الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف عدواني فظ زئيف.. زئيف والذئب -شيف-!

عصام مخول

2007 / 2 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وجه الصحافي "الاستراتيجي" المطّلع ، زئيف شيف، تحذيرا "نكبويا" فظا الى المواطنين العرب في اسرائيل، في مقالة نشرها في "هآرتس" ( 25-1-2007)، وحجته في اطلاق تحذيراته وانذاراته، ورقة العمل: "الرؤى المستقبلية"، التي نشرتها لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية في وقت سابق. وبغض النظر عن الاختلاف والتفاوت في وجهات النظر من هذه الورقة، ونشرها، وبالرغم من النقاش الموضوعي العيني الناقد احيانا، وربما بسبب الموقف الناقد منها، هناك حاجة ماسة للتمييز بين النقاش ايا كانت حدته مع ورقة العمل، ومع مضامينها، وحتى مجرد الحاجة اليها، وبين هذا الموقف العدواني الفظ الذي يعبّر عنه الصحافي المعروف واسع العلاقات والمتنفذ في المؤسسة الامنية، والمحلل العسكري لصحيفة هآرتس.
ان الانذار الذي اطلقه زئيف شيف في وجه الجماهير العربية، يشكل عودة مفضوحة، الى الاجواء التي مهدت الى عدوان المؤسسة الحاكمة في اسرائيل، على المواطنين العرب في اسرائيل في الفترة التي امتدت بين نهاية سبتمبر وبداية اكتوبر العام 2000، والتي مهدت الى تنكر الدولة لشرعية مواطنة، المواطنين العرب، واطلاق النار عليها وعليهم واسقاط ثلاثة عشر شهيدا، وعشرات الجرحى. ويحاول زئيف شيف، ان يعيد انتاج اجواء التنكر لهذه الشرعية، والتأسيس من جديد للعدوان على المواطنين العرب ومواطنتهم، والتحريض على توجيه ضربة اضافية لهذه المواطنة، والتهويش العنصري من اجل اعداد الرأي العام الاسرائيلي بالاساس، لتفهم عدوان دموي او ترانسفيري جديد تقوم به المؤسسة الحاكمة على المواطنين العرب.
ففي مقالته، تحت عنوان "اطلقوا النار على ارجلهم"، يتوقف زئيف شيف عند "توقيت" نشر الوثيقة، ويحاول التنظير لهذا التوقيت من خلال دغدغة مشاعر الانتقام المعادي للعرب لدى الجمهور الاسرائيلي اليهودي في اعقاب الفشل في لبنان والازمة الشاملة التي تجتاح اسرائيل في اعقابها، باكثر الاشكال انحطاطا، من خلال التأكيد على ان توقيت نشر ورقة "الرؤى المستقبلية" جاء بشكل مدروس، وليس محض صدفة. وانه جاء "في وقت وجدت فيه الدولة نفسها في ازمة في اعقاب الحرب"، وفي وقت بدت فيه اسرائيل اكثر ضعفا، وبذلك "وقع المواطنون العرب في اغراء شن هجومٍ" على اسس وجودها وعلى قدس اقداسها. مما يعلمنا انه في المحيط الذي تعيش فيه اسرائيل، عليها ان تظهر قوية، حتى عندما تكون جاهزة لتقديم تنازلات". (انتهى الاقتباس)
وتذكرنا هذه التحليلات المحشوة بالتحريض والعداء الحاقد على المواطنين العرب، بالاصوات التي صدرت عن دهاليز اجهزة الامن الاسرائيلية، في بداية اكتوبر العام 2000 ورددتها وسائل الاعلام، توطئة وتبريرا للجريمة التي ارتكبتها المؤسسة الاسرائيلية وقوات امنها في الايام التالية بحق الجماهير العربية المواطنة في اسرائيل، حين صورت ان "دولة اسرائيل" تواجه عدوانا ثلاثيا يهدد وجودها، محوره الاول – "عدوان" يقوم به الفلسطينيون الواقعون تحت الاحتلال الاسرائيلي "على" الاحتلال الاسرائيلي، في الضفة الغربية وغزة وفي باحات المسجد الاقصى وشوارع القدس العتيقة، ومحوره الثاني عدوان تنفذه المقاومة اللبنانية عبر الشريط الحدودي انتهى باختطاف ثلاثة جنود اسرائيليين.
ومحوره الثالث – يتمثل في انقضاض المواطنين العرب في اسرائيل على الدولة "لحظة ضعفها لاحكام القبضة عليها" على اعتبار ان هذه الجماهير تنتظر فرصة تضعف فيها هذه الدولة من اجل الغدر بها.
ان الترويج لهذه الصيغة، لم يكن له ما يبرره على ارض الواقع في العام 2000 وليس له ما يبرره اليوم. بل كان تعبيرا عن سيناريوهات بثتها عقول مريضة في اجهزة الامن وتدربت على مواجهتها كانت ولا زالت تُبيّت الشر للجماهير العربية في اسرائيل، وتخطط له بشكل منهجي. وهي اكثر مما كانت تحاول ان تصف ما يجري ميدانيا، كانت تعمل على صياغة وعي مشوه يقود الى تأليب الجمهور اليهودي على الجمهور العربي في اسرائيل، وان تفرض تناقضا بنيويا بين مصلحة الجماهير العربية في اسرائيل ليس مع السياسة الرسمية ونهج المؤسسة بل مع مصلحة الجماهير اليهودية بحكم الانتماء القومي لكل منهما.
ان عودة زئيف شيف الى بث هذه الروح الآن من جديد، والتعامل مع الجماهير العربية بالتهديد والوعيد، عليها ان تفتح اعيننا جيدا على الاخطار المحدقة وعلى محاولة المؤسسة الامنية واذرعها الاعلامية اصطياد الجماهير العربية، والايقاع بها في الشراك المنصوبة، من اجل تبرير العنصرية، وتبرير التدهور الفاشي في اسرائيل، من خلال تصوير الجماهير العربية التي تشكل ضحية سياسة التمييز العنصري، والاضطهاد القومي عبر عشرات السنين، وكأنها هي مصدر الخطر الذي يتهدد دولة اسرائيل، ووجودها، والتستر على حقيقة ان السياسات العنصرية، ومدارس الترانسفير على اختلافها في قلب المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، هي مصدر الخطر الفاشي الحقيقي على الجماهير العربية وعلى الجماهير اليهودية، وعلى كل ملامح الدمقراطية في اسرائيل.
لقد ذهب "المعهد الاسرائيلي للدمقراطية" والذي يقتبسه زئيف شيف في مقالته بعيدا في هذا الباب، وفي شقبعة المنطق ، حين صرح "ان مضامين هذه الوثائق واوراق العمل (الرؤى المستقبلية ع.م) من شأنها ان توقظ من سباتها الاتجاهات المناهضة للدمقراطية الموجودة "لسوء الحظ" وسط الجمهور الاسرائيلي. ان هذه وصفة لتعميق الشرخ، والعداء وانعدام الثقة المتبادل بين الشعبين". (انتهى الاقتباس)
ان هذا الكلام الخطير يدعو الى تحميل الجماهير العربية في اسرائيل، وليس السياسات الاسرائيلية المتسامحة مع العنصرية والمشجعة لها، وسياسات الاحتلال والقمع، المسؤولية عن وجود عناصر فاشية بين الجمهور اليهودي الاسرائيلي، وان المواطنين العرب، مسؤولون الآن عن "ايقاظ" هذه العناصر المناهضة للدمقراطية التي وصلت الى مواضع حساسة في الحكم وتحت سمع المعهد الاسرائيلي للدمقراطية وبصره، وقامت تحت سمع زئيف شيف وبصره، بمد اذرعها الى مركز الحكم، واعلى المناصب في حكومة اسرائيل، قبل صدور وثيقة لجنة الرؤساء وقبل ان "توقظها" هذه الوثيقة. لقد كانت العناصر الفاشية تمر بهدوء وتأخذ موقعها في الدمقراطية الاسرائيلية حتى قبل الفشل الذريع في الحرب العدوانية الاخيرة على لبنان. ان "دمقراطية" تتسع الانتخابات البرلمانية فيها الى اربعة احزاب، منها احزاب مرشحة للحكم او للمشاركة في الحكم، نقشت على اعلامها وشعاراتها الدعوة الى الترانسفير، والى التخلص من مواطنة نصف مليون عربي من مواطني دولة اسرائيل، وتتعامل مع الجماهير العربية على انها خطر ديمغرافي ووجودي على دولة اسرائيل هي دمقراطية مبتورة ومهزوزة من الاعماق ويجدر ان تقف مرعوبة امام المرآة. وهي تفترض ان يقوم المعهد الاسرائيلي للدمقراطية باعطاء اجوبة كثيرة حول تدهورها، ليس بسبب الجماهير العربية، وانما بسبب تعاملها مع الجماهير العربية وبسبب عجز هذه الدمقراطية، بعد ستين عاما، ان تفرض موقعا واضح المعالم للجماهير العربية في اطارها.
ان اخطر ما تقوم به الاذرع الايديولوجية والاعلامية الاسرائيلية، في هذا النطاق، يتمثل في اصرارها من خلال هجومها على الجماهير العربية، والصاق التهم بها، على اقتناص موقع الضحية من الاقلية القومية العربية، وتقنيع الدولة به، في اكبر عملية تزوير سياسي يجري فيها تصوير الجماهير العربية على انها الخطر المحدق وهي التهديد الوجودي لاسرائيل، بينما تصبح "الدولة" والمؤسسة الاسرائيلية وسياستها، هي الضحية المسكينة. ويذهب زئيف شيف ابعد من ذلك عندما يعتبر انه: " "بوثيقة الرؤى" فان قيادة الاقلية العربية، تعلن الطلاق الفعلي مع دولة اسرائيل.. وان خطرا في التقدير قد يقود اصحاب "الرؤى" الى مواجهة خطيرة وعليهم ان يعرفوا، انهم سوف يخسرون خسارة كبيرة" (انتهى الاقتباس).
ان هذا التهديد القادم من اعماق دهاليز المخابرات، ودوائر الحكم المظلمة في اسرائيل، ليس بمقدوره ان يثني الجماهير العربية عن معركتها على حقوقها القومية والمدنية، وليس بمقدورها ان تحرف الجماهير العربية كأقلية قومية، عن خيارها الاستراتيجي في المساهمة في احداث التغيير الدمقراطي العميق في المجتمع الاسرائيلي، لصالحها هي ولصالح اوسع الفئات في المجتمع الاسرائيلي نفسه.





من يعزل من؟! هو السؤال الاهمان هذه اللهجة الامنية التي يتعامل بها زئيف شيف، ليست جديدة على الجماهير العربية، ولكنها لهجة قديمة كانت مرفوضة في كل المحطات في الماضي، وهي مرفوضة اليوم، رفضها حزبنا الشيوعي ورفضتها معه الجماهير العربية، التي التفت حول استراتيجيته تاريخيا، للتأكيد على حق الجماهير العربية بان تلقي بوزنها كاملا لاحداث التغيير على الساحة الاسرائيلية، وكجزء من المعركة على الدمقراطية وعلى المساواة، على السلام العادل وعلى سد الطريق امام الفاشية وامام التدهور الفاشي.. ان المشكلة لم تكن في اعتراف الجماهير العربية باسرائيل، المشكلة كانت دائما ان المؤسسة الحاكمة في اسرائيل ترفض الاعتراف بالاقلية القومية العربية فيها. المشكلة لم تكن في ولاء الجماهير العربية لقواعد اللعبة الدمقراطية في الدولة، وانما في عدم ولاء الدولة والمؤسسة الحاكمة لشرعية الاقلية القومية العربية، وشرعية مواطنتها وشرعية مطلبها بالمساواة القومية والمدنية.
ان المقالة التحريضية التي نشرها زئيف شيف في هآرتس قد تكون اول القطر، ولكنها تنمّ عن حملة تحريضية سلطوية على الجماهير العربية. تأتي في لحظة دقيقة، تشتد فيها ازمة الحكم في اسرائيل وتتعمق بشكل غير مسبوق. ازمة شاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية، ولكنها في الوقت نفسه اعمق ازمة اخلاقية، تنعكس في الانهيار الشامل لاجهزة الدولة، وانسحاب مؤسسات الدولة من دورها الاجتماعي، وتحولها الى مؤسسات تحت التحقيق. بدءا بمؤسسة رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة وتهم الفساد والاغتصاب التي تلوح فوقها، ووزراء الحكومة، المالية والقضاء، والرشاوى والفساد في جهاز الضريبة واجهزة الدولة المختلفة، وصولا الى وزارة الامن وقضايا الفساد والرشاوى في اطارها، التي وصلت الى قدس اقداس المجتمع الاسرائيلي.
ان المؤسسة المأزومة الحاكمة في اسرائيل، تبحث عن مخارج تعفيها من دفع ثمن فشلها، وتعفيها من الحاجة الى تغيير سياساتها وتعفيها من الدفع باتجاه خلق فرصة سياسية حقيقية مع الشعب الفلسطيني بعد دخول الاحتلال في عامه الاربعين، والتي تشكل المصدر الحقيقي لهذه الازمة. ان القناعة الاسرائيلية الرسمية بان الظروف غير المؤاتية امام حكام اسرائيل لشن حرب في المنطقة للتغطية على ازمتها الخانقة في ظل ازمة الثقة تزيد الوضع تعقيدا، خصوصا وان هذه الازمة طالت الجيش والمؤسسة العسكرية في اعقاب حرب لبنان ، وفي غياب الضمانات الامريكية القاطعة لتغطية عدوان اسرائيلي جديد على سوريا ولبنان وايران مثلا، في ظل تعمق التورط الامريكي في العراق.
ان غياب الفرص الحقيقية امام المؤسسة الاسرائيلية، للهروب من الازمة الى الامام، هي التي تدفع باتجاه انتاج حرائق هنا وحرائق هناك في التزام دقيق بالنهج الشاروني الذي سبق وقلت انه سيكون اشد خطرا في غياب صاحبه شارون، حرائق في القدس في محيط المسجد الاقصى المبارك، وحرائق تقود الى اشعال النار على الحدود اللبنانية بحجج تافهة، لا يكاد يقتنع بها حتى زئيف شيف.
ان هذا السياق، وهذا الوضع المأزوم وعجز المؤسسة الاسرائيلية عن تقديم حلول، هو الذي يدغدغ اوهام زئيف شيف ومؤسسته ان بالامكان الاستفراد بالجماهير العربية وتحويلها لقمة سائغة، للتحريض العنصري وتشويه مواقفها وتشويه نضالها واهدافه الانسانية العادلة، دفاعا عن الدمقراطية وعن المساواة وعن المواطنة، وليس بديلا لهذه المواطنة.
ان الجماهير العربية ومؤسساتها مدعوّة لان ترفع صوتها عاليا ضد هذا التشويه، وضد هذا التحريض، وهي مدعوة الى تأكيد دورها السياسي على الساحة الاسرائيلية، ليس في معركة ضد المجتمع الاسرائيلي بل في معركة عن المجتمع الاسرائيلي ووجهه ووجهته الى جانب القوى الدمقراطية اليهودية وبالاشتراك معها، ان الوضع المأزوم في اسرائيل يزيد من مخاطر الفاشية و العنصرية، وهو يتطلب التصرف بحكمة، وعدم فتح ثغرات لاولئك المتسللين الذين يبحثون عن بناء المعادلات لمعاداة الجماهير العربية وعزلها.
في مثل هذا الوضع المأزوم والخطير في اسرائيل اليوم – يبقى السؤال الكبير: من يعزل من؟ هل نستطيع ان نعزل القوى الفاشية وابواق التحريض على المواطنين العرب، ام تنجح هذه القوى في عزل الجماهير العربية. وليس لنا غير خيار واحد في هذه المعركة، خيار الوحدة الكفاحية الدمقراطية للاقلية القومية العربية والقوى الدمقراطية اليهودية، من اجل مستقبل شعبي هذه البلاد ومن اجل عزل الفاشية والفاشيين.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة