الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا كل هذه الهرولة باتجاه اي تفاوض؟؟

عماد صلاح الدين

2007 / 2 / 22
القضية الفلسطينية


عجيب وغريب هو أمر المفاوض الفلسطيني ، فمنذ أكثر من ستة عشر عاما ونحن نراه يهرول سريعا فور سماعه بأية مبادرة أو طرح، وان كانت في حقيقتها وهم وسراب . فنراه مرة يهرول سريعا دون أية كوابح نحو مبادرة أمريكية أو أوروبية ، ثم نراه أخرى يرتد إلى مباركة مبادرة عربية ، ثم أخيرا وليس آخرا كما يبدو، نراه يعلن التأييد والقبول بمبادرات الاحتلال نفسه ، كما في طرح أيهود أولمرت قبل أشهر، باستعداده تقديم بعض الفتات الذي لايسمن ولا يغني من جوع وعطش الشعب الفلسطيني الواقع تحت ظلم الاحتلال والحصار الظالم من كل المستويات الإقليمية والدولية وحتى المحلية .

فالمفاوض الفلسطيني في تفاوضه لايستند إلى مرجعية وطنية ثابتة في سياق مطالبته بالحقوق الوطنية الثابتة ، وفي سياق حدها الأدنى المتعارف ، بل والمتفق عليها بالإجماع الوطني ، هو بات اختصاصه فقط تلبية الدعوات التي تطلقها السيدة كوندي من الولايات المتحدة أو تلك التي تطلقها بعض الدول الغربية في أحايين قليلة ، دون أن يحدد موقفه المسبق والواضح بشأن السقف الذي يطالب به وطنيا ، حتى باتت جولات مفاوضينا باتجاه الغرب والشرق لامعنى لها ، بل أصبحت مناسبة للاستخفاف والاستهتار بهم من قبل أندادهم ، بل والتندر عليهم من قبل أبناء شعبهم ، بعد الأشواط الطويلة التي أمضوها في تفاوضهم العبثي ، والذي لم يحققوا منه للشعب الفلسطيني أي بصيص أمل باتجاه حقوقه الوطنية ، بل على العكس من ذلك تماما، فكان هذا الاندفاع نحو تفاوض لاتحدد أسسه ومرجعياته الواضحة والثابتة ، وبالتالي انقلابه إلى مماطلة وعبثية من جانب الإسرائيليين، إلى تكريس مزيد من الاحتلال على ما تبقى من ارض فلسطين عام 67 ، فالاستيطان وتجمعاته حول القدس لايكاد أن يبقي منها شيئا ، أما الجدار وعزل الأغوار وقطع أواصل الضفة الغربية وتحويلها إلى معازل ، فحدث ولا حرج ، وأما احدث محاولات تكريس الاحتلال في القدس، فالذي يجري للأقصى هذه الأيام من هدم لطريق باب المغاربة واستمرار الحفريات تحته ، مرورا ببناء كنيس لايبعد عنه عشرات الأمتار، فذلك أمر يثبت الحال الذي وصلنا إليه، ونحن نلهوا ونحاول أن نتسول الحقوق عبثا بالانجرار وراء وهم يلوح لنا به الأمريكان والإسرائيليين ، ثم لنجد ذلك سرابا ، بعد خديعة الوهم الذي يبدو أن مفاوضنا حسن النية والأخلاق ما برح لايصدق عكسها ، بإعلانه المتكرر بان السلام هو الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني عبر خط المفاوضات .

قبل يومين، جاءت السيدة رايس إلى الأراضي المحتلة، وعقدت من ثم لقاء ثلاثيا ضمها والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أيهود أولمرت ، وماذا كان من نتيجة هكذا اجتماع أو لقاء ، هل جاءت رايس وبجعبتها ما يعيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ؟، كلا . فزيارة رايس ما جاءت إلا للفت الأنظار عن إخفاق إدارتها في العراق ولبنان وأفغانستان ، زيارة رايس جاءت لتخفيف المآزق التي تحيط باولمرت إسرائيليا، من كل صوب وحدب ، هو وكتلته الحديثة العهد كديما ، الم يكن ليدرك المفاوض الفلسطيني وعلى رأسه الرئيس عباس ، بان هذا هو الغرض من لقاء سعت إليه رايس ومعها رئيس وزراء أداة إدارتها الإستراتيجية في المنطقة ، فلماذا ذهب الرئيس عباس وهرول من ورائه المهرولون من أبناء شعبنا ، هل أصبح شرف اللقاء مع أولمرت ورايس شرف لايجاريه شرف ، هل أصبح شعبنا بحاجة إلى عديد اللقاءات والاجتماعات هكذا دون الخروج بأية نتيجة ، لماذا لايحترم المفاوض الفلسطيني نفسه- على الأقل- إن لم يكن يحترم إرادة وعزة أبناء شعبه ، أليس من حق الرئيس عباس أن يرفض هكذا دعوات لطالما هو يدرك أن لافائدة منها ، لماذا لايرد الرئيس لنفسه ولفريقه المساعد الاعتبار، حينما وعده أولمرت بإجراء بعض التسهيلات للشعب الفلسطيني من خلال إزالة بعض الحواجز وإطلاق سراح بعض الأسرى في وقت سابق من العام الماضي ، وبالتحديد قبيل عيد الأضحى المبارك ، ولم يف أولمرت بأي من تلك الوعود ، ما معنى هذا الكلام ؟؟!، سوى إنه الاستهتار والاستخفاف بالمفاوض الفلسطيني ، الذي وللأسف لايقيم لنفسه اعتبارا في مواجهة الطرف الذي يلتقي به، فقط من اجل اللقاء وتبادل القبل ومراكمة الأيدي فوق بعضها وتشبيكها بأيد قتلة شعبنا ومضطهديه .

لم ينل الرئيس عباس من لقاء رايس واولمرت سوى التوبيخ من هذا الأخير، الذي وبخه على قبوله " الرئيس عباس " بالاتفاق مع حماس في مكة المكرمة ، ثم ليزداد أولمرت تطاولا وتوبيخا بمطالبة الرئيس فورا بإطلاق سراح جلعاد شليط ودون أن يكون الأمر مرتبطا بأية صفقة تبادل مع الفلسطينيين أو مع الجهة الآسرة له بمعنى أحرى ، مذكرا عباس أن زمن التبريرات والحجج وغيرها قد ولى وبدون رجعة ، ليجيب رئيسنا عليه متوسلا بإعطائه مزيدا من الوقت للعمل على إطلاق سراح جلعاد .

ألهذه الدرجة وصل الأمر في الاستخفاف بقادتنا وبحقوقنا ؟؟،وليت الأمر كذلك ، فيأتيك كبير مفاوضينا السيد صائب عريقات ليقول بان الغرض من اللقاء هو استكشاف أفاق السلام ، صح النوم سيادة المفاوض الكبير!! ، ستة عشر عاما وما مللتم من الاستكشاف وربما القراءة في الفنجان ، ولا يكتفي السيد عريقات بهذا الحد ، بل انه يؤكد ويضيف بان اللقاء كان مثمرا ومعمقا . لا اعرف كيف هو هذا اللقاء المعمق والمثمر؟! ، ورئيس سلطتنا فيه يوبخ وتفرض عليه الشروط ، دون أن يكون له -على الأقل- بعض الشروط التي تتعلق بتسهيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني .

مؤلم جدا ومقزز ومنفر هذا الحال الذي وصل إليه المفاوض الفلسطيني ، ومع ذلك كله ، لازال مفاوضنا الفلسطيني يتمسك برؤية بوش في إقامة الدولتين وبخارطة الطريق التي تعني تنفيذ رؤية بوش بإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة المنزوعة السيادة والاستقلال ، وهذا التوجه من قبل المفاوض الفلسطيني خطير جدا على الوحدة الوطنية المجمعة على برنامج الحد الأدنى من الحقوق الوطنية، والتي لاتتحقق من خلال خارطة الطريق المتحفظ عليها إسرائيليا ، بما يحول أصلا دون تحقيق مفهوم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس العربية كاملة السيادة .

المطلوب من المفاوض الفلسطيني، من الآن فصاعدا أن يستند إلى مرجعية وطنية وعربية دولية في التفاوض مع إسرائيل، بما يضمن الحد الأدنى المجمع عليه فلسطينيا من خلال وثيقة الوفاق الوطني ، وهو الانسحاب الكامل والنظيف من جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، وضمان اعتراف إسرائيل بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ، لذلك على إسرائيل أن تعترف وتقر بهذا الحد من الحقوق الفلسطينية ، وان يكون الهدف النهائي من التفاوض هو تحقيق هذه الحقوق في سياق إطار زمني يحكمه حد أقصى لايمكن تطويله أو تمطيطه أكثر من ذلك ، وإلا بعد ذلك ، سيكون الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو المقاومة، ولن يستطيع احد أن يقنع الفلسطينيين، لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دوليا بالعودة إلى طريق التفاوض بعد مسيرة طويلة من الفشل ، بسبب التجبر والتعنت الإسرائيلي والأمريكي ، وصمت وتواطؤ المجتمع الدولي على ذلك .

نعم ،على المفاوض الفلسطيني أن ينتهج أسلوبا مغايرا في التفاوض عما كان عليه الوضع سابقا ، خاصة أن الظروف الفلسطينية ، بعد الوحدة والاتفاق على برنامج محدد ، وكذلك الظروف الإقليمية والدولية تمنحه الفرصة بتغيير أسلوبه القديم ، بحيث يطالب المفاوض الفلسطيني إسرائيل والمجتمع الدولي بتحديد موقفهما من الحقوق الوطنية الفلسطينية ، وبعد ذلك إذا جرى اعتراف إسرائيلي بتلك الحقوق كاملة، من الممكن أن يكون هناك حديث حول الدخول في مفاوضات تضمن في النهاية تحقيق تلك الحقوق الوطنية الفلسطينية ، أما قبل هذا أو غير هذا الموقف ، فان التفاوض لامعنى له على الإطلاق ، إذ سيكون وسيلة للمناورة الإسرائيلية والأمريكية، لتحقيق أهدافهما ومصالحهما في المنطقة ، من خلال الخروج من مآزقهما وورطاتهما فيها ، وهذا الأمر سيكون وبالا على المشروع الوطني الفلسطيني ، بل وعلى المنطقة العربية برمتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي