الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة الاضداد

فراس جابر

2007 / 2 / 22
القضية الفلسطينية


انتهى الاقتتال الداخلي أخيراً وتوج باتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس، الذي رسم حدود كلّ منهما في الحقبة الفلسطينية الجديدة، أبرز ما فيها تحالف الاضداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعالج الشأن الفلسطيني. أهم ايجابيات هذا الاتفاق هو إنهاء الاقتتال الذي أنهك الشعب الفلسطيني، واستنفذ قواه الى حد كبير، حيث يصار إلى إعادة توجيه الطاقات المجتمعية والسياسية نحو تحقيق فعل حقيقي لصالح المجتمع بدلاً من صرف هذه الطاقة والفعل في تأجيج الاحتقان الداخلي.
أكد الاتفاق حرص الحركتين على صون الدم الفلسطيني وحرمته، لكن ما ظهر من خلاف حاد واقتتال في الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، ألقى بظلاله على المجتمع الفلسطيني، في مختلف الاتجاهات، ولا تقتصر على ما هو واضح وجلي من تعطيل الحياة العامة لأكثر من تسعة أشهر، وتعطيل دور المجلس التشريعي، بالاضافة الى أن عدد "الشهداء" الذين سقطوا خلال الاقتتال كان أكثر من عدد شهداء الاجتياحات الأخيرة، عدا عن الخسائر الاقتصادية المتحققة فحسب، بل يتجاوز هذا بكثير ليؤثر على بنية المجتمع الفلسطيني في العمق.

يمكن تكثيف التأثيرات المتباينة في اتجاهين، يحتملان وجود علاقات متداخلة بينهما، الاتجاه الأول صياغة بنية اجتماعية- سياسية فاعلة ومرتبطة بشكل وثيق بشكل أو بأخر بأحداث الاقتتال، والاتجاه الثاني تحوصل في بنية أخرى عملت عكسياً للأولى خلال فترة الاحداث.
صياغة علاقات اجتماعية خاصة بالاحداث، وارتباطها بأطر اجتماعية شاركت بشكل وثيق ورئيس باحداث الاقتتال ينتشر على مساحات متنوعة ولكنها مترابطة، فمن ناحية اجتماعية ينتمي القتلى والجرحى الذين سقطوا إلى عائلات وعشائر بالغالب ليست مصبوغة كلياً بصبغة حزبية، وبالتالي فإن اتفاق حماس وفتح سياسياً، لم ولن ينهي هذه النقطة التي ستنتقل من صيغة فصائلية الى صيغة عائلية، وتتحول الى مجموعة متشابكة من علاقات الخصومة والترصد بين العائلات أنفسها. هذا الخصام غير الظاهر حالياً سيبقى كامناً خلف ستار من التجاذب الخفي مما سيوتر قطاع غزة لفترة من الزمن حتى يمكن استعادة الضبط الاجتماعي والتناغم بين العائلات وحصر مجال تأثير الثأر ليصل إلى حدوده الدنيا. وهذا بحاجة الى عمل مكثف سياسي وفكري ينصب على إزالة العوالق، وبشكل منظم من مؤسسات السلطة.

انتقالاً الى المجال السياسي المرتبط بهذا الاتجاه نرى تراجعاً في جوهر الانتماء الوطني الفلسطيني، وتمحوراًَ حول أيدولوجية سياسية حزبية ضيقة استطاعت تجييش طاقات بشرية، وتجهيزها فكرياً في مواجهة الأخر، مما أنعكس في صورة انتماء سياسي ضيق الأفق لا يأخذ بالحسبان المعاني الأوسع للهوية والانتماء الفلسطيني، وعليه تجسد الوطن في صورة حزب أو شخص يحمل راية هذا الحزب، دون النظر بشكل أعمق في الهوية الوطنية الفلسطينية التي تشكلت نتيجة وجود حركة تحرر وطني شاملة أحتوت كافة الاطراف الفاعلة في جوقة لا تخلو من تناقض، وأن كانت بذات الوقت لا تخلو من تناغم. التجييش الفكري والسياسي الذي حصل كسبب ونتيجة في آن واحد لهذا الاقتتال يجب عكس تأثيره، عبر انشاء آليات داخلية لكل حزب يتمثل من خلالها الصورة الأوضح للوطن والهوية.
المجال الاقتصادي لم يخل من تأثر بهذه الاحداث ضمن الاتجاه الأول الذي تحدثت عنه، عبر ترسيخ وجود "جماعة" ذات مصلحة باستمرار الاقتتال، وذلك بتحويل هذا الاقتتال الى منفعة مالية مباشرة أو الى منافع رمزية أخرى، يبرز بينهم تجار السلاح، وغيرهم من الذين استفادوا. هذه البنية التي تركبت بفعل الاوضاع لا يمكن تجاوزها سريعاً ضمن وصف ملامح المجتمع الفلسطيني الجديد، وبالتالي لا بد من العمل على تفكيكها نهائياً لمنع تطور "الجماعة" الى قوة منظمة ذات علاقات متشعبة لها مصلحة مباشرة باستمرار الفلتان الأمني والاقتتال.
ولا يخلو هذا الاتجاه في محاولة لحصر ملامحه من تداخل عضوي لا يمكن عزله آلياً، وبالتالي توفر العلاقات المتشابكة بين أحد أو أكثر من هذه المجالات توفر مجالاً معقداً أكثر للتدخل في محاولة لاعادة الضبط الوطني للمجتمع.

عمل الاتجاه الثاني بشكل عكسي للاتجاه الأول، ويمكن تبيان ملامحه من خلال أحداث متفرقة، الحدث الأول يدل على مدى قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود بمواجهة الظروف الصعبة سواء كانت سياسية واقتصادية أو داخلية، بل وقدرته المتجددة على الانتعاش والعودة الى الطريق الذي رسمه لذاته، فنراه متجدداً خلال أحداث الحفريات في ساحات المسجد الأقصى التي أثارت الجماهير، ودفعتها لمشاركة أيجابية وفاعلة في التصدي للحفريات، مما يؤشر الى قدرة عالية على الفعل السياسي في ظل الأزمات الداخلية التي عانى منها المجتمع مضافاً اليها الاحتلال والجرائم التي يرتكبها.

هذه القدرة الخاصة للمجتمع الفلسطيني تستغل أحياناً، بل وتوجه نحو أفعال جانبية، يجب النظر اليها من زاوية النقد الذاتي، فنرى تظاهرات مختلفة انطلقت مرددة شعارات تاريخية غير مرتبطة بالواقع، ولا مؤطرة بفهم واضح لهذا الواقع، من حيث أستعارة مخزون تاريخي، ووضعه في قالب حديث من أجل الاجابة على أسئلة تقتضي استخدام وسائل وأدوات أكثر حداثية، وبالتالي تحويل جزء مهم من طاقة الفعل الايجابي، الى طاقة مكرسة ومستهلكة لا تفيد تحقيق تحرر وطني لشعب يسعى لذلك، في معنى عبثي لن يتجسد بأكثر من انتصارات وهمية لتحقيق تاريخ يجب النظر اليه كعبرة وتجربة لا كمستقبل منتظر.

ضمن رسم الصورة الحالية للمجتمع الفلسطيني تبقى استعادة أجزاء وقطاعات مهمة من المجتمع لم تشارك أطلاقاً في الاحداث الأخيرة لا سلباً أو أيجاباً بل بقيت في حياد وسكون عالٍ نتيجة ظروف مختلفة، منها شق شعبي ومنها شق متمثل في مؤسسات. سكون هذه الاجزاء طاقة فعل مهمة رصيداً مهملاً يجب استغلاله والعمل على تأطيره مجتمعياً لذا وضمن الدعوة لاعادة توجيه الطاقة الكامنة في المجتمع الفلسطيني يجب استثارة هذا الجزء، والعمل باتجاه تحريكه.

لتحريك هذا الجزء يجب توجيه برنامج اجتماعي – سياسي قادر على تلبية متطلبات هذا الجزء، بحيث يجيب على أسئلة مختلفة بشكل مقنع، يحمل أفكاراً تقدمية تشكل حلولاً للمشكلات الآنية، ويستطيع بذات الوقت قولبة هذا الجزء في صورة تيار يستطيع مضاعفة طاقته عبر وجوده كقوة منظمة قادرة على الحركة في شتى المجالات، وبناء المجتمع الفلسطيني الحديث.
تعني الحداثة هنا وجود مجتمع فلسطيني بامكانيات ذاتية قوية، ويحمل برنامجاً يلائم الواقع المتغير والمعقد، وقادر على الاجابة وفك طلاسم المرحلة المقبلة، وبذات الوقت توفير الدعم المناسب له وفق أجندة هذا المجتمع لا وفق اجندة غيره. هذا التيار يستطيع أن يكون حكماً مهماً ورئيساً في حالة ظهور أي خلاف سياسي داخلي أو ما شابه، بحيث يستطيع تشكيل صمام الامان المجتمعي من الانحراف نحو هاوية الاقتتال الداخلي، بل وتشكيل جزء مهم في تحقيق السلم الأهلي المنشود.

تتكامل الأضداد فتصبح ثلاثاً متوازنة وقوية ومتكاملة تشكل دعامات المجتمع الفلسطيني القوي، فلا يستطيع قطب أن يطيح بهذا التوازن، لأنه توازن قوي وليس هشاً، بالاضافة الى أن تكامل الاضداد يفرض حراكاً اجتماعياً سريعاً داخل المجتمع الفلسطيني يتيح تفريغ الطاقة الكامنة في الفعل المجتمعي باتجاهات البناء والتنمية لا التدمير والاقتتال، من هذا المنطلق يصبح مطلوباً ايجاد هذا التوازن من أجل مصلحة المجتمع أولاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟