الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطر غلوريا السياسي

حمزة الحسن

2003 / 7 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



منذ اللحظة التي اعلنت فيها الرئيسة الفليبينية غلوريا أرويو عن وجود تمرد عسكري في البلاد وتوجيه إنذارها للمتمردين العسكر بالوقف الفوري للتمرد والعودة الى الثكنات وحتى نهاية العصيان، وهذه السيدة الرقيقة تبدو خلال الأزمة كعارضة أزياء ناعمة أو راقصة باليه حالمة أو عطر شفاف أو زهرة آسيوية تتفتح بهدوء أمام ضوء الشمس ونظرات الآخرين.

لم تلبس ثياب الجنرال كما يفعل الزعماء العرب في مثل هذه المواقف، بل أقل من هذه المواقف، لأنهم يلبسون ثياب النصر في ايام الهزيمة أيضا، ولا فرق عندهم بين هذا وذاك ما دام الرأس منتصبا فوق القامة ورؤوس الملايين منكسة.

غلوريا وقفت لتوجه خطابا للمتمردين وهي في ثياب تشبه النوم، وذكرني مشهدها بالدعابة العذبة للجنرال ديغول حين دخلت السيدة بيرجيت باردو لقصر الأليزيه لأولة مرة بثياب  الهواء والعري الأبيض، فعلق الجنرال المحارب العتيق هامسا في أذن الروائي الفرنسي ووزير ثقافته  أندريه مالرو:
ـ " تبدو السيدة باردو هذا اليوم بثياب الجنرال!".


غلوريا الأنثى الرقيقة خريجة الإدارة والاقتصاد، الخمسينية، والمرغوبة أمريكيا لأسباب لا يعرفها إلا الراسخون في العتمة، دخلت غرفة نومها بعد سماع نبأ التمرد، ولم تخرج سيفا أو تحمل مسدسا أو تجهز فرسا.

كل ما فعلته هذه المائية الصوت، والمائية الخطى، والمائية النظرات( فليكفني صوتها!) هو أنها غضبت كلبوة مستفزة، ورشّت الغرفة بعطرها كما فعلت نفرتيتي يوما، وكما فعلت واحدة من بنات منتصف الليل في روايتي ( عزلة أرستا) وخرجت إلى الأضواء لتلقي خاطب الحرب بكلمات قديسة طالبة من المتمردين بصوت هادئ، نبوي، حالم، امومي، بالعودة إلى الثكنات والا ستعاقبهم.

هكذا هي غلوريا تتكلم كما لو أنها تتحدث مع تلاميذ مدرسة مشاغبين، خافوا من التهديد وتركوا اسلحتهم خافضي الرؤوس وعادوا إلى الثكنات.

أما غلوريا فلقد دخلت قاعة البرلمان كما تدخل عروس بلا خطى لأنها تكاد تطير من فرط الفرح والحب والنشوة والزهو الطفولي.

لم تهدد بالانتقام لأن عوالمها الداخلية متماسكة.
لم ترعد.
لم تحرك شاربا علويا أو سفليا.

والمتمردون ذهبوا إلى الثكنات والبيوت لشرب الشاي أو الويسكي ومتابعة برامج السهرة ومواصلة عملهم اليومي والعائلي.

درس غلوريا بليغ يجب أن يقرأه الحكام العرب إذا كانوا يقرأون شيئا، أو إذا كانوا قادرين فعلا على القراءة.

هل خرج حاكم واحد في دولنا بعد الانقلاب من القصر وهو في تمام ثيابه أو جسده أم حول القصر إلى أنقاض، أو صار هو جزءا من الغبار بحيث يبحث عنه الناس بكل أنواع المجاهر والمكبرات بدون جدوى، لأنه لا يزول لوحده، بل يزول معه القصر والحريم والعبيد والأشجار والغيوم والوطن؟

مرة واحدة في العراق خرج الرئيس في سنة 68 رافعا يديه ورجليه، وهذا خروج على القاعدة لأن الأصل أن لا يخرج هو ولا الأنقاض، ويزول مع القصر الملكي أو الجمهوري أو يختفي ليعود بعد قرون عديدة في صورة أخرى وعلى شعب آخر مثله تماما.

صحيح أن غلوريا أنثى آسيوية تحكم بلدا في ساعة عاصفة من التاريخ، لكن المرأة قادرة في مجتمع تحكمه مؤسسات بحجم ما، على أن تكون قائدة وزعيمة وسيدة موقف في اللحظات الزلزالية التي تخور فيها قوى الرجال.

غلوريا هي تجسيد لأطروحة الفيلسوف الأمريكي، والياباني الأصل فوكوياما الأخيرة ونبوءته بأن القرن الواحد والعشرين سيكون في صالح حكم النساء أو سيطرة حكم الأنثى، أو "تأنيث السلطة".

لكن فوكوياما متأخر ربع قرن عن اطروحة القائد الملهم بطل التحرير القومي الذي أسس(حكومة نسوان) منذ سنة 68 رغم كثافة شوارب الوزراء
العليا
والسفلى ! 









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسام زملط لشبكتنا عن هجوم رفح: نتنياهو تعلّم أن بإمكانه تجاو


.. من غزة إلى رفح إلى دير البلح.. نازحون ينصبون خيامهم الممزقة




.. -الحمدلله عالسلامة-.. مواساة لمراسل الجزيرة أنس الشريف بعد ق


.. حرب غزة.. استقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس




.. دكتور كويتي يحكي عن منشورات للاحتلال يهدد عبرها بتوسيع العدو