الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طموحات ملقط مهووس

صباح محسن جاسم

2007 / 2 / 16
الادب والفن


قصة قصيرة
لأني مرن القوام زئبقي الكساء رحت أتنقل بين السبابة والإبهام لدى من يتلقفني صباح مساء ومن يبحث عني عند حاجة ملحّة يسدها وجودي المهيب. من الطبيعي أن أتألم اذا ما وقفت عند حاجب لفتاة طلعت على الفجر تتجمل أو أن يجتاحني فرح خاص ان صرت انقر على خدود البنات كما تفعل مناقير البلابل.
هكذا أقفز من وجه لآخر ومن زقاق لزقاق وشارع لشارع ودار لدار – وأحيانا من زاوية لزاوية - حتى ألفيتني ذات ظهيرة بين أنامل تعبى لأم مهاجرة أقلقها قدم صغيرها الذي وخزته أشواك لساحة مهجورة أريد بها مخيم أقيم على عجل عند بر البلاد الذي ضاق وملاحقات الأبعاد والتهجير وتهديدات بالموت وما بعده حتى تجاوز عدد المهجرين داخل البلاد الملونين ومثل ذلك العدد خارج البلاد! .
مضت تعضّ على موقع الألم كمن يحاول افتراس بعض قدم أو بعض " كراع ". بين فينة واخرى تلفظ ما اختلط بلعابها منهمكة تماما فيما تفعله مستحثة طرف لسانها ليتحسس موقع طرف شوكة غاصت في قدم الصغير الذي غرق في صراخ وفزع.
بالكاد عثرت على طرف الشوكة فيما تحاول جاهدة الإمساك بها بين نواجذها بينما أحمرّ كعب القدم اللين حتى استعانت أخيرا بملقطها ممررة فكيه فوق موقع الشوكة لتريح طفلها الذي نسي جوعه متوسلا الخلاص.
كنت واثقا أن الأم ستنجح والطفل لهدوئه سيعود ويغفو في حضن أمه رغم عويل الريح وهدير طائرة تحوم وصوت متقطع لإطلاق نيران بنادق بعيد صادرا من وراء كفشات لأشجار الأثل.
ليس ما هو أقسى من هجرة داخل الوطن واثناء شتاء يدفئه بارود غزاة .. ولا أشد قسوة من بارود طائفية محتدمة التقاتل.. ولا أظلم من الظلماء أسلام يستباح على أيدي أسلامويين متطرفين كالذي يجري هنا.
نام الصغير فيما تلقفتني الأنامل المرتبكة من جديد لأجد نفسي وقد دلفت داخل كيس قماش باهت الخضرة معفـّر برائحة عشبة منسية أظنها الحرمل. وكعادتي أميل الى قيلولتي في مثل هذا الوقت.
استفقت على مضض ! لم أكد أميز الأنامل الجديدة . كانت بذات النعومة لكنها ريانة محمرة. في المرآة كان كثاث لحية مصبوغة توا تركت صبغتها كي ما تجف. وجه بأوداج منتفخة وتضاريس أنف كالمطواة. بَحلقة عيون وحواجب مبعثرة الشعر . تنبهت أيضا كم قاسية قبضة تلك اليد. تكبسني بإصبعيها وتصيرني كلاّبا ثم تبدأ تلقّمني شعرات ذلك الوجه واحدة أثر أخرى دونما كلل! فامضي شاقا الطريق أمامي أعزق ما تجاوز من دغل وقصب لأكشف عن أهوار خدين تميزا بنعمة الرب.
عجبت لم لا يعاود أمثال هؤلاء حلاقهم الخاص لينتف لهم ما يشاءون من حراب!
كان يتناهى لسمعي أزيزه كقدر طفح فيه الغليان. في أحايين أخرى بدا كمن يخطب في قوم أو مجموعة من الجلاّس ، أشنّف السمع فيصلني من خطبته العصماء والتي لا أجد ما يبرر حفظها عن ظهر قلب :
- "إنها مجرد هجرة وقتية . سيعود هؤلاء إلى ديارهم آمنين. لقد تم الطلب من أمريكا أن تفتح باب الهجرة لهم ، وأن تزيد الأمم المتحدة من مبلغ المساعدات .. فما خصص قليل بالقياس.. لا تنس فالوزارة حديثة التشكيل والعراق ما يزال جميلا ولو عدلّنا هذا الجانب قليلا ليتوافق مع مثيله من الجهة المقابلة.. وأبرزنا هذا الخد وأمطنا اللثام عن ذلك الخال المتواري على استحياء .. وانصرفنا للتجارة والأستيراد لكنا الآن أقل عشر سنوات عمرا. .. لست شريرا بالقدر الذي يظنه الحاسدون الحاقدون .. على أية حال ما الضير في امتلاك ما أرغب بكل شفافية سوقا عصرية وزوجة شابة أصغر بكثير وسيارة جديدة و .."
أنتبه على نحو مفاجئ .. ، لم ألحق أتابع ما يقوله إذ وجدتني وقد تدحرجت متلويا وفكاي متلطخان بشيء من تلك الصبغة اللعينة.
بعض صبغة ساح على الجبين اللجين. أقلقه أن ُتبان بذلك الأثر فأجتهد بدعكها فتذكر الدمغة المصطنعة ثم واصل فرك فروة رأسه من جديد. تلك جمجمة محيرة في صناعتها. ترى كم من أشواك غريبة نبتت هناك ؟

كنت في موقع يتيح لي تأمل كرشه .. دهشت لمستعمرة أشواكه ومن ثم تذكرت قدم ذلك الصغير وسواه ممن سَبت داخل طعون شتى في صفوف من معسكرات تنمو وتضيق بالمئات من شيوخ وعجزة ونساء واطفال.
ظل يحدث نفسه أمام المرآة حتى ضاقت بي ذراعاي وعدت أهذي هذيان ماردي الجديد وأزيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل