الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوانين النفط الجديدة - الخلافات بين الإقليم والمركز

حمزة الجواهري

2007 / 2 / 11
الادارة و الاقتصاد


2007-02-09
ورد في المسودة التي بعثها المجهول الذي لم يشأ أن يذكر اسمه والتي تحدثنا عنها في الحلقة الأولى من هذه السلسلة من المقالات والتي كانت بعنوان "قوانين النفط الجديدة - يكاد المريب أن يقول خذوني"، ورد فيها تضمينات كثيرة تتناول تنظيم العلاقات بين المنتج، المستثمر الأجنبي، والدولة بشكل عام، لكن مع ذلك مازالت الورقة النقاشية لا ترقى لأن تصل إلى مستوى قانون لدولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتعتبر آبارها من أعلى الآبار إنتاجية في العالم، حيث يصل المعدل العام لإنتاجية البئر الواحدة إلى14 ألف برميل يوميا، في حين أقرب دولة لهذا المعدل لا تزيد إنتاجية البئر على خمسة آلاف برميل، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال معدل الإنتاجية للبئر الواحدة بحدود1500 برميل يوميا، وهذا له أكبر الأثر بكلف التطوير والإنتاج، أما الحديث عن مستوى التعقيد في المكامن النفطية العراقية يعتبر الأبسط أيضا على مستوى العالم، ولو أن هذه النقطة مازالت موضوع نقاش وغير محسومة، لكنها ذات أثر كبير على كلف التطوير والإنتاج في العراق تحديدا بحيث تعتبر الأقل عالميا. لكن المسودة التي بين أيدينا لن تحدد تفاصيل العقود بالرغم من أنها تشير إليها، ويبدو أنها ستكون موضوع القانون الثاني عن النفط الذي قيل أنه مازال تحت النقاش، وربما هو الآخر قدم للبرلمان ونحن لا نعرف، لذا سوف أترك الحديث عن التفاصيل في هذا الموضوع لمقالة أخرى نتحدث بها عن هذا الموضوع بالذات، وسأكتفي بالجانب الذي يهتم بتنظيم العلاقة بين المركز والإقليم، إذ من الواضح أن الجدل محصور لحد الآن حول صلاحيات الإقليم والحكومة الاتحادية، ولم تتحدث المسودة عن الاستثمار الأجنبي كما تحدثت عن الخلافات بين الأطراف المختلفة بالرؤى حول ضوابط استقدام المستثمر الأجنبي، وهذا خلل كبير في القانون، لأن في العادة يكون التركيز من حيث الأساس في قانون من هذا النوع على تنظيم العلاقة بين المستثمر الدولي والدولة، لأن هذا القانون يبقى ناقصا فيما لو تجاوز على هذه النقطة، أو بالأحرى فارغ.
كما ويبدو لي أن واضعي المسودة قد وقعوا تحت تأثير الحالة السياسية التي يمر بها العراق، كان الله بعونهم، بحيث انعكست عليها آثار تمزق الوحدة الوطنية وأزمة الثقة بين المركز والإقليم. هذا من جانب ومن جانب آخر، لم تحدد مسودة القانون المساحة التي يعمل بها المستثمر الأجنبي في الصناعة النفطية، حيث هناك مجالات تمس بالصميم ماهية ومعنى الملكية العامة للنفط والغاز في أي مكان من العراق من قبل الشعب. كما وأن الاستثمار في الصناعة الاستخراجية للنفط والغاز لا يعني بالضرورة منح عقود من الأنواع الثلاثة التي تقترحها الورقة، وهي عقد الخدمة، أو عقد إعادة الشراء أو عقد المشاركة بالإنتاج، لأن هناك العديد من أنواع العقود التي يمكن للعراق استعمالها تبعا للحاجة والظروف الموضوعية التي يمر بها البلد، كما وأن عقود الخدمة في العادة تقدم لنوع واحد من الخدمات، وفي بعض الأحيان لبضعة خدمات، تكون في العادة تخصصية، وهذا النوع من العقود هو النوع المفضل والذي لا يتعارض مع مفهوم الملكية ولا يمس السيادة الوطنية على ثروات البلد، أما العقود الأخرى والتي قد يصل عددها إلى15 نوع، مع العلم أن الورقة لم تذكر منها سوى ثلاثة فقط، ففي العموم الغالب تمس السيادة الوطنية ومفهوم الملكية بشكل أو بآخر. ولم تحدد المسودة أيضا متى يتم منح هذا النوع أو ذاك من العقود تبعا للظرف الموضوعي وقت توقيع العقد، لأن، موضوعيا، الظروف تتغير، وبالتالي تتغير معها نوعية العقود التي تمنحها الدولة.
تباين الرؤى كان واضحا جدا، وللخروج من المأزق، كلفت اللجنة المكلفة بإعداد القانون اثنين من المختصين في الصناعة النفطية، واحد يمثل المركز والثاني يمثل الإقليم، تحديدا إقليم كوردستان، لتلخيص التباين بالرؤى بين الطرفين قبل عرضها على اللجنة لمناقشته، كانت الرؤى من التباين بحيث أن كل طرف كان يريد أخذ المسؤولية كاملة تاركا للطرف الثاني مهمة المراقبة بدون صلاحيات تقريبا، وهو ما وصفته بأنه مؤشر واضح لانعدام الثقة بين الطرفين، لأن في حال ترك الأمر كاملا للمركز فإن ذلك يعني بالنسبة للكورد عودة النظام المركزي الذي جردهم حتى من حقوق المواطنة يوما ما قريب، أما لو ترك الأمر بيد الإقليم فإن المركز والذي يمثل كل العراق، يفقد وسائل السيطرة على الثروة الوطنية التي تعتبر ملكا عاما للشعب العراقي وليس للكورد فقط في كوردستان أو العرب في المناطق العربية الأخرى، لأن النفط أينما كان ملك لجميع العراقيين أينما كانوا، وهذا الأمر يتعارض مع هذه الرؤيا الكوردية التي وردت بالورقة.
هذه الإشكالية وما يمكن أن تتمخض عنه من مخاطر كبرى على العراق يمكن أن تعصف بالنهاية بكل شيء وأن تعيد العراقيين للمربع الأول ما لم تخلف أثار أخرى أكبر فيما لو تم التجاوز على حقوق الأقاليم أو المناطق التي لا تنتج النفط حاليا، لأنها وبهذا النوع من الاشتباك قد ننتهي بقانون يمنح تلك المناطق فتات العائد النفطي، وتخرج بخفي حنين في نهاية المطاف. هذا الأمر مجحف حقا بحق العراق ومستقبله.
نقاط الخلاف بين الطرفين كثيرة، من حيث الأساس تتعلق بتوزيع المسؤولية بين الطرفين بما يتعلق بالتطوير والاستكشاف وإدارة العمليات النفطية ونسبة الإقليم ونسبة صندوق المستقبل الذي يقترحه القانون والتفاوض مع المستثمر الأجنبي وتوزيع الإنتاج ووضع الخطط الاستراتيجية لإدارة العملية النفطية برمتها، وقضايا أخرى كثيرة ذات شأن أقل، فقد وضعت الورقة النقاشية صيغ متباينة إلى حد بعيد بالرؤى بين الطرفين وتركت الأمر إلى اللجنة بكامل أعضائها، لكن دعونا ننظر لبعض ما تقترحه الورقة النقاشية والتي يفترض أن تتمخض عن قانون في النهاية، وهو موضوع "الصلاحيات".
في المحتوى3 من المسودة " إدارة المصادر النفطية"، أولا الصلاحيات:
ففي هذا الباب نجد أن القانون يقترح صلاحيات محددة للبرلمان وأخرى لمجلس الوزراء وغيرها من الصلاحيات التفصيلية تناط "بهيئة النفط الاتحادية" وغيرها من الصلاحيات تعود للوزارة الاتحادية ومن ثم صلاحيات لشركة النفط الوطنية وصلاحيات أخرى للهيئات الإقليمية! مع العلم أن هذه الصلاحيات متداخلة إلى حد بعيد، والاشتباك مازال مستمرا وأن أزمة الثقة تدخل بتفاصيل التفاصيل بحيث يضيع المرء في دوامة التوزيع الرهيب لها للحد الذي يجعل من مسألة اتخاذ القرار أمرا غاية بالصعوبة، بل مستحيل في أمور كثيرة ذات طبيعة سياسية وحتى فنية.
فإذا كانت "هيئة النفط الاتحادية" وهي لجنة واسعة يتمثل بها العديد من الوزارات الاتحادية والأقاليم والمحافظات جميعها ورؤساء الشركات الوطنية الكبرى والبنك المركزي ومستشارون مختصون بالنفط والمال والاقتصاد، فإذا كان كل هذا الحشد من المسؤولين موجودين في هذه الهيئة، فلم الخوف، سواء كان من الإقليم أو من المركز؟ ولم كل هذا التعقيد في توزيع الصلاحيات الذي لم ترى مثله دولة أخرى، فهو يشل تماما جميع نشاطات التطوير والاستكشاف، بحيث أتخيل أن النفط سيبقى تحت الأرض إلى أبد الآبدين ولم نستطع استخراج قطرة واحدة منه إذا كان الأمر كذلك، لأن هذه الهيئة لوحدها تستطيع حسم جميع الأمور حتى بدون الوزارة، كونها تمثل العراق بالكامل وتحوي على جميع الاختصاصات ومراكز القوى في الصناعة بشكل عام والصناعة النفطية بشكل خاص!
فهل الخوف من المركز مفتعل؟ أم أن الخوف من الإقليم مفتعل؟ أي الطرفين يعقد الحالة إلى هذا الحد الغريب العجيب؟! وإذا كان الخوف مفتعلا، فهل يعني ذلك أن وراءه هذا الخوف المفتعل قوى شريرة تريد للعراق أن يبقى مكتوف الأيدي حتى بالقرار النفطي؟ فكما نعلم أن القرار المتعلق بالأمن مشلول إلى حد بعيد، والقرار النفطي يريدون له أن يبقى مشلول، والقرار السياسي أصلا مشلول، وحسب علمي ليس هناك مجال من مجالات العمل في العراق لم يصبه الشلل، فهل هذا يعني أن علينا انتظار ""دكتاتورا"" جديدا يفض النزاع بقرار واحد؟
من أهم النقاط الخلافية بين الإقليم والمركز هي مسؤولية التفاوض مع الشركات والتعاقد معها، وقد طرحت المسودة وجهتي النظر المختلفة، حيث ما جاء بالصيغة التي يقترحها المركز هي أن تكون المسؤولية كاملة بيد المركز تقريبا، في حين يقترح الإقليم صيغة مشاركة بين الطرفين للقيام بهذه المهمة، لكن، وهنا تتجلى أزمة الثقة بوضوح، في حال نشوب خلاف يحول الموضوع لمحكمة اتحادية، ومن ثم في حال تكرار فشل الوزارة لثلاث مرات بكسب الدعوى يسقط حق المركز بالتدخل مستقبلا في هذا الشأن! الحقيقة إن هذه الصيغة تعكس واقع سياسي لا نحسد عليه، لأن المحكمة الاتحادية في النهاية تطلب الخبير أو الخبراء الذين يقدمون تقييما للحالة، وهم بمثابة شهود خبرة، والشاهد يمكن أن يكون من النوع الفاسد ماليا ويقدم شهادة زور، أو أن لا يكون بالمستوى المطلوب لكي يقيم مسألة معقدة، وجميع القضايا المتعلقة بالنفط معقدة في العموم الغالب، وهنا يأتي سؤال مهم، هل يضيع حق الشعب بملكية نفطه بسبب شاهد زور أو غير مؤهل من الناحية الفنية؟ وهذا الأمر يتعلق بجميع أنواع التفاوض على موضوع العقود، وهو ما يعني أن الأمر سيؤول في نهاية المطاف إلى الأقاليم أو الوزارة، أيهم أكثر فسادا، ويبقى ذلك الطرف هو الوحيد الذي يتفاوض ويتعاقد، أي مسألة وقت، وهو الوقت الذي تحتاجه المحكمة للحسم في ثلاثة قضايا، ويمكن لهذه القضايا أن تقدم دفعة واحدة، وهكذا يسقط حق العراقي في ملكية النفط موضوعيا. لكن، وكما أسلفت، باقي النقاط في الصيغة التي وضعها الإقليم بما يتعلق بهذه النقطة يمكن أن تكون أساس جيد جدا لتنظيم العلاقة بين الإقليم والمركز مع أخذ بعض النقاط بالحسبان. لكن يجب رفع النقاط التي تتعلق بالمحكمة الاتحادية لأنها تعكس حالة طارئة على العراق ولا ينبغي أن تأخذ دورها في هذا القانون.
وهكذا ضاع العراقيون بالتفاصيل الخلافية المبنية على أساس أزمة الثقة المتبادلة فيما بينهم وتركوا الحبل على الغارب للمستثمر الأجنبي الذي ينبغي أن توجه الأنظار نحوه لضبط حركته وتحديد المساحة التي يجب أن يعمل بها وليس كل النفط العراقي كما هو ملاحظ من العقود الممنوحة أصلا وبنسب تجاوزت حتى النسب التي منحت للشركات العالمية في عقود الامتياز سيئة الصيت وقت كان العراق نهبا للمستعمر!
مازال الحديث حول قوانين النفط مستمرا في الحلقة القادمة.
* مهندس نفط مختص بإنتاج وتطوير حقول النفط والغاز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة


.. الرئيس السيسي يوجه تحية لليد المصرية وعمال مصر لجهودهم في تأ




.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم