الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بروستات عبد الرزاق عيد و .. بواسير السلطة !

نزار نيوف

2007 / 2 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


خرج عبد الرزاق عيد في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء الماضي لشراء بعض اللوازم المنزلية من بقالية مجاورة .
عند زاوية المبنى ، في حي الإذاعة بمدينة حلب ، كانوا بانتظاره . وضعوا رأسه في كيس زبالة أسود .. أو طمشوه بأكفهم .. لا فرق ! فرأسه بالنسبة لهم ليس أكثر من كومة زبالة في مجتمع " البعث " النظيف ، وينبغي التخلص منها بطريقة ما .. حتى وإن كان حرقا ! أما أكفهم فليست سوى راحات نبوية أوكل لها الله رسالتها التاريخية الخالدة في تنظيف سوريا " يلي الله حاميها " من نفايات أمثاله .. و رد البصر إلى عيونهم العمياء التي تعجز عن أن ترى معجزاتهم السياسية ، الوطنية والقومية ، وخوارقهم الاقتصادية المخلوفية !
من هناك ، من قرب البقالية ، اقتادوه بملابس النوم إلى واحدة من مغاورهم وكهوفهم التي يقيمون فيها منذ أكثر من أربعة عقود وسط الظلمة والعفونة .. كما الخفافيش !
وقف عبد الرزاق عيد أمام شخص أو كائن ليس له من ملامحنا البشرية أي شيء. ويقال ، والعهدة على الراوي ، إنه آخر بقايا قبائل إنسان النياندرتال الذي لم ير الضوء منذ عصور مغرقة في القدم ، فغارت عيناه في محجريه وضمرتا وأصبح بمرور الزمن عاجزا عن الخروج من تحت التراب كما الخلد ، أو كما الجرذ الذي استمرأ العيش في المجارير !
هذا الكائن المخابراتي مكلف باتهام عبد الرزاق عيد بالقبض من الصهاينة ، وبتنبيهه إلى أنه سيقطع لسانه إذا استمر في كتابة مقالات لاذعة أو استمر في انتقاد " حزب الله " !
***
أعرف عبد الرزاق عيد ، رغم أنه يكبرني سنا ومقاما ، منذ العام 1986 حين كنا نعمل لدى جهتين تابعتين لإعلام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين : هو في هيئة تحرير أسبوعية " الحرية " ، وأنا في هيئة تحرير شهرية " الأردن الجديد " . وأستطيع القول إنه " صديقي " ( إذا قبل تحمل التبعات الأمنية ، وغير الأمنية ، المترتبة على ذلك !) . ورغم أننا لم نلتق إلا لعدد محدود جدا من المرات ، فقد كان ثمة تواصل بيننا عبر أصدقاء " حلبيين " مشتركين لا أعرف أين ذهبت بهم الأيام . وأذكر أنه قرظ ذات مرة باستفاضة ، كما بلغني عن طريق الباحث العراقي فالح عبد الجبار ، إذا لم تخني الذاكرة ، بحثا مطولا كنت أعددته عن " نمط الإنتاج الآسيوي والأيديولجيات الشرقية " لصالح مجلة شيوعية كان يرأس هيئة تحريرها ، ولا أريد أن أذكره باسمها كيلا أفجر في نفسه ، وفي نفسي أيضا ، شعورا ما بالذل أو بالندم ! كما وأذكر أنه " عمل جرصة " مع الجهة الحزبية التي تتبع لها المجلة لأن الدراسة فقدت في الوقت الذي كان قرر نشرها في العدد القادم . فقد كان يعتقد أنهم أخفوها قصدا لأنهم تربوا على احتقار كل ما له علاقة بالإبداع والخروج على " مرجعية التقليد " الماركسية ! وكان هذا كفيلا وحده بتقريب شخص له ما له من المكانة الثقافية والفكرية إلى قلب الشاب الذي كنته آنذاك !
التقيته ، آخر مرة قبل اعتقالي ، شتاء العام 1991 في مكتب الدكتور داوود تلحمي رئيس تحرير " الحرية " . ومن هناك اتجهنا إلى إحدى المقاهي في حي " الصالحية " بدمشق بناء على طلبي ، لكي أفضي له بأمر خاص. وخلال اللقاء عرضت عليه أن يكون " مرجعا ما " لمنظمتنا التي كانت تعمل في السر ـ لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا . لكنه اعتذر بأدب ، معللا اعتذاره بأن هناك جهة أخرى تنشط ، أو تستعد لأن تنشط ، تحت يافطة حقوقية . وهو لا يريد أن يحصل تشويش ما في الشارع ، خصوصا وأن الجهة التي أشار إليه مطعون في نزاهتها السياسية و " الوطنية " ، وربما ليست أكثر من " مشروع اختراق أمني " كما أخبرني!
كان ذلك آخر لقاء ضمنا قبل اعتقالي . وحين أطلق سراحي في 6 أيار / مايو 2001 ، شرفني بأن جاء إلى قريتنا في ريف " جبلة " على رأس وفد من مناضلي حلب للتهنئة بالإفراج عني . وقد حرص على أن يضم رموزا تمثل كافة التيارات السياسية الناشطة في المدينة . ولعل الأكثر مدعاة للتأثر في الأمر أن شيخ المناضلين النقابيين في حلب ، أبو عبدو عمر قشاش ، كان في مقدمة الوافدين المحملين بصابون الغار والزعتر الحلبي .. بناء على طلب والدي الذي طالما " احتج " على طرود أدبيات حركة " المجتمع المدني " التي كان يرسلها عبد الرزاق عيد لي أسبوعيا بواسطة النقل العام منذ إطلاق سراحي ، في محاولة منه لإعادة ربطي بالحياة السياسية والثقافية العامة بعد سجني الإنفرادي الذي قارب السنوات العشر . فقد رفع الوالد آنذاك ، ولو على سبيل المزاح ، شعار " لا للمجتمع المدني ، نعم لصابون الغار والزعتر الحلبي ، فهو الأبقى " . وقد صدقت نبوءة الوالد !
منذ أن سمعت باسم عبد الرزاق لأول مرة ، أواسط الثمانينيات ، لم أفوّت أيا من مقالاته وكتبه .. طالما كان الأمر متيسرا . وكنت أعتقد ، وما زلت ، أنه أحد رموز ثقافتنا الوطنية والديمقراطية خلال ربع القرن الأخير ؛ وأن دراسته في السوربون حصنته من الجدب والتصحر اللذين أصابا الكادرات التي تلقت علومها في " الحوزات " و " الكتاتيب " السوفييتية ، وساعدته على التحول إلى " شخصية قلقة " ، بل دائمة القلق ، بالمعنى الذي تحدث عنه عبد الرحمن بدوي ، وعلى إعادة إنتاج نفسه وإنجاز تراكم معرفي بطريقة " توسعية " و " تكثيفية " ، وليس " ابتدائية " ، إذا ما أردنا استخدام تعابير المادية التاريخية ومفاهيمها "الاقتصادية" . وخلال خمسة وعشرين عاما من النضال السياسي والثقافي ، أنجز " أبو المجد " خمسة وعشرين كتابا ليس من بينها كتاب واحد يجتر الذي سبقه ، ولا كتاب واحد لا يتضمن " قيمة زائدة " معرفية !
هل يعني كل ما تقدم أنني أوافقه الرأي في كل ما قال به !؟ أبدا . ولا أظنه يحبذ ذلك . فمن متعه التي أعرفها تلذذه بالجدل الذي يثيره أي مقال يكتبه أو أي كتاب ينشره .. حتى وإن كان ذما وقدحا وليس تقريظا أو مدحا . فهو ، كما كل إنسان يحترم إنسانيته ، يعتبر أن مروره العابر في هذه الحياة سيكون بلا معنى إن لم يكن مثيرا للجدل ... فوحدها الجيف لا تثير شيئا من هذا ! وبإمكاني القول ، وأظنه سيتفهمني ، إن حماسه الزائد لبعض الأفكار ، و موقفه السياسي " المسبق " ، قاداه إلى مغالطات معرفية ومنهجية . ولا يقلل هذا أبدا من قيمتها . فحتى " المغالطة المعرفية والمنهجية " تتضمن قيمة معرفية ومنهجية بذاتها ؛ لأنها ، وحسبها ذلك ، تتيح للتراكم المعرفي المزيد من الاستمرار من خلال الجدل والسجال .
من هذه القضايا التي أعتبر أنه ارتكب فيها هذا النوع من المغالطات ما جاء في مقالاته ، وخصوصا الأخيرة منها ، حول " ظاهرة حزب الله " . فهو ـ ولأن بنيانه المعرفي المتعلق بالحركات الأصولية وأفكارها قام في سياق نقده لـ " الأصوليات السنية " ـ بدا أعجز من أن يدرك خصوصية " حزب الله " و " خصوصية أصوليته " بوصفها نوعا من " لاهوت تحرير شيعي " ! وبالمناسبة : حتى حزب الله نفسه يبدو عاجزا عن إدراك نفسه على هذا النحو ، وهنا واحد من " كعوب أخيله " الأساسية !
قد يرد " أبو المجد " على ذلك بالقول إن إيمان حزب الله بنظرية " ولاية الفقيه " و " تبعيته " لملالي قم وطهران تجردانه من هذه الإمكانية . ومع أنه ليس هنا مجال الدخول في نقاش من هذا النوع ، والذي سأعود إليه في وقت آخر ، فبإمكاني القول إن علاقة حزب الله بمفهوم " ولاية الفقيه " و " تبعيته " الأيديولوجية والسياسية لا تختلف في قليل أو كثير عن علاقة " لاهوت التحرير الكاثوليكي " في أميركا اللاتينية بالكنيسة وتبعيته لـ " المرجعية البابوية " ، ولا عن علاقة الأحزاب الشيوعية ، في الماضي ، بالمرجعية السوفييتية ، مهما بدا في الأمر من مفارقة ، ومهما قيل عن " استقلالية " كل منهما إزاء مرجعيته!
أنا أعرف وأدرك جيدا أن منطلق عبد الرزاق عيد وحقل نقده " حزب الله " يقع خارج منطق وحقل النقد الذي يوجه لهذا الحزب من خلفيات وأسس " دينية ـ سنية " . وإشكالية عبد الرزاق عيد في مقاربته هذا الحزب تقع في حقلين : الحقل الأول معرفي ـ ثقافي يتصل بمقاربته الخاطئة منهجيا للأيديولوجية الشيعية ؛ والثاني سياسي يتصل بمنطلقاته السياسية ، أي رؤيته لحزب الله انطلاقا من موقعه كمعارض سياسي ( شيء ما قريب من مقولة : صديق عدوي .. عدوي ) .
بالنسبة للحقل الأول ، وهنا إشكالية معظم الباحثين وعلماء الاجتماع والمؤرخين ، تنبع الإشكالية من عدم التمييز في الظروف التاريخية التي تحكمت بتبلور الأيديولوجية الشيعية بوصفها " أيديولجيا مشتركية ـ مساواتية " أو " أيديولجية مجتمع فلاحي" ، بعكس الوجه الآخر للظروف نفسها التي تحكمت بتبلور الأيديولوجية السنية بوصفها " أيديولوجية فردية أو فردانية " أو " أيديولوجية مجتمع تجاري " . وإذا ما استعرنا مقولة نيكوس بولانتزاس عن الأيديولوجية اليعقوبية ودورها في إلباس الثورة الفرنسية كل تلك الضبابية والتشوش والخصوصية ، يمكن القول إن الأيديولجية الشيعية ، بنزعتها " المشتركية ـ المساواتية " ، متقدمة جدا بالمعنى السياسي بمقدار ما هي رجعية بالمعنى التاريخي ، أو بالمعنى الماركسي لمفهوم " التقدم " . والعكس صحيح بالنسبة للأيديولجية السنية !
أما بالنسبة للحقل الثاني ، الحقل السياسي ، فيمكن القول إن النقد الموجه لحزب الله في أوساط المعارضة السورية ، العلماني منها والمذهبي ـ السني ، كل من زاويته ، لم يزدد ويبلغ هذا المبلغ إلا بعد حرب تموز الأخيرة ، ونجاحه في إحباط مشروع الإدارة الأميركية وإسرائيل لتحويل لبنان إلى جمهورية " لحدية " ، وبالتالي منع أحجار الدومينو من التساقط .. وصولا إلى دمشق !
وللحيلولة دون أن أمكّن ذاك الوطواط القابع في ذاك الكهف من سلاح يستخدمه بوجه عبد الرزاق عيد ، وهو الذي حذره من نقد حزب الله ، أو أسمح لغبائه وغباء نظامه بالتصيد الرخيص ، أسارع إلى القول : إن هذا لا يعني أن عبد الرزاق عيد ، وكل من انتقد حزب الله من موقع وطني علماني ـ ديمقراطي ، كانوا يعولون على المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في لبنان ( " حاشى لله " !) ، وإنما كانوا في قرارة أنفسهم يعولون على خسارة النظام السوري واحدة من أوراقه القوية التي مكنته من الاستمرار بعد زلزال خروجه المذل من لبنان ، ومكنته ـ بالتالي ـ من الصمود ومن الاستمرار في تشغيل آلة بطشه ونهبه. وهذه ليست مشكلة حزب الله بقدر ما هي مشكلة المعارضة الديمقراطية السورية . ويمكن القول إن علاقة النظام بحزب الله تشبه ، ولو على نحو معكوس ، علاقة المعارضة السورية ، أو جزئها الأقوى المتمثل بتحالف الإخوان ـ خدام ، بحكومة فيلتمان في بيروت ( وأنا أتبنى هذه التسمية دون تردد ، ودون حرج ، لأنها فعلا كذلك ، مثلما أن حكومة دمشق هي حكومة مافيا رامي مخلوف!) .
إن القضية برمتها لا تعدو أن تكون في حقيقة الأمر ما يمكن تسميته بـ " نكاح الاستبضاع الاستراتيجي " ! فمثلما أن عنة النظام السوري وعجزه جعلاه يرسل " قضيته الوطنية " للاستبضاع من حزب الله ، كذلك هي حال المعارضة السورية التي قادتها عنتها وعجزها إلى إرسال " قضيتها الديمقراطية " للاستبضاع من وليد جنبلاط ومافيا الحريري .. ولو على نحو رمزي !
إن عجز النظام السوري ، وعنته ، هما بالضبط ما يجعلانه يرتعد رعبا من أي موقف نقدي إزاءه وإزاء حلفائه . وهما ما يجعلانه يمنع عبد الرزاق عيد ليس فقط من نقد حزب الله ، الذي يعول عليه في إخصابه قضيتـَه " الوطنية " ، بل ومن السفر بغرض الاستطباب من ورمه البروستاتي . وإذا ما مزجنا بين مقولات الطب الهرموني ومقولات الطب النفسي ، ولو على سبيل السخرية السوداء ، يمكننا أن " نهنىء " عبد الرزاق عيد بسرطانه البروستاتي. فمن المعلوم أن أحد الأسباب الرئيسية لسرطان البروستات ونموه هو الإفراز الزائد للهرمون الذكري ، بما يعنيه ذلك من دلالات الخصوبة التي تشكل نقيضا لدلالات العنة والعجز ! أما منطق النظام ووطواطه الكهفي الذي شتم عبد الرزاق عيد واتهمه بالصهينة وحذره من نقد حزب الله أو كتابة مقالات لاذعة ، فلا يعدو أن يكون نوعا من إفرازات البواسير ... الفموية لا الشرجية ! فالمجتمعات التي لا تتطور بشكل طبيعي ، بحسب ما يخبرنا تروتسكي ، تلفظ من فمها ذلك البراز الثقافي الذي كانت ستلفظه من شرجها لو أتاحت لها الظروف التاريخية أن تتطور طبيعيا . وأنت أدرى يا عزيزي أبا المجد أن من يسكن في الكهف لا يمكن له أن يتطور على نحو طبيعي ، وسيبقى وطواطا وعاجزا عن أن يلفظ برازه الثقافي إلا من فمه . ولأن طعامه مصنوع من مزابل التاريخ والأيديولوجيات " الرسالية " ، فمن المؤكد أنه سيصاب بالبواسير الفموية .. لا الشرجية !
ذلك هو الفرق بين بروستاتك وبين بواسيرهم . فهل من حقك بعد ذلك أن تغضب منهم أو تلومهم !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا