الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجموع تصيح ..إعدم!!؟

كفاح حسن

2007 / 2 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يحتل الشاعر عريان السيد خلف موقعا متميزا بين شعراء العراق المعاصرين. حيث إمتاز شعره بصور و مرادفات مقتبسة من تراث البلد و بطولات رجاله. كما أضفى إستخدامه للهجة العراقية الريفية على نتاجه الشعري جذابية تصل إلى قلوب مستمعيه.

لقد عرفنا الشاعر في مطلع سبعينيات القرن الماضي و هو يردد عدد من القصائد الجميلة، في مطلعها قصيدة المعيبر عبد. و مما يزيدننا فخرا بعريان هو إصراره على البقاء في الوطن، وعدم الإنجرار وراء موجة الهجرة التي شملت أعداد كبيرة من الأدباء و الفنانين الذين رفضوا الإنصياع لإرهاب النظام الصدامي البائد. و ظل بريق قصائده يعلو حتى في ظل الإرهاب و القمع الدمويين الصداميين.

إن أشعار عريان تنطلق من روح الشعب العراقي معبرة عن أحاسيسه و تطلعاته. و ليس مبالغة في وصف وقع أشعار عريان على مستمعيها بقوة تفوق وقع البيانات و الخطب السياسية. فكلماته قذائف موجهة ضد قوى القمع و الإرهاب و أعداء الشعب. و حتى قصائده الغزلية تتمتع بروح من الإباء و الشموخ المتميزين.

و عند إستشهاد أخي وضاح، نعاه عريان في قصيدة رثائية كانت من أجمل ما كتب عن وضاح. وكلنا فخورين بما كتبه عريان.

و كما هو معروف لا يوجد مرء لا يتعرض للهفوات و الأخطاء. فمن لايعمل لا يخطأ. و إنني أجد قصيدة شاعرنا الكبير عريان التي ألقاها في مقر الحزب الشيوعي في الإحتفال بيوم الشهيد الشيوعي في نعي الزعيم قاسم، هفوة وقع فيها وسط حمام الدم المستمر في البلاد. فقد جاء في قصيدته و هو يخاطب قاسم:

قلنالك تحذر ماوراك الذيب
ساعيت الضواري و آمنت بيها
يا مصدق الأوهام من البخت حفاظ
يا حظ يا بخت لو ترك ترضيها
ثورة تصرفت من بين حلك الموت
و بدمك خذتها شلون تنطيها
شفت شلون عثرت و إنجفت عالكاع
وتعلى بثلجها تراب رجليها
صدك موملامة و تعداك اللوم
بس زمرة عذابك تمشكلت بيها
ياسيد العفة و يا نزيه الروح
و يا رمز الشجاعة لحد تواليها
و ياملاقي الرصاص عيونك مورثات
زلمة العذرتك ماظل زلم بيها
الزلم تول و تعف و إنت تطركت ركاب
جان الموت حق مفصل عليها
وجان الوطن يلهب و الجموع تصيح
إعدم و الخطورة تساهلت بيها

في البدء كان ماحدث في 14 تموز 1958 هو إنقلاب عسكري قام به عدد من ضباط الجيش الشباب تقليدا لموجة من الإنقلابات العسكرية التي عمت المنطقة.

إن إنتعاش الحياة السياسية القصير في البلاد في 1958 إرتبط بحلم العراقيين في بناء نظام ديمقراطي برلماني حر في بلد ذو سيادة. وكانت وعود العسكريين تنحصر في إنهم سيعودون إلى ثكناتهم بعد أن يسلموا السلطة بيد الشعب! ولكن لم يكن قاسم ولا من أعقبه صادقين في ذلك.

ففي عهد الزعيم قاسم تم التراجع عن العديد من الوعود المقدمة بشأن تسليم السلطة بيد الشعب. كما و إن الزعيم إستخدم الشيوعيين لتعزيز موقفه أمام مخاصميه. ثم سرعان ما إنقض على الحزب الشيوعي، ولاحق أعضائه و أوقف إصدار جريدة الحزب. وقام ببناء تنظيم شيوعي هزيل كبديل عن الحزب الشيوعي.

و لكن شاعرنا المحبوب عريان يقدم لنا الزعيم في صورة أخرى و يعطيه الحق في ممارسة القمع إلى حد لومه إياه لإنه لم يعدم معارضيه!!؟
فمن هم الذين يطالب شاعرنا قاسم بإعدامهم. إنهم نفسهم المشاركين مع قاسم في الإنقضاض على السلطة، و تحطيم النظام الملكي في البلاد.

إن خلافات قاسم معهم هي خلافات على تقسيم كعكة السلطة. ولم تكن خلافات تنطلق من باب الدفاع عن مصالح الشعب و بناء الديمقراطية. لقد كان أمام قاسم خيارا واحدا يثبت فيه مصداقيته، ألا و هو تسليم السلطة بيد الشعب و إعادة الحياة للنظام البرلماني الدستوري. كما فعل الجنرال ديغول في فرنسا. أو كما قام به أورتيكا في نيكاراغوا حين إحترم إرادة الشعب و تنحى عن السلطة. و لو يعد إليها إلا من خلال صناديق الإقتراع.

و إذا كان الزعيم قاسم متعففا عن المال و النساء في حياته الخاصة، فهذا لا يعطيه الحق في الفرد بالسلطة، و إعتبارها ملك من أملاكه. أما الحديث عن شعبية و جماهيرية الزعيم قاسم فهذا أمر فيه نظر. فنفس تلك الجماهير التي كانت تهتف لنوري السعيد خرجت لتناصر الزعيم و تلتحق بفصائل المقاومة الشعبية. ثم سارعت بعد سقوط حكم الزعيم لتلتحق بفصائل الحرس القومي سيء الصيت. ثم عادت لتهتف لنظام العارفيين. ثم خرجت وراء الثنائي بكر ـ صدام هاتفتا لهم. ألا يتذكر شاعرنا المسيرة الكبيرة التي نظمها بعث صدام في تموز 1978 في الذكرى العاشرة لسلبهم للسلطة. عندما خرجت مئات الألوف تردد
"شعب شعب كله بعث موتي يارجعية"
ونفس هؤلاء تحولوا إلى حطب لحرب صدام ضد إيران. ومن تبقى منهم سارعوا لنهب أملاك الكويتيين عند غزو الكويت. وهم نفسهم اليوم يتحدثون عن إجتثاث البث، و يتزاحمون في صفوف الميلشيات الطائفية بمختلف ألوانها والتي أغرقت البلاد في حمام دم.

إن الخطأ الكبير الذي إقترفته الأحزاب السياسية العراقية بعد تموز 1958 هو سعيها للتفرد بمواقفها وعدم إستعدادها لتفضيل مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية الضيقة. إلا إن موقف قيادة الحزب الشيوعي آنذاك في رفض الضغط عليها للإستيلاء على السلطة بعد محاولة إغتيال الزعيم موقفا حكيما.

فليس هناك حق أو شرعية لأي حزب في الإنقضاض على السلطة بقوة السلاح أو بإستغلال الفرص النادرة. إن السلطة ليست ملك لحزب أو جهة. و الوصول إلى السلطة يجب أن يتم عبر صناديق الإقتراع في ظل إنتخابات نزيهة.

و أعود إلى شاعرنا المحبوب عريان و أسئله كيف يبيح لقصائده أن تبرر القتل و العدوان. علها أن تكون هذه هفوة. فهناك شعراء آخرون تعروا لهفوات في قصائد كتبوها، ندموا فيما بعد على نظمها. لأنها لا تنسجم مع سيرتهم الشعرية و الفكرية. ومن هؤلاء شاعر العراق الخالد محمد مهدي الجواهري، الذي إمتنع عن نشر عدد من قصائده في دواوين شعره لندمه على كتابتها، أو لإنها لا تنسجم مع سيرة قصائده الفكرية.

يا أيها العزيز عريان، إذا كنت معجبا بالزعيم قاسم و بصموده أثناء مواجهته لإنقلاب رفاقه عليه. فهذا أمر لا خلاف عليه. فالزعيم قاسم عسكريا إحترم صفته العسكرية، و لم يهرب من ساحة المعركة. بينما صدام شخص حقق نجاحاته من خلال غدره برفاقه و إنتحاله لصفات لا تنطبق عليه. و لكن ألا تتفق معي في إن الإستعجال في إعدام المجرم صدام، و عدم إكتمال محاكمته على جمع الجرائم التي إقترفها، كما إن طريقة إعدام صدام ذات الصيغة الطائفية، أعطت لصدام أمام الناس في البلاد العربية و الإسلامية صورة مخالفة لصورته الحقيقية.

إضافة إلى ذلك، فإن التأريخ لم يكتب بعد عن حقبة الزعيم قاسم و حركة الضباط الأحرار. و لهذا أجد قصيدتكم في رثاء الزعيم قاسم، إتسمت بالتسرع. حيث لا تنطبق الوقائع التي ذكرتها في قصيدتكم مع حقائق حكم الزعيم قاسم.

و في الختام، أرجوا أن يكون صدر الشاعر المحبوب عريان كما نعرفه واسعا في تحمل عتابي هذا. فليس الخطأ في أن يهفوا المرء، ولكن الخطأ في أن لايعترف الشاعر بخطأه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا