الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالرزاق عيد: ربما هو القتل الرحيم؟

طارق حمو

2007 / 2 / 13
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


لم يتسنَّ لي لقاء الدكتور عبدالرزاق عيد حين زيارته لنا في مبنى الفضائية الكردية (ROJ tv) في بروكسل قبل عامين. كنت آنئذ في المانيا المحروسة، وبالتالي لم تتح لي الفرصة كي اقابل المفكر الحلبي وأتعرفّ على شخصه عن قرب، لأحاول أن استفسر منه حقيقة وجلاء بعض ما كان يطمره تحت خطابه ويخفيه بين سطور كتاباته الصحفيّة، التي عوّدنا على نشرها بين الحين والآخر أثناء تعرضه للشأن السوري الداخلي المعقد: حيث الصمت جريمة والكلام المباح له ثمن قد يكون رأس قائله.

في حالة الدكتور عيد، كانت هناك جرأة لافتة( وسورياً: مغامرة كبرى!) في عرض الحالة الوطنية وتشريحها على طاولة النقد. كان الدكتور يجازف في احايين كثيرة حينما يقترب من المحرمات في السياسة السورية، التي وطدّها نظام "الحركة التصحيحيّة" القمعي، وثابرَ في المحافظة عليها الولي الوريث بعد ذلك. عيد في كتاباته السياسية ذات النكهة الفكرية/ الإستخلاصيّة كان يتعمد التحليق في مناطق الخطر المعروفة لكل السوريين. كان يجوب المجال الخطر بحيث يثير خوف متابعيه عليه. يذهب في النقد والتملل وفضح المكنون لأبعدَ من المساحة المعروفة تلك. والتي انتزعها فدائيو ربيع دمشق حينما نشروا البيانات "اللائية" الأولى، قبل ان يضحي بهم النظام ويشتت شملهم بتوزيعهم بين سجون دمشق المظلمة...

الدكتور عبدالرزاق عيد في ملفوظه الورقي والمتلفز كان يمثل الصوت العقلاني العميق في فضح الإستبداد والإشارة إلى جذوره وهوية حماته ورجالاته في سوريا. كان يتعمد المقارنة بين النماذج الهالكة نتيجة التفسخ والتضعضع الداخلي، وبين سوريا التي "شفطّ" النظام كل خيرها، فباتت ـ فوق فقر وعوز سكانها ـ تحت مرمى النيران الخارجية، الآتية للتغييّر والترسيم. لكن في عرف الأنظمة الديكتاتورية لايوجد شيء إسمه الإصغاء لنصيحة مثقف ناصح. هناك فقط الإنشغال والمثابرة على ضمان الديمومة وتهريب الموجود وضرب الخطرين إستباقياً...

في خبر مرض الدكتور عيد الأخير، وقرار السلطات الأمنية منعه من السفر إلى الخارج لتلقي العلاح، ثمّة فجائعية كبرى تدل على عمق الدرك الذي وصله النظام السوري المستهتر بحياة الناس والمبدعين منهم على وجه الخصوص. النظام ينتقم من الدكتور عيد، الذي بدأ سرطان البروستات ينهش في جسده، بمنعه من السفر للتداوي والعلاج. هي نزعة الإنتقام المتأصلة في وجودية النظام الذي نهب سوريا وأفقر شعبها. مع المعارضين للحكم وكل من يظن في نفسه إباءًَ وشموخاً، يلجأ النظام الأمني السوري لمثل هذه الألاعيب: فأنطون مقدسي الذي تجرّأ ونصحّ رئيس بلاده الشاب على صفحات جريدة (الحياة)، أستبعد من وظيفته في وزارة الخارجية وعينت "الوزيرة المثقفة" مها قنوت بديلاً عنه وهو لايدري، في محاولة/إهانة سافلة لقطع خبزه ونكران جهده الطويل في بناء الثقافة الجادّة في البلاد، وظل الموقف منه كما هو حتى توفي الرجل كسيراُ حزيناً. والشيخ الكردي المتنور محمد معشوق الخزنوي، المجاهر بالحق في وجه الطغاة والجبابرة، قتلوه هو الآخر وألقوا بجثته الطاهرة على حدود العراق. عارف دليلة، انتقموا منه بالسجن لمدة عشرة أعوام، وهو مازال للآن يقاسم الخبز الجاف مع الهوائم والحشرات. أنور البني، الوطني الشهم، صاحب "دستور سوريا الجديد" لم يكتفوا بسجنه فقط، بل سلطوا عليه أحد الأشقياء ليوسعه ضرباً وإهانة، جزاء قولة الحق التي اطلقها في وجه سلطان جائر غشوم.

فعلوا أكثر من ذلك في لبنان حينما حصدوا خيرة رجاله من حملة القلم والفكر. وهم مازالوا على دربهم سائرين، فلكي يكونوا "لاعبين أقوياء في المنطقة" فهم يفعلون كل شيء ويبطشون بأي شخص، ليس من شيء يردعهم أبداً: وهنا أتكلم عن الضمير والقيم الوطنية والإنسانية المتعارف عليها...

قرار منع الدكتور عبدالرزاق عيد من السفر للعلاج، بحيث أضطره لتأجيل العلاج بضع مرات، إنما يدخل في خانة الإنتقام من الرجل لمواقفه المؤيدة للشعب السوري المظلوم في وجه بطش واستبداد الجلادين والطغاة. إنه يشبه الحكم بالموت البطيء أو "الموت الرحيم" الذي يخلي مسؤولية القاتل الجنائية، بل ويجعله الملاك المنقذ من رحلة العذاب والألم في العديد من المرات.

واعتقد إن ذهن مفكري النظام الأمنيين والقائمين على تطوير آلة القمع قد تفتّق عن مثل هذه الطريقة في التخلص من المعارضين دون تحمل وزر دمهم، سيمّا وأن هناك من بدء يجٌهز الملفات ويٌشكل المحاكم الدوليّة لمتابعة الجرائم الكبيرة المرتكبة....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل