الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مجموعة ياسر مراد-شذرات من ذاكرة مفقودة-

أديب حسن محمد

2007 / 3 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعد الشاعر ياسر مراد من الجيل الجديد لشعراء الجزيرة السورية،وهو من القلائل الذين لم يستعجلوا النشر،ومن الذين واظبوا على تطوير أدواتهم قبل خوض غمار تجربة النشر،في باكورة أعماله الصادرة مؤخراً عن مطبعة اليازجي في دمشق بعنوان"شذرات من ذاكرة مفقودة"لا نصرف كبير جهد في اكتشاف الشاعرية الواضحة بين مفردات القصائد التي اتخذت في الغالب سمة القصر الشديد،أي أن غالبية كتابات المجموعة هي من نوع المقطوعة الشعرية اللماحة أو ما يطلق عليه اصطلاحاً:القصيدة الومضة.
غلاف المجموعة لوحة للفنان عبد الغفور حسين تظهر مسحة سريالية لوجه بشري ساهم تتخلله الصدوع ويطغى عليه اللون الأصفر لون الذبول والمرض،ولعل الشاعر أراد أن يقارب العنوان بهذا الغلاف،لكن مبعث المفاجأة أن قصائد المجموعة ذاتها تسير في اتجاه آخر غير اتجاه الغلاف الكئيب ففي الكثير من المقطوعات الشعرية هناك احتفاء بالحياة،بالحب والطبيعة والجمال،يقول مثلاً في ومضة معنونة بعاشق:
"صوفيُّ في مهجة
العشقِ أنا
وبحبها قلبي تبدّدْ.
............
يا رسول العشقِ
مدَدُ....مددُ
مدّدْ.".......ص37
لكن بالمقابل ثمة ظلال لفكر وجودي يضرب بجذوره في أعماق القصائد،فينبثق قلقُ طاغٍ يستولي على أحاسيس الشاعر،وتغدو القصيدة حينها نوعاً من تغليب الداخل الحدسي على الخارج الملموس،وبمعنى آخر فإن القصيدة تغدو منفذاً يطل الشاعر من خلاله على الغوامض التي لا يستطيع محاكاتها أو مقاربتها بغير حساسية الشعر وملكاته،يقول في ومضة عنوانها(عرّاف):
" على باب أحد العرّافين
بكيتُ
أهداني أغلى ما يملك
علبة تبغٍ
وصرخْ:
ها هنا...ها هنا
انتهيتُ"...........ص20
على أن هذا الاقتراب من قلق الوجود يصل بالشاعر أحياناً لملامسة الجو الصوفيّ الذي تتلبّس فيه كينونة الأشياء وتخرج من ألفتها ومن قالبها المعتاد،ورغم أن الومضة معدودة الكلمات إلا أن الشاعر يستطيع من خلالها تقديم حالة صوفية متكاملة بما يكتنفها من حشد لمفردات ترتبط بوشائج مميزة مع بعضها لتقديم الحالة المنشودة يقول في ومضة (أمير العشق):
"رأيتُ ابنَ الفارضِ
بائساً
على أحد الأرصفة
سألتهُ:
أمير العشقِ ما بالكْ؟
أجابتني تجلياته:
بالله عليكَ،لا تسلْ
فحاله من حالكْ....!".....ص38
وللطرافة حضور في ومضات الشاعر حتى ولو كانت من باب تقديم المفارقة المفجعة من خلال حالة من التوازي،يقوم من خلالها الشاعر بلعبة لغوية بارعة ترتفع معه الفكرة عن سياق الكلام المياوم العادي،يقول:
"قلتُ لها:
كلما ألقاك تكبر أحلامي
كأحلام الفقراءْ
قالت لي:
كلما ألقاك تذهبُ أحلامي
كواقعهم أدراج الهواءْ.".....ص45
فالتوازي والتقابل يكاد يكون تاماً في المقطعين المكونين لبنية القصيدة:قلتُ ـ قالت،تكبر أحلامي ـ تذهب أحلامي،حلم الفقراء ـ واقع الفقراء
والمفارقة هي في هذا التوازي الذي يحيل النص إلى صدمة النهاية الشعرية،ولا يتوقف مسعى الشاعر عند ما سبق من تقنيات النص الشعري فيتجاوزها إلى خلق مساحة تأمليّة بيضاء تحيط بالكلام وتحرض على التخيل،وهذا المسعى(أقصد التحريض على التخيل)هو أحد أهم وظائف الشعر وطموحاته،وأهم مزية من مزايا جودته وتفرده،وقد أحسن الشاعر في بعض ومضاته تحقيق هذه المعادلة الصعبة كما في هذه الومضة:
"اهتديتُ إليها
نجمةً من سحرِ الكلامْ
ذاتَ مساءٍ
هممتُ بأن أقطفها فكانَ
الظلامْ".....ص23
مجموعة"شذرات من ذاكرة مفقودة"في مجملها تعد بشاعر متمكن من أدواته،رغم بعض التباينات في السوية الفنية للقصائد الأمر الذي يبرره الإصدار الأول للشاعر،وكونه الشرارة الأولى في تجربته التي تعد بالكثير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شذرات من ذاكرة مفقودة
شعر
ياسر مراد
مطبعة اليازجي دمشق2005
64 صفحة من القطع الصغير
الغلاف للفنان عبد الغفور حسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاستثمار الخليجي في الكرة الأوروبية.. نجاح متفاوت رغم البذ


.. رعب في مدينة الفاشر السودانية مع اشتداد الاشتباكات




.. بعد تصريح روبرت كينيدي عن دودة -أكلت جزءًا- من دماغه وماتت..


.. طائرات تهبط فوق رؤوس المصطافين على شاطئ -ماهو- الكاريبي




.. لساعات العمل تأثير كبير على صحتك | #الصباح_مع_مها