الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة التفاعلية ، أو الامتداد الكوني للقصيدة - قراءة في لون أيها الدم لأدونيس

محمد سمير عبد السلام

2007 / 2 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تمثل قصيدة " لون أيها الدم " لأدونيس قدرة سردية على إعادة إنتاج الانفصال بين الهوية المتعالية ، و الصيرورة الأرضية ذات التكوين التمثيلي الشعري خارج أي مفهوم ثقافي سابق حول خطاب شعري مستقل ، لكن الشاعرية هنا نتاج تفرزه طاقة الأنا المختلطة بتحولات الوجود الأرضي ، و تناقضاته التصويرية باتجاه مأساة فنية تنبع من داخله ، و لو كانت في اتجاه مضاد لتكوينه الأول . هل صار التناقض التكويني بديلا عن انفصال الأرض عن الهويات المتعالية الخارجة من حالة انفصال بعيدة عن طاقة الشعر المولدة من حالة القصيدة ؟ تلك الحالة التي تثبت الانفصال الذي لا يسعى أبدا للتوافق الكوني ، و لكن لتعارضات ذات مسارات مختلفة كالانشطار الملازم لأي مفهوم كلي فيما بعد الحداثة ، ثم تبقي حالة تفاعل تالية كأثر تخلفه السابقة في المؤول لتصير اللوحة تكوينا تفاعليا صاخبا بالأرض خارج اسمها الأول ، و أي حدود تسبق التفاعل الذي ولدته كتابة أدونيس .
يرى فريدريك نيتشه في مولد التراجيديا أن إيحاءات الرعب المتصاعد من الألم ، و التحول باتجاه عمق المأساة قد ازدوج بالحلم الأبولوني بالبقاء ، و الحنين للبهجة المناهضة لقوة المعاناة و الجنون و الموت ( راجع – NIETZCHE- The Birth Of Tragedy tran. By Francis Golffing 2002) .
هل من سبيل للتوافق إذن في صيرورة يختلط فيها التعالي بلون الدم المتكاثر في النص و الأرض معا ؟
إن الصوت عند أدونيس يتعالى ليحاكي حركة الدم المقطوعة عن أصالة البهجة . هل هي بهجة متحولة كالكتابة نفسها ؟ أهي فرح بالتناثر و امتداد الانشطار في بنية الصوت المتعالي ؟
يقول :
" ما القبر الذي سيأخذك السفر إليه أيها المترحل ؟ .. أعط هذه البغلة لسفينة تمخر في الحنجرة ، أو لرأس ليس إلا حلبة للرقص .. بشر يعيشون ، و يفكرون كأنهم لا يعرفون أن يغسلوا وجوههم إلا بالدم " .
صورة القبر تستبق الألم ، و المعاناة في بروزها كغاية للمخاطب . فالقبر جسد للتحول المأساوي الذي يقع في قلب الحالة السردية للقصيدة ؛ إذ إن الرحيل بكارة إنتاج سياق آخر ، غير معلوم لكنه يختلط بذكرى بهجة ذات نزعة إنسانية عميقة لا تصطدم أبدا بالتحول ، و لكنها تفترض وقوعه المناهض لتكوين الصوت منذ بداية التساؤل .
للصوت – إذا – علاقة معقدة بالدم الماثل في عبثية المشهد منذ سطوره الأولى ؛ فثمة فاعل يبدو كمركز يجسد الهوية المتعالية ، أو الماضي ، أو المعجم ؛ هذا الفاعل ذو الحضور المهيمن – في محاكاته للمجموع – يختلط بغياب محتمل في الأداء السردي ؛ فغسل الوجه بالدم يؤول الحضور بمزيد من التدمير الانتشاري المجرد ، الذي أدخل الأنا في سياقه قبل أن يتطابق مع هوية ما ، و ذلك من خلال علامة القبر الاستباقية لوجود الفاعل .
هل للعدم طاقة تستبدل الصوت حين يسعي جاهدا لرسم حدوده ؟
تطرح القصيدة تساؤلات للوعي حول مصيره الحضاري / الأرضي تتعارض مع إغواء محاكاة الفاعلية ، دون نهاية للتساؤل ، أو شاعرية المأساة في صورتها الوجودية .
يقول :
" و رأى على رصيف ما تبقى من قصر المجاز ، قوارب صيد تبدو كأنها بقايا مذنبات ارتطمت من هنيهة بالصخر ، و الموج ، حولها أشباح صيادين يسألونها : ما الأبدية ؟ .. و ما هذا الطفل الزمن ؟ " .
التساؤل حول الزمن يعيد إنتاج المعرفة بالأنا في شكل تأويلي مغاير يرتكز على استعادة الماضي في مستقبل ديناميكي شبحي يتجاوز التكوين من خلال محاولة تعريفه ، يتجاوزه في مادته الخاصة ، صورته الحاملة للتعارض ، و التناقض . إنه الذوبان في صخرية السؤال ، مع اختفاء الفاعل ، لا محوه . يعيد السؤال تكوين نفسه في الهواء ، بينما يكمن في شاعرية الصخور ، و الحديد ، و المذنبات ، و الآلة التي تحوله إلى طاقة للفراغ كعلامة تشبه المعرفة ، و تؤجل السؤال كأنه لم يحدث . إن التكوين الذي تدور حوله الأسئلة هو حالة مثل القصيدة ، و الشارع ، و اتساع التداخل ، و التفاعل خارج حدود السؤال أو التكوين نفسه . يقول :
" اعترض هذا الشاعر ، عارضه أيها الشارع . اعمل شيئا يكذب يديه ، و عينيه ، شيئا يبطل كلماته . تمرد و انقضه ينتظرك حتى في قرون المخيلة ، يترصدك حتى في دفتر الغيم ، و احتفاء بما يحرضك عليه سيحضن من أجلك التوهم ... أشباح تسن أظافرها ، و تغرسها في بلاط الشوارع . من أين لك هذا الإكليل المدمى يا رأس التاريخ ؟ " .
يمتد الشاعر في الشارع ، و العكس بشكل تفاعلي جديد تنهدم فيه الحدود الثقافية لهوية الشاعر . أهو إغواء التعقيد الشعري الكامن في تحولات البساطة ؟ في تأويلاتها التي تنفصل عنها ؛ لتستعيد الشاعر ، ممثل البهجة التدميرية لتاريخه الخاص ، باتجاه الآخر / المحتمل ، أو التكوين التفاعلي المتجدد ، و الجديد كأحد محاولات الخروج عن النظرية بتوسيع الحدود بعيدا عن الهويات الانفصالية .
من هنا تزدوج حركة التمرد من قبل اليومي / المعارض ، بالتفاعل الذي تنتجه القصيدة في علامة الأشباح ، فهي مجاز الشارع ، و بديله الشعري من تكوينه ، أو هي تحولات الكتابة المناهضة لمعنى الاتصال في قراءة التاريخ .
و قد تزدوج هذه الكتابة بالمعنى الكوني المصاحب لذكرى المعاناة ، فينتج التفاعل لعبا يختلط بدم يجسد خوفا عظيما ، يقول :
" الأفق يتجرع السم شاهدا على الخوف . في الهواء ، و الماء ، و العشب يولد الخوف ، خوف الساكنين من بيوتهم التي رفعوها ، خوف المسافرين من طريق ، خوف الجسد من رأسه ، و من يديه ... رأس الزمن ينكسر ، و يكاد أن يتفتت على مائدة الأبدية ، خوفا ترتجف اللغة بين يدي المعجم . لون أيها الدم هذه اللوحة التي نسميها الأرض " .
حالة الخروج ذات الممارسة اللعبية للتدمير ، للوحة التي تحاكي الأرض ، و تؤجل مفهوم الأرض في حالة القصيدة التفاعلية في امتدادها الكوني غير المحدد . هل هو اتساع التشبيه كما هو عند بودريار – بوصفه استباقا لمعنى الأرض ؟
لقد أتت الأرض كغياب كبير في الخوف المناهض للبروز في العالم ، الخوف لوحة للأرض ، و الأرض لوحة للخوف ، و القصيدة معا .
لقد ازدوجت الكتابة بالتلوين أو اللعب التدميري فصار الدم منتجا للتفاعل ، و التعارض في آن . و قد يزدوج الدم بالسياق الجديد المحتمل كقصيدة ، يقول :
" و إلى ما تبقى من الأشياء التي لا أسماء لها ، أرفع هذا النصب ، محفوفا بآلات السفر ، و آلائه ، يمسرحه غسق اللغة ، و تزكيه جوقة موسيقى تجيء من حناجر غامضة ، في تاريخ يكتبه صدأ المعنى ، لون ، لون أيها الدم هذه اللوحة التي نسميها الأرض " .
لقد أتت علامات الماضي باهتة هنا ، فهي على حافة تحول يمتزج فيه الألم بسياق آخر يوشك أن يستبدلها ، أو أن يعيد تشكيل مادتها في النصب ، الارتفاع الشبحي مرة أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م