الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في زمن صعب

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2003 / 8 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


تعتبر الطائفة الشيعية من أشد الطوائف استعدادا لمعارضة أنظمة الحكم المستبدة، وتاريخيا تعد صاحبة موقف سياسي سلب المشروعية من أي نظام لا يتصف بالعدالة، لقد قدم الشيعة تاريخا مليئا بصور المقاومة والتحدي ومعاداة الاستبداد بكل صوره وأحجامه، فازدحم تاريخهم بأسماء الاف الضحايا والشهداء، وربما تكون هذه احدى الدوائر التي ظلت مفتوحة ضد الشيعة، فدائما هناك من يشكك في حجم ولائهم لأي نظام قائم، وثمة اطروحات اليوم تحاول معالجة «اشكالية السلطة في الفقه الشيعي» للخروج من الانغلاق الذي عاشه الانسان الشيعي لفترات تاريخية طويلة، تحثه على الاندماج في الاجماع الوطني، والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع المدني، والغاء العنف، والتبشير بثقافة السلم الاجتماعي.


ويجتهد علماء الشيعة ونخبهم المثقفة لمعالجة الوضع السابق لخلق المزيد من الانسجام مع الثوابت الدينية دون اغفال لمتغيرات العصر، وهذا لا يدعوني لاضفاء قداسة من أي نوع لهذه الاجتهادات وهي تعاني كغيرها من النظريات من ثغرات وموارد قصور، لكني أحسب انها تعد خطورة رائدة في مجالها، والمتتبع للحركة الفكرية في ايران سوف يلاحظ هذا المنحى بوضوح، ونأمل ان تساهم التغييرات القادمة في العراق على احداث نقلة نوعية ومساهمة المراكز الحساسة والأكثر أهمية في العالم الشيعي مثل النجف وكربلاء في رفد هذه المسيرة، ولعل علماء الشيعة هناك ينتظرون اللحظة التي يساهمون فيها مع شركائهم في المناطق المجاورة بتشكيل هذه الحركة الفكرية.


فلا يوجد بينهم من يرغب ببقاء النظام العراقي، لكنهم يقولون اننا لن نتمكن من القفز على الحقائق والوقائع المتتالية، فالشيعة رحبوا باسقاط النظام العراقي عام 1991 وعملوا من اجل ذلك بكل امكاناتهم البسيطة وتحت غطاء دولي تقوده الولايات المتحدة، لكنهم فوجئوا بكشف الغطاء عن المنتفصين وتقديمهم هدية للنظام الذي لم يتوان عن الفتك بهم واسقاط 300 الف ضحية من بينهم، هكذا ببساطة ازهقت أرواح الشيعة، وان كانت الحرية تستحق ذلك في نظر البعض فانها تثير الكثير من المخاوف المفهومة عند البعض الآخر.


لذا يبقى مبررا لهم التشكيك في أهداف وغايات الولايات المتحدة، ومن الطبيعي ان تتحفظ بعض فصائل المعارضة في التعامل معها، وبكلمة اخرى اعتقد ان الولايات المتحدة فشلت حقا في اقناع الاخرين بمشروعية تحركها، ومارست الأمر على نحو كبير من الاستعلاء الذي قد يكون لائقا بها كقوة عالمية ولكنه لم يجتذب اصحاب الشأن الذين يرون انهم الأحق في احداث التغيير وتحديد مساراته.


نعم، لقد تعاملت الولايات المتحدة في هذه الازمة كدولة قوية ولكنها لم تستطع ان تقنع الكثيرين بانها دولة حكيمة، وانعكس ذلك في تضارب التصريحات الأمريكية بشأن تعيين حاكم عسكري أمريكي، ومطالبة السلطة القادمة الاعتراف بالكيان الصهيوني كشرط لدعم حكومة عراق المستقبل، وهي تصريحات لم تسبب توقف بعض علماء الشيعة موقف المتشكك من النوايا الأمريكية فحسب وانما كانت سببا في قلق أقرب حلفاء الولايات المتحدة ومن أبرزهم رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي أوضحه في مقاله الشهير «العراق للعراقيين.. بعد الهجوم اتركوا لنا اقامة الديموقراطية» كما أدت لاحجام أهل الجنوب حتى وقت كتابة هذا المقال عن الانتفاضة ضد النظام خوفا من تكرار التجربة السابقة، وتشكيكا في وعود الادارة الأمريكية، رغم اننا على يقين انهم يأملون الخلاص من الطاغية بأسرع وقت ممكن ويعدونها لحظة ميلادهم الجديدة.


ان اي قوة تتفهم وضع الآخرين، وتحاول جاهدة ارساء منهج العدالة لن تكون منبوذة من علماء أي طائفة من الطوائف في العراق بكل تأكيد، والجميع بلا استثناء سيرحب بلحظة رحيل النظام البعثي، لكنهم في ذات الوقت لن يقبلوا بأقل من «الحرية الكاملة» وهو أقل ما يستحقونه بعد قافلة الشهداء التي قدموها طوال السنوات الماضية، واعتقد ان اكثر التصريحات تطمح لعدم تحول المشروع الوطني لتحرير العراق الى شرعنة سيطرة القوة القادمة من الخارج وغياب استقلالية القرار، وعندها سوف تدخل في مأساة جديدة قد لا يتحملها أحد.


ببساطة أقنعوا الشعب العراقي بما فيهم شيعة العراق بأنكم دعاة تحرير لا دعاة تدمير وحينها سيقف الجميع معكم، اما المشاريع المرتبكة والتعابير الغامضة فهي لن تجتذب أحدا الا من باب التجربة، ورجل الدين الشيعي اقرب الى الهدوء وبعيد عن فكرة المغامرة.

* كاتب كويتي

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات