الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة الخروب

أسامة عثمان

2007 / 2 / 17
الادب والفن


تتجذر حاجزة بين الجبل البري ، والأراضي المشجّرة المروية ، وإلى الجنوب القريب منها شجرتان مثلها، لكنهما بريتان ؛ ولعزلتهما النسبية ، كثيرا ما كان يأوي إليهن طير الحمام ، الذي ينسب إليهما ، متأمل يميل إلى الوداعة الزائدة .
وعلى عكس تينك الشجرتين شجرتنا ؛ أليفة عامرة مثمرة ، تتهدل فروعها حتى تفترش الأرض وتلاصقها . نَظَر إلى جذعها الذي غدا بفعل الزمن جذوعا ، لكنها تتسق في كينونة تلك الكبيرة التي ما تزال تعاند الهرم ؛ فتطلق في كل عام أغصانا وفروعا نضرة ، تحاول بها رفع همتها التي يخشى عليها بخوار جذع، أو يباس أغصان . لكني أكاد أجزم أنها كانت تأنس بنا وتستقوي بجلساتنا وأحاديثنا ، في ظلها الخميل ، وعلى ترابها المتماسك . أتراها كانت تتوجس مثلنا من عيون المستوطنين ؟! بالرغم من انتفاء ما يدعو إلى القلق باستثناء ما حدث أيام طفولتنا ، إذ لفت انتباهنا خرق لصمت الحياة العادية ؛ طواقم من المدنيين الإسرائيليين قاموا بما تبين أنه عملية مسح شاملة للأراضي الزراعية المتاخمة لحدود بلدتنا الشمالية وحتى الأرض المحتلة عام 48م ؛ قاموا يومها بوضع علامات على الصخور ، وثبتوا في بعض النقاط أوتادا من حديد ، تخوف الناس ، لكنهم مضوا في أراضيهم ومشاريعهم الزراعية التي أخذت في التطور ، وازداد احتفاء الناس بأراضيهم ، فاستصلحوا منها ما استطاعوا .
كأن الفلاحين منا ، كانوا يحاولون التعويض بهذه الأرض، عما افتقدوه من أراضيهم المغتصبة عام 48م ، تلك التي كانت سيدة الخصب ، والبركة ، ودفق العطاء ، رحبة كرحابة الأيام والأحلام لقد كانت هي الأرض. فلما ضاعت ... رجع الناس إلى هذه الأراضي الجبلية ، قطعا متناثرة . فحفروا في صخورها آبارا ارتوازية ، فغدت تلك (القطاين ) والجبال خضراء مثمرة بشجر البرتقال والزيتون وكروم العنب وأنواع الفواكه والخضار والحبوب ، فدبت فيها للناس حياة جديدة ، بعد أن كادت تذهب مع تلك الذاهبة .
ولم يكد الجيل الثاني يترعرع في هامش الأرض المتوجسة ، وعينه على الأرض المغصوبة ، حتى ندد صوت الخطر ، وبسرعة ، ودون تعويق ، تغيرت معالم المنطقة ، فضاعت الطرق ، وصارت وديانا غائرة ، كأنما خسفت ، ثم وقفت في وجوه الناس أسيجة إلكترونية ، وسيرت بمحاذاتها ( جيبات) عسكرية ، أوحشت المنطقة ، وأرهبتها . نعم ، لقد صدق توجس الناس والشجر ، وسرى في هذا الجزء ما قد سرى في الأجزاء السابقة ، وما توقف ...
أسير اليوم في شوارع البلدة ، وأنا محروم من رؤية تلك ( الخروبة) أنظر في تراب البلد الباقي ؛ فأتساءل ما سر هذا الأخذ بمرأى التراب ورائحته ونداه ؟! أوفاء للأصل ؟ّ أم رثاء وقلق ؟! أم هو استبقاء للباقي ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل