الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في هوى بغداد

خالص عزمي

2007 / 2 / 17
الادب والفن


من مقدمات كتبي
يانسمـــة الريح من بين البساتين
حي الرصــــافة عنـي ثم حييني
ان لم تمري على ارجاء شاطئها
فليــــــت لم تحملي نشرا لدارين
لا تعـــــــــــبقي ابدا الا معطــرة
ريانة بشذى ورد ونســـــــــــرين
أهديت لي ذكر عصر قد حييت به
من عـــــــلم الريح ان الذكر يحيني
ولي الى الكرخ من غربيها طرب
يكــــــــــاد من هزة للكرخ يرميني
حيث الضـفاف عليها النخل متسق
تنظــــــــيم ابيات شعر جد موزون
وللنســــــــــيم استراق في مرابعها
للخطو مشي ثقيل القيد مـــــرهون
وياربة الحسن لايحصى لنحصــره
وصـــــــــــف فكل معانينا كتخمين
( الجواهري )

قليون هم الكتاب الذين خاضوا تجربة وصف معالم المدينة التي عاشوا فيها وصفا واقعيا ؛ ميدانيا ؛ في فترة ما من فترات العمر ؛ حيث استمدوا متن الكتابة ؛ وحواشي الوصف الدقيق التفصيلي لكل ما يحيط بها . ان مثل هؤولاء الكتاب يستحقون منا كل تقدير لما بذلوه من جهد استثنائي في تثبيت المعلومات الموثقة ؛ حرصا منهم على رسم الصورة الجلية لمدينتهم ضمن الحقائق التاريخية المتوخاة .

هنا لا ادعو الكتاب الى رصد يومي لحركة اية مدينة يقطنونها بكل تفاصيلها الجزئية الفرعية ( مع ان في ذلك فائدة كبيرة لو اتيح الوقت الكافي والتفرغ لذلك )؛ ولكن دعوتي الآنية تنصب على ضرورة الكتابة عن فترات المعايشة العامة التي يرى فيها الكاتب خصبا في المادة ومعينا ثرا في الوصف ؛ كي يبقى النتــــــاج في هذا المجال الرحب سجلا امينا يصور معالم المدينة التي اختار؛ كي يرجع اليه كل من يعنيه الامر ..؛ لاغراض كثر ومنها دراسة النهوض او الانكفاء الذي مرت به تلك المدينة من مختلف الجوانب الاجتماعية والتراثية والعمرانية وغيرها.

لقد كان هذا الكتاب ( في هوى بغداد ) في الاصل ؛ محاضرة مكثفة ألقيتها مساء الثلاثاء 23 /11/1994 في منتدى بغداد في الكاظمية تحت عنوان ( جولة في بغداد الخمسينات ) ؛ حضرها جمهور غفير وحشد جليل من رجال الفكر والادب والفن والصحافة ؛ وحضيت بمداخلات وتعليقات ثرة من ادباء بغداد المرموقين كالاستاذ الدكتور حسين أمين رئيس اتحاد المؤرخين العرب ؛ والاستاذ العلامة الدكتور حسين علي محفوظ ؛ والموسوعي العلامة الشيخ جلال الحنفي ؛ والوثائقي المؤرخ الاستاذ سالم الآلوسي ؛ والاديب اللغوي الاستاذ عبد الحميد المحاري والاقتصادي المعروف الدكتور طارق العزاوي والتراثي الشعبي الاستاذ عادل العرداوي و غيرهم ممن لا تحصيهم الذاكرة مع الاسف .

ان موجز مايشير اليه هذا الكتاب ؛ هو وصف دقيق لبغداد من خلال مسيرة شخصية على الاقدام تبدأ من الكاظمية باتجاه الرصافة شرقا حتى كورنيش رخيته ؛ وكذلك من ذات الموقع غربا حتى كرادة مريم في منطقة (أم العظام ) . وقد تجنبت الافاضة في التفاصيل غير المهمة اشارة او وصفا ؛ او حتى تلك التي لم استطع الوصول اليها لاسباب اجتماعية ؛ للتعرف عليها ميدانيا .

لقد جأت في مسيرتي هذه ؛ على اهم المعالم الشاخصة آنذاك ؛ كشواطيء دجلة وبساتينها الواسعة على الجانبين ؛ مرورا بالحدائق والساحات العامة والباركات من خلال الشوارع المعروفة كالرشيد والسعدون وعمر بن عبد العزيز؛ والمحيط ؛ والعطيفية ؛ والوزيرية ؛ والملك غازي والصالحية وأبي نؤاس ... الخ
وفي هذا الشارع بالذات ؛ كانت الحياة الهادئة البسيطة المفعمة بالمسرة والانس ؛ تتجلى باحلى صورها المترابطة المتحابة ؛ حيث الاسر البغدادية تجوب الكورنيش المطل على شاطيء نهر دجلة ؛ وعلى كتفه عشرات المقاهي والمطاعم والحانات والفنادق والمتنزهات الغارقة في دنيا عجيبة من الزهور . بل جبت في صفحات كتابي هذا أيضا ؛ الازقة و( درابين ) المحلات الشعبية المشهورة ؛ كالقطانة ؛ والجعيفر ؛ والصليخ ؛ والتكارته ؛ وسوق حمادة ؛ والشواكة ؛ والفضل ؛ والسفينة ؛ وباب الشيخ ؛ وعكد النصارى ؛ والقرغول ؛ وقهوة شكر ؛ والتسابيل .. الخ وفي كل هذه الجولات زرت ؛ الجوامع والصوامع والكنائس والتكايا وسرت على تلك الجسور الحديثة التي تربط الرصافة بالكرخ والكاظمية بالاعظمية ؛ ثـــم توقفت مليا امام الاسواق والمكتبات والنوادي ؛ والكليات والمعاهد ومجالس الادب والجمعيات ودور السينما والملاهي والمسارح والمتاحف ومعارض الفنون التشكيلية ؛ وطفت في عمائر في غاية الروعة والبهاء ؛ كالمقبرة الملكية والبلاط الملكي ووزارة الخارجية ودار المعلمين الابتدائية وثانوية الاعظمية والاعدادية المركزية والبرلمان والمدرسة المستنصرية وخان مرجان وبيت لنج ومحطة السكك الرئيسية ومطارغربي بغداد ومكتبة باب المعظم ... الخ كما تجولت في دار الاذاعة ومعهد الفنون الجميلة وقاعة الملك فيصل الثاني والنادي العسكري وبهو الامانة ودار المعلمين العالية وغيرها كثير . ولم تكن تلك المسيرة خالية من اللقآء او التعرف على بعض الشخصيات العراقية المشهورة كجزء هام من التكوين الطبيعي الانساني الحي لهذه المدينة التأريخية العريقة ... ان تجسيدها واقعيا بتلك الصورة الحية انما يشكل لحمة متصلةالحلقات ما بين نسيجها البشري المتمثل بشخصياتها البغدادية ( البغادة ) منها بالذات؛ وتراثها العمراني المتمثل بتلك النهضة المتطورة في اسلوب التخطيط والتشييد .

ان القاريء لهذا الكتاب سيتعرف ؛على اسلوب خاص متميز ابداعي ؛ ينفرد فيه صوت راوي الذكريات عن صوت الكاتب ذاته أحيانا ؛ وقد يمتزجان في احاين أخر ؛ فيصبح من غير المستطاع التفريق بينهما ؛ ذلك ان بعض الاماكن قد اندرست ؛ وان بعض الاشخاص قد رحلوا ؛ بحيث اصبح لا خيار في اثبات ما كان الا باستعادة الاوصاف التاريخية المثبتة بهمس الماضي ؛ ولكن في حالة وجود الاماكن والاشخاص ؛ فان الحديث سيكون في صيغة الحاضر االذي يتلمسه المؤلف من خلال المشاهدة الواقعية الحية ؛ لا من خلال الرواية التأريخية او حصاد الذكريات ؛ ومن هنا فان الصوتين سيتداخلان لعيبرا عن حالة لقطات المشاهدة التي يتم شرحها باسلوب واضح وسهل التعبير .

ان قراءة الكتاب على ضوء هذا الايضاح ؛ سيمنح القاريء متعة الرؤيا المرسومة بالحرف لبغداد وبالصور النادرة جدا التي تملأ جزءه الاخير كملحق لمحتواه .. كل ذلك في فسحة من خيال متحرر من هيمنةالمؤلف على مجريات احداث الواقع . اي ان القراء جميعا سيشتركون في تدبر النص ؛ ولكنهم سيفترقون من خلال تصور بعضا من الاماكن التي يمرون بها بحسب الذكريات الشخصية لكل واحد منهم ان كانوا من الجيل الذي عرف تلك المواقع على حقيقتها .اما الشباب الذين لم يعيشوا تلك الفترة الخمسينية ؛ فسيصبح هذا الكتاب عندهم مصدرا من مصادر معرفة هذه المدينة الأخاذة في فترة سالفة من عصر مضى ؛ يمنحهم المتعة والدرس والتشبث بعاصمتهم التي ما انفكت تحتاج الى كثير من جهودهم البناءة لتبقى جوهرة براقة ثمينة خالدة على صدر الزمن .

وفي الختام ارى ان هناك أمرين لابد من الاشارة اليهما بهذا الصدد : ــ
الاول ــ دعوة الكتاب لقراءة هذا الكتاب ـ بعد نشره قريبا ــ والتصدي لما جاء فيه من معلومات ؛ بالتعقيب او التصحيح او الاستدراك ؛ او الحذف او الاضافة ... الخ اذ انه لم يكن سوى خطوة اولية على الطريق تهدف الى اثبات ما كانت عليه بغداد في الخمسينات بصيغة واقعية ووثائقية تخدم التاريخ المعاصر .
الثاني ـ تشجبع الكتاب( في اي جزء من العراق ) على تأليف كتب ترصد اية مدينة او حتى قرية ؛ عاش فيها الكاتب فاراد ان يسجل ما رأها واحصاه ورصده من واقعها الاجتماعي والعمراني وما الى ذلك .... خدمة لجيله او الاجيال القادمة واسهاما منه في اغناء التأريخ المعاصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم