- لم يمض على تشكيل ) مجلس الحكم ( الذي تكون من 25 رجلا وأمرأة يمثلون مختلف الانتماءات في الطيف العراقي سوى اسبوعان , حتى تحول الى هدف للرماية من كل حدب وصوب , عراقي أو غير عراقي .

واذا كانت ردود الافعال المتباينة حول كيفية التشكيل ومدى تمثيله لمكونات المجتمع العراقي وغيرها , متوقعة , فينبغي ان لاتغيب عن بال المتابع بان هذه العملية هي جزء من الواقع والحراك السياسي الذي يجري اليوم في الساحة العراقية , فهو لم يات مصادفة او من الفراغ ولن ينته اليه , بل هي عملية مستمرة , وحية , ستكون لها انعكاسات على حاضر ومستقبل العراق , وفي العقل والشارع السياسي . كما ان مساحة ممارسة المجلس لصلاحياته , والفترة الزمنية لبقاءه , ستتأثر , جدليا , بهذا الحراك بالاضافة لجدية المشاركين فيه ووعيهم , وكيفية تعامل الفعاليات السياسية الاخرى خارج المجلس وحتى المواطن العادي معه , ومع الوضع ككل . ولكن وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف في هذا التفصيل او ذاك , فقد افرز المجلس معطيات لابد من تسجيلها :

1 - انه يستمد شرعيته من قرار مجلس الامن المرقم 1483 الذي نص في المادة 9 : ) يؤيد قيام شعب العراق , بمساعدة السلطة* وبالعمل مع الممثل الخاص* , بتكوين ادارة مؤقتة عراقية بوصفها ادارة انتقالية يسيرها العراقيون , الى ان ينشيء شعب العراق حكومة تمثيلية معترف بها دوليا وتتولى مسؤوليات السلطة ( .

2 - المجلس يتشكل في ظل الاحتلال , وهذا يعني ان صلاحياته مهما كانت واسعة , فانها تظل بسقف محدد .

3 - المجلس ادارة مؤقتة , وان لم يجر الاتفاق على تحديد مدتها , الا انها حددت بانجاز مهام معينة .

4 - يشكل مرجعية سياسية عراقية لايمكن القفز فوقها , من اية جهة .

5 - اقرار اممي واميركي , عملي , بأن السلطة يجب ان تكون للعراقيين في بلادهم . وهو بداية النهاية للاحتلال .

6 - وضع القوى السياسية العراقية في مركز القرار ,اي في دائرة الفعل , وليس كما في السابق على الهامش .

7 -اكد من جديد اعتراف العراقيين , على ارض الواقع , ببعضهم وبحقيقة اختلافهم وقبولهم بالتعايش على اساس ) الوحدة في الاختلاف ( .

8 - ان هناك تنسيق وحوار سلمي متواصل , عراقي/عراقي , عراقي/اميركي , عراقي/دولي .

9 - سحب الغطاء عن التطرف والعنف السياسي , وفضح مرجعية وطبيعة وهوية الاعمال المسلحة ضد القوات الانكلو - اميركية .

10 - ادخل العراقيين في صلب العملية الديمقراطية ) غير الدستورية وغير المكتملة حاليا ( فهناك حكومة ومعارضة .

وتظل هناك بعض المخاوف والقلق المشروع , خاصة والمجلس سيتصدى لمهام جسيمة في بلد غني بالثروات رزح 35 سنة تحت سياسات قمع وعنف واستبداد وتخريب وافقار وتجهيل متعمد , وهو يعاني الآن من فراغ امني , وبالتالي فهو ساحة مفتوحة للعب قوى واطراف كثيرة في منطقة مليئة بالصراعات , ومع سلبيات العقل والعمل السياسي العراقي ) النظر الاحادية المتطرفة للاحداث بالابيض والاسود , الكل او لاشيء , الانفعال وقصر النظر , تغييب المصالح الذاتية والفئوية على مصالح الوطن ...( مما يهدد بالدخول في صراعات وممارسات لامبدئية وغير مسؤولة , او الخضوع لضغط الاميركان او غيرهم , داخل وخارج العراق , في هذا القضية اوتلك , وبالتالي اضعاف المجلس او اعاقة مسيرته او حتى تخريبه وحله , ومما يعزز هذه المخاوف هو الصيغة الفئوية الطائفية والعشائرية التي اعتمدت في تشكيله , والتي لاتنسجم وما تدعو اليه كل القوى السياسية بما فيه الاميركان من مجتمع ديمقراطي مدني عصري ومتحضر , يعتمد مبدأ المواطنة , وتولي المسؤلية على اساس الكفاءة والاهلية وليس اي اعتبار آخر. ولذلك نرى من الضروري , الآن , التخلي عن هذه الصيغة في الحياة السياسية العراقية لانها متخلفة وخطيرة !

ولايفوتنا التأكيد على ضرورة مبادرة المجلس بفتح قنوات الاتصال مع كل القوى العراقية , التي لاعلاقة لها بالنظام المقبور , والتي ظلت خارج المجلس , من اجل خلق مناخ سياسي صحي وناضج , واستغلال كل الامكانيات , باختلاف وجهات نظرها وموقفها من المجلس , وزجها في حركة باتجاه وايقاع واحد في مواجهة التحديات واجتياز المرحلة الاستثنائية بأسرع وقت وأقل الخسائر .

* المقصود سلطة الاحتلال الاميركية - البريطانية .

* المقصود الممثل الخاص للامين العام لهيئة الامم المتحدة

محمد ناجي

27 تموز 2003