الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق: الـضرورة والهدف

نزار عبدالله

2003 / 7 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



لم يكن تأسيس حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين –العراق في سنة 1998 وانطلاقها كمنظمة ماركسية أممية وليد الصدفة او بدافع عرضي وظرفي، بل كانت استجابة لضرورات سياسية وطبقية مستديمة وردا على التحديات التي تواجه الطبقة العاملة في العراق. لالقاء الضوء على هذه الضرورات والتحديات الجسام يكفي ان نذكر بعض النقاط على سبيل المثال لا الحصر:
1/ ان المجتمع العراقي رغم مايتمع به من خصوصيات تميزه عن غيره من المجتمعات الدولية المعاصرة الا انه في نهاية المطاف مجتمع راسمالي وهو كغيره من المجتمعات الرأسمالية منقسم على الطبقات الاجتماعية ويتكون اساسا من طبقتين رئيسيتين: أي الطبقة الراسمالية والبرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج والتبادل والمسيطرة على جميع إمكانات وثروات المجتمع ومواردها الطبيعية عن طريق الدولة التي تمثلهم وتدافع قهرا عن مصالحهم، والطبقة العاملة المنتجة لجميع ثروات المجتمع بينما هي محرومة من ثمارها و لاتملك سوى بيع قوة عملها.ان هذا التناحر الطبقي الجوهري في العراق والصراع الذي يتولد منه الذي يتخذ أشكالا معلنة تارة ومستترة تارة أخرى يشكل الاساس الطبقي لانبثاق التيار الشيوعي والاشتراكي داخل الطبقة العاملة والمجتمع الرأسمالي بأسره وهو ركيزة وقاعدة لبناء وتشكل الأحزاب والمنظمات الاشتراكية والشيوعية.
ومثلما تحاول الطبقة الرأسمالية والبرجوازية لتنظيم صفوفها والدفاع عن مصالحها القائمة والتشكل في أطياف من التنظيمات الاقتصادية والسياسية المتلونة مثل منظمات ونقابات الصناعيين والغرف التجارية والجمعيات العديدة المهنية والأحزاب البرجوازية المتباينة بغية إملاء شروطها على الطبقة العاملة وعلى الدولة التي تمثلهم، فان الطبقة العاملة أيضا في أمس الحاجة الى تنظيم صفوفها في تنظيماتها الجماهيرية والحزبية للذود عن مصالحها المهنية والاقتصادية والسياسية سواء في إطار النظام الرأسمالي بغية فرض مطاليبها على اصحاب العمل والرأسماليين وشركاتهم وعلى الدولة البرجوازية او بهدف القضاء على النظام الرأسمالي برمته والتوجه صوب إلغاء عبودية العمل المأجور واقامة المجتمع الاشتراكي والشيوعي.
رغم ان النظام البعثي البائد كان يدافع بشراسة عن النظام الرأسمالي وركائزه الطبقية والاستغلالية الا انه في نفس الوقت لم تكن الحكومة البعثية حكومة للرأسماليين بالمعنى الحرفي والحصري للكلمة حيث ضربت بقبضة من الحديد جميع المؤسسات المدنية المعاصرة إلى درجة انها حرم على البرجوازيين والرأسماليين أنفسهم بعضا من حقوقهم السياسية والتنظيمية.
وفي الجهة المقابلة قام النظام البعثي بحرمان الطبقة العاملة من ابسط حقوقها الى ان وصل به الأمر الى إصدار القرار المشؤوم المرقم 150 في سنة 1987 القاضي بتحويل العمال الى الموظفين وطمس هويتهم الطبقية.
ان الاستغلال البشع للطبقة العاملة وفرض الهيمنة العسكرية والأمنية والاستخباراتية على أماكن عملها وفرض ساعات عمل تصل الى 12 ساعة يوميا مقابل دفع أجور بخسة لاتكفي لسد الرمق، وانعدام الضمان الاجتماعي والازدياد المذهل لمعدلات البطالة وتفشي المرض والفقر والجوع وغيرها من المشكلات التي هي إفراز مباشر للنظام الرأسمالي ولا تزول إلا بزواله، ان كل ذلك يتطلب من الطبقة العاملة عدا بناء تنظيماتها النقابية والمهنية الشروع ببناء منظمات سياسية تمثلهم وتمثل مصالحهم وتجمع النضال الاقتصادي والسياسي على حد سواء. من هذا المنطلق فان بناء الحزب العمالي الثوري او المنظمات العمالية الثورية، التي تتبنى الماركسية كنظرية مرشدة للعمل لا كعقيدة جامدة، تمثل مصالح وطموحات الطبقة العاملة وتحافظ على استقلاليتها السياسية والتنظيمية وتقود تحررها من براثن النظام الاستغلالي الرأسمالي صوب إلغاء عبودية العمل المأجور والملكية الخاصة البرجوازية هي ضرورة يحتمها الواقع الطبقي في العراق. وبذلك فان المبادرة على تشكيل تلك المنظمات اسوة ببقية المنظمات الثورية والشيوعية التي شكلتها الطبقة العاملة العالمية ضد الرأسمالية وبهدف القضاء عليها هي خطوة تاريخية هامة من شانها ان تملأ الفراغ الذي دام طيلة عقود وتلحق الطبقة العاملة في العراق بنظيراتها في العالم الرأسمالي المعاصر.
2/ لم يشهد التاريخ السياسي المعاصر للعراق نشوء أحزاب ومنظمات عمالية ثورية نقشت على رايتها تحرير الطبقة العاملة من النظام الرأسمالي والإمبريالي وبناء مجتمع خالي من الاستغلال واللامساواة. فالأحزاب التي حملت اسم الشيوعية او ادعت ذلك لم تنبثق من الصراع الطبقي ولم تكن وليدا لتطوره وبلورته وتاطره ولم تأتي كرد على ضرورة قيادته باتجاه تحرر الطبقة العاملة من الرأسمالية بل كانت ثمرة لضرورات أخرى مثل التحرر الوطني والاستقلال والقضاء على الاستعمار (لا النظام الرأسمالي) واللحاق بالمعسكر السوفيتي أمام المعسكر الغربي. ومن حيث النظرية فانها لم تتبنى الماركسية الثورية بل تبنت الستالينية البعيدة تمام البعد عن النظرية الماركسية وجوهرها الثوري والعمالي.
وهناك بعض المنظمات الأخرى التي تشكلت بخاصة في كردستان العراق حملت او لاتزال تحمل اسم الشيوعية الا انها لم تتشكل في خضم النضال الطبقي العمالي والثوري في عموم العراق بل كانت امتدادا لجهود المثقفين الثوريين المنحدرين من صفوف البرجوازية الصغيرة للتمسك العاطفي والعقائدي بالماركسية بمعزل عن ممارسة ودور الطبقة العاملة ونضالاتها واحتجاجاتها. ورغم انتفاضة آذار 1991 وبروز دور الطبقة العاملة من خلال حركاتها ونضالاتها الجماهيرية والثورية ومن خلال تشكيل المجالس العمالية والشعبية الا أن تلك المنظمات حافظت بقوة على تقاليدها اللاعمالية وانعزالها السياسي والتنظيمي عن الطبقة العاملة وعدم التحامها بها. مما حدا بها الى الابتعاد التام عن الطبقة العاملة وعن الماركسية الثورية واختيار الانعزالية السياسية والاجتماعية المستديمة والانطواء على عالمها الخاص والتمسك المذهبي بجمودها العقائدي.
لسـد هذا الفراغ التاريخي المنوه عنه أعلاه جاءت حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق لتؤكد على ضرورة بناء الطبقة العاملة لتنظيمها الطبقي وحزبها في العراق عبر التفعيل المباشر لدور القادة العماليين الاشتراكيين بوجه خاص والمناضلين الشيوعيين بوجه عام.
3/ ان إعداد الطبقة العاملة في العراق لبناء حزبها الثوري وتهيئة المستلزمات السياسية والتنظيمية لذلك الامر ومن ثم الأعداد للقيام بانتفاضة عمالية وثورية بهدف القضاء على السلطة السياسية للبرجوازية وتأسيس المجتمع الاشتراكي لايتم بمعزل عن دور وتضامن الطبقة العاملة العالمية ومنظماتها الثورية والاشتراكية خصوصا في المراكز الرئيسية للعالم الرأسمالي. لذلك فان الحركة وإيمانا منها بالأممية الاشتراكية والعمالية وبشعار "يا عمال العالم اتحدوا" عرفت نفسها بانها فصيل من فصائل الحركة العمالية الاشتراكية في العالم، وهي تسعى عبر تنظيماتها المنتشرة في خارج العراق الى تقوية التواصل الاممي والاستفادة من التجارب والمكاسب الثورية العالمية والاهتداء بها وتهيئة المستلزمات الضرورية لاستقواء الطبقة العاملة والحركة الاشتراكية والشيوعية في العراق بنظيراتها في بقية العالم.
4/ عدا الضرورات الطبقية الاستراتيجية لانبثاق منظمتنا في العراق فان مواجهة التحديات التي واجهتها الطبقة العاملة كانت دافعا آخر لانطلاقها. فقد واجهت الطبقة العاملة مع عموم الشعب العراقي اشد الأنظمة الدكتاتورية شراسة أي النظام الفاشي البعثي. لقد كان إسقاط ذلك النظام الدموي عبر إعداد الطبقة العاملة والشعب العراقي عموما للقيام بانتفاضة شعبية بالتضامن مع الحركات العمالية والاشتراكية الأخرى في العالم من المهمات الأساسية التي أكدت عليها منظمتنا في بيانها التأسيسي وانعكست على جميع نشاطاتها وفعالياتها في العراق وفي الخارج. ان النضال المنصرم للحركة ضد الدكتاتورية والفاشية في العراق والعمل على إسقاطها انطلق أساسا من إيمانها بالحرية والمبادئ الديمقراطية. ان سيادة الحرية والديمقراطية في نظرها هي بمثابة تهيئة المستلزمات الضرورية لتطور ونمو الطبقة العاملة وانبثاق تنظيماتها المهنية والحزبية وشرط لاغنى عنهما لتأسيس المجتمعات المدنية المعاصرة.
ولذلك فان النظام البعثي المقبور كان يكن اشد العداء للتنظيمات السرية للحركة ولم يتوانى يوما عن ملاحقتها والبطش بها.
الآن وعقب رحيل النظام البعثي البائد فان الحركة ومن المنطلق المذكور تؤكد على تقديم الجلاوزة البعثييين الى المحاكمة وتكنيس النظام البعثي واجتثاث جذور الفاشية ومحاربة الدكتاتورية في مختلف أشكالها وتلاوينها وتسعى الى بسط واشاعة وترسيخ الحريات الاساسية والمدنية في المجتمع وتطالب بتشكيل حكومة تكفل تلك الحقوق والحريات وتنقشها على دستورها.
5/ لقد رأت حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق بان التحدي الأكبر للطبقة العاملة العالمية عموما وللطبقة العاملة العراقية خصوصا هي من قبل الإمبريالية الأمريكية ونزعتها للهيمنة على العالم. ان أمريكا كرائدة العالم الرأسمالي المعاصر شنت تحت لواء سياسات الليبرالية الجديدة والعولمة وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات والاوليغارشية المالية المتمثلة بصندوق النقد والبنك الدوليين اشد الهجمات شراسة للنيل من الطبقة العاملة العالمية وضرب مكتسباتها ومنجزاتها التي حققتها طيلة العقود المنصرمة. إنها سعت الى بناء اقتصاد عالمي قائم اساسا على قوة العمل الرخيصة، وخطت باتجاه ترسيخ دعائم الدولة البوليسية وسلب الحريات المدنية الأساسية في امريكا ذاتها وحاولت جاهدة الى جعله نموذجا يحتذى به في الدول الرأسمالية الاخرى، كما إنها دعمت الدول الدكتاتورية والمستبدة في الدول الرأسمالية المتخلفة وساندتها في مسعاها للتغلب على الطبقة العاملة وعلى الثورات والانتفاضات الشعبية التي تواجهونها.
وفي العراق أيضا كان لأمريكا دور مباشر في دعم النظام الفاشي في العراق ومساندته في الوقوف بوجه الانتفاضات الشعبية العارمة، كان لها سهم مباشر في تضعيف الطبقة العاملة وتهميش دورها عبر اندلاع الحروب وفرض الحصار الاقتصادي و إفقارها وتجويعها وجعلها ضحية لا حول لها ولاقوة لافتراس النظام البعثي.
لذلك فان الحركة ومن وجهة نظر المصالح الطبقية الأممية للعمال والكادحين وانطلاقا من الاحتجاجات الصاخبة المناهضة للعولمة الرأسمالية بزعامة أمريكا أو الاحتجاجات العارمة للعمال والشعب العراقي على التدخل والهيمنة الأمريكية في العراق اعتبرت نفسها ومنذ لحظة نشوئها حركة مناوئة لأمريكا واعتبرها احدى خصوصياتها الرئيسة. وقد انعكست ذلك في بيانها التاسيسي وفي مجمل مواقفها السياسية والعملية وفعالياتها ونشاطاتها.
لاشك بان تلك الخصوصية التي أكدت عليها المنظمة تتزايد أهميتها المباشرة عقب شن الحرب على العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية. لذلك وتمشيا مع مواقفها المبدئية ومبادئها التكتيكية المنسجمة فان الحركة رفضت الحرب والاحتلال الأمريكي كما أنها ترفض بقاء القوات المحتلة في العراق وتدعو الى تسليم مقاليد السلطة الى العراقيين أنفسهم والبدء بتشكيل حكومة مدنية علمانية فيه. كما أنها تطالب الشعب العراقي بمواصلة احتجاجاتهم الشعبية للضغط على الإدارة الأمريكية لحين الانصياع لمطاليبهم وتطلعاتهم.
6/ ان التركيبة الفسيفسائية للعراق وانتهاج النظام البعثي لسياسات قومية شوفينية والتميز الطائفي والمذهبي واذكاء المشاعر القومية من قبل الحركة القومية الكردية والعمل على تعميقها وتدخل الدول المجاورة لبذر التفرقة والانقسام العرقي والطائفي وتشديد وتيرتها ومساعي الإدارة الأمريكية للارتكان على تلك الانقسامات و ........الخ ان كل ذلك وغيرها من الحزازات القومية والطائفية الضيقة التي نمت وترعرعت في التربة الخصبة التي وفرتها لها التدخل الامبريالي الرجعي في العراق، ادركت حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق خطورتها ونتائجها الماساوية والكارثية المترتبة عليها. ان تلك الانقسامات عدا عن كونها تمزق الوحدة الطبقية للعمال وتفرق صفوفهم وتجعلهم فريسة لاوهام قومية وطائفية ضيقة فانها قد تؤدي الى تمزيق النسيج الاجتماعي وتسعير الحرب الاهلية في العراق. ولذلك فان المنظمة اكدت دوما على الهوية العراقية للمواطنين وادانت بشدة في مجمل فعالياتها ومواقفها تلك الانقسامات وطالبت بايجاد حلول عاجلة وجذرية لها، كما طالبت ولايزال تطالب باقرار حقوق المواطنة المتساوية في الدستور للتغلب على الانقسام القومي والعرقي و فصل الدين عن الدولة وارساء نظام علماني معاصر تنبذ الانقسامات الطائفية والمذهبية.
لاشك بان تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في الاونة الاخيرة وارتكانه على المحاصصة الطائفية والعرقية يعد خطوة باتجاه تعميق الانقسامات الطائفية والقومية والعرقية بدلا من وضع حد لها وتقديم حلول جذرية لعلاجها. ولذلك فان مسعى وهدف حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق للتاكيد على الهوية العراقية والتغلب على الانقسامات الضيقة اثبتت الاحداث صحتها وضرورة مواصلة النضال بلا هوادة لتحقيقه.
--------
مقال منشور في العدد 10 من جريدة بلاغ الشيوعية

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب