الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط العراقي وصراع القوى الاستعمارية-القسم الاول

علي قاسم مهدي

2007 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


دخل النفط التاريخ الغربي أول ما دخله كخرافة عن النيران الأبدية للآلهة: سائل اسود ينبع من باطن الأرض ويحترق في شمال العراق. وحينما استولى الاسكندر على بابل اختبر السائل الأسود لإغراض عسكرية على جسم احد الشبان بعد أن دهنه به، وأشعل فيه النار... وكانت تلك بداية النفط المروعة...
إن المتتبع لتاريخ الأحداث السياسية المتعلقة بقضية النفط العراقي وما ترتب عليها من مشاكل عديدة، اتاحت على أثرها الصراع الدائم عليه.. وترجع معرفة البترول في العراق إلى أقدم العصور حيث استعمل في صناعة الزوارق الاكدية وفي بناء المعابد البابلية ولكن الاهتمام بنفط العراق كمصدر للطاقة يرجع إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر ولعل أول محاولات الاستكشاف كانت لبعثة الخبراء الألمان التي زارت العراق للبحث عن البترول عام 1871. حيث قدمت تقريراً متفائلاً جداً عن وجود النفط في العراق
كما حاول مدحت باشا استغلال بعض منابع النفط بوسائل بدائية.. وهناك الكثير من التقارير كان من أهمها التقرير الذي سلط الأنظار الجشعة على ثروات العراق النفطية وهو تقرير أعده ارمني بعيد النظر هو (كلاوست سركيس كولبنكيان) حول احتمال وجود النفط في العراق.. ولقد أثار هذا التقرير أطماع السلطان العثماني بضخامة الثروات المطمورة في بلاد الرافدين فكان أول ما بدر لذهن السلطان هو إصدار فرمان يحول موارد النفط إلى خزينته الخاصة عام 1890 (من كتاب البترول العراقي) بيروت 1967 ثم توالت الدول لنهب تلك الثروة. فقد تصور الخبراء والسياسيون الألمان بتصور العراق في مطلع القرن العشرين كجزيرة طافية فوق بحيرة من البترول. وتدخلت شركات أخرى أمريكية وفرنسية وبريطانية وإيرانية. وعقدت اتفاقات بين تلك الدول للمحاصصة وكان واضحاً للمطلعين إن من أسباب قيام الحرب العالمية هو النفط العراقي. وأصبح العراق بعد الحرب العالمية تحت السيطرة البريطانية.. عندها بدأت أمريكا بالهجوم السياسي القوي واستطاعت أن تسيطر على استثمار نفط شمال إيران في 22 / ك2/ 1921 من الأيدي البريطانية. وعلى المواقع البريطانية في نفط العراق عندما وجهت شركات للبحث والتنقيب بعد أن استطاعت أن تبحث سراً عن إمكانية شراء ما يملكه البنك الألماني من الحقوق في امتياز العراق (من كتاب الاحتكار الدولي للبترول) وكل هذا آتى ثماره الأولى وبدأت المواقع البريطانية بالتصدع ووجدت بريطانيا أن لا بد من الاتفاق مع المصالح الأمريكية وعدم سد باب العراق بوجهها كلياً...
فان ذلك قد يؤدي إلى وضع مماثل لما حدث في شمال إيران وعليه اتجه الاستعمار البريطاني إلى الاتفاق مع المصالح الأمريكية بالتنازل عن بعض حصص شركة النفط التركية إلى الشركات الأمريكية والضغط على الحكومة العراقية بجبهة موحدة كما حدث في إيران قبل ذلك.. وفي عام 1922 جرت مباحثات شركة ستاندرد- نيوجرسي وشركة البترول الانكلو - فارسية قدم البريطانيون عرضاً للمصالح الأمريكية.
مجمله إعطاء الشركات الأمريكية حصة مقدارها 12% من أسهم شركة البترول التركية. وكان رد الحكومة الأمريكية حول نتائج المباحثات وعلى لسان وزير خارجيتها آنذاك (أنها تصر على التسليم بسياسة الباب المفتوحة، وتكافؤ الفرص أمام الأمريكان في العراق وان الحكومة الأمريكية تصّر على رأيها في عدم شرعية امتياز شركة البترول التركية) وفي عام 1926 وقعت معاهدة جديدة بين بريطانيا والعراق تمشياً مع توصية مجلس عصبة الأمم.. والذي كان لمؤتمر لوزان بعد رفض أمريكي للشروط المقدمة من قبل بريطانيا يحمل صورا جديدة للعلاقات البترولية بين الدولتين. لقد علقت الولايات المتحدة بعض الآمال على نتائج مؤتمر لوزان.
بل ذهب الممثل الأمريكي في المؤتمر (وقد حضره بصفة مراقب) إلى إخبار وزارة الخارجية الأمريكية بان سياسة بريطانيا في مؤتمر لوزان قد تقوم على قبول الانسحاب من العراق مقابل حصولها على امتيازات لاستغلال البترول العراقي ومن ناحية أخرى جدد (الأدميرال جستر) الأمريكي الامتياز الذي سبق أن حصل عليه من الحكومة العثمانية 1910 بإيحاء من الحكومة الأمريكية التي ارتأت أن تستعد لكل طارئ واحتمال لمنح ولاية الموصل إلى تركيا.
على إن بريطانيا أفلحت في تنفيذ مزاعم الأتراك في كون الأكراد أتراكا وليس لهم قومية متميزة والاحتفاظ بالموصل تحت نفوذها. وبعد مناقشات وإجراءات طويلة ومعقدة وتحت ضغط الرأي العام العراقي أحيل الأمر إلى مجلس عصبة الأمم الذي قرر نهائيا ضم ولاية الموصل إلى العراق بعد دراسة الموضوع من قبل عدد من اللجان وذلك بتاريخ 16/ك1/ 1925 وعلى أثرها وقعت المعاهدة أنفة الذكر. وبعدها أعلن المجلس أن قراره اكتسب صفته القطعية بتاريخ 11/ آذار 1926 وفي 6 حزيران من نفس العام وقعت معاهدة بين كل من العراق وبريطانيا لتثبيت الحدود.
مما ادى هذا إلى تصلب موقف بريطانيا تجاه الحكومة الأمريكية. ومضت شركة البترول التركية ومن ورائها الحكومة البريطانية لتوقيع اتفاقية بترولية خاصة مع العراق خلافا لما اتفقت عليه مع المصالح الأمريكية. وفي مجرى مناقشات قضية الموصل في مؤتمر لوزان وعصبة الأمم كان الممثلون عن الشركات الأمريكية قد رفضوا العرض البريطاني بمنحهم 24% من بترول العراق مقابل التنازل عن 10% لشركة البترول التركية من مجموع نتاج البترول العراقي.....
غير إن الحكومة البريطانية وجدت نفسها بموقف أقوى نسبياً فبدلاً من أن تصادق على العرض الأمريكي عقدت معاهدة خاصة مع الحكومة العراقية في 14/ آذار 1925 دون استشارة الأمريكان... وتوالت الاتفاقيات والمعاهدات منها(اتفاقية الخط الأحمر) بين الاحتكارات الاستعمارية واقتسام النفط العراقي جاءت اتفاقية 1931 بعد أن أصبحت اتفاقية الخط الأحمر لا تسد إطماعهم وتم توسيع رقعت الشركات بحيث تشمل مجموع العراق ووقعت الحكومة العراقية وشركة نفط العراق نهائيا على اتفاقية جديدة (1931) تخلصت شركة نفط العراق بموجبها من كل الأحكام المتعلقة بحط الباب المفتوح فبدلاً من إن يكون امتياز شركة نفط العراق منحصراً بمساحة 192 ميلاً مربعاً أصبح امتيازها يشمل الأراضي الواقعة إلى شرقي دجلة ومن ولايتي بغداد والموصل التي تبلغ مساحتها (32.000) ميلاً مربعاً وحذفت من الاتفاقية كل الأحكام التي تشير إلى إيجار القطع ووضعها بالمزايدة. كما تخلصت شركة نفط العراق من كل التزامات الحظر في الحاضر والمستقبل (كتاب دور احتكار النفط الدولي في العراق) ومن ثم عدلت اتفاقية 1931 باتفاقية 1952 بعد مداولات ومماطلات طويلة وتحت شبح التأميم.. والتي تضمنت مبدأ المناصفة في الإرباح بين الحكومة العراقية وشركات البترول.. غير إن الاتفاقية جاءت دون مستوى مطالب الشعب العراقي بتحرير ثرواته البترولية من قبضة الاحتكارات الأجنبية. كما إن مبدأ المناصفة في الإرباح لم يطبق فعلاً وكانت حصة العراق دون الـ 50% المقررة في الاتفاقية... إذ يتم خصم بواسطة طرق عديدة منها تحديد الأسعار والكلفة بنفسها كما إنها حصلت دون حق على خصم في الأسعار واحتسبت الريع البالغ 12.5% من قيمة الإنتاج ضمن 50% العائد للعراق من الإرباح......
لقد أظهرت قصة امتيازات البترول في العراق والصراع المرير بين الاحتكارات والدول الاستعمارية للاستحواذ على ثروات العراق عدداً من الحقائق... الهامة التي نرى من المفيد ذكرها...
(1) الاستعمار البترولي في العراق هو الصفة الرئيسية لشكل السيطرة الاستعمارية فالاستعمار في العراق يعني الاستعمار البترولي في الأساس..
(2) إن العراق شكل مركز ثقل بالنسبة للمصالح البترولية الاستعمارية العالمية وكان سبب من أسباب الحرب العالمية الأولى ومحور الصراع الدولي بعد انتهاءها باعتباره الغنيمة الرئيسية.
(3) إن الحدود التي تفصل بين الشركات البترولية العالمية والحكومات الاستعمارية حدود وهمية.
(4) إن شركات البترول الاستعمارية لا تتورع عن الإقدام على إي عمل من الخداع إلى الرشوة إلى التضليل للوصول إلى أهدافها في انتزاع اكبر الإرباح من ثروات الشعوب المغلوبة.
(5) إن خطط الشركات الاحتكارية البترولية للاستحواذ على نفط العراق ليست وليدة الساعة بل ترجع إلى زمن طويل...
لقد جاء في وثيقة سرية فرنسية أعدتها شركة البترول الفرنسية. حين نشب النزاع بين المساهمين في شركة نفط العراق بعد الحرب العالمية الثانية. ما يسلط الضوء على طبيعة إعمال احتكارات البترول الاستعمارية.
(وكان تأسيس شركة نفط العراق وتنفيذ اتفاقية الخط الأحمر بداية لخطة طويلة الأمد للسيطرة على نفط الشرق الأدنى وعلى توزيعه في العالم وجاء في الوثيقة إن شركة نفط العراق أديرت شؤونها بحيث:
(تتجنب فيه إي دعاية قد تعرض الخطة الطويلة الأمد أو مصالح الجماعات الخاصة إلى الخطر)
وغني عن القول إن الإحداث قد أظهرت مدى إحكام تلك الخطة الطويلة الأمد . مصدر (البترول العراقي والتحرر الوطني) ص79.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا