الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس التاريخية لحركة التحرر الوطني و الحركة الثورية المغربية الجزء الثالث

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 2 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



كما رأينا في الفصليين السابقين عمل الإستعمار المباشر على تركيز أسس النظام القائم و ذلك بتأهيل تحالف البورجوازية و الإقطاع ، من أجل لعب دوره في استمرارية استغلال خيرات البلاد و تدفق الرأسمال المالي على الرأسمال المركزي من خلال تركيز الإقتصاد التبعية للرأسمالية الإمبريالية ، عبر توجيه الإنتاج الفلاحي و المعدني و الثروات البحرية في اتجاه التصدير و السيطرة على المؤسسات المالية بالمدن و فتح هامش من الإستثمار الرأسمالي لتحالف البورجوازية و الإقطاع ، و بالتالي القضاء على التنظيمات الثورية حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير و احتواء قيادات الحزبين البورجوازيين ، الحزب الشيوعي المغربي التابع للحزب الشيوعي الفرنسي بتهميش دوره القيادي للطبقة العاملة ، و إطلاق المبادرة لحزب الإستقلال الذي يضم بداخله الطبقات الإجتماعية المتناقضة و المشكلة من العريضة الواسعة من جماهير الفلاحين الفقراء و الطبقة العاملة و الكادحين ، و بالتالي تقزيم دوره بعد الفرز السياسي في أواخر الستينات من القرن 20 .
فكان لا بد من أن يحدث انشقاق في هذا الحزب من أجل إحداث الفرز السياسي في الساحة السياسية و الجماهيرية ، ببروز حزب بورجوازي جديد يدعي التقدمية و هو حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي عمل على الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، و احتواء الطبقات الشعبية من طبقة عاملة و فلاحين فقراء و كادحين و مناضلين ثوريين و بالتالي الهيمنة على حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير ، و تبقى القيادات البورجوازية لحزب الإستقلال في أحضان النظام القائم بعد الفرز على مستوى الساحة السياسية و الجماهيرية ، لتلعب دور العمل على مزيد من الإنشقاق وسط الطبقات الشعبية و ذلك بتأسيس نقابة الإتحاد العام للشغالين بالمغرب و الهيمنة عليها ، من أجل تسهيل هجوم تحالف الإقطاع و البورجوازية الذي يمثل هذا الحزب تعبيرها السياسي ، على مصالح الطبقات الشعبية التي يمثل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية تعبيرها السياسي .
فكان لا بد من أن تلعب قيادات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية دورها في تصفية الحركة الوطنية الثورية كيف لا و هذا الحزب يحتوى الإتجاه التحرر الوطني الثوري ، و هو أقوى حزب يضم في صفوفه الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلى جانب المناضلين الثوريين ، كما ينتمي إليه مناضلو المقاومة الوطنية و جيش التحرير الذين يرفضون الانتماء إلى الجيش و الشرطة ، حيث عمل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بقبول رئاسة حكومة النظام القائم في 1960 ، التي لم تدم طويل لإيهام الجماهير الشعبية على أن هناك بالفعل نظام ديمقراطي يفتح المجال لتسيير شؤون البلاد ، في الوقت الذي نسيت فيه أو تتناسى القيادة البورجوازية لهذا الحزب القمع و التقتيل الذي تعرضت له الثورة الريفية في 1958 و 1959 و بالتالي تصفية جيش التحرير بالجنوب في 1960 .
و لم يستمر الزواج العذري بين هذه القيادات مع النظام الحاكم الذي لم يستهدف إلا الكذب على الجماهير الشعبية بالريف و فتح المجال أمام لتصفية ما تبقى من الحركة الثورية بالجنوب ، حيث تم طردها بعد ما انتهى دورها الرجعي التصفوي المرسوم لها من طرف النظام الحاكم ، ليفتح لها هامش من الفعل السياسي البورجوازي و هي التي لا تتعلم الدروس من التجارب و ذلك بالتصويت ضد الدستور في 1962 التي عرفت مزيدا من القمع و اعتقالات المناضلين الثوريين ، و بالتالي المشاركة في انتخابات 1963 التي عرفت مزيدا من القمع و الإعتقال و التزوير لتستكمل أدوارها التي رسمت لها ، لإيهام الجماهير الشعبية بأنها بالفعل تلعب دور المعارض داخل نظام إستبدادي مطلق لتركن إلى تصفية المناضلين الثوريين بداخل الحزب ، و الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل التي بنتها الطبقة العاملة في السرية في عهد الإستعمار المباشر.
و هكذا استكمل النظام القائم بنياته بعد التحكم في مجريات الساحة السياسية و الجماهيرية و احتواء القيادات البورجوازية لهذين الحزبين و القضاء على الحركة الثورية داخل المقاومة الوطنية و جيش التحري ، التي عملت بعض المجموعات التي رفضت وضع السلاح على القيام ببعض العمليات ضد رموز السلطة خاصة في الدار البيضاء ، كما هو الشأن بمجموعة شيخ العرب و امتداداتها بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي استمرت مقاومتها إلى 1964 ، بعد القضاء عليها و اعتقال مناضليها و محاكمتهم في صمت تام للقادات البورجوازية لهذا الحزب ، و كان للأوضاع المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادين و الزخم النضالي الثوري الذي عرفته 10 سنوات من الإستقلال الشلكي ، أثر كبير في الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء التي واجهها النظام القائم بمزيد من إراقة الدماء ، و التي لعبت فيها الشبيبة الطلابية و التلاميذية دورا أساسيا في تأجيجها ، في الوقت الذي ركنت فيها القيادات الحزبية و النقابية إلى أساليب المساومة مع النظام القائم و التراجع عن مطلب الطبقات الشعبية في التغيير الثوري .
لكن النظام القائم تعلم مزيدا من الدروس في هذه الأحداث و خاصة في الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء ، التي علمته أن الشعب المغربي الذي أفرز مناضلين ثوريين الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي و عباس المساعدي و شيخ العرب ، باستطاعته إفراز مناضلين ثوريين في كل مكان و زمان و عرف جيدا أن الأحزاب و النقابات البورجوازية و مؤسساته المزورة لن تقيه من الإنتفاضات الشعبية و الحركات الثورية ، و هو يعي جيدا أن نظامه القائم على الإستبداد لن يدوم أمده إلا بممارسة القمع و التقتيل باعتباره نظاما تناحريا تبعيا للرأسمالية الإمبريالية ، و كان لا بد له من حل مؤسساته المزورة و تعطيل أحزابه البورجوازية و شيوع العسكرة و حالة الطواريء و ملاحقة الثوريين و تصفيتهم ، كما هو الشأن بالنسبة للشهيد المهدي بن بركة الذي تم اغتياله في أكتوبر 1965 بباريس عاصمة الثورات الديمقراطية و الإشتراكية ، بمؤامرة مع المخابرات الإمبريالية و الصهيونية و بذلك أصبح النظام القائم بالمغرب مؤهلا للعب دوره في حماية مصالح الرأسمالية الإمبريالية ، أما الحزب الشيوعي المغربي فما كان عليه إلا هيكلة نفسه من أجل إيجاد مكان لائق به في المشروع السياسي للنظام القائم و حتى لا يبقى مجالا لتربية الماركسيين اللينينيين ، فأصبح حزب التحرر و الإشتراكية التسمية التحريفية الجديدة في بداية من التراجع عن أهدافه في توحيد الطبقة العاملة ، لتحوله إلى حزب إصلاحي يتنكر للمرجعية الأيديولوجية للأحزاب الشيوعية المرتكزة إلى الماركسية اللينينية و بالتالي تحريف ما يمكن تحريفه من تعاليم الماركسية اللينينية .
و أمام القمع الشرس للنظام القائم بعد الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في 23 مارس 1965 و تواطؤ القيادات الحزبية و النقافية بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية و نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، لا بد من الفرز السياسي الثاني داخل هذين الحزبين في أواخر الستينات و الذي سيفرز الجيل الثاني من المناضلين الثوريين الذين سيؤسسون الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و التي ستتخذ شكل منظمتين ثوريتين سريتين اللتان لم تختارا السرية بمحض إرادتهما ، و لكنها شكل تنظيمي مفروضة بفعل الأوضاع السياسية التي يسود فيها الرعب و القمع و الإعتقال أمام خيانة القيادات البوؤجوازية الحزبية و النقابية لمشروع التغيير الثوري ، و نشأت منظمة 23 مارس المنشقة عن حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و منظمة إلى الأمام المنشقة عن حزب التحرر و الإشتراكية ، في ظل هذه الأوضاع السياسية نشأت هاتين المنظمتين اللتان تضمان في صفوفهما المثقفون الثوريون والشبيبة الطلابية و التلامذية و بعض العمال ، و اللتان ترتكز أسسهما المرجعية إلى الماركسية اللينينية من أجل بناء الحزب الثوري ، و لعل الوثيقة الأيديولوجية و السياسية لمنظمة " إلى الأمام" التي تنطلق من القراءة النقدية للإتجاه البيرقراطي داخل حزب التحرر و الاشتراكية في علاقته بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب الإستقلال ، توضح مدى الصراع القائم حول التوجه الأيديولوجي و السياسي للحزب بين القيادات البيروقراطية و الطليعة الثورية التي تسعى إلى التغيير الثوري كما جاء في وثيقة : " سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " التي تم نشرها سابقا :
" فإعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها ، بعد أن سقطت أقنعتها، بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم ، عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية ، ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية ، مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي ، بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته.، ولعل محاولة" حزب التحرر والاشتراكية" الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة "الكتلة" على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير."
في ظل هذه الظروف حدث الفرز السياسي الثاني في ظل 15 سنة من الإستقلال الشكلي إستطاع فيه النظام القائم هيكلة آليات مشروعه السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي ، في إطار نظام إستبدادي مطلق خدمة للمشروع الرأسمالي الإمبريالي الذي سيتم مواجهته من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة إلى الأمام.
تارودانت في 11 فبراير 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار