الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة الجدلية بين المعبرات السياسية للبورجوازية الصغرى و ممارساتها

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 2 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



لقد أطلعنا تاريخ الحركة السياسية و نشأة الأحزاب السياسية أن المعبرات السياسية للبورجوازية نشأت مع انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع ، خاصة بعد الثورة البورجوازية الفرنسية التي فتحت المجال أمام التنظيمات المهنية و الحرفية و الثقافية لبناء التكتلات داخل البرلمان لتأسيس الأحزاب الليبرالية ، و هكذا نشأت المعبرات السياسية الأولى للبورجوازية الصغرى نتيجة تحول المعبرات المهنية و الحرفية و الثقافية إلى معبرات سياسية ، تمارس عبرها صراعها مع البورجوازية من أجل الوصول إلى الحكم في الوقت الذي بقيت فيه الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء بدون معبرها السياسي و هي تتعرض لاستغلا البورجوازية.
و كانت الأفكار البورجوازية في حينها منسجمة مع متطلبات التغيير نتيجة الحركة البورجوازية ضد الإقطاع لتحقيق الثورة البورجوازية ، و ذلك بالقضاء على العبودية الإقطاعية فكانت علاقات الإنتاج الرأسمالية في حينها منسجمة مع تطور القوى المنتجة ، ذلك أن الرأسمالية في حاجة إلى طبقة عاملة متثقفة تمتلك مستوى ثقافي و مهارة تقنية و بالتالي التحرر من العبودية الإقطاعية ، من هنا ملاءمة المفاهيم البورجوازية للحركة الثورية البورجوازية التي تسعى إلى التغيير ، إلا أنها لم تستطع القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الشيء الذي كرس من جديد العبودية الرأسمالية ، عن طريق استغلال الطبقة العاملة حيث الجماهير العمالية بالمعامل باعتبارها من القوى المنتجة ذات الصفة الإجتماعية بينما وسائل الإنتاج ذات الصفة الخاصة الرأسمالية ، و أصبحت الرأسمالية بسعيها إلى الربح الوفير و تراكم الأموال في أيدي أقلية بورجوازية على حساب بيع قوة جماهير الطبقة العاملة بالمعامل ، فكان لا بد من الصراع بين الرأسمال و العمل ، بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، و بالتالي ظهور المفاهيم الإشتراكية في صراع مع المفاهيم البورجوازية و ظهور الفكر الماركسي مع ماركس و إنجلس و الماركسية اللينية مع لينين و ستالين و ماو تس تونغ ، بعد تطور الحركة الشيوعية و بناء الأحزاب الشيوعية و تحقيق الثورات الشيوعية و بناء الأنظمة الإشتراكية.
و هكذا ظهرت ثلاثة طبقات اجتماعية أساسية و هي البورجوازية التي تتحكم في وسائل الإنتاج و بالتالي تتحكم في السلطة السياسية و الإقتصادية للدول الرأسمالية الإمبريالية ، و طبقة البورجوازية الصغرى التي تخدم البورحوازية و التي لا تملك وسائل الإنتاج و لكنها تطمع إلى الرقي بمستواها الإجتماعي إلى درجة البورجوازية ، و طبقة البروليتاريا بما في ذلك الفلاحون الفقراء التي تتعرض للإستغلال من طرف البورجوازية ، و هكذا نرى أن كلتا الطبقتين البورجوازية الصغرى و الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء تتعرض للإستغلال من طرف البورجوازية ، إلا أن مصلحة البورجوازية تقتضي احتواء البورجوازية الصغرى من اجل استعمالها كأداة لاستغلال الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، هذه الطبقة الأخيرة التي تعتبر الحاسمة في الإنتاج و التغيير الثوري و هي لا تملك معبرها السياسي في ظل النظام الرأسمالي .
في صراعها مع البورجوازية تسعى البورجوازية الصغرى إلى امتلاك معبراتها السياسية التي تدافع عن مصالحها السياسية و الإقتصادية ، و في صراعها هذا لا بد لها من قوة ضاغطة لأنها لوحدها لا تستطيع هزم البورجوازية فكان لا بد لها من استغلال الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، فهي دائما تعمل على احتوائها باحتواء نضالاتها و استغلالها ضد البورجوازية و هي في ممارستها الإنتهازية هذه تعيش ازدواجية الممارسة ، و قد خبرتنا التجارب التاريخية للبورجوازية الصغرى كيف أنها تتنكر لتعهداتها التي قطعتها مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و التجارب المغربية غنية في هذا الشأن ، ذلك أن البورجوازية الصغرى لا يمكن أن تنسجم إلا مع طموحاتها الأساسية التي لا تراها خارج الصراع ضد البورجوازية من أجل انتزاع الحكم منها في ظل الرأسمالية الإمبريالية ، فهي تستعمل معبراتها السياسية من أجل الوصول إلى السلطة لتكريس وجود نفس الدولة البورجوازية ، حيث لا يمكنها إلا أن تتحول إلى بورجوازية مقيتة نقيض مصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين .
من هنا نرى أن المعبرات السياسية للبورجوازية الصغرى لا يمكن لها أن تنسجم إلا مع طموحات الطبقة البورجوازية الصغرى ، التي لا يمكن لها تحقيق طموحاتها في الوصول إلى السلطة إلا باستغلال الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، فهي إذن طبقة انتهازية بطبعها و طموحها لا يمكن أن يصل مستوى الثورة ، لأنها تنظر دائما إلى الوراء فهي تريد تكريس الواقع البورجوازي للدولة و بأدواتها هي ، وترى أن الحركة هي كل شيء و النهاية لا تهمها و تعمل على استغلال المعبرات السياسية التي تبنيها من أجل الرقي ، هذه المعبرات التي ترتقي في ظل وصولها إلى السلطة لتعبر عن البورجوازية و تتملص من إتفاقاتها التي قطعتها مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، ذلك ما يمكن أن نراها في استغلال نضالات الطبقة العاملة من طرف البورجوازية الصغرى أثناء الإنتخابات ، في الوقت الذي تهيمن فيه على المعبرات النقابية للعمال و تدخل في المساومات مع البورجوازية و تعقد معها اتفاقات رجعية ، فهي لا تنظر إلى الأمام إلى التغيير و مفهوم الثورة غير وارد في مفاهيمها ، و كلما حصلت على قوة الطبقة العاملة إلا وباعتها بأبخس الأثمان لترجع و تتحدث عن موازين القوى ، كل ما يهمها هو تحسين وضعيتها في صراعها مع البورجوازية و بالتالي تحسين وضعية معبراتها السياسية و لا غرابة أن نرى تعدد المعبرات السياسية للبورجوازية الصغرى ، و بذلك تكون منسجمة مع معبراتها السياسية التي تعبر عن طموحاتها في الوصول إلى السلطة و تكريس الدولة البورجوازية.
لكن البورجوازية الصغرى الثورية التي تنظر إلى الأمام لا تسعى إلى بناء معبراتها السياسية لآنها عكس البورجوازية الصغرى الإنتهازية التي تسعى لبناء معبراتها السياسية ، ترى في الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين الحليف التاريخي الضروري في بناء الحزب الثوري ، فهي تسعى للإلتحام معها من أجل إسقاط البورجوازية لتحقيق الثورة الإشتراكية من أجل الخلاص من قيود العبودية الرأسمالية ، فهي لا تطمح إلى الوصول إلى السلطة في إطار الدولة البورجوازية لأنها ترى مصالحها في انعتاق الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و مهمتها تنتهي عند صعود الطليعة الثورية للطبقة العاملة و الفلاحبن الفقراء و الكادحين لممارسة ديكتاتوريتها ، و يشكل الطلبة الماركسيون اللينينيون جزءا من الطبقة البورجوازية الثورية بحكم انتمائها كطبقة مثقفة التي تستحق هذه الصفة ، و لكون الجذور الطبقية لغالبية الطلبة تنحدر من الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و هي باختيارها لطريق الثورة الإشتراكية تكون منسجمة مع انتمائها الطبقي الذي تنحدر منه ، و هي التي تحمل اليوم مشعل الثورة داخل الجامعات و على عاتقها نشر الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الجامعات و الثانويات و في أوساطها التي تنحدر منها ، لمواجهة الفكر البورجوازي الذي يغزوا هذه الأوساط و بالتالي موجهة الفكر الماركسي التحريفي.
إن الجامعة المغربية اليوم تعاني من تفكك على مستوى عزل المؤسسات الجامعية فيما بينها و عزلها عن الثانويات و بالتالي عزلها عن الجماهير الشعبية ، كما تعاني الجامعة الواحدة من عزلة فيما بين الكليات المشكل لها و بالتالي عزلة الطلبة فيما بينهم داخل الكلية الواحدة و في الشعبة الواحة و القسم الواحد و هكذا ، و بالتالي تعيش الحركة الطلابية التشتت و العزلة و الصراعات الهامشية بين الفصائل الطلابية ، بل أصبحت تتوالد داخل الجامعات أشكال تنظيمية غريبة عن الحركة الطلابية في الوقت الذي تفتقد هذه الحركة إلى أداتها التظيمية ، فكما يقول الرفيق لينين : " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية " تصح هذه المقولة في ما تعانيه الحركة الطلابية ، فهي تفتقد أداتها التعبيرية عن مصالحها الخاصة باعتبارها بورجوازية صغرى مثقفة في حاجة إلى إطارها النقابي ، و نحن جميعا نعرف مصير هذا الأطار الذي فرض عليه الحظر العملي كما هو الشأن بالنسبة للفكر الماركسي اللينيني ، لهذا فالحركة الطلابية لا بد لهذا من حركة فكرية كنتاج لهذه الحركة و نعلم جميعا النكسات التي مرت بها الحركة الطلابية ، و التي لا يمكن أن تنتج إلا مثل هذه الوضعية التي نشاهدها اليوم حيث فقدان الأداة التنظيمية ، و ذلك نتيجة ممارسات البورجوازية الصغرى في التنظيمات السياسية و النقابية و هجوم البورجوازية على الماركسيين اللينينيين ، فكانت النتيجة أن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة جماهيرية تم حجزها من طرف فصيل غريب على الساحة الطلابية بعد الحظر العملي للنظام القائم .
للخروج من أزمة الحركة الطلابية لا بد من تشريح واقعها و لتشريحه لا بد من نقد فعال لتاريخ الحركة الطلابية ، و بمعنى آخر لا بد من القراءة التاريخية للحركة الطلابية و المنظمة الطلابية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ، لأننا كماركسيين لينينيين مؤمنون بالمادية الجدلية و المادية التاريخية التي تقول بأن الوجود الإجتماعي هو المحدد للوجود الفكري ، لأن واقع الحركة الطلابية اليوم ليس مجرد أفكار و لكنه نتيجة ممارسات سبقت هذه الوضعية ، و لأن نتيجة ممارسات سابقة حصلت هذه الأفكار التي تروج اليوم وسط الحركة الطلابية ، و بالتالي فهذه الأفكار تكرس من جديد هذه الوضعية التي تعيشها الحركة الطلابية ، و هي واقع التشتت و الإنحلال و عدم المسؤولية و البيروقراطية و الإنتهازية و العنف و بالتالي ضياع مصالح الجماهير الطلابية ، هذا الواقع المتسم بتناقضات صارخة و شيوع ممارسات دخيلة عن الحركة الطلابية ليست نتيجة أفكار شائعة ، و لكنها انعكاس لما هو سائد في الساحة السياسية و النقابية و الثقافية على جميع الأصعدة ، و في كلمة واحدة فهي نتيجة ممارسات البورجوازية الصغرى الإنتهازية منذ اعتقال رئيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب و فرض الحظر على المنظمة في 1973 .
إذن لا بد لنا من القراءة التاريخية من أجل تشريح وضعية الحركة الطلابية منذ المؤتمر 15 و فشل المؤتمرين 16 و 17 و النكسات التي عرفتها الجامعة إلى يومنا هذا ، و لا أعتقد أنه باستطاعة الطلبة اليوم الخروج من هذا النفق بدون إشراك المسؤولين السابقين في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب و هكذا يجب أن يكون التحليل المادي للحركة ، فالوجود المادي للمسؤولين السابقين في هذه العملية ضروري لأنه سيساهم بشكل كبير في تطوير النقاش و توضيح الرؤية و تحمل المسؤولية ، لأن الحركة الطلابية وقعت فيها قطيعة بفعل القمع و الإنتهازية و بالتالي فالمنظمة الطلابية لا يمكن أن يكون لها وجود في ظل ظروف كهذه ، كما أنه يجب القبول بهذه الوضعية التي تعيشها الجامعة اليوم و ذلك بقبول ما أفرزته المرحلة الماضية منذ المؤتمر 15 إلى يومنا هذا من فصائل ، و أن لا يكون هاجسنا نحن الماركسيين اللينينيين هو السيطرة و الهيمنة على المنظمة ، و ليكن هدفنا هو تكريس أسس النقاش الصحيح المبني على تطوير الحركة الطلابية ، في إطار المادية التاريخية من أجل النظر إلى الأمام و من أجل إعادة بناء المنظمة الطلابية على أسس راسخة ، كما يجب أن لا نسقط كذلك في فخ البورجوازية الصغرى الإنتهازية التي لا ترى في فتح هذا النقاش إلا فتح مجال لها من أجل أهدافها الإنتخابوية.

تارودانت في : 18 فبراير 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار