الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بروستات عبد الرزاق عيد و .. بواسير السلطة !
نزار نيوف
2007 / 2 / 12اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
![](https://www.ahewar.org/search/pic/97.jpg)
خرج عبد الرزاق عيد في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء الماضي لشراء بعض اللوازم المنزلية من بقالية مجاورة .
عند زاوية المبنى ، في حي الإذاعة بمدينة حلب ، كانوا بانتظاره . وضعوا رأسه في كيس زبالة أسود .. أو طمشوه بأكفهم .. لا فرق ! فرأسه بالنسبة لهم ليس أكثر من كومة زبالة في مجتمع " البعث " النظيف ، وينبغي التخلص منها بطريقة ما .. حتى وإن كان حرقا ! أما أكفهم فليست سوى راحات نبوية أوكل لها الله رسالتها التاريخية الخالدة في تنظيف سوريا " يلي الله حاميها " من نفايات أمثاله .. و رد البصر إلى عيونهم العمياء التي تعجز عن أن ترى معجزاتهم السياسية ، الوطنية والقومية ، وخوارقهم الاقتصادية المخلوفية !
من هناك ، من قرب البقالية ، اقتادوه بملابس النوم إلى واحدة من مغاورهم وكهوفهم التي يقيمون فيها منذ أكثر من أربعة عقود وسط الظلمة والعفونة .. كما الخفافيش !
وقف عبد الرزاق عيد أمام شخص أو كائن ليس له من ملامحنا البشرية أي شيء. ويقال ، والعهدة على الراوي ، إنه آخر بقايا قبائل إنسان النياندرتال الذي لم ير الضوء منذ عصور مغرقة في القدم ، فغارت عيناه في محجريه وضمرتا وأصبح بمرور الزمن عاجزا عن الخروج من تحت التراب كما الخلد ، أو كما الجرذ الذي استمرأ العيش في المجارير !
هذا الكائن المخابراتي مكلف باتهام عبد الرزاق عيد بالقبض من الصهاينة ، وبتنبيهه إلى أنه سيقطع لسانه إذا استمر في كتابة مقالات لاذعة أو استمر في انتقاد " حزب الله " !
***
أعرف عبد الرزاق عيد ، رغم أنه يكبرني سنا ومقاما ، منذ العام 1986 حين كنا نعمل لدى جهتين تابعتين لإعلام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين : هو في هيئة تحرير أسبوعية " الحرية " ، وأنا في هيئة تحرير شهرية " الأردن الجديد " . وأستطيع القول إنه " صديقي " ( إذا قبل تحمل التبعات الأمنية ، وغير الأمنية ، المترتبة على ذلك !) . ورغم أننا لم نلتق إلا لعدد محدود جدا من المرات ، فقد كان ثمة تواصل بيننا عبر أصدقاء " حلبيين " مشتركين لا أعرف أين ذهبت بهم الأيام . وأذكر أنه قرظ ذات مرة باستفاضة ، كما بلغني عن طريق الباحث العراقي فالح عبد الجبار ، إذا لم تخني الذاكرة ، بحثا مطولا كنت أعددته عن " نمط الإنتاج الآسيوي والأيديولجيات الشرقية " لصالح مجلة شيوعية كان يرأس هيئة تحريرها ، ولا أريد أن أذكره باسمها كيلا أفجر في نفسه ، وفي نفسي أيضا ، شعورا ما بالذل أو بالندم ! كما وأذكر أنه " عمل جرصة " مع الجهة الحزبية التي تتبع لها المجلة لأن الدراسة فقدت في الوقت الذي كان قرر نشرها في العدد القادم . فقد كان يعتقد أنهم أخفوها قصدا لأنهم تربوا على احتقار كل ما له علاقة بالإبداع والخروج على " مرجعية التقليد " الماركسية ! وكان هذا كفيلا وحده بتقريب شخص له ما له من المكانة الثقافية والفكرية إلى قلب الشاب الذي كنته آنذاك !
التقيته ، آخر مرة قبل اعتقالي ، شتاء العام 1991 في مكتب الدكتور داوود تلحمي رئيس تحرير " الحرية " . ومن هناك اتجهنا إلى إحدى المقاهي في حي " الصالحية " بدمشق بناء على طلبي ، لكي أفضي له بأمر خاص. وخلال اللقاء عرضت عليه أن يكون " مرجعا ما " لمنظمتنا التي كانت تعمل في السر ـ لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا . لكنه اعتذر بأدب ، معللا اعتذاره بأن هناك جهة أخرى تنشط ، أو تستعد لأن تنشط ، تحت يافطة حقوقية . وهو لا يريد أن يحصل تشويش ما في الشارع ، خصوصا وأن الجهة التي أشار إليه مطعون في نزاهتها السياسية و " الوطنية " ، وربما ليست أكثر من " مشروع اختراق أمني " كما أخبرني!
كان ذلك آخر لقاء ضمنا قبل اعتقالي . وحين أطلق سراحي في 6 أيار / مايو 2001 ، شرفني بأن جاء إلى قريتنا في ريف " جبلة " على رأس وفد من مناضلي حلب للتهنئة بالإفراج عني . وقد حرص على أن يضم رموزا تمثل كافة التيارات السياسية الناشطة في المدينة . ولعل الأكثر مدعاة للتأثر في الأمر أن شيخ المناضلين النقابيين في حلب ، أبو عبدو عمر قشاش ، كان في مقدمة الوافدين المحملين بصابون الغار والزعتر الحلبي .. بناء على طلب والدي الذي طالما " احتج " على طرود أدبيات حركة " المجتمع المدني " التي كان يرسلها عبد الرزاق عيد لي أسبوعيا بواسطة النقل العام منذ إطلاق سراحي ، في محاولة منه لإعادة ربطي بالحياة السياسية والثقافية العامة بعد سجني الإنفرادي الذي قارب السنوات العشر . فقد رفع الوالد آنذاك ، ولو على سبيل المزاح ، شعار " لا للمجتمع المدني ، نعم لصابون الغار والزعتر الحلبي ، فهو الأبقى " . وقد صدقت نبوءة الوالد !
منذ أن سمعت باسم عبد الرزاق لأول مرة ، أواسط الثمانينيات ، لم أفوّت أيا من مقالاته وكتبه .. طالما كان الأمر متيسرا . وكنت أعتقد ، وما زلت ، أنه أحد رموز ثقافتنا الوطنية والديمقراطية خلال ربع القرن الأخير ؛ وأن دراسته في السوربون حصنته من الجدب والتصحر اللذين أصابا الكادرات التي تلقت علومها في " الحوزات " و " الكتاتيب " السوفييتية ، وساعدته على التحول إلى " شخصية قلقة " ، بل دائمة القلق ، بالمعنى الذي تحدث عنه عبد الرحمن بدوي ، وعلى إعادة إنتاج نفسه وإنجاز تراكم معرفي بطريقة " توسعية " و " تكثيفية " ، وليس " ابتدائية " ، إذا ما أردنا استخدام تعابير المادية التاريخية ومفاهيمها "الاقتصادية" . وخلال خمسة وعشرين عاما من النضال السياسي والثقافي ، أنجز " أبو المجد " خمسة وعشرين كتابا ليس من بينها كتاب واحد يجتر الذي سبقه ، ولا كتاب واحد لا يتضمن " قيمة زائدة " معرفية !
هل يعني كل ما تقدم أنني أوافقه الرأي في كل ما قال به !؟ أبدا . ولا أظنه يحبذ ذلك . فمن متعه التي أعرفها تلذذه بالجدل الذي يثيره أي مقال يكتبه أو أي كتاب ينشره .. حتى وإن كان ذما وقدحا وليس تقريظا أو مدحا . فهو ، كما كل إنسان يحترم إنسانيته ، يعتبر أن مروره العابر في هذه الحياة سيكون بلا معنى إن لم يكن مثيرا للجدل ... فوحدها الجيف لا تثير شيئا من هذا ! وبإمكاني القول ، وأظنه سيتفهمني ، إن حماسه الزائد لبعض الأفكار ، و موقفه السياسي " المسبق " ، قاداه إلى مغالطات معرفية ومنهجية . ولا يقلل هذا أبدا من قيمتها . فحتى " المغالطة المعرفية والمنهجية " تتضمن قيمة معرفية ومنهجية بذاتها ؛ لأنها ، وحسبها ذلك ، تتيح للتراكم المعرفي المزيد من الاستمرار من خلال الجدل والسجال .
من هذه القضايا التي أعتبر أنه ارتكب فيها هذا النوع من المغالطات ما جاء في مقالاته ، وخصوصا الأخيرة منها ، حول " ظاهرة حزب الله " . فهو ـ ولأن بنيانه المعرفي المتعلق بالحركات الأصولية وأفكارها قام في سياق نقده لـ " الأصوليات السنية " ـ بدا أعجز من أن يدرك خصوصية " حزب الله " و " خصوصية أصوليته " بوصفها نوعا من " لاهوت تحرير شيعي " ! وبالمناسبة : حتى حزب الله نفسه يبدو عاجزا عن إدراك نفسه على هذا النحو ، وهنا واحد من " كعوب أخيله " الأساسية !
قد يرد " أبو المجد " على ذلك بالقول إن إيمان حزب الله بنظرية " ولاية الفقيه " و " تبعيته " لملالي قم وطهران تجردانه من هذه الإمكانية . ومع أنه ليس هنا مجال الدخول في نقاش من هذا النوع ، والذي سأعود إليه في وقت آخر ، فبإمكاني القول إن علاقة حزب الله بمفهوم " ولاية الفقيه " و " تبعيته " الأيديولوجية والسياسية لا تختلف في قليل أو كثير عن علاقة " لاهوت التحرير الكاثوليكي " في أميركا اللاتينية بالكنيسة وتبعيته لـ " المرجعية البابوية " ، ولا عن علاقة الأحزاب الشيوعية ، في الماضي ، بالمرجعية السوفييتية ، مهما بدا في الأمر من مفارقة ، ومهما قيل عن " استقلالية " كل منهما إزاء مرجعيته!
أنا أعرف وأدرك جيدا أن منطلق عبد الرزاق عيد وحقل نقده " حزب الله " يقع خارج منطق وحقل النقد الذي يوجه لهذا الحزب من خلفيات وأسس " دينية ـ سنية " . وإشكالية عبد الرزاق عيد في مقاربته هذا الحزب تقع في حقلين : الحقل الأول معرفي ـ ثقافي يتصل بمقاربته الخاطئة منهجيا للأيديولوجية الشيعية ؛ والثاني سياسي يتصل بمنطلقاته السياسية ، أي رؤيته لحزب الله انطلاقا من موقعه كمعارض سياسي ( شيء ما قريب من مقولة : صديق عدوي .. عدوي ) .
بالنسبة للحقل الأول ، وهنا إشكالية معظم الباحثين وعلماء الاجتماع والمؤرخين ، تنبع الإشكالية من عدم التمييز في الظروف التاريخية التي تحكمت بتبلور الأيديولوجية الشيعية بوصفها " أيديولجيا مشتركية ـ مساواتية " أو " أيديولجية مجتمع فلاحي" ، بعكس الوجه الآخر للظروف نفسها التي تحكمت بتبلور الأيديولوجية السنية بوصفها " أيديولوجية فردية أو فردانية " أو " أيديولوجية مجتمع تجاري " . وإذا ما استعرنا مقولة نيكوس بولانتزاس عن الأيديولوجية اليعقوبية ودورها في إلباس الثورة الفرنسية كل تلك الضبابية والتشوش والخصوصية ، يمكن القول إن الأيديولجية الشيعية ، بنزعتها " المشتركية ـ المساواتية " ، متقدمة جدا بالمعنى السياسي بمقدار ما هي رجعية بالمعنى التاريخي ، أو بالمعنى الماركسي لمفهوم " التقدم " . والعكس صحيح بالنسبة للأيديولجية السنية !
أما بالنسبة للحقل الثاني ، الحقل السياسي ، فيمكن القول إن النقد الموجه لحزب الله في أوساط المعارضة السورية ، العلماني منها والمذهبي ـ السني ، كل من زاويته ، لم يزدد ويبلغ هذا المبلغ إلا بعد حرب تموز الأخيرة ، ونجاحه في إحباط مشروع الإدارة الأميركية وإسرائيل لتحويل لبنان إلى جمهورية " لحدية " ، وبالتالي منع أحجار الدومينو من التساقط .. وصولا إلى دمشق !
وللحيلولة دون أن أمكّن ذاك الوطواط القابع في ذاك الكهف من سلاح يستخدمه بوجه عبد الرزاق عيد ، وهو الذي حذره من نقد حزب الله ، أو أسمح لغبائه وغباء نظامه بالتصيد الرخيص ، أسارع إلى القول : إن هذا لا يعني أن عبد الرزاق عيد ، وكل من انتقد حزب الله من موقع وطني علماني ـ ديمقراطي ، كانوا يعولون على المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في لبنان ( " حاشى لله " !) ، وإنما كانوا في قرارة أنفسهم يعولون على خسارة النظام السوري واحدة من أوراقه القوية التي مكنته من الاستمرار بعد زلزال خروجه المذل من لبنان ، ومكنته ـ بالتالي ـ من الصمود ومن الاستمرار في تشغيل آلة بطشه ونهبه. وهذه ليست مشكلة حزب الله بقدر ما هي مشكلة المعارضة الديمقراطية السورية . ويمكن القول إن علاقة النظام بحزب الله تشبه ، ولو على نحو معكوس ، علاقة المعارضة السورية ، أو جزئها الأقوى المتمثل بتحالف الإخوان ـ خدام ، بحكومة فيلتمان في بيروت ( وأنا أتبنى هذه التسمية دون تردد ، ودون حرج ، لأنها فعلا كذلك ، مثلما أن حكومة دمشق هي حكومة مافيا رامي مخلوف!) .
إن القضية برمتها لا تعدو أن تكون في حقيقة الأمر ما يمكن تسميته بـ " نكاح الاستبضاع الاستراتيجي " ! فمثلما أن عنة النظام السوري وعجزه جعلاه يرسل " قضيته الوطنية " للاستبضاع من حزب الله ، كذلك هي حال المعارضة السورية التي قادتها عنتها وعجزها إلى إرسال " قضيتها الديمقراطية " للاستبضاع من وليد جنبلاط ومافيا الحريري .. ولو على نحو رمزي !
إن عجز النظام السوري ، وعنته ، هما بالضبط ما يجعلانه يرتعد رعبا من أي موقف نقدي إزاءه وإزاء حلفائه . وهما ما يجعلانه يمنع عبد الرزاق عيد ليس فقط من نقد حزب الله ، الذي يعول عليه في إخصابه قضيتـَه " الوطنية " ، بل ومن السفر بغرض الاستطباب من ورمه البروستاتي . وإذا ما مزجنا بين مقولات الطب الهرموني ومقولات الطب النفسي ، ولو على سبيل السخرية السوداء ، يمكننا أن " نهنىء " عبد الرزاق عيد بسرطانه البروستاتي. فمن المعلوم أن أحد الأسباب الرئيسية لسرطان البروستات ونموه هو الإفراز الزائد للهرمون الذكري ، بما يعنيه ذلك من دلالات الخصوبة التي تشكل نقيضا لدلالات العنة والعجز ! أما منطق النظام ووطواطه الكهفي الذي شتم عبد الرزاق عيد واتهمه بالصهينة وحذره من نقد حزب الله أو كتابة مقالات لاذعة ، فلا يعدو أن يكون نوعا من إفرازات البواسير ... الفموية لا الشرجية ! فالمجتمعات التي لا تتطور بشكل طبيعي ، بحسب ما يخبرنا تروتسكي ، تلفظ من فمها ذلك البراز الثقافي الذي كانت ستلفظه من شرجها لو أتاحت لها الظروف التاريخية أن تتطور طبيعيا . وأنت أدرى يا عزيزي أبا المجد أن من يسكن في الكهف لا يمكن له أن يتطور على نحو طبيعي ، وسيبقى وطواطا وعاجزا عن أن يلفظ برازه الثقافي إلا من فمه . ولأن طعامه مصنوع من مزابل التاريخ والأيديولوجيات " الرسالية " ، فمن المؤكد أنه سيصاب بالبواسير الفموية .. لا الشرجية !
ذلك هو الفرق بين بروستاتك وبين بواسيرهم . فهل من حقك بعد ذلك أن تغضب منهم أو تلومهم !؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/SfqkOu41w5E/default.jpg)
.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا
![](https://i4.ytimg.com/vi/squJ5Tlq1Rg/default.jpg)
.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق
![](https://i4.ytimg.com/vi/zaIDxwzjbIg/default.jpg)
.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما
![](https://i4.ytimg.com/vi/ZzmgGdLox4g/default.jpg)
.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/JU7_Gh0ch5M/default.jpg)