الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين الالتزام والاحترام في خطاب التكليف الرئاسي؟؟

عماد صلاح الدين

2007 / 2 / 16
القضية الفلسطينية



بعد اتفاق مكة المكرمة الأخير ، ثارت لدى الكثير من مثقفينا الوطنيين المخلصين للقضية ، والذين بالفعل يشهد لهم أبناء الشعب الفلسطيني بصدق وطنيتهم وانتمائهم الوطني والقومي و الإسلامي، ومن بينهم البروفسور عبد الستار قاسم أستاذ الفكر السياسي المعروف ، الشكوك بان حماس في هذا الاتفاق قد اعترفت بإسرائيل ، أو بالشروط الأمريكية والإسرائيلية المقننة من خلال ما يسمى بشروط الرباعية الدولية ، ويستدلون على ذلك ومن بينهم الأستاذ عبد الستار قاسم ، بان حماس قبلت باحترام الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها اتفاق أوسلو . هذا الاحترام جاء بالفعل من خلال كتاب التكليف الرئاسي بتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية ، ويذهب البروفسور قاسم في مقاله المعنون ب " وحدتنا بشرعية اسرائيل" انه مع الفارق بين الالتزام والاحترام من الناحية اللغوية والاصطلاحية ، إلا أن حماس قد اعترفت بإسرائيل ، وفي سياق تفريقه بين الالتزام والاحترام ، يقول الأستاذ قاسم : إن الالتزام يعني أن الطرف المطالب بالالتزام بالشيء ، عليه أن يقوم بمجموعة من الأعمال والخطوات حتى يحقق الهدف من الالتزام المطالب به ، أما الاحترام ، فيذهب البروفيسور قاسم إلى أن الطرف المطالب باحترام هذا الشيء أو ذاك ، ليس مطلوبا منه اتخاذ خطوات وإجراءات بعينها تجاه الشيء المطلوب احترامه ، لكن البروفيسور قاسم يرى أن الطرف المطالب بالاحترام يجب عليه أن يحترم حقيقة التزام الطرف الآخر في سياق التركيبة السياسية لحكومة الوحدة القادمة بين حركة فتح التي تلتزم بالاتفاقات ، وبين حركة حماس التي تحترم الاتفاقات فقط ، ويورد المفكر السياسي عبد الستار قاسم مثلا على ذلك ويقول : إن حماس مثلا يجب عليها أن تقبل اعتقال محمود الزهار أو عبد الستار قاسم من قبل أجهزة السلطة ، لان الاتفاقات تتطلب ذلك .

لاشك أن الأستاذ قاسم ، في مثاله السابق يضع يده على مشكلة حتما ستثور بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية وتشكيلها ، وهي أن الحكومة الجديدة كما يبدو لن تكون في إطار قالب سياسي واحد وموحد ، وإنما في إطار قالبين أو أكثر ، في حال اشتركت الجبهة الشعبية في تلك الحكومة ، فانا لا اعرف كيف سيكون الموقف موحدا من عملية استشهادية تقع في عمق الكيان الإسرائيلي ، وكيف سيكون موقف الوزراء في الحكومة من المطالب الدولية على ارض الواقع ، نعم هناك مشكلة بعينها، وهي تتعلق بان الفوارق قائمة، وستبقى قائمة حتى في سياق حكومة الوحدة الوطنية ، إذ إن هناك طرف أو أطراف تلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وبقرارات الشرعية الدولية ، وهنالك أطراف أخرى مطالبون فقط باحترام تلك الاتفاقات وتلك القرارات ، وبالتالي الأمر يحتاج إلى مخرج ومعالجة في سياق الحكومة المزمع تشكيلها ، لان حل هذا الإشكال ضرورة ملحة ، لان الأمر سينسحب نفسه على موضوعة تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية .

لكن مع ذلك كله ، من الناحية اللغوية والاصطلاحية القانونية والسياسية ، نحن نرى انه بالفعل هناك اختلاف حقيقي وجوهري ، بين مفردتي الالتزام والاحترام ، فالالتزام ، بالفعل يكون فيه الملتزم ملزم باتخاذ كل الإجراءات والخطوات المعروفة والمحددة بعينها من اجل تحقيق الهدف والغرض من الأمر الذي تم الالتزام به ، فمثلا الملتزم باتفاقات منظمة التحرير الموقعة مع إسرائيل ، بالفعل هوملزم حسب ما ورد في تلك الاتفاقات ، بملاحقة المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين ، الذين يخرجون عن خط تلك الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ، وبالتالي فإن عمليات المقاومة بعمومها تصبح مدانة حسب شريعة أوسلو، لكن
المطالب باحترام الاتفاقات بموجب خطاب التكليف، وبالاستناد إلى الفهم اللغوي والاصطلاحي لمفردة الاحترام ذاتها ، ليس مطلوب منها أن يقبل بما يقوم به الملتزم من خطوات وإجراءات باتجاه تحقيق الالتزام نفسه ، ذلك لان احترام الشيء أو الأمر يعني تبجيله أو تقديره واحترام حقيقة وجوده وواقع حاله فقط كما الأمر مع الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وعلاقة حماس بها ، فحماس تعترف بحقيقة وجود هذه الاتفاقات في الواقع الفلسطيني ، كما هي حقيقة وجود السلطة وأجهزتها ومؤسساتها التي هي من مفرزات ومنتجات تلك الاتفاقيات ، كما هو الحال أيضا بالنسبة لأموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عن السلطة بموجب اتفاقية باريس الملحقة باتفاق أوسلو ، والتي بسببها استطاعت إسرائيل أن تحتجز أموال الشعب الفلسطيني لمدة عام بفعل الحصار ، فهل يعني أن قبول حماس أو اعترافها بوجود واقع معين كحقيقة مادية على الأرض ، أنها تبارك هذا الواقع وتعترف بشرعية حقيقته ووجوده؟؟ ، لا شك أن الفرق بين الأمرين ظاهر ، فمن الناحية العقلية والمنطقية والواقعية أن يحترم الإنسان حقيقة وجود شيء ما على الأرض سواء كان ايجابيا أو سلبيا، ليس معناه أنه مطالب باتخاذ إجراءات تفاعلية باتجاه تكريس شرعية وقانونية وأخلاقية الشيء الموجود فعلا لاسيما إذا كان ذلك أمر سلبي بالمعنى الشرعي والقانوني ، فالتعامل مع الواقع أمر طبيعي ، لكن سياق التعامل معه هو أن تدرس هذا الواقع وتفهمه، وبالتالي أن تحاول أن تطوره ، سواء بإضافة ومراكمة الايجابيات والتخلص من السلبيات ، أو التخلص من الواقع جذريا اذاكان جذر هذا الواقع وما تفرع عنه سلبيا محض ، ولاشك، أن الأمر يحتاج إلى تدرج وتدريج في سياق التغيير المرتبط بفلسفة وقانون مادي والهي ، يعرف كثير من أهل العلم والاختصاص طبيعته وطرائقه .

لذلك، أنا لا أتفق مع البروفيسور عبد الستار قاسم ، فيما يذهب إليه من أن حماس عليها أن تقبل وتسكت على الأقل إذا ما تم اعتقال الزهار أو هو نفسه من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية المحكومة باتفاقات أوسلو ذات الطابع الأمني ، ذلك لان حماس وان كانت تقر أو تحترم حقيقة وجود الاتفاقات على الأرض، كما أي إنسان فلسطيني مثلا يعترف بحقيقة وواقعة وجود الاحتلال وليس بشرعيته طبعا ، فهي لايمكن أبدا أن تتخذ إجراءات ،أو أن تقوم بأعمال، أو تمتنع عن أعمال من شانها أن تعزز هذه الحقيقة الملموسة على الأرض، وبالتالي أن تعطيها الشرعية ، فذلكم ما يتعارض أصلا معه منهج التعامل مع الواقع السيئ، وما يتطلبه من فهم وبالتالي من إجراءات أو إتيان أعمال أو امتناع عنها في سياق ايجابي ، لتطوير هذا الواقع ايجابيا والعمل على التخلص من سلبياته، ولذلك رأينا جميعا أن إسرائيل لم ترحب باتفاق مكة، وكذلك أمريكا تعاملت معه بحذر ، وبالتالي فان الأطراف، التي تطالب حماس بالخضوع لما يسمى بشروط الرباعية، تراهن أو تنتظر مواقف حكومة الوحدة على الأرض، من خلال إجراءات تلتقي مع مفهوم الالتزام ، وليس حسب مفهوم الاحترام ،الذي تمسكت به حماس ، لأنهم يدركون بان حماس لم تلب أيا من شروط الرباعية " الشروط الإسرائيلية " وليس أدل على ذلك مما يذهب إليه الكاتب الإسرائيلي سيفر بلوتسكر في مقاله في يديعوت أحرونوت بعنوان "حكومة تحت الرعاية السعودية" ، إذ يقول بلوتسكر : بل على العكس : قادة حركة الإرهاب المتعصبة ، عرفوا كيف يتصرفون بمكر ودهاء عندما برزت الحاجة إلى ذلك ، متحولين إلى التصميم الشديد عند الحاجة . هم قدروا بصورة صحيحة قصور قوة فتح وعجز قوتها . تجاهلوا تهديدات أبو مازن الفارغة ، والضغوط المصرية البارزة . هم ناوروا بين الكلمات والدماء .والآن بعد التوقيع على ما يسمى ب"اتفاق مكة"سيكون بإمكانهم أن يحتفظوا بانتصارهم النهائي : في مكة شقت الطريق أمام إعطاء الشرعية الدولية لحماس كممثل ديمقراطي منتخب للشعب الفلسطيني . حماس حصلت على ما تريد من دون أن تتنازل ولو بشيء عن مبادئها وعقائدها " انتهى نص كلام سيفر بلوتسكر .

البروفيسور عبد الستار قاسم كان يجب أن يشير إلى حالة التعارض والتناقض بين متطلبات الالتزام ومقتضيات الاحترام ، وما ستشكله من معضلة حقيقية على أداء حكومة الوحدة الوطنية المزمع عقدها ، فانا شخصيا ، لا استطيع أن افهم كيف سيتم التوفيق أو التساوق بين الملتزم للاتفاقات والمحترم لها من الموقف من عملية فدائية أو استشهادية ، فوزراء حماس سيباركون ، ووزراء فتح والرئاسة سيستنكرون ويدينون ، والموقف أيضا فيه تناقض، من موقف حماس الذي سيدين ولن يقبل ولن يسكت على الاعتقال السياسي وملاحقة المناضلين والمقاومين الفلسطينيين ، وبين موقف فتح الملتزمة بالاتفاقات ، والتي بموجبها تقوم بالاعتقال السياسي وتلاحق المناضلين والمقاومين وتؤيد القيام بهكذا أعمال ، لاشك أنها مشكلة قائمة بحد ذاتها .

من الناحية النظرية، تنصرف المشكلة الانفة الذكر إلى التركيبة الجديدة التي ستكون عليها منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن يتم إصلاحها وتطويرها ، لكن في البعد العملي والتطبيقي، فان المشاكل المتعلقة في التوفيق بين مقتضيات الاحترام ومتطلبات الالتزام ، من الممكن تلافيها ، خاصة أن حماس ستعطي الرئيس فرصة التفاوض مع إسرائيل من اجل تحقيق مطلب الدولة وضمان حق العودة ، وهذا يتطلب هدنة من حماس ووقف المقاومة لفترة زمنية معينة ، وباعتقادي أن خط التفاوض سيثبت فشله مرة أخرى ، لان إسرائيل ليست جادة ، بل ليس لديها الاستعداد لكي تنهي احتلالها لأراضي عام 67 ، فضلا عن رفضها المؤكد لعودة اللاجئين الفلسطينيين . لذلك، نرى أن تغييرات ستحدث في الساحة الفلسطينية في اتجاه بلورة برنامج وطني موحد إستراتيجيته مقاومة الاحتلال وانتهاج خط الكفاح المسلح ، بعدما تسقط عمليا كل البرامج والرهانات الأخرى ، ويقتنع الشعب الفلسطيني وقواه الحية بان لاخيار إلا خيار المقاومة، هذا الأمر سيتم التعبير عنه من خلال الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو التشريعية على ابعد تقدير ، كرد على فشل الخيار السياسي والتفاوضي في تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية التي تم التوافق عليها من خلال وثيقة الوفاق الوطني ، وعندها ،وعلى عتبة الانتخابات التشريعية على وجه التحديد سينتهي مفعولا وثيقة الوفاق الوطني ومن بعدها وثيقة صلح مكة ، والاتجاه نحو بلورة موقف شعبي باتجاه إعطاء الأغلبية الساحقة لخط المقاومة.

أما بالنسبة لقرارات المجالس الوطنية وقرارات القمم العربية، فان التعامل معها مرهون بالالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وصون حقوقه والحفاظ على مكتسباته وتطويرها والعمل على تحقيق أهدافه الوطنية ، إذن مرجعية وضابط وفيصل التعامل مع هذه القرارات التي سبق الإشارة إليها هو الالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني ، وحيثما وجد أي قرار أو قرارات تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني العليا ، فلا قيمة لها عند ذلك ، وأما بالنسبة إلى احترام قرارات الشرعية الدولية ، فالحكم بالنسبة لها هو مشابه تماما لحكم وحال احترام الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية.

15 – 2 – 2007
بقلم : أ. عماد صلاح الدين
كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان – نابلس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي