الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب الاشتراكي الموحد: قراءة في تجربة التأسيس والمسار

عزيز الهلالي

2007 / 2 / 23
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


لم يكن المؤتمر التأسيسي لليسار الاشتراكي الموحد 13-14-15 يوليوز 2002 سوى تتويج لمسار وحدة أربعة مكونات، طبعها سياق مكثف من النقاش الاديولوجي استغرق سنتين. أما الحلقة الثانية من سلسلة الوحدة بين اليسار الاشتراكي الموحد و جمعية الوفاء للديمقراطية حسم رهانها المؤتمر الاستثنائي 23-24 شتنبر 2005 والذي لم يكن سوى مؤتمرا تنظيميا بامتياز. الآن، ونحن على مشارف عقد المؤتمر الثاني لحزب الاشتراكي الموحد والمقرر تنظيمه في مطلع السنة الجديدة 16-17-18- فبراير- 2007، تكون الحصيلة الزمنية من تجربة التأسيس والمسار استنفدت من مخزونها أربعة سنوات تقريبا. فهل هذه المساحة الزمنية من الأداء السياسي والتنظيمي تسمح بتقييم الحصيلة؟ أليس من الإجحاف أن نلتف على تجربة فتية اعترضتها عوائق ذاتية وموضوعية نستعجل تقييم مضامينها في إطار زمني قصير؟ لكن، ما معنى دمج خمس تيارات تمتلك من الشرعية النظرية والتنظيمية ما يؤهلها لأن تولد عظيمة وتتطور في سياق المراكمة والإنجاز إلى الأعظم؟ أليست لحظة تشتت اليسار هي لحظة استجماع قوته لينتفض من رماده كطائر الفنيق؟ وبمنطق بيداغوجي صرف، أليس التقييم بمعايير المصادقة من التمكن أو استدراك الأخطاء والهفوات عتبة أساسية لاكتساب تعلمات جديدة؟

الوحدة في محك اليسار

مفهوم الوحدة في الفهم اليساري معطى ثابت وخيار استراتيجي. لعلها قاعدة مبدئية تعود أصولها إلى 1973 لكن، تفعيل هذه القاعدة للمرور إلى مرحلة الإنجاز اعترضتها – حسب مصطفى بوعزيز- مشكلتين أساسيتين:
- الأولى تهم المنظومة الاديولوجية التي تعرقل كل محاولة التوحيد.
- الثانية تتمثل في نزوع الهيمنة لدى بعض سياسي اليسار.(Le journal heb.No 27/2001).
السؤال الآن: هل استطاعت أربعة تنظيمات – بعد انسحاب النهج الديمقراطي- أن تتجاوز عوائق الوحدة وإخفاقات الماضي؟
في الحقيقة، تواجهنا تصريحات إعلامية متباينة بخصوص النظر إلى مسألة الوحدة، بعضها يختصر اللغة والمسافة معتبرا أن نقاش الوحدة كان" بطيئا ولم يتفاعل بالقدر الكافي مع السرعة التي كانت تفترضها الممارسة السياسية في مجال يكاد يكون بكرا في احتلال المواقع ربما نافدة".( العمل الديمقراطي العدد72/2002). المقصود من نص عبد القادر الشاوي أن الوحدة تستلزم التقاط إشارات العهد الجديد للاندراج السياسي في مجال يراه بكرا وحيويا، الأمر الذي يفرض استجابة سريعة من طرف اليسار. بمعنى أن تركيبة الوحدة لم تنسجم إيقاعاتها مع الظرفية السياسية.
أما التدبير الزمني للوحدة في أبعادها التنظيمية والتقنية، فهي تستجيب لمنحى يلائم السياق العام وما خلفه من تراكمات بدأت – حسب محمد المجاهد المنسق الوطني لحركة المستقلين الديمقراطيين سابقا- من سنة وشهرين من حيث الخطوات العملية، وأن المسار الحالي للمكونات الأربعة هو استمرار لمسارات أخرى منذ بداية التسعينيات...المسار الحالي يتوج المسارات السابقة وهو الممكن على أرض الواقع".(العمل الديمقراطي العدد/ماي 2002 ).
ولقياس حرارة الحماس المبدئي لإشكالية الوحدة، فإن ذ. إبراهيم ياسين يعتبر مبادرة الوحدة بمثابة تحالف موجه ضد أعداء الديمقراطية. ( Journal heb.109/2003 Le)... هذه التخريجات الإعلامية المتفائلة لم تستطيع إخماد أصوات هوامش اليسار التي تنتقد أشكال تدبير الوحدة، إذ بقدر ما ظل الإصرار يخامر اليساريون لإنجاز وحدة مثقلة برهانات وتحديات، بقدر ما ظلت هذه الوحدة المأمولة محط تجاذب وصراع وخلاف، مما أدى إلى موجة من الغضب تبعتها سلسلة من الانسحابات لتنتهي باستقالات. إذن، ما حقيقة دمج أربعة مكونات على أعتاب ردود فعل غاضبة؟
لقد شكلت الندوة الوطنية لليسار الاشتراكي الموحد15 يوليوز2001 مناسبة لاختبار سلامة آليات تدبير الاختلاف للمكونات اليسارية، لكن المسكوت عنه الذي كان راقدا داخل ثنايا الخطابات الفرحة سرعان ما تفجر، فلحظة المصادقة على البيان الختامي هي نفسها لحظة الجرح الذي انغرزفي ملفات ظلت عالقة، الأمر يهم " المؤسسة الملكية"، "مسألة الصحراء"، "الانتخابات"، "الجهوية"، "الأمازيغية"... والذي يعني أن المنظومة الفكرية لليسار إزاء قضايا أساسية قد تعرضت للمراجعة من زاوية ملاءمتها مع تغيرات محلية وعالمية، وقد ظلت لدى البعض تراوح مكانها لقناعة حاملها بجدة مضامينها وتاريخيتها. وبينهما امتدت المسافة وتعمقت الفجوة حول قيام تصور سياسي – حسب محمد بولعيش عضو المجلس الوطني للحركة من أجل الديمقراطية سابقا- واضح يزيل الالتباسات ويحدد الموقف من القضايا العامة ويرسم صورة المجتمع الذي نروم بناؤه. ( جريدة المستقل مارس 2001).
هل إشكالية الوحدة تقبع في تطابقها، أليس من المنطق النظر إلى الوحدة كمفهوم من زاوية التعدد لاستنكاه أبعادها الحقيقية، بدل اختزالها في صيغة الواحد المفرد؟
قد يكتسي هذا السؤال شرعيته لو نظرنا إلى المستوى الأول من تدبير الوحدة والذي انتصب كعائق أمام اليسار، الأمر يتعلق بالمسالك النظرية المعقدة والتي طبعتها الهواجس الاديولوجية. أما إذا استحضرنا الزمن الانتخابي فإن السؤال يفقد على التو شرعيته وتبدو صورة الوحدة تتجاذبها إكراهات ساهمت في إفراز وحدة مأزومة، إذ ماذا يعني أن مواقع(22 موقعا) لحركة الديمقراطيين المستقلين خلصت في إطار مناقشات داخلية إلى قناعة تقول لا! للمشاركة، حدث أن تم الإجهاز بأقلية نافدة على القرار؟ ثم إن المسافة الزمنية من المؤتمر التأسيسي إلى الدخول في المشاركة الانتخابية لم تزد عن ثلاثة أشهر، ناهيك عن عدم استكمال بناء الأجهزة التنظيمية للحزب...هل نفهم أن الاستحقاقات كانت بمثابة المصادرة على المطلوب تحت ذريعة الوحدة؟أليس تسييج الحزب داخل دائرة الانتخابات إشارة لانتعاش خطاب المرجئة لقضايا ظلت عالقة على أعتاب الوحدة؟ لكن، ألم تكن لحظة الانتخابات مناسبة ممتازة للاندراج في المجال السياسي – بلغة ذ. الشاوي- الذي يفضي إلى استجابة ظرفية وسريعة؟
إن المعالجة النظرية لهذه الأسئلة تبدو باهتة في غياب استحضار إحصائيات تخص نتائج الانتخابات، تضع الوحدة في أول محك لها داخل المشهد السياسي. فعلى مستوى نتائج الانتخابات التشريعية يفقد الحزب مقعدا واحدا (3 مقاعد فقط). أما نتائج المشاركة في الانتخابات الجماعية فنسبة المقاعد المحصل عليها 303 بنسبة 1,32% ، أما نسبة التغطية في المقاطعات فهي39%. بمعنى أن الحالة الصحية انتخابيا للحزب ظلت مستقرة.
بحس نقدي ينم عن عمق النظر في استشراف الأفق يعتبر ذ. الشاوي أن الوحدة تأتي في مرحلة مطبوعة بالزمن الانتخابي..وبناءا عليه، فإن كل فاعل سياسي يساري سوف ينظر إلى هذا الزمن الانتخابي من منظوره الخاص، وهنا لا أخفيكم أن المصلحة الحقيقية لمنظمة العمل مثلا، ستبدو أكثر وضوحا من مصلحة باقي الأطراف الأخرى، التي ليس لها ولم تكن لها تجربة انتخابية حقيقية( العمل الديمقراطي العدد72/2002).
بموجب هذا النص سيطفح على السطح امتعاض شديد أجمع حاملوه على أن العملية الانتخابية تم تدبيرها بشكل خاطئ، كانت التصريحات أشد نقدا ذاتيا ومرارة جاءت على لسان قادة منظمة العمل، فهزالة النتائج- كما تشير حورية شريف وكيلة اللائحة الوطنية للحزب- لم ترق لطموحاتنا، لأن الهدف الذي رسمنا لأنفسنا هو الوصول إلى الفريق البرلماني.(جريدة الأيام العدد55/2002). لكن، في غياب خريطة طريق للوصول إلى فريق برلماني مداخله الأساسية جهاز تنظيمي نسائي وبنية حزبية متماسكة، هل ثمة ضمانات ما تختزل الجهد النضالي والعملي لربح المعركة؟ أيكون الرهان على رمزية عناصر تمتلك من الشرعية والرصيد النضالي ما يؤهلها لخوض المعركة الانتخابية بأقل إمكانيات ممكنة؟
عن هذا السؤال يقول مصطفى مفتاح عضو المكتب السياسي لليسار الاشتراكي الموحد وأحد مهندسي الوحدة" كنا نعتقد أن ماضي التضحيات ومصداقية الأشخاص ونظافتهم كافية، لكن تبين بالملموس أن هذا غير كاف، فيجب خوض الصراع من أجل مشروعنا المجتمعي وتوضيحه مع المواطنين ليظهر أنه قابل للتحقيق مستقبلا".( جريدة الصحيفة العدد128/2003).
إن الوضع ما بعد الانتخابات عاد إلى ما يشبه سلخ الجلد، بحيث انهارت جبهة التفاؤل على أرضية صادمة لكل التوقعات الموغلة في استثمار ثمن الوحدة لابع مكونات. لعل التركيبة التاريخية لهذا السياق الوحدوي لم يترك وراءه سوى جزء من اختلافه، كانت أكثرها حدة الدعوة إلى تقديم استقالة جماعية للجنة المركزية. ففي مقال له بجريدة (La vérité No 107/2003) طلب- محسن عيوش عضو المكتب السياسي لحزب ي.ش.م. سابقا- أن يتحمل المكتب السياسي كامل المسؤولية إزاء النتائج المهولة المحصل عليها إبان الاستحقاقات 27/شتنبر/2002. وعليه- أي المكتب السياسي- أن يقدم استقالته للجنة المركزية، بعدها يفتح حوار سياسي موسع بأدوات تحليلية مدققة تروم إعادة بناء المكتب السياسي وتهيئ شروط أفضل للمرحلة المقبلة.
أنفهم من خطاب محسن عيوش أحد مدافعي وراكبي قطار الوحدة، أن تركيبة الوحدة بمجملها تقتضي إعادة النظر في بنائها ؟ أليست النتائج المهولة للانتخابات سوى النقطة التي أفاضت الكأس؟ أيعقل أن نتعقب قطائع في مسار الوحدة داخل سياق كل عناصره متداخلة ومتشابكة على رقعة زمنية قصيرة؟
يبدو من الصعب عزل مراحل بشكل جزئي عن السياق العام للوحدة لقراءة مدلولاتها، فعناصر الاحتقان منصهرة بفعل إكراهات الزمن والاديولوجيا، الأمر الذي يقتضي استحضار مستويات في المراجعة من أجل وضع قطار الوحدة على سكته. ثمة تصريحات إعلامية لامست عمق الأزمة وساهمت بتشخيص أعراضها بما يضمن الانسجام السياسي والتناغم التنظيمي والقوة المجتمعية. ولقد جمع عناصرها محسن عيوش في المبدأ العام( التصور المجتمعي )، والسياسي( البرامج السياسية)، ثم التنظيمي ( أجرأة الوحدة والاندماج).
كل هذه المستويات من التقويم لمسألة وحدة مأزومة، تنصهر في وحدة موضوعية تضعنا أمام إشكالية مركزية: " الحزب الاشتراكي الموحد وإشكالية الوحدة والتحديث". ومن داخل هذه الإشكالية سنقتفي آثار المسار محاولين رصد جدة المعنى لوحدة تبحث عن مرفأ ترسو فيه من شدة الإعصار.أما وأن الرحلة استؤنفت على إيقاع تجاوز إيجابي لتجربة جديرة بالنقد، فما هي الحصيلة إذن؟

الطبعة الثانية للوحدة

نظم الحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره السادس -29-30-31-مارس2001 وسط دائرة من التوترات ساهمت في تحلله، بحيث لم يتمكن، وبعد12 سنة من تعطيل أجهزته، أن يجدد قطع آليته لتستوعب اختلافه، فكان أن طرح خارج الإجماع معارضيه، وفي محاولة منه لتصريف أزمته الداخلية رفع شعار "أرض الله واسعة"، وهو ما أحدث شرخا عميقا في بنيته. هل يمكن أن نقدر، أن أخطاء وتهافت القيادة الحزبية للاتحاد ش.ق.ش. عملت بشكل غير مباشر لصالح ي.ش.م. فلم يتباطأ هذا الأخير في كسب ورقتين: الأولى تعزيز مشروع الوحدة الاندماجية على أرضية نقد- تجاوز. والثانية تعزيز المحيط اليساري عبر صيغ التجميع، التحالف، الائتلاف..؟
الوحدة في صيغتها الثانية محكومة بسياقين: سياق يسعى إلى طرح اختلافه خارج بنيته بآلية تدبيرية في تنافي مع الديمقراطية الداخلية. وسياق مثقل بعوائقه يبحث عن مخارج لأزمته عبر آلية تعمل على إدماج اختلافها. وإذا كان السياق الأول لا يعنينا في هذا العمل، لكنه حاضر في نسيجه من خلال الاحتقان كنقطة مشتركة في انطلاق أشغال الوحدة الاندماجية بين اليسار الاشتراكي الموحد وجمعية الوفاء للديمقراطية. فما هي المخارج العملية والنظرية لولادة وحدة اندماجية متجاوزة لجراحاتها وانكساراتها؟
على إثر اجتماع عقد يوم 28/فبراير/2004 أصدر المكتب السياسي لليسار ش.م. وهيأة التسيير الوطني لجمعية و.د. بلاغا مشتركا جاء فيه:
- تطابق موقفهما بخصوص الوضع السياسي وتبنيهما معا لذات التقييم السياسي لطبيعة المرحلة السياسية الراهنة وما تطرحه من تحديات.
- انخراطهما في مسلسل يروم الإنجاز التاريخي على مراحل لمهمة بناء وضعية الحزب الاشتراكي الموحد.
نقرأ من خلال هذا البلاغ خطة جديدة في تدبير وحدة متشبعة بدروس، فما هي عناوينها:
مرحلة التقييم: بسبب الاحتقانات الكامنة داخل أجهزة ي.ش.م.و إ.ش.ق.ش. يبقى التقييم لحظة أساسية لرصد الهفوات والأخطاء وهو تجاوز إيجابي من أجل تجربة نوعية في المشهد السياسي الحزبي. والوحدة التي انبثقت من إعصارين تبحث عن أشكال الاحتماء داخل الاستمرارية، بما يضمن الحداثة والديمقراطية.
نظرية المراحل: والتي تقتضي إعادة ترتيب الزمن وفق مسار يلائم نضج شروط الوحدة، والتيارين معا باشرا سلسلة من المبادرات المشتركة تدخل في إطار التفاعل ومد الجسور، وفي نفس الآن اختبار تجربة في المحك الميداني من خلال خلق لجان محلية مشتركة على مستوى الفروع ومطالبتها بإنجاز تقارير- حسب بلاغ المجلس الوطني لجمعية الوفاء- عن سير العمل الوحدوي اليساري والامكانات المتاحة لتسريعه وطبيعة المشاكل والصعوبات التي قد تعترضه من أجل وضع خطط وطنية لمعالجتها بالتعاون مع الأطراف المعنية.
وفي اجتماع عقد يوم 14 ماس 2004 بالدار البيضاء بين سكرتاريتي اللجنتين خلص بلاغها إلى" التحضير المشترك لثلاثة ندوات وتشكيل تنسيقية مشتركة بهذا الصدد". يبدو أن تطبيق منطق التدرج يضع الوحدة في منأى عن كل هزات داخلية.
التكامل النظري: لقد أشرنا في مقال لنا بجريدة" اليسار الموحد" (العدد14-15/2005)، " أن المتأمل للنصوص السياسية والتنظيمية لي.ش.م.و ج.و.د يقف عند مستويات تجمع عناصر التماهي على مستوى المواقف، ثم ينحدر التماهي ليقع في مستوى الاختلاف وتتسع معالمه ليؤسس بؤرا جديدة في البناء والتشكل، وأحيانا أخرى يحدث تناوب بين متن موجز في الإشارة وهامش مسهب في الإيضاح، يحدث ذلك في إطار نظرية الاجتهاد التي تعكس انتقالا للفكر اليساري".
إن المتتبع للحياة السياسية- يقول ذ. الساسي- يرى عدة نقاط التقاء بين الوفاء للديمقراطية وبين اليسار الاشتراكي الموحد...صحيح ظهرت عدة تقاطعات وفتحنا ورشة تشاور وحوار والبحث بين مؤتمريها...وأعطينا لأنفسنا مهلة سنة للتريث، لأن مثل هذه العملية لابد أن تكون محاطة بأكبر قدر من التحضير الجيد ومن النقاش الهادئ وبإشراك القواعد. وفي هذه المدة، سنخوض تمرينا ديمقراطيا داخليا، أي أننا سنفتح المجال لكافة مناضلينا لنقاش العلاقة بين الوفاء واليسار.( جريدة الصباح العدد1292/2004).
هذه المراحل الثلاثة في تفاعلها ساهمت بشكل إيجابي في وحدة سلسة، بحيث انتشلت كل العوائق التي من شأنها إحداث هزات داخل البنيتين السياسيتين، وخاصة أثناء المؤتمر الاندماجي 23-24شتنبر2005، قد نسجل لحظة عصبية ميزت أشغال المؤتمر، الأمر يتعلق بتسمية الحزب. لكن، يمكن أن نقدر بكثير من الاستحسان مدى ممارسة الطرفين جدلية الإصغاء المتبادل. وعموما، تغيير تسمية الحزب أو الحفاظ عليها مسألة مرتبطة بالهاجس النفسي أكثر من أي شيء آخر.

الأمـــــــــــــــــــــــــــل

عهدنا شعارات قوية تميز مؤتمرات أحزاب، تطبعها عناوين كبرى ونفحة حماسية شديدة، وشعار المؤتمر مفكر فيه بعمق، لكونه يلعب دور الرادع لشحنات نفسية حادة. كان بود ي.ش.م.و ج.و.د. أن يشهرا أوراقا وازنة- كشعار- تميز مرجعيتهم، فلماذا كان الإصرار على تأثيث أشغال المؤتمر وما بعده بكلمة: الأمل؟ ، هل الأمل مجرد إحساس نفسي أم تقديرات سياسية محسوبة؟ ثم هل نلمس تباشير هذا الأمل من خلال أداء الحزب وإنجازاته؟
الأمل كما يفهمه- ذ. محمد الساسي- يتمثل في محاولة بناء مشروع حزب من نمط جديد..الذي لم يعرفه المغرب بعد، فالمغرب عرف تنظيمات حزبية متفرقة عن ثقافة الحركة الوطنية وأخرى متفرقة عن الثقافة الماركسية المتسمة بتبيئة معايير وآليات اشتغالها وعملها. إذن هناك اليوم محاولة لبناء حزب سيستفيد مما تراكم على صعيد الحركة الاتحادية من جهة، وعلى صعيد الحركة الماركسية من جهة أخرى، حزب بآليات عمل جديدة متفتحة تراعي متطلبات القرن وطموحات الأجيال الشابة.( جريدة الأسبوعية العدد 56/2005).
الأمل معقود من خلال منطوق النص على نبذ الاستنساخ الحزبي وبناء معمار منظومة حزبية على بؤرة جديدة تتميز معالمها داخل المشهد السياسي باستنهاض الرغبة والمصداقية للمؤسسة الحزبية وضرب حس الرفض لفئة عريضة من المواطنين والشباب، تلك كانت نغمة أوقعت مفعولها على المتتبعين لبرنامج "حوار" يوم الثلاثاء 19 / دجنبر/2006. بحيث نجح ذ.محمد الساسي في تحريك تساؤلات تهم المجال السياسي من حيث إمكانية انبعاثه من جديد قصد تأدية وظيفته ورسالته.
دعونا الآن، ننظر إلى بنية الحزب لنرى إلى أي حد تستجيب حمولتها لخطاب الأمل. أم أن ما جاء في برنامج "حوار" مجرد حماسة مألوفة لدى الساسة تشتد وطأتها في مراحل معينة؟
لقد أعلن ذ.محمد الساسي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي عن مشروع ورقة ستعرض على أنظار المؤتمرين للتداول في شأنها، الأمر يتعلق بمدونة السلوك. و تهدف إلى تجفيف منابع الفساد بأبعاده الثلاثة: في علاقة الحزب بذاته، في علاقة الحزب بالدولة، في علاقة الحزب بالمواطن. إذن، مشروع الوحدة الاندماجية سينطلق على أرضية مواجهة لظواهر تشكل آفة على الملف الاجتماعي والاقتصادي.. مما خلق استجابة سريعة لأعضاء الحزب في فضح بؤر الفساد داخل الجهاز القضائي، تلك "كانت رسالة للتاريخ" موقعة من طرف محامين شباب بتطوان، مبادرة عملت على خللت بنية النص الدستوري لتتقاطع مع إحدى الرهانات الكبرى للحزب ألا وهي الإصلاحات الدستورية. هذا التناغم في الأهداف دفع المكتب السياسي للحزب إلى إصدار بيان في الموضوع جاء فيه:
- إن عددا من القضايا والفضائح التي شهدتها بلادنا في السنوات الأخيرة كشفت تورط عدد من المنتمين لجهاز القضاء في الفساد.
- يدعو إلى تنقية جهاز القضاء من كل مظاهر الفساد التي تعرقل قيامه بأدواره من أجل تحقيق العدالة.
كما أن الأرضية المعروضة على النقاش والتي تحمل عنوان النضال لتأسيس الانتقال الديمقراطي"، تدعو إلى إحداث مرصد وطني بشراكة بين الدولة وهيئات المجتمع المدني لجمع المعطيات ونشرها في التقارير دورية ترصد نتائج تطبيق الخطة الوطنية لمحاربة الفساد، كما تدعو كذلك إلى إحداث مركز قضائي مختص في محاربة الفساد له حق المبادرة في البحث والتقصي القضائي حول شبكات الفساد والتنسيق مع المرصد الوطني تمهيدا لفتح التحقيق والمتابعة اللازمة. إذن، إذا كان هذا هو المدخل لوحدة يراد لها أن تشكل إضافة نوعية، فما هي المداخل الأخرى؟
- الإصلاحات الدستورية: دأبت الأحزاب السياسية على استحضار المسألة الدستورية وتغييبها حسب سياق اللعبة وما تقتضيه من شروط الربح والخسارة، في المقابل يتفرد حزب ش.م بوضعه المسألة ضمن أولوياته النضالية بغض النظر عن الأوضاع المتحكمة في اللعبة، فالبرنامج المشترك في إطار التجمع اليسار الديمقراطي ، تم تفعيله وطنيا على مستوى الفروع كانت المسألة الدستورية قلبه النابض. نحن نضطر أحيانا إلى الخوض في التقابلات لنستوضح تباشير الأمل في جسم الحزب ش.م. وبهذه المناسبة نستحضر طابع السرية الذي يكتنف مذكرات أحزاب مرفوعة إلى الملك إزاء قضايا وطنية. في موضوع مسألة الصحراء، وهي بالمناسبة مذكرة موجهة إلى السلطات العليا، يربطها الحزب ش.م. بوثيقته المرجعية حول الإصلاحات الدستورية لتعرف مسالك نشرها إلى المنابر الإعلامية، والوثيقة أنجزها فريق حزبي وعرضت للمناقشة- بعد مصادقة المكتب السياسي- داخل دوائر حزبية وأخرى مختصة خارجية...ونسجل أن نص الوثيقة يحمل اجتهادا نوعيا في معالجة اختلالات الدستور، الأمر الذي يعني في منطوق الوثيقة لا انتقال ديمقراطي دون إصلاحات دستورية تنقلنا من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية مع تحديد واضح لسلطات الملك.
- مسألة التيارات: الحزب مؤسسة تخترقها أفكار وتصورات تشكل دينامية الحزب من زاوية ممارسة التدبير التنظيمي لهذا الزخم، وهو أسلوب يسعى إلى ترصيف القطع الديمقراطية الداخلية للحزب. وتجربة التيارات التي اعتمدها الحزب تجربة تميز حضوره في الساحة السياسية ليحافظ على وحدته داخل اختلافه. صحيح أنها مازالت تتحسس طريقها في البناء والنمو وتخترقها من حين لآخر انتكاسات ذاتية بسبب هشاشتها، لكنها تظل واعدة من حيث العطاء، والحزب بهذا المعنى يبني أمله بحذر شديد لإنجاح فرادة تجربته.
- المنهجية التشاركية: يستبدل الحزب، وفي إطار التحضير لمؤتمره الثاني- أسلوب اللجنة التحضيرية لقصور أدائها التنظيمي، بانتهاج المنهجية التي تروم المشاركة الفردية والجماعية والتيارات في بلورة أرضيات للتداول في صفوف المناضلين في كافة الفروع، إنه أسلوب في ممارسة نقاش مفتوح من أجل اختيار الأرضية المناسبة التي سيتبناها الحزب.
نسجل أن الوحدة في طبعتها الثانية كانت تسير بسرعتين، من جهة تبلور ضمانات نجاح وحدة اندماجية، ومن جهة أخرى تهيئ شروط إنجاز مشروع الحزب الاشتراكي الكبير. وهكذا يمكن القول، أن جدة الحزب على مستوى مؤسسته تتقاطع مع محيطه، بحيث على هامش العمل المشترك بين ي.ش.م. و ج.و.د. ثمة، أوراش مشتركة بين مكونات اليسار، ولقاء الدار البيضاء 25/ يناير/ 2004 يمثل لحظة نوعية في تاريخ تجميع اليسار بمختلف مكوناته، بحيث شكلت لجان محلية بين التنظيمات الخمس " لإنجاح البرنامج الوطني الإعدادي لإعلان التجمع". فانخرط التجمع في سلسلة معارك تهم قوانين الانتخابية والتي اعتبرها التجمع أسلوبا إقصائيا. ودعا الحزب ش.م بالمناسبة إلى تشكيل هيثة وطنية لإسقاط التدابير الإقصائية الانتخابية. المعركة وإلى جانب تشكيل الائتلاف الوطني ستمتد وتتسع أقطارها لتتمظهر احتجاجات ومسيرات بفعل شرارة الغضب التي ألهبت كل المواقع على الصعيد الوطني.

رهانات المستقبل

لاشك أن المؤتمر الوطني للحزب، يعد فضاء لتقويم الاعوجاج والخلل واقتراح بدائل تناسب حجم وتطلعات الحزب، والنقاش الدائر حول الأرضيات وعلى صفحات الجريدة والموقع الالكتروني.. مناسبة لرصد السلب في مسار الحزب. ويبدو أن الغموض الذي يكتنف بعض المواقف إزاء المسألة الدينية والتحالفات و المسألة الثقافية والمغاربية والمؤسسات المناهضة للعولمة ومسألة التيارات...تحتاج إلى كثير من التدقيق السياسي والفكري، وبما أن الوحدة مسار شديد التعقيد، فإن العودة إلى نقطة التأطير والتكوين والانفتاح على حقول التخصص وتشكيل فرق العمل...عناصر ضمان التحديث في إطار الاستمرارية. ونائب الأمين العام ذ.محمد الساسي وقد استتبت من حوله كل شروط لقيادة الحزب للمرحلة المقبلة، فهل سيوازن بين نظرية الأسفل والأعلى، بين تجربة اتحادية وماركسية، بين جيل النضج وجيل الشباب...نعتقد أن هذه الثنائيات لا تستهويه، لأنها وسائل فقط للتلاقح والتفاعل ومد الجسور، فالرجل عاشق بامتياز لتأسيس بؤر جديدة في التفكير السياسي، هنا بالضبط يرقد الأمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟