الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب

محمد خضير سلطان

2007 / 2 / 16
الادب والفن



هل كان الظلام قيمة فنية من خصائص الفن المسرحي، ولاتكتمل مشاهدته بدون العتمة ، ولن ينبثق ضوء ألا في حضوره المطبق، وهل يختل المشهد باضواء النهار الفيضية فيفقد عنصرا فنيا لازمه طوال عصور هذا الفن وماذا اذا كان ظلام الليل بغداديا هذه الايام، تنكفيء له الاضواء، وتغلق فيه ابواب المقاهي والبيوت، ولاتبرق في سمائه ألا ومضات الرصاص ، ولن تسمع منه ألا زعيق سيارات الاسعاف وهزيم الانفلاقات، انه ليل الاضواء الشاحبة على ابواب المستشفيات ومراكز الطب العدلي المفتوحة.
في تجربة مسرحية متفردة، يخترق الفنان جبار محيبس ليل المسرح، وينشىء فكرة نهار المسرح وسط الناس حين يستوقف المارة والعربات على رصيف مرأب باب المعظم ، ويشارك بعمله المسرحي بمناسبة افتتاح ملتقى المستقبل التابع لمنظمة ( اين حقي ) الثقافية

ادوار
ثمة من يعتقد، ان الليل وسدوله المعتم هو الحيز الزماني لانبثاق انوار المسرح، وهو المجال الحيوي للفعالية المسرحية ومن دون اضاءة العتمة باطياف درامية لا ننشد فنا مؤثرا ولا نحقق تكاملا مأمولا في هدفية هذا الفن الانساني الفائق، والمسرح تبعا لهذا الاعتقاد ، يحتاج دوما الى ظلام لكي تنبثق انواره وهو مثل شمعة اجمل ما في مشهدها ان تكون وسط العتمة حتى تزيح جزءا منها، ولعل هذا الاعتقاد يعود الى تجذر الفن المسرحي في الكيان الانساني حين كان الانسان لاينشد اويروي ألا من خلال حضوره الجماعي، الطقوسي، الاحتفالي وكان الظلام جزءا من العالم ، وكل شيىء في الاناشيد والصلوات هو محاولة جمعية لتبديد الخوف والابهام في الطبيعة حتى جاء المسرح كوسيلة عقلانية للانتصار على المخاوف ومحاولة لحل ازمة في الوجود، لقد نقل هذا الفن الاسطورة الانسانية الى منصة المسرح واجرى نقلة تجريدية للاحتفال والطقس بواسطة الفرجة بعد ان كانت الشعائروالطقوس تؤدى في الحياة قبل اكتشاف المنصة او الخشبة.
ومن غير المعقول ألا يبعث هذا الاعتقاد على التشكيك بعد ان قطعت الانسانية اشواطا عديدة من الارتقاء، رافقها خروج الشعر من الاسطورة مثل خروج الرواية من المسرح الاسطوري فضلا عن نمو المعرفة وانتقالها من ثنائيتها المشروطة بالظلام تعبيرا عن المجهول والابدي الى جدلها القائم على سيرورتها العلمية المشروطة بالانوارتعبيرا عن النسبي والمعرفي ، لذا اجريت بعض التغييرات على هذا التصور في العصور الحديثة حين بدد العلم ظلام المخاوف الانسانية وتمكن الانسان من الشروع في السيطرة الاولية على العالم، وصار يعد الليل حيزا زمانيا للاستعادة، وهو ليس جزءا من فكرة اسطورية متجذرة قدر ما يكون فسحة هادئة لاستعادة واقعة العمل الانساني في النهار فلا يمكن مزاحمة النهار في دراماه الواسعة وعلى ذلك قيل ما يكتب على عناوين الصحف في الصباح، تجده على المسرح في المساء.
دراما الحياة، مسرح حقيقي
الواقع ان المساء في ضوء ذلك، لابد ان يحل تزامنه مع المسرح ويغدو عنصرا بصريا يحتاجه هذا الفن كما تحتاج الشاشة مصدر الضوء...... ولكن، السؤال اليوم في وضعنا العراقي الراهن ابعد من مدار الفكرة ، وينظر اليها بمدار آخر، يضع الحياة كلها امام المسرح، اذن ... كيف يربط الفن المسرحي تزامنه مع الحياة اذا كانت حياتنا دراما حقيقية لايستطيع الفن ان يعادل بشاعتها بالصوت الانساني المخنوق في جلبة الحرب والقتل والفناء، كيف يتزامن مع حياتنا العراقية التي كما يقال، لايحيا فيها ألا الموت، هل يغدو المسرح( نداء الى الاحياء) ، من يشاهد اذا كانت المأساة مطبقة، وكيف نجد صوت التاريخ في النص اذا كان الموت ذاته الحق بهوراشيو ايضا، من يبق على كراسي النظارة سوى النعيب القادم من مقابر بعيدة وقريبة.
نهار مسرحي
وقبل ان يكتمل المشهد، شرع المسرحي العراقي جبار محيبس في تجربته الجديدة الحية بايقاف المارة في احد جوانب مرأب وسوق باب المعظم الكبيرين، وقطع طريق السيارات وناقلات الجنود المدرعة وشاحنات الخضار، وصاح يرافقه ممثلان(عقيل الربيعي وقصي حاتم) دعونا نستوقفكم قليلا حتى نستوقف القتل ، نحن في مداك ايها القاتل، تمرون من هنا وتموتون، وفي كل الاحوال نستعيد المشهد ونموت ، نؤدي طقس الصلاة في طاحونة حرب، وضع الفنان محيبس كمامة رقيقة على وجهه ، تقيه غشايا القتلى، وقفازين على كفيه ولبس معطفا ابيض واستبعد في المشهد ان يتناول بين يديه مشرط الطب العدلي ولكنه حين اراد ان ينثر بعض التوابيت ، هرع الى سطوح محلات الخضار الخفيضة فجلب جمعا من صناديق البرتقال او التفاح، وادخلها في دلالة الموت.
يدور حدث المسرحية حول ثلاث شاحنات حاملة الموتى ، وتجوب العالم، لماذا ، لأن الموتى بلا وطن لايستقبلهم احد حتى المدافن، فاقدو الهوية ومن شدة الموت لاتعرفهم حتى امهاتهم وحين تكل الشاحنات من الدوار حول العالم، لاتفرغ حمولاتها ألا في دياجير الطب العدلي، تصرخ جوقة الممثلين، طوبى لوطن لايدرك ألا على مشرط الطب العدلي او سيف الجلاد.
ما هذا ،سأل احد المارة بعد ان دفعه الاطمئنان الى ان يقطع طريقه الى بوابة المراب ويقترب من اصوات المسرح الحي، لم يجبه احد ولم يكن بحاجة الى الجواب حين اخذ مكانه بين الواقفين.
يتساءل الممثل، هل تطمس هوية القتيل هويتنا الوطنية، يتهكم ، لماذا لانعيد الرؤوس المقطوعة الى اصحابها غير الحقيقيين، لندع امام كل عراقي رأس آخر قتيل ولننظر من هو الاكثر قتلا، تأملوا اذا لم نعرف القتيل، هل يعني انعدام القاتل....يا لهذا الوطن الحزين كجثة في مقتبل الموت.
وحين استطاع الفريق المسرحي للفنان جبار محيبس ان ينجح في مغامرته الفنية الصعبة، ارادها ان تتسق مع الايقاع الحذر لمرأب باب المعظم وحركة المارة والمتبضعين السريعة خشية انهمار رصاص في مكان ما من السوق ، لذا عمل على تنفيذ مسرحيته كمعركة خاطفة في حركات سريعة يتسع لها رصيف المرأب وتداع لغوي اسرع في زمن حي مشدود بتوقع انفجار او اطلاق بنادق.
وجاء هذا العمل المغامرة قرينا بمغامرة آخرى لاتقل اندفاعا عن محاولة محيبس بل ان محاولة محيبس هي بمناسبة افتتاح ملتقى المستقبل ( منظمة مجتمع مدني ) التابع الى منظمة ( اين حقي) قرب مرأب باب المعظم حيث اتخذ هذا الملتقى من احدى المقاهي مقرا له واستأنف نشاطه الثقافي كل اسبوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تعالوا واكتشفوا الجزائر-.. خطة لتطوير المواقع التاريخية وال


.. نصيحة من الفنان العراقي علي جاسم لشذى حسّون... -وشو بتريد أن




.. الفنان محيي إسماعيل يقدم نصيحة لمذيعة صباح العربية


.. أسباب ابتعاد الفنان محيي إسماعيل عن التمثيل المسرح




.. محيي إسماعيل: أنتظر الاتصال بالجهات الإنتاجية للبدء في فيلم