الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر الامن الدولي في ميونيخ: عندما تتحدث روسيا بلغة الاستقلال

نبيل يعقوب

2007 / 2 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


شتاء كل عام تشهد مدينة ميونيخ مؤتمرا للامن الدولي تلتقي فيه القيادات السياسية والدبلوماسية والعسكرية من دول حلف الناتو والاتحاد الاوروبي وعدد من الدول الكبرى الاخرى ومنها روسيا والصين والهند للتباحث في سياسات الامن الدولية. في المؤتمر الثالث والاربعين الذي افتتح بداية هذا الاسبوع غطت اصداء خطاب الرئيس الروسي بوتين على اجندة المؤتمر سواء داخل قاعاته او في الاعلام. ولم يكن مدهشا ان يسود خليط من الذهول والاحتجاج بل والاستهجان ازاء ما قاله بوتين بين المشاركين في المؤتمر ومعظمهم من وزراء دفاع وخارجية 40 دولة، الكتلة الكبرى منهم من دول الغرب وواضعي استراتيجياته. ولكن الغريب ان يردد الاعلام ذات النغمات مع ان معظم ما قاله بوتين عن سياسات الهيمنة والعسكرة الامريكية والسعي للانفراد بتقرير مصير العالم متداول يوميا في الاعلام بل ويعد قناعة عامة لدى جزء هام من الرأي العام. علقت الكاتبة الصحفية المعروفة بيتينا جاوس في صحيفة "تاتس" اليومية على الدهشة التي تسود الاعلام قائلة " ليس المدهش ان ترفض موسكو خطط الولايات المتحدة الامريكية لوضع نظم دفاع صاروخية في وسط اوروبا، بل المدهش حقا هو قبولها بلا مقاومة للمتغيرات الجيوستراتيجية الدراماتيكية الماسة بروسيا في السنوات الاخيرة.. وكانت موسكو تملك كل الاسباب، لترى أن مصالحها الخاصة مهددة مثلما جرى في تمدد الناتو نحو الشرق".

لغة جديدة
روسيا التي تحدثت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بصوت خفيض في حضرة الامريكيين، والتي لم تفعل شيئا جادا وهي تشاهد اقتراب قوات وقواعد حلف شمال الاطلسي من حدودها، وترصد بقاء الصواريخ القديمة موجهة اليها، والصواريخ الجديدة توضع على اراضي جيرانها وحلفائها السابقين، رفعت اخيرا صوتها محتجة بكلمات تذكر بخطابات خروشوف وعبد الناصر في مواجهة العنجهية الامريكية. الجديد والمفاجئ لم يكن مضمون خطاب بوتين. المفاجئة الحقيقية تمثلت في أنه قال ما قال.

ولكن ماذا قال بوتين؟
هاجم بوتين بصورة غير مسبوقة من رئيس روسي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي سيادة القطب الاوحد المستفرد بالعالم، وقال "ان الولايات المتحدة تسعى بسياستها المنفردة لتكون الحاكم بأمره في العالم .. وهذا يجعل العالم اخطر مما كان عليه في زمن الحرب الباردة". .. "اننا نلاحظ الانتهاك المتزايد لمبادئ القانون الدولي. وقد تجاوزت الولايات المتحدة خاصة كافة الحدود في كافة المجالات. وهذا يحدث ايضا في مجالات الاقتصاد والثقافة والتعليم. في كل مكان تحاول الولايات المتحدة فرض سياساتها على الامم الاخرى". وقال: "لم يعد احد يشعر بالامان، لانه لم تعد هناك حماية يوفرها القانون الدولي". وفي مواجهة الاتهامات لروسيا بانها تسلح ايران قال ان روسيا تزود ايران بالصوارخ المضادة للطائرات " لاننا لا نريد ان تزنق ايران في الركن، ولاننا نريد ان تظل لايران قناة من الاتصالات، واصدقاء تستطيع ان تثق بهم". وقال بوتين الذي اكد حق كل بلد في التطوير السلمي للطاقة النووية أن من الافضل لايران ان تسلك سبيل التفاهم من ان تدخل نفسها في نزاع. واعلن ان روسيا سترد على وضع الناتو للصواريخ قرب حدودها بشكل غير متماثل مؤكدا على الطابع الدفاعي لهذا الرد. وذكر بوتين بالمعاهدة الامريكية السوفيتية بتخفيض عدد الصواريخ النووية الاستراتيجية مطالبا الولايات المتحدة بان تحذو حذو روسيا الملتزمة بها وألا تخبئ البعض منها (تحت الوسادة).
وتطرق بوتين للضرورة الحاسمة لاقامة بنية امن عالمي، ورفض سياسات القطب الاوحد، والاتجاه الساعي لان يحل الناتو او الاتحاد الاوروبي مكان الامم المتحدة.

السياسات غير العادلة تغذي الارهاب

وانتقد بوتين السياسات الاقتصادية تجاه البلدان النامية والتي " توزع من ناحية مساعدات خيرية، ومن ناحية اخرى لا تبقي على التخلف فحسب، بل تحصد الارباح. ان التوتر الاجتماعي المتزايد في مناطق البؤس يؤدي حتما الي نمو الراديكالية والتطرف ويغذي الارهاب والنزاعات المحلية". وأشار الي منطقة الشرق الاوسط التي يتزايد فيها الشعور بأن العالم غير عادل .. ووصف مفهوم الديمقراطية الغربية بأنه "حكم الاغلبية في ضوء مصالح الاقلية".

هل اعلن بوتين الحرب الباردة؟
تردد هذا السؤال في قاعة المؤتمر وفي الاعلام. ويبدوا ان الخطأ هنا يكمن في وهم ساد منذ انتهاء المعسكر الاشتراكي، هو وهم "نهاية الحرب الباردة". كل ما قاله بوتين هو وقائع ترصدها الصحف يوميا في قارات العالم حتى انعكست في الوعي العام كأمور عادية في عالم لا يمكن الا يكون مضطربا. ولكن الاتهام الذي ووجه به الرئيس الروسي جاء لأن هذا الرجل في اول زيارة له لهذا الحفل أفسده بكلمات اعتبرت غير لائقة. بل ان هذا الكلمات كانت تشبه الي حد ما الخطابات التي القيت في المظاهرات التي احاطت بالمؤتمر وشارك فيها نحو سبعة آلاف من انصار السلام مطالبين بالتوقف عن عقد هذا المؤتمر الذي اسموه "مجلس الحرب" واستبداله بمؤتمرات تبني السلام العالمي وتمنع الحروب.
السخط الذي ووجه به بوتين سببه الخطاب غير المتوقع، وربما الخوف من ان تنحو السياسة الروسية نحوا غير منضبط!

روسيا بين فكي الكماشة

روسيا المحاصرة بين الزحف الاطلسي على حدودها من ناحية، وتناقضاتها الداخلية الكامنة في المشاكل القومية والاجتماعية غير المحلولة، وفي غياب ديمقراطية حقيقية من ناحية اخرى ترى اخطار التفكك تحاصرها، و دورها العالمي ينحسر. وتدفع روسيا ثمنا غاليا لسياسات جورباتشوف ويلسن الاستسلامية، ومن قبلهما سياسات الجمود العقائدي التي اضاعت فرصة تاريخية لبناء مجتمع اشتراكي يقوم على الارادة الحرة لشعب يمارس السلطة في ظل ديمقراطية حقيقية بشر بها رواد الفكر الاشتراكي العلمي.

السؤال الآن ان كان خطاب بوتين يؤذن بصحوة مستدامة - وان جاءت متأخرة- لاعادة الروح لبلد كتب صفحات مضيئة في تاريخ العالم بانقاذه العالم من الفاشية، وبنصرته لحركات التحرر الوطني، وتبشيره بعالم متحرر من الاستغلال ... ام هي صيحة تكتيكية ما تلبث ان تخفت اصداءها، صيحة على الطريق لتحقيق مكاسب محتملة في مجال العلاقات مع بلدان العالم الثالث، ولتهدئة شعوب روسيا التي ضجت من تفاقم المشاكل الداخلية ومن الاذلال اليومي الذي تمثله التراجعات في مجال السياسة الخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر