثال (البارودي في قصيدة سماها (كشف الغمّة) في مدح سيد الامة) واحمد شوقي قصيدته (نهج البردة) فكان ابن القارض قد وضع اساسا لهذا الوزن من الشعر وهو من البحر (الوسيط) واساس من القافية تتشكل بحرف الميم المجرور اضافة الى (انسكلوبيديا معجمية للشعر كانت قد احتشدت فيها اماكن مختلفة ومواضع كانت قد اختيرت من منطقة الحجاز - ونجد فلنستمع الى ابن القارض :
هل نار ليلـى بدت ليلا (ندى سَلَمِ)
ام بارق لاح (بالزوراء) فـ(القلَـمِ)
(ارواحَ نعْمانه) هلا نسمة سحـراً
ومــاءَ وجرةٍ هلا نهلــة بفــمِ
يا سائق الظعن يطوي البيد معتسفاً
طيَّ السّجِّل (لذات الشيح) من (إضمِ)
عُجّ بالحمى يـا رعاك الله مُعتمداً
خميلــة الضال ذات الرَّنْدِ والخَزَمِ
وقف بسلّعِ وسل بالجزْع هل مُطرتْ
بــالرّقمتينِ أُثيـلات بمُنْسَجِــمِ
نشدتُك الله إِن جُزْتْ العقيق ضُحىً
فاقْر السلامَ عليهم غيـر مُحتشــمِ
وقـل تركتُ صديعـاً في دياركمو
حيـــا كَمّيتِ يُعيرُ السُّقْمِ للسَّقـمِ
فمن فؤادي لهيبٌ نــاب عن قبسِ
ومن جفونـي دمع فــاضَ كالدّيمِ
النص الشعري عند ابن القارض يتحرك وفق تشكيلين من المنظومة الاختلافية ويتعلق بالافق الدلالي وعوالمه الانسانية حين يشكل منعطفا في البوح باسرار هذه العلاقة بينه وبين ليلى وبين جملة من المظاهر في المفردة ، والفضاءات المستخدمة في المعاني . ثم تاتي رابطة المكان في التشكيل الاول لتحيل الكثير من التفاصيل التي تدور في الذاكرة الشعرية والنصوص المتعلقة حصرا والدائرة في فلك (البردة) (ذو سلم) خاصة عند البارودي – وشوقي اضافة الى نجد والحجاز وهما فضاءان شاسعان في التشكيل الثاني ثم الانطلاق الى العوالم الصوفية ورموزها) ومتعلقات (للمجاز والاستعارة) وهو الكشف عن خاصية الامتزاج بالافق ومقاماته في الحضرة الالهية –والمحمدية المزدوجة ، وهما الحلقتان المرتبطتان بالنقاء الروحي والسيكولوجي ، ومهما يكن من تعقيد في تصديق معاني (اللوغوس) عند ابن القارض يبقى المنطق الصوتي داخل استخدامات فلسفية ومنطقية هو الذي يوضح الصياغات الايحائية داخل الخطاب الديني وهكذا كان حال (سوير – وهوسيرل وهيجل وهايدغر) لانهم كرروا الدعوى (الافلاطونية والارسطية) لان كل ما ينطوي على ذلك من اشكاليات فهو يتعلق (بالصوت الملفوظ على الكتابة) وعليه فانهم جميعهم ينتمون الى التمركز اللفظي رغم ادعاءهم بالمنظومة العقلية والروحية لكنهم في النهاية عبارة عن صيغة من صيغ الحضور (اللوغوسي) لانه هو الحق والقانون .
يقول ابن القارض :
مــا بيـن معترك الأحداقِ والمهجِ
انــــا القتيلُ بلا اثمٍ ولا حَرجِ
ودّعتُ قبل الهوى روحي، لِما نظرتْ
عينايَ من حُسْنِ ذاك المنظرِ البهجِ
لله اجفــــانُ عْينِ فيكَ سـاهرةِ
شوقـــاً اليك وقلب بالغرام شَجِ
واضلـع نحلتْ، كادت تقوّمُهـــا
من الجوى كبدي الحرىّ من اللُّجبح
وحبذا فيك سُقامٌ خفيتَ بهـــــا
عني تقوم بها عندي الهوى حُجَجي
هنا يتحرك المنعطفان الذاتية لفظيا والتفرد بحركية الأنا السيكولوجية باعتباره البحث عن فهم التميز في اللغة لانها منظومة تتركب من تفاصيل في بناء الصورة واعراف من الفعل والبناء الجمعيين ، والتعبير عن عملية القول الفعلية ضمن اطار المنظومة اللغوية وبفاعلية كونية لانها تنتهي بالأنا العقدي الجمعي ، وضمن هذا المقياس اللغوي يتحقق الوعي السلوكي الفردي في الممارسة للقدرة التي اطلقها (تشومسكي) وبالكفاءة التي ما عناه سوسير (باللغة (Langue) والاصطلاح الادائي (Performance ضمن السلوك الفردي في الممارسة للقول والكلام)( ) وهنا يأتي الانتاج بكلياته مع الحقائق المتعالية وتفكيكاتها وما تحقق من اكتمال في خواص الجدل الصوفي في الشعر (وابن القارض) حقيقة تكاملت في سفر الحب والوجد الصوفي وهو يهدف الى تشكيل لوحة خالدة من ناحية الاتساع من أجل حقيقة نورانية متعالية مصدرها المنهج الكلي لانه المصدر للفكرة الكلية . وهكذا فان (ييتس) يلابس انهزامية الفن وحماقة هذا العالم الفسيح بالحركة الجمعية الواقعة ولو تحول هذا العالم الشاسع الى مُثلٍ عليا لاصبحنا في عليين لكننا نبقينا في درجة ادنى حتى من الحيوانات (فيتيس) ينظر في المشهد الجمعي ليرى الغثيان في مشاهد (زولا – وجويس ثم سارتر) رغم ان ييتس في تشكيلاته الصوفية والفكرية يبقى يسبح في الفضاء الشكسبيري خارج مدار الارض وفي دخيلته : ييتس يعتبر بان العمل الفني يقود الى حقيقة الروح البشرية وتساميها الى الاعلى حتى يصبح من خواص الآلهية فهو متداخل مع سقراط بفصله الروح عن الجسد فيبقى الموت هو التحقيق الرئيس للفلسفة وهذا ما اكده في (السنة اللهب في الليل التي طعم عليها قلب الانسان الهلامي) . والانسان كما يقول (يستنفد نفسه بالخلق الذي يبدعه) ويلتقي ييتس مع (لافكرافت) في النظر الى الوجود – والفن رغم – تشاؤمية (لافكرافت) وييتس الاّ انهما يفصلان بين الاثنين في نظرتهما الى الحياة خاصة (لافكرافت) الذي قال بان الحياة شريرة وقاسية . كان ييتس متطرفا باعتباره ان كل المعارف هي الخطيئة الاولى وهذا امتزاج كوني يطلق باتجاه الوعي الحاد جدا بدليل انه كان يتمنى ان يكون مجرد غبي يسير في ازقة (دبلن) او سكيرا . فكان تيار الوعي يشده الى النهاية وكانت افكاره عبارة عن روح نيتشوية وفي مرحلة اولى كان يسمع عن قصص الفتيات اللواتي كن سلّمن اجسادهن للبحارة في المدن القريبة ، فكان يرتعب فكتب الكثير من القصائد المتعلقة بالجنس ، ولنستمع الى ييتس :
(امضي وافرضي سيطرتنا وقيادتنا
على البلدان والمدن
وضع من تضع من ذكر وانثى في فراش
واسحق من تستحق ن الآخرين .)( )
ويأتي بليك ليطل علينا بالمفردة المركبة التي تؤكد الوصل بالزمنية الدينية ويجسدها بعناية في صورة الله في (اغاني الخبرة) وبمواضيع متعددة في الصورة الشعرية والموصلة الزمنية لهذا المفهوم السيكولوجي كما تعرضه وتفصله قصيدة (عن حزن آخر) ثم تاتي افكار بليك البريئة والمتواضعة فالله عنده هو الذي يضع الإبسامة للجميع ثم نجد هذه الانعطافة وبنفس هذا المقترب وعلى نفس الارهاصات في (اغنية دينية اخرى) فهي تنحو المنحى التجريدي في تشكيلة صياغتها وهي تحمل عنوان (الصورة الالهية) .
" الصورة الإلهية "
للرحمة والرأفة والسلام والحب .
الكل يصليّ اذا يمسّه الضيق :
وإلى فضائل المسّرة هذه
يحملون شكرانهم
فالرحمة والرأفة والسلام والحب .
هو الله ابونا العزيز :
والرحمة والرأفة والسلام والحب ،
هو الانسان الانسان طفله وهمّسه .( )
فكم من الايحاء يتطابق وطموح الوعي الشعري . لان الموضوع يتجاوز المنهجية العاطفية عند الانسان ليتحول الى منطق في الرؤية . فهو يكشف عن رموز وتحليل فكري – صوفي وعمق في السعة بفضل القدرة الشعرية التي تظهر الترابط في التناص الرؤيوي ولسوف ننفد الى تفاصيل ابن الفارض الشعرية وحدوده في الرؤية وعلاقتها مع رؤيا ييتس في العلاقة بين (الحب – والموت) في شعر ابن القارض او التشاؤم من الحياة بحبها وحساسية الوعي الفكري عند ييتس الذي تشاءم من هذه الحياة من خلال جسور الوعي . ولو حاول الانسان بواسطة التمثيل والمثل (ما نزل من الحيوانات) هذا ما قاله ييتس فلنستمع الى ابن القارض في هذه الابيات :
احفظ فؤادك ان مررت بحاجر
فظباؤه منهــا الظُبى بمحاجر
فالقلب فيه واجب مــن جائز
إن ينسجُ كـان مخاطراً بالخاطر
وعلى الكثيب الفرد حيّ دونه
الآساد صرعى من عيون جآذر
فالذي يعنينا من هذه الابيات ليس الطباق في حلقات الوجود – والجواز وحتى الاشكاليات الاخرى المتعلقة (بالجناس) في (الظباء – والظبي) الذي يهمنا هو المستوى التفكيري لهذا الشاعر وعلاقة كل هذا بالمعنى الذي يلتقي به مع ييتس بنفس معنى الغرابة في العملية التفكيرية كما مر قبل قليل مع ييتس . فالعملية الذهنية هو الموضوع في الشعر فالمكان في هذه الابيات واضح في القفر للبوادي ولكن الحلم ياتي في الصمت الذهني لهذا العالم عن ييتس والصمت في هذا المقفر عند ابن الفارض فالمكان عند ابن القارض (البادية – والمكان عند ييتس العالم بما فيه) والبيت الثاني عند ابن القارض هو الاجتياز لهذا المكان والاجتياز عند (ييتس) لا يجتازه الانسان السوي بل الانسان المتسامي وهذا الاجتياز عند الاثنين هو الخروج من هذا المكان بلا قلب ولا عقل .
(كان مخاطرا بالخاطر) عند ابن القارض .
وتظهر عند ييتس في (السنة اللهب في الليل)
التي طعم عليها قلب الانسان الهلامي .
هكذا تشكل التناص الذهني من حيث التنظيم والاستجابة والتميز الادراكي وما ذهب اليه التحديث الفكري للنص بقصد تمثيل الوعي الدائب في احكامه او التطور في الادوات من اجل تحقيق سياق اللّحظة الحسية التي تربط الاشياء بعضها بالبعض الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط